Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاوت في الاستفادة من الدعم مطروح على النقاش في الجزائر

لا يمكن الاستمرار في تبني مبادئ اشتراكية في ظل انفتاح اقتصادي وتوجه ليبرالي

يستعد البرلمان الجزائري لإطلاق نقاشات حول رفع الدعم عن الفئات غير المعنية به (أ ف ب)

دفعت النكسات النفطية الدولية، الجزائر إلى مراجعة بعض السياسات الاجتماعية من أجل تأمين مزيد من الحماية الاقتصادية. ولعل "الدعم الاجتماعي" الذي تقدمه الدولة يعد أحد أهم الملفات التي أخذتها الحكومة الجزائرية على محمل الجد، بعدما باتت مبالغ مالية ضخمة تقتطع من الميزانية لكنها لا تذهب إلى مستحقيها.

مناقشة برلمانية لملف رئاسي

ويستعد البرلمان لإطلاق نقاشات حول رفع الدعم عن الفئات غير المعنية به، مثل الأغنياء والميسورين، تطبيقاً للمادة 187 من قانون المالية لعام 2022، إذ كشف نائب رئيس الهيئة التشريعية، يوسف عجيسة، عن عقد اجتماع تحضيري بعد عيد الفطر، لمباشرة دراسة الملف من مختلف الجوانب. وأبرز في تصريحات إعلامية، أنه "من المرجح أن يشارك في الجلسات النقاشية رؤساء الكتل البرلمانية؛ لأنهم يمثلون كل الأحزاب والأطياف السياسية في البلاد، إضافة إلى النواب الذين يتمتعون بصفة خبير وأخصائي في المجال، بخاصة وأن الموضوع شائك ويفترض أن يتمتع من يناقشه بمعطيات واسعة تتيح له معالجته من مختلف زواياه"، مشيراً إلى أن "الرئيس عبد المجيد تبون أعلن عن تشكيل الجهاز الجديد الذي سيتكفل بدراسة الملف، وقبلها سيكون البرلمان قد حدد من هم المعنيون بالنقاش لاتخاذ أول خطوة للمرور نحو الانتقائية في الدعم".
كذلك، رأى عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان، عبد القادر بريش، أن "الهيئة التشريعية تتمسك بحقها في المصادقة على عمل اللجنة بعد الانتهاء منه، ليصدر في شكل قانون، بخاصة أن الرئيس تبون اقترح نظرة جديدة لتوسيع الاستشارة بتشكيل لجنة متعددة القطاعات تضم المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات بمشاركة مختلف الفاعلين مع شريطة تحقيق التوافق الوطني".

17 مليار دولار في المزاد

وتنفق الحكومة الجزائرية على الدعم الشامل الموجه لكل شرائح المجتمع بمن فيهم الأجانب والسياح حوالى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 1.3 في المئة في الدول النامية، ما يجعل سياسة الدعم مدمرة للصناعيين والمزارعين، الذين لا يمكنهم الصمود في هذه الحالة أمام المنافسة الشرسة التي تفرضها السلع المستوردة والمدعومة، ما دفع بالعديد منهم إلى ترك نشاطهم والتوقف عن العمل والإنتاج. وحافظت ميزانية الدولة لعام 2022 على ما يعادل 17 مليار دولار من الإعانات الاجتماعية التي تشمل التعليم والصحة، والإسكان، والمساعدات المباشرة للأسر الفقيرة.

تقليد مقدس ولكن...

في السياق، رأى الباحث الاقتصادي في مجال إدارة الأعمال، أنور سكيو، أن "سياسة الدعم الاجتماعي التي تعتبر في جوهرها تقليداً مقدساً في الجمهورية الجزائرية، تعتبر غطاء واقياً لأساسيات العيش الكريم في المجتمع منذ أولى سنوات الاستقلال، لكن المتابع للنمط المتبع في إدارة هذه السياسة حسب التسلسل الزمني السليم للأحداث، يستطيع تحديد مواطن الضعف فيها على الرغم من جوانبها الإيجابية ومميزاتها، من عدالة اجتماعية واستجابة لمعايير الكفاءة الاقتصادية"، مضيفاً "نتحدث هنا عن 20 في المئة من الطبقة الغنية التي تستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه غيرها من المنتجات المدعمة، 61 في المئة من الكهرباء، و58 في المئة من المياه، و18 في المئة من المنتجات الغذائية من حبوب وحليب وزيت وسكر"، إضافة إلى ما تسببه من إنهاك وضغوطات على ميزانية الدولة وميزان المدفوعات.
وبخصوص السياسات الشعبية التي تعتمدها الجزائر، قال سكيو، "ما زلت ممن يثمنون التوليفة الاجتماعو-اقتصادية، لكن شريطة التحكم بآليات وأساليب وأدوات التطبيق والتحسيس المعنوي، مع مراجعة وتكييف السياسة في حد ذاتها إلى توجه استثماري بعيد المدى، وتوظيفي لموارد المحروقات بصورة قصيرة المدى، حيث يجدر بالقطاع الخاص أن يشارك في ضمان ديمومة نظام الدعم مع سلم امتيازات تفاعلي بهذا الصدد"، مستبعداً "تخلي الجزائر عن هذا التقليد لا سيما مع التحديات التي خلفتها أزمة كوفيد، وما تعيشه منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط من اضطرابات اجتماعية واقتصادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بين العدالة والمساواة

من جانبه، يعتبر الباحث في كلية العلوم الاجتماعية، بن مصطفى دحو، أن "الانشغال يقع في صلب النقاش حول العدالة الاجتماعية والنموذج الاجتماعي الواجب اتباعه، فتاريخياً تبنت الجزائر النموذج الاشتراكي القائم على المساواة المطلقة، وترتب عنها الدعم المعمم الذي استفادت منه كل الفئات، ولم يطرح ذلك إشكالاً نظراً لغياب الفوارق الفردية والتفاوت الاجتماعي، غير أنه مع الانفتاح وبروز التفاوت والفروق الاجتماعية صارت المساواة المطلقة مساواتية، بعد أن توجه الدعم حتى للأغنياء، لذلك بات من الضروري الانتقال إلى الإنصاف بدلاً من المساواة". وقال إنه، "يترتب عن ذلك توجيه الدعم لمن يستحقه من الفئات الهشة اجتماعياً، مع فرض ضرائب على الأثرياء، وتجسدت هذه المقاربة في قانون المالية 2022".
ويعتقد دحو، أن "الدعم يستفيد منه الأثرياء أكثر لذلك وجب رفعه مع تخصيص منح بمختلف الصيغ ووضع آليات لدعم الفئات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً وذوي الاحتياجات الخاصة، و"هذا تحد مهم على الحكومة مواجهته من أجل الإسراع في وضع بطاقة وطنية ورقمنة الإدارات على مستوى الجماعات المحلية"، مشيراً إلى أن "تغيير سياسة الدعم الاجتماعي صارم حتمية، حيث لا يمكن الاستمرار في تبني مبادئ اشتراكية في ظل انفتاح اقتصادي وتوجه ليبرالي".

إصرار حكومي... وطمأنة

ولقد أبدت الحكومة إصراراً على إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي الموروثة عن النظام الاشتراكي الذي كانت تنهجه الجزائر منذ استقلالها عام 1962، وهو ما تترجمه تصريحات الوزير الأول (رئيس الحكومة) أيمن بن عبد الرحمن، حينما أكد أمام النواب، أن إصلاح نظام الدعم الاجتماعي الوارد في مشروع الموازنة العامة لن يتم إلا بـ"استحداث الجهاز الوطني للتعويضات النقدية لصالح العائلة المؤهلة"، مشدداً على "أن الجزائر لن تتخلى عن دورها الاجتماعي، ولكن يجب توجيه الإعانات لمستحقيها الحقيقيين". وأضاف أنه من الضروري "الانتقال من الدعم المعمم إلى الموجه". وكشف أن حكومته "لن تسمح بأن يوجه الدعم الذي كان يعادل 17 مليار دولار لأشخاص لا يستحقونه وإلى وسطاء نخروا الاقتصاد الوطني من خلال الاستفادة من هذه التحويلات".
ولطمأنة الجهات التي تتخوف من الخطوة، أوضح بن عبد الرحمن، أن ما سيتم استرجاعه من فائض الدعم الاجتماعي بعد توجيهه لمستحقيه، سيوجه إلى قطاعات أخرى كالصحة والتعليم وتحسين الأجور، مبرزاً أن اللجنة المكلفة إصلاح منظومة الدعم، تعمل على تحويل الدعم الشامل إلى دعم نقدي يوجه إلى مستحقيه.