Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المشهد الليبي يزداد تعقيدا والنفط محور في الصراع

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحركات من الدبيبة وباشاغا للحصول على دعم خارجي

تبدو التسوية وخلاص الشعب الليبي من هذا النفق المظلم أمرين بعيدي المنال حتى الآن (أ ف ب)

تواصل الأزمة الليبية تعقيداتها، وبدأت بعد الفشل في إجراء الانتخابات، واعتقاد كثيرين من الشعب الليبي أن سبب الإخفاق بالأساس يرجع لتقاعس الحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعدم نجاحها في حل مشكلة الميليشيات المسلحة، ووجود شواهد على علاقتها العضوية بهذه الميليشيات، ما سبّب منع إجرائها، كما تتزايد الاتهامات بوجود أدلة على ملابسات واتهامات فساد تخصّ عدداً كبيراً من مسؤولي هذه الحكومة، وجرت بالفعل عمليات اعتقال ومحاكمة عدد من وزرائها.

ونتجت من كل ما سبق، تحركات داخل مجلس النواب الليبي، مقره طبرق، بعد أسابيع من فشل الاستحقاق الانتخابي، وشهد المجلس مداولات صعبة، انتهت باختيار وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق فتحي باشاغا وابن مدينة مصراته لتشكيل حكومة جديدة، وعكس هذا الاختيار نجاح الرجل في كسب ثقة كل من المشير خليفة حفتر، وكذلك المستشار صالح عقيلة رئيس مجلس النواب، وعدد كبير من قيادات الشرق والغرب معاً، ما يمكن وصفه باختيار نموذجي كان من الممكن أن يكون توافقياً بامتياز.

لكن ما حدث كان عكس هذا تماماً بالنسبة لرئيس الحكومة المؤقتة الدبيبة، مؤيداً بموقف حاد من عدد من قيادات الميليشيات المسيطرة على العاصمة، ومعها مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني، التي لم تكتف بالرفض بل هددت أيضاً باللجوء لأكثر درجات العنف لمنع باشاغا من دخول العاصمة وتولى الحكومة، وتلا هذا تأهب للميليشيات المؤيدة لكل طرف، لكن باشاغا أكد رفضه أي مواجهات مسلحة، وأنه لن يتولى الحكم إلا بالطرق السلمية، لتبدأ معركة سياسية بطيئة ما زالت مستمرة حتى الآن.

وقد عقدت حكومة باشاغا أول اجتماعاتها، نهاية الأسبوع الماضي، وتم ذلك في مدينة سبها عاصمة الجنوب.

المواقف الدولية

ويلاحظ أن المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفانى وليامز عبرت في بداية مداولات مجلس النواب عن رفضها خطوة تغيير الحكومة، ودعوتها لمواصلة الدبيبة، حتى عقد الانتخابات وضرورة التركيز على عقبات إجرائها دستورياً وعملياً، وإن كان تركيزها الفعلي دستورياً، وليس على العقبات العملية، ما أثار غضب مجلس النواب وقيادات ليبية عديدة، واعتبرته تدخلاً سافراً في شؤون البلاد، ولكن تدريجاً، بعد قرار مجلس النواب، لجأت وليامز للغموض أكثر من الرفض الصريح لاختيار باشاغا، وبخاصة أن الانتقادات الليبية أدت إلى صدور تصريح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حاول فيه احتواء الانتقادات، والتعبير عن تأييد المنظمة الدولية لمن يختاره الشعب الليبي، ومن هنا، تراجعت وليامز عن الرفض العلني من دون أن تبدي دعماً صريحاً للتغيير.

دعم خارجي

وشهدت، الأسابيع القليلة الماضية، تحركات من الجانبين الدبيبة وباشاغا للحصول على دعم خارجي، ووصف، مثلاً، تصويت ليبيا دعماً لقرار طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان من خصوم الدبيبة، بأن هدفه الحصول على الدعم الغربي لحكومته، وتحول الأمر إلى مادة إضافية للجدل الداخلي، وبخاصة مع قيام أحد مسؤولي الخارجية الليبية السابقين بإصدار تصريحات هجومية ضد هذا التصويت الذى خالف التوجه العربي بالامتناع عن التصويت، إذ لم يشارك ليبيا إلا جزر القمر، بل تقدم بشكوى للنائب العام أن المندوب الليبي في الأمم المتحدة مزدوج الجنسية ويحمل جنسية أميركية. كما أدلى باشاغا بحديث لصحيفة بريطانية، اعتبرها خصومه محاولة للحصول على دعم بريطاني، فبخلاف لما تضمنه الحديث من دعوات لعلاقات قوية ونوايا التعاون في مسائل مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة وطلب التعاون في مجالات الاستثمار والتكنولوجيا والأمن، فقد أعرب أيضاً عن أن بلاده يمكن أن تعوض نقص البترول الروسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما قام الدبيبة بزيارة العاصمة الجزائرية ومقابلة الرئيس عبد العزيز تبون، وصدر بيان أوضح أن اللقاء ناقش الوضع السياسي القائم والتعاون الاقتصادي بين البلدين، وأكد أن هدف حكومة الدبيبة إجراء الانتخابات، والشعب الليبي لم يعد راغباً في المراحل الانتقالية، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الرئيس الجزائري لم يعلن فقط تأييده الدبيبة، ولكن عبر أيضاً عن شكوكه في شرعية تمثيل مجلس النواب الليبي، وهو موقف يعتبر الأوضح لموقف الجزائر المتحفظ ضمناً تجاه المجلس منذ انتخابه عام 2014، ثم أخيراً جاءت زيارة الدبيبة للإمارات والتي أغضبت بعض فصائل الإسلام السياسي.

ولاحقاً، جاءت أهم حلقات الاستقواء بالخارج بقيام الدبيبة بالتعاقد مع لوبي ضغط أميركي للترويج لموقفه، فوفقاً لما نشرته مصادر إعلامية، فإن الهدف عرض رؤية حكومته دولياً، والضغط من أجل إجراء انتخابات نزيهة، وفى مختلف الأحوال، تشير المعطيات إلى الإصرار من جانب الدبيبة وأنصاره على الاستمرار في الحكم بالوسائل كافة.

النفط الليبي

وعاد الملف النفطي بقوة لصدارة الصراع بين أطراف الأزمة الليبية، فقد قامت قوات من شرق ليبيا بإغلاق حقول نفطية شرق وجنوب البلاد، مطالبة بإقالة رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، وبعزل الدبيبة وبمطالبها المتكررة من التوزيع العادل للنفط بين مناطق البلاد، ما اضطرت معه المؤسسة الوطنية للنفط لإعلان حالة القوة القاهرة وتعليق العمليات في شرق البلاد، وتراجع إنتاج النفط بحوالى النصف، أي نحو 600 ألف برميل بدلاً من مليون ومئتي ألف برميل، ويأتي هذا ليضيف مزيداً من التعقيد للسوق العالمية للنفط، ومتناقضاً مع وعود قدمها باشاغا للغرب في سبيل الحصول على مزيد من الدعم كما سبق، وبما لا يتناسب مع الوضع الفعلي لقدرات بلاده الإنتاجية حتى قبل الظروف الراهنة.

وفى هذا الاطار، التقى السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند ومعه نائب مساعد وزير الخزانة الأميركي إريك ماير، ومحافظ البنك المركزي الليبي، وحذر بيان السفارة الأميركية من استخدام عوائد النفط في تحقيق أهداف سياسية حزبية، واتى هذا التحذير في ظل شواهد على أن تعمق الاستقطاب بين الشرق والغرب الليبي، سيهدد استقرار السيولة والترتيبات المالية، مثلما حدث منذ أسابيع بالفعل وتوقفت مرتبات الجيش الليبي في ظل حملة قادها الغرياني في هذا الصدد، ثم اضطر الدبيبة بعد تصاعد الغضب والتهديدات من الجيش إلى الإفراج عن مرتب شهرين بدلاً من الأشهر الأربعة المتأخرة.

اجتماعات مهمة حول العقبات الدستورية

وفى خطوة بدت مهمة في البداية، استضافت القاهرة منذ قرابة أسبوعين، مؤتمراً لممثلين لمجلسي النواب والدولة وبحضور المستشارة الأميركية وليامز لمناقشة الجوانب الدستورية الضرورية لعقد الانتخابات، واستغرقت هذه الاجتماعات التي تمت برعاية أممية ومصرية أياماً عدة، لكنها لم تسفر عن حدوث اختراقات في تذليل المشكلة، وظل مجرد انعقادها خطوة مهمة كونها غير مسبوقة منذ ارتباك المشهد الليبي بسبب الفشل في إجراء الانتخابات، على أن المشكلة أن الجهود الأممية ما زالت تعطى الكثير من الوقت لهذه الجوانب الدستورية، وهي مع أهميتها، فإنها لا تكفي إذ لا تصحبها أي جهود حقيقية لمواجهة صلب الأزمة التي ستفسد إجراء أي انتخابات، ولا ستحقق القبول بنتائجها بعد ذلك، وهى ببساطة مشكلة السلاح خارج الدولة والميليشيات المسلحة المتطرفة، التي تكاد تعلن من وقت لآخر، أنها لن تسمح بإجراء انتخابات لا تقودها إلى السلطة أو لا تقود قوى الإسلام السياسي إلى السلطة، والخلاصة أنه مع استمرار تعامل القوى والأطراف الخارجية مع هذه الساحة الليبية ضمن خريطة المنافسات والمقايضات، تبدو التسوية وخلاص الشعب الليبي من هذا النفق المظلم أمراً بعيد المنال حتى الآن.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات