Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهدنة مع إقليم تيغراي مهددة في غياب المساعدات الموعودة

الهدنة الإنسانية بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في خطر ما لم يُسمح للمساعدات بالوصول إلى الإقليم الشمالي الذي تمزقه الحرب

صورة من الأرشيف: مقاتل في القوات العفرية الخاصة يحمل بندقية قرب بيت متضرر في قرية بيسوبر في إقليم تيغراي، ديسمبر 2020 (أ.ف.ب عبر غيتي)

حين أعلنت الحكومة الإثيوبية الشهر الماضي "هدنة إنسانية" عاجلة في إطار حربها مع إقليم تيغراي الشمالي، أعادت الخطوة المفاجئة لبرهة الأمل بإحلال السلام بعد مضي أكثر من عام على المعارك الضارية.

انطلقت شرارة النزاع الأولى بين الحكومة الفدرالية وحكام المنطقة، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بعد أشهر من التوتر الذي تدهور فانقلب إلى أعمال عنف حين زُعم بأن القوات الموالية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هاجمت قاعدة عسكرية.

بعد مرور 18 شهراً على هذه الحادثة تقريباً، يُقدر عدد القتلى بعشرات الآلاف فيما وصل اقتصاد إثيوبيا إلى الحضيض بعدما كان مزدهراً. يتبادل الطرفان الاتهامات بارتكاب جرائم اغتصاب ومجازر مزعومة، فيما يتهم عمال الإغاثة في السر الحكومة باستخدام المساعدات سلاحاً لها.

 

نحو 90 في المئة من سكان إقليم تيغراي البالغ عددهم 5.5 مليون نسمة يعانون من أزمة جوع متفاقمة، وفقاً للأمم المتحدة، في حين تقول الولايات المتحدة بأن 700 ألف شخص باتوا على شفير المجاعة.

عُزلت المنطقة بالكامل عن باقي إثيوبيا منذ انسحبت القوات الفدرالية منها في يونيو (حزيران)، ولم تعد الخدمات المصرفية أو خطوط الاتصالات الهاتفية متوفرة.

أعلنت الحكومة الهدنة في 24 مارس (آذار) لأسباب إنسانية. وردت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بأنها سوف "توقف الأعمال العدائية" في حال بدأت المساعدات تتدفق إلى المنطقة المحاصرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد أربعة أسابيع من هذا التاريخ، لم يصل إلى تيغراي سوى أربع قوافل تحمل الغذاء والوقود- تضم نحو 80 شاحنة تقريباً- أي أقل بكثير من الـ 100 شاحنة التي تقول الأمم المتحدة إنها ضرورية بشكل يومي للحؤول دون وقوع سكانها في براثن المجاعة.

وقال دبلوماسي غربي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إن الحكومة تتوقع من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الانسحاب من الأراضي التي تحتلها في منطقة العفر المحاذية لإقليم تيغراي قبل السماح للمساعدات بالدخول بشكل كامل. وأضاف الدبلوماسي الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، "إن وصول أي مواكب إنسانية إلى تيغراي بشكل مستدام يتوقف كلياً على (الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي)".

لكن الانسحاب الجزئي من العفر الذي أعلنت عنه الجماعة المتمردة في وقت سابق من الشهر الجاري لم يفض إلى زيادة المساعدات التي تصل إلى تيغراي، الإقليم الذي شكل في عام 1984 بؤرة مجاعة راح ضحيتها زهاء مليون شخص، وألهمت بوب غيلدوف لتنظيم حفل باند آيد الموسيقي الخيري.

ونتيجةً لذلك، شكك بعض المتابعين في التزام الحكومة الهدنة، مشيرين إلى تزامُن الإعلان عنها مع طرح مشروع قانون أمام الكونغرس الأميركي من شأنه فرض العقوبات على الأطراف المتناحرة في شمال إثيوبيا.

 

وصف أحد عمال الإغاثة الغربيين المساعدات الشحيحة التي يُسمح بإدخالها إلى تيغراي في الوقت الراهن بأنها "حيلة دعائية" هدفها إبعاد طيف [سيف] العقوبات. وقال لصحيفة "اندبندنت"، "إنهم يسمحون بدخول كمية قليلة جداً من المساعدات، وهذا الأمر مفيد للعلاقات العامة خاصتهم، ولكنه ليس بذي أهمية تُذكر".

 تنفي حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد بشدة أي تلميح إلى قيامها بتقييد المساعدات. وقد حمّلت سابقاً الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مسؤولية عرقلة وصول المساعدات، متهمة الجماعة المتمردة بسرقة عشرات الشاحنات المستخدمة في نقل الأغذية ومصادرة البسكويت الغني بالطاقة لإطعام مقاتليها.

ومن جهتها، زعمت الجبهة بأن الحكومة تستخدم الهدنة كغطاء يسمح لها بالحفاظ على سيطرتها على تيغراي.

وقالت الجماعة في بيان أصدرته منذ فترة قصيرة "إذا تحول وقف الأعمال العدائية الذي توصل إليه الطرفان الآن … إلى مبادرة من جهة واحدة لا يمكنها فتح المجال أمام وصول المساعدات بحرية وبلا عراقيل إلى إقليم تيغراي، فإنه ما عاد مفيداً وأصبح تلقائياً بلا معنى".

في ظل تبادل التهم هذا بين الطرفين، يعتقد قلة فقط من المراقبين بأن الهدنة ستستمر. وقال أويت ويلدمايكل، الباحث الأكاديمي في جامعة كوينز في كندا إنه "يجب اعتبار وقف الأعمال العدائية خطوة واحدة فقط ضمن سلسلة خطوات ترمي إلى حل النزاع. ولكن إن لم تستتبع هذه الخطوة إجراءات أخرى، فلا معنى لها على المدى البعيد".

ما زالت عدة مشكلات في صلب النزاع غير محلولة. والموضوع الأكبر إلى جانب المساعدات هو مستقبل غرب تيغراي، تلك المنطقة الخصبة من حقول السمسم والقطن التي احتلتها ميليشيات من منطقة أمهرة المجاورة فور اندلاع الحرب.

 

يرى كثيرون من قومية أمهرة بأن ملكية الأرض تعود إليهم تاريخياً. في وقت سابق من الشهر الجاري، أطلقت منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" تقريراً مشتركاً تتهمان فيه مسؤولين وميليشيات من قومية أمهرة بشن حملات منظمة من التطهير العرقي ضد أفراد قومية تيغراي في المنطقة، تتسم بالقتل وعمليات الاغتصاب الجماعي والاعتقال التعسفي.

وقالت المنظمتان اللتان تعنيان بحقوق الإنسان، إن عشرات آلاف الأفراد من قومية تيغراي تعرضوا للطرد القسري من المنطقة "بموافقة أو مشاركة محتملة من القوات الإثيوبية الفدرالية". كما تُتهم قوات التيغراي بشن مجازر ذهب ضحيتها مئات العمال من قومية أمهرة في غرب تيغراي في مستوطنة ماي كادرا بعد اندلاع الحرب بفترة وجيزة.

طالبت الجبهة الشعبية لتحرير إقليم تيغراي مراراً وتكراراً باستعادة غرب تيغراي كجزء من أي مفاوضات سلام، وهو مطلب من غير المرجح أن يقبل به آبي، إذ تعتمد حكومته على دعم نخبة من أفراد أمهرة الذين سيعتبرون أي تنازل يتعلق بغرب تيغراي أمام الجبهة طعنة في الظهر.

طرح أدم أبيبي، الباحث في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، فكرة وضع غرب تيغراي تحت إدارة مشتركة لهيئة تضم قوميتي أمهرة وتيغراي، ولكن الحكومة الفدرالية تجنبت إلى الآن التعامل مع الفكرة بشكل مباشر.

وفي هذه الأثناء، من غير الواضح إن كان الدكتاتور الأريتري أسياس أفورقي مستعداً لوقف تدخله في النزاع في تيغراي. اجتاحت قواته المنطقة من الشمال دعماً للجيش الفدرالي الأثيوبي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 وكانت وراء بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها ارتكاب مجزرة بحق مئات الشباب والصبية في مدينة أكسوم المقدسة.

رأى أسياس في النزاع فرصة له للقضاء على عدوه القديم، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي قادت حرباً حدودية دموية شنتها إثيوبيا على جارتها أريتريا بين عامي 1998 و2000. لكنه لم يحقق هدفه.

وفي الحقيقة، أصبح إقليم تيغراي أكثر تسليحاً اليوم مما كان عليه قبل اندلاع الاشتباكات الحالية، إذ انضم آلاف المقاتلين إلى الجبهة الشعبية وربما صار يمثل الآن خطراً أكبر من ذي قبل على نظام أسياس: في يوليو (تموز)، بعدما أرغم هجوم للجبهة الشعبية القوات الاريترية والإثيوبية على الانسحاب من تيغراي، هددت الجماعة المتمردة بالزحف على العاصمة الإريترية أسمرة.

 

ما يزال آلاف الجنود الإريتريين متمركزين في غرب تيغراي ويسيطرون على جيوب على طول الحدود الشمالية للمنطقة. وما تزال الخطوة المقبلة للنظام الإريتري السري والعصي على التنبؤ غير واضحة المعالم. خلال الأسابيع الأخيرة، وردت تقارير غير مؤكدة عن حشد كبير للقوات الإريترية، وقصف، على الحدود مع تيغراي.

ويقول أحمد سليمان من معهد تشاتام هاوس، "لم تتغير أهداف الأمن القومي لإريتريا على حدودها الجنوبية مع تيغراي، كما أنها تحافظ على وجودها في بعض مناطق تيغراي. ربما ما عادت الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا ترى هدف إزالة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي واقعياً، ولكنني لا أعتقد بأن موقف أسياس إزاء الجبهة قد يتغير".

فيما تعتمل هذه المسائل في الخلفية، أطلقت الحكومة الفيدرالية عملية حوار وطني ترمي إلى إشراك المجتمعات المحلية وردم عديد من الفجوات العميقة في إثيوبيا.

ولكن الحوار لا يشمل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ولا حليفها، جيش تحرير أورومو الذي يشن حركة تمرد منفصلة في أوروميا، أكبر الأقاليم الإثيوبية. وقد صُنفت الجماعتان مجموعات إرهابية.

يقول النقاد إن إقصاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو من المحادثات ينسف هذه المبادرة تماماً. ويرى هايلو كيبيدي من حزب سالساي وياني تيغراي المعارض أن "هذا ليس حواراً. بل هو مونولوج بين عدد قليل من الفصائل التي تتشارك العقيدة نفسها. لا أرى أنه سيؤدي إلى أي حل".

يرجح أن تتفاقم أزمة الجوع في تيغراي خلال الأسابيع المقبلة. أنتج محصول نوفمبر الماضي محصولاً أكبر من المتوقع، ولكن هذا المخزون شارف على النفاد، ولم يصل إلى تيغراي سوى 3 في المئة من البذور التي يحتاجها المزارعون لموسم الزراعة الحالي.

 

يقول عمال الإغاثة إنهم لا يدرون كيف سيتمكنون من إطعام مئات آلاف الأشخاص القابعين في مخيمات مؤقتة نُصبت للنازحين جراء النزاع. لم يتلق معظم هؤلاء أي مساعدات من الخارج منذ أشهر، بعد أن حُرموا من أراضيهم الزراعية.

يتوقع هايلو من حزب سالساي وياني تيغراي تجدد الاشتباكات في حال عدم وصول المساعدات قريباً.

وقال "لا يمكن فرض حصار على تيغراي إلى ما لا نهاية. وإن لم يبدأ البحث في حل خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، قبل حلول موسم الأمطار، سوف نرى جولة أخرى من القتال العنيف وإراقة الدماء. لا شك عندي في أن أهالي تيغراي سوف يحاولون كسر الحصار".

والعامل الرئيس الذي قد يفرض التوصل إلى اتفاق سلام هو الحالة المزرية للاقتصاد الإثيوبي. فقد كان يوماً بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم ولكن الحرب أنهكته، إذ فاقمت أزمة الحصول على العملات الأجنبية وأدت إلى ارتفاع كبير في التضخم تخطى نسبة 30 في المئة.

لم تُحتسب بعد كلفة إصلاح الأضرار التي ألحقت بالبنية التحتية الأثيوبية جراء القتال، ولكن يرجح أن تكون مرتفعة جداً، فيما تمر على البلد موجة جفاف هي الأسوأ منذ سنوات، أثرت في معيشة 81 مليون شخص وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

وقال المؤرخ رينيه لوفور الذي يدرس الشؤون الإثيوبية، "من المستحيل أن تجابه إثيوبيا أزمة كهذه من دون مساعدات أجنبية. فالاقتصاد ينهار وعرض المساعدات هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن للمجتمع الدولي اللجوء إليها للحصول على تنازلات من آبي".  

نشرت اندبندنت هذا المقال في 22 أبريل (نيسان) 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات