Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استهدفت البحرية النازية سفينة محملة بالفضة والنقود السعودية؟

في 1944 غرقت "ليبرتي س س جون باري" قبالة عُمان وظلت هناك إلى التسعينيات

سفينة غارقة في بحر العرب تحتوي على 3 ملايين ريال سعودي (رويترز)

يجوب القراصنة والبحارة في قصص الأطفال التي تصورها الرسوم المتحركة المحيطات والخلجان بحثاً عن "صندوق الكنز" الذي يحتوي مسكوكات ذهبية وفضية، غارقة منذ زمن بانتظار من ينتشلها من باطن البحر، ولا تنتهي القصة نهاية سعيدة في كثير من الأحيان، إذ تحل الكارثة على السفينة الجائلة قبل نيلها كنوز البحار.

هذا السيناريو الدرامي قد يكون له سبب منطقي، فربما لو فكر هؤلاء البحارة في المرور بالمياه العربية لكان بإمكانهم أن يغيروا النهاية المستهلكة ويعودوا بصندوق فيه 3 ملايين قطعة نقدية ثمينة، ويضعوا للعرب فصلاً جديداً في سلسلة "حكايات عالمية".

 


كنز الخليج

في أربعينيات القرن الماضي، إبان الحرب العالمية الثانية سَكّت الولايات المتحدة الأميركية في فيلادلفيا ملايين القطع النقدية بناءً على طلب الحكومة السعودية، وهي عملات فضية من فئة الريال السعودي، وتم شحنها إلى ميناء الظهران النفطي في المنطقة الشرقية.

لكن سفينة "ليبرتي س س جون باري" التي كانت تقلها لم تصل إلى وجهتها أبداً، بعد أن استهدفها زورق نازي يتبع البحرية الألمانية في بحر العرب قبالة سواحل عمان في 1944.

 

ظلت هذه السفينة التي كانت محملة بمعدات صناعية، إضافة إلى المسكوكات في باطن البحر في أعماق صعّبت الوصول إليها، ما جعلها مثاراً للإشاعات التي قالت إنها كانت محملة بسبائك ذهبية ومجوهرات أيضاً.

فندت مجلة "أرامكو وورلد" التي تصدر كل شهرين عن شركة "أرامكو" النفطية السعودية، هذه القصة والمزاعم التي أحاطت بها في مقال كتبه آرثر كلارك في عدد مارس (آذار) 1997، إذ أكد وفق شهادات ناجين وعينات مما تم إخراجه في ما بعد ما كانت تحتويه.

إذ تعرضت السفينة لهجومين بطوربيدات انتحارية، وهو ما قاومته قوات كانت على متن المركب الأميركي بواسطة حراس يحملون بنادق رشاشة، وهو منظر غير مألوف على سفن الشحن التجارية، الأمر الذي جعل ركاب السفينة يدركون بأنهم كانوا يقلون شيئاً مميزاً.

يقول ريتشاردز، وهو أحد ركاب السفينة عن المزاعم التي حامت حول السفينة "اعتقدنا دائماً أن هناك سبائك فضية على متنها بسبب الأمن الذي وضعوه عليها"، إلا أنه نسي الأمر بعد الحرب قبل أن يطلع في 1994 على رسالة عمرها 50 عاماً من مدير دار سك العملة الأميركية في فيلادلفيا تفيد بوجود ثلاثة ملايين قطعة نقدية فضية على متنها بالفعل.

صناديق الظهران

كانت السفينة تحمل أشياء أخرى لا تقل أهمية عن المسكوكات، معدات لبناء مصفاة نفط، وأنابيب معدنية طويلة ورافعات ومعدات حفر، إضافة إلى 750 صندوقاً خشبياً كُتب على كل صندوق كلمة "الظهران"، اسم موقع نفطي جديد في الشرق السعودي.

 

كانت المدينة الصغيرة الواقعة على الساحل الشرقي للسعودية المقر الإقليمي لما كان يُعرف آنذاك باسم شركة الزيت العربية الأميركية "أرامكو"، التي أصبحت الآن شركة الزيت العربية السعودية. هناك اكتشف النفط قبل 8 سنوات من ذلك التاريخ، وبات من الواضح أن هناك رواسب نفطية كبيرة تحت أراضي تلك المنطقة وما جاورها بكميات مثيرة للاهتمام تجارياً.

على الرغم من أن ألمانيا كانت تتأرجح تحت هجمات الحلفاء، إلا أن تأمين الإمدادات  النفطية كان ضرورة بالنسبة إلى أميركا لكسب الحرب. في أواخر عام 1943، خصصت الحكومة الأميركية التي كانت تسيطر على مثل هذه السلع الصناعية في زمن الحرب، مثل الصلب ومواد أخرى، لـ"أرامكو" كميات منها لبناء مصفاة جديدة وصهاريج ومحطة بحرية في رأس تنورة، على بعد 25 كيلومتراً شمال الظهران.

ولكن كانت هناك مشكلة أخرى، كان لابد من دفع رواتب العمال الذين يبنون المصفاة الجديدة، النقود الورقية لم تكن مستخدمة بعد في السعودية وبحلول عام 1943، عانت السعودية وأرامكو من نقص في عملات الريال، حيث كان الاقتصاد العالمي مضطرباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تم حل مشكلة نقص العملة أخيراً عندما رتبت الحكومة السعودية شراء الفضة في الولايات المتحدة ليتم سكها بالريال في فيلادلفيا. وصلت أولى العملات المعدنية المسكوكة إلى السعودية في خريف عام 1943، إيذاناً ببداية علاقة جديدة بين واشنطن والرياض، وبحلول نهاية الحرب، تم شحن ما مجموعه 49 مليون ريال من الولايات المتحدة إلى السعودية، الشحنة الوحيدة المفقودة كانت على متن السفينة "جون باري".

إلا أن فقدان سفنية واحدة كان كافياً لخلق انتكاسة في مشروع بناء مصفاة رأس تنورة التي يقدر إنتاجها اليوم بأكثر من نصف مليون برميل يومياً.

البحث عن الكنز

في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، اشترت شركة "Ocean Group" حقوق إنقاذ السفنية بقيمة 750.000 دولار، ثم أجرت مسحاً بالسونار في الإحداثيات الموضحة في سجلات وزارتي الدفاع الأميركية والألمانية، وفي أوائل عام 1991 أرسلت مركبة تعمل عن بعد مزودة بكاميرات فيديو لقطات لحطام الطائرة، لكن لم يكن بالإمكان تحديد ما إذا كانت المنشودة فعلاً.

في أوائل عام 1992، أظهر مسح أكثر تفصيلاً بالفيديو لوحة تحمل عبارة "جون باري"، كانت هي بلا شك.

 

كما أظهرت اللقطات أن المخزن رقم 2 كان سليماً، على الرغم من سد بابه بسبب الحطام. اكتشف الباحثون أول وميض فضي على شاشة الفيديو، لتبدأ عملية الاستخراج التي جلبت 1.3 مليون ريال سعودي يزن 17 طناً دفعة واحدة.

في 1994 تم استخراج كامل الحمولة، وبات الجميع مقتنعاً بأن لا سبائك على السفينة سوى صناديق "الظهران" التي تحمل الريالات القديمة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات