Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدام استراتيجي واسع بلا استراتيجية بعيدة المدى

يتحدث من منطق: دعونا ندمر أوكرانيا من دون أن تعرقلوا مهمتنا

الرئيس الأميركي جو بايدن يطلب من الكونغرس الموافقة على تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية إضافية لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار (أ ف ب)

حرب أوكرانيا تتطور، وإن بقي الميدان محصوراً في الجغرافيا الأوكرانية براً وبحراً وجواً. وما سماها الرئيس فلاديمير بوتين "عملية عسكرية خاصة" لمعالجة مخاوف أمنية روسية، وكانت منذ البدء حرباً كاملة الأوصاف لتحقيق أهداف جيوسياسية، صارت صداماً استراتيجياً يبدو البديل من حرب عالمية ثالثة، ويهدد بالانزلاق نحو حرب عالمية مباشرة. لكن اللافت في أكبر صدام استراتيجي منذ الحرب العالمية الثانية هو الاندفاع من دون رؤية استراتيجية بعيدة المدى. فلا خطاب موسكو يبدو تعبيراً عن رؤية استراتيجية بمقدار ما هو تكرار لذرائع يستخدمها قوي وخائف في الوقت نفسه، بحيث تطغو الغطرسة على سطح القلق في العمق. ولا الخطاب في عواصم الغرب التي قالت سلفاً إنها لن تدخل في صدام مباشر مع روسيا، يوحي بأنها كانت مستعدة لأكثر من أزمة سياسية مع رئيس روسي يطالب في مذكرة رسمية بضمانات أمنية من الغرب. حتى نظرية "المؤامرة" حول "فخ" نصبه الغرب لإضعاف روسيا وإغراقها في حرب استنزاف طويلة، فعلى من يطرحها في موسكو كما في أوساط متعاطفة معها كرهاً بواشنطن في الشرق الأوسط ومناطق أخرى أن يسأل: لماذا وقع بوتين الذكي في الفخ؟

"الرضوخ سيكون أكثر كلفة"

ذلك أن الرئيس جو بايدن يطلب من الكونغرس الموافقة على تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية إضافية لأوكرانيا بـ33 مليار دولار، قائلاً "تكلفة هذه المعركة ليست رخيصة، لكن الرضوخ للعدوان سيكون أكثر كلفة". والبوندستاغ الألماني يقرر بأصوات الأحزاب الرئيسة الثلاثة، تقديم أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا ضمن تبدل غير عادي في موقف برلين التقليدي بعد الحرب العالمية الثانية. والأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ يعلن استعداد "الناتو" لدعم كييف في "حرب قد تستمر سنوات". وفي المقابل، يقول الناطق باسم الكرملين "إن إمداد الغرب أوكرانيا بأسلحة ثقيلة يعرض أمن القارة الأوروبية للخطر ويزعزع الاستقرار". ولا يهم عن أي استقرار يتحدث من منطق: دعونا ندمر أوكرانيا من دون أن تعرقلوا مهمتنا. وبوتين يهدد باستخدام سلاح "لا يمتلكه أحد من خصومنا" بعد التهديد بالسلاح النووي و"الضربة الصاعقة". ومن السهل على وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس أن تحذر "من عواقب وخيمة في كل أنحاء العالم إذا انتصر بوتين". لكن من واجبها أن تسأل نفسها ورئيسها بوريس جونسون، المندفع كأنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: ماذا لو حقق الغرب هدفه بإلحاق "هزيمة استراتيجية" بالرئيس الروسي؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لا بل إن من واجب الجميع التوقف أمام الأسئلة الصعبة: إلى أي حد وزمن يمكن أن تستمر حرب بوتيرة عالية مثل حرب أوكرانيا من دون أن تتوسع وتقود إلى صدام مباشر بين روسيا و"الناتو"؟ ما الخطوة التالية والخطوات التي بعدها بالنسبة إلى الغازي الروسي والمقاوم الأوكراني والداعم الأميركي والأوروبي؟ ماذا يربح بوتين إذا دمر أوكرانيا بتكلفة كبيرة على جيشه وخسر علاقة روسيا مع معظم العالم؟ وماذا يفعل الغرب إذا فشل بوتين ورفض التسليم بالفشل كالعادة ولجأ إلى التصعيد ومد الحرب إلى خارج أوكرانيا؟ أي شكل من الحرب العالمية تقود إليه التطورات؟ وأي نظام عالمي جديد يولد بعد المخاض المكلف والمدمر؟

"الدول وحوش باردة"

الأجوبة ليست كاملة في أي عاصمة، كما توحي النقاشات الدائرة. حتى قول فريد زكريا "إذا أرادت أميركا أن تنتصر في الصراع اليوم مع روسيا، فعليها أن تفكر طويلاً في المسار الاستراتيجي لا الأيديولوجي"، فإنه جواب سريع وسهل نظرياً. والواقع أن روسيا التي خرجت من الأيديولوجيا الماركسية لا تزال تمارس نوعاً آخر من الأيديولوجيا المضادة لما يراه بوتين "قيم الغرب الفارغة والمنحطة". وأميركا تتصرف كأن الديمقراطية وتحالف الديمقراطيات ضد السلطوية أيديولوجياً، وكأن الدبلوماسية علاج لكل الأزمات والحروب. والمفارقة أن تصبح الحرب بالنسبة إلى روسيا والغرب وحتى الصين هي العلاج لكل المخاوف والأزمات والصراعات الجيوسياسية والاستراتيجية. و"الدول وحوش باردة" كما قال الجنرال شارل ديغول.

المزيد من تحلیل