Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غسّل والبس" حملة يمنية لتحدي غلاء أسعار ملابس العيد

تهدف الحملة للحد من شراء الكسوة الجديدة للتماهي مع الظروف الاقتصادية

حملة في اليمن ضد غلاء أسعار كسوة العيد (اندبندنت عربية)

في عهود مضت، ظلت مشاعر الاستبشار والانشراح تتعالى في اليمن مع اقتراب طيف العيد، يزينها زهو الأطفال بملابسهم الجديدة وحلواهم التي تملأ أعينهم بالاستبشار، غير أن الحال تبدل، والواقع قد تحول إلى هم يرزح في النفوس المثقلة بمآلات ثماني سنوات من الحرب، التي أحالتها إلى خرائب موحشة.

ذلك الوعد المرتقب بشوق قبل حلوله بأيام طويلة سرقته منهم أحوال بلدهم التي لم تعد صالحة للفرح، بلا مناسبة للبس الجديد وسط الأشلاء والدمار والدماء، ضاعف من مآسيه الارتفاع الجنوني للأسعار حتى بات الأب عاجزاً عن منح صغاره فرحتهم السنوية المنتظرة.

حالة رفض

وأمام هذا الحرمان، لم يجد شبان اليمن بداً من مواجهة الارتفاع الكبير لأسعار الملابس قبيل عيد الفطر إلا بخلق حالة رفض مجتمعي لما يصفونه بـ"استغلال التجار لحاجات الناس والأطفال" بحملة شعبية تحض المجتمع على مقاطعة شراء الملابس بعد أن بلغت حداً لا يحتمله غالبية اليمنيين تحت شعار "غسل والبس".

 

المبادرة الأولى من نوعها التي كانت مواقع التواصل الاجتماعي ميدان انطلاقتها وانتشارها في محافظتي شبوة ومأرب (شرق اليمن) وبقية المحافظات اليمنية، قوبلت بتفاعل واسع من الأهالي الذين اعتبروها خطوة تهدف لإجبار التجار على خفض الأسعار وحث السلطات المعنية القيام بدورها، كما يجب في ظل وضع اقتصادي وإنساني هو الأسوأ على مستوى العالم كنتيجة لثماني سنوات من الحرب الدامية التي جاءت على الأخضر واليابس.

ضرورة جراء العجز

يقول حسن محمد، مؤسس حملة غسل والبس بمحافظة مأرب، إن الحملة جاءت كضرورة للتعبير عن عجز الناس عن شراء ملابس لا يقدرون عليها، "ليس ترفاً أو عناداً مع التجار، كما أنها توفر لجموع الناس المحرجين عذراً من شراء الملابس الجديدة".

وأمام فكرة إقناع الناس بالامتناع عن شراء كسوة جديدة كخطوة لم يسبق لهم تجربتها، توقع حسن أن مشروعهم سيساعد أغلب الآباء الذين عجزوا عن شراء الملابس لأبنائهم للتخلص من هذا العبء، بعد أن وصلت الأسعار إلى مستوى لا يمكن تحمله عقب مستويات زيادة هي الأعلى في الأسعار بلغت نحو 300 في المئة على العام الماضي، إلى جانب توعية الشباب والنساء بأهمية الحملة، وهذه الخطوة ستوجد كساداً لدى التجار ربما يدفع إلى تخفيض الأسعار.

أرقام لا تحتمل

حسن الذي يعول ستة من الأبناء والبنات، بات لا يستطيع مواجهة قيمة ملابسهم للعيد، لأنه يحتاج إلى أكثر من 150 ألف ريال يمني أي ما يعادل (200 دولار أميركي).

يتطرق هنا إلى أسعار الملابس التي بلغ متوسط سعر القميص مع المعوز (إزار رجالي وهو شعبي في مناطق مشرق وجنوب اليمن) ما بين أربعين وخمسين ألف ريال يمني (نحو 80 دولاراً أميركياً)، فيما بلغ متوسط سعر بدلة الطفل أو فستان الفتاة ما بين 30 و40 ألف ريال يمني (نحو 60 دولاراً أميركياً) في ظل وضع اقتصادي وإنساني صعب، كون الدخل بات منعدماً يقابله انقطاع مرتبات موظفي الدولة جراء الحرب، التي إن وجدت فهي ضئيلة".

انكسار الصغار

وبشيء من الأسى يختتم حسن متسائلاً "أصبحنا في حيرة وهمٍّ لا ينقطع، فهل نطارد لقمة العيش لأطفالنا التي باتت هي الأخرى صعبة وغالية الثمن، أم نبحث لهم عن ملابس العيد التي تعودوا عليها كل عام، بخاصة وهم أبرياء لا يعرفون بظروف أهاليهم ولا ذنب لهم في كل ما يجري".

ووفقاً لتقرير أممي حديث، ارتفعت أسعار السلع الأساسية في اليمن بنسبة وصلت إلى 85‎ في المئة خلال هذا العام مقارنة بما كانت عليه في العام السابق، في حين تجاوزت نسبة الزيادة في الأسعار 560 في المئة مقارنة بما كانت عليه في عام 2015، أي قبل الحرب التي أشعلها الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران.

احتجاج شعبي منظم

وفي تطور لحالة التذمر الشعبي المتنامي مما آلت إليه الأحوال المعيشية وارتفاع الأسعار، نفذ مجموعة من النشطاء في مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، وقفة احتجاجية أمام مكتب التجارة والصناعة حملت عنوان "صبن (اغسل) ملابسك وعيد" في دعوة لمقاطعة الأسواق قبل العيد.

عن هذه الخطوة التي شملت الحملات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنشورات واللوحات التي علقها المشاركون في الأماكن العامة والأسواق، يقول محمد مظفر مؤسس الحملة، إن الحل الذي بات وحيداً أمام الناس لعلاج هذا الغلاء هو المقاطعة والممانعة عن شراء الملابس، بالإضافة إلى تسليط الضوء على إهمال مكتب الصناعة والتجارة لعدم قيامه بدوره في مراقبة وضبط الأسعار.

مستوى التفاعل المجتمعي ونسبة نجاح المقاطعة يرى مظفر أنها "تمضي كما يجب وهناك مقاطعة شعبية واسعة وهي فكرة واعدة مستقبلاً يتم العمل على تطويرها، لأنها تؤسس لما بعدها وترسيخها كحاجة إلى مجتمع حي يدافع عن حقوقه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتابع "بشكل عام هناك شريحة لا بأس بها قاطعت شراء الملابس سوى بالمبادرة أو من دونها لأنها لم تستطع أصلاً شراء ملابس بسبب الغلاء الفاحش، ونحن كشباب شبوة نتعامل مع المبادرة كفكرة لأن ترسيخها سيحول الناس لقوة اجتماعية فاعلة تدافع عن حقوقها وليس في الملابس فقط وإنما في كل مناحي الحياة من قوت ورواتب وخدمات وغيرها".

مقاطعة وإقبال

في محاولة لرصد أصداء هذه الحملات لدى قطاع التجار والباعة، يقول عبد الله مراد، صاحب محل ملابس في شبوة، إن الحملات حدت في البدء من نسبة الإقبال المجتمعي على الشراء، خصوصاً مع بداية آخر عشرة أيام من رمضان كموسم سنوي للبيع.

ويضيف مستدركاً "إلا أن الناس عاودت الإقبال على الشراء خصوصاً مع التحسن الطفيف الذي طرأ على سعر الريال بعد تشكل المجلس الرئاسي وتحرير باقي مناطق المحافظة من ميليشيات الحوثي الإرهابية، إضافة إلى مجيء الكثير من المغتربين في دول الجوار كما جرت العادة كل عام".

ضمان الربح

يؤكد مراد أن بعض التجار تعاطوا بإيجابية مع الدعوات الشعبية بتخفيض الأسعار إلا أن المعضلة الكبرى تتمثل بالصعود والهبوط المستمر لسعر صرف الريال أم العملات الأجنبية، ما يسبب إرباكاً وتفاوتاً كبيراً في الأسعار وهذا أمر تختص به الحكومة من دون غيرها.

وأضاف أن الوضع الصعب الذي يعيشه الريال اليمني يدفع تجار الجملة والموردين والباعة للبيع ضمن الحدود الآمنة للأسعار بما يضمن لهم أرباحاً تتجاوز هامش الهبوط في العملة في حال تحسن قيمة الصرف.

 

كما أن ارتفاع إيجارات المولات والمحال التجارية، وارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، أسهم بشكل كبير في الارتفاع الإضافي لأسعار الملابس.

واختتم بالإشارة إلى أن اليومين المقبلين هما الحاسمان في فرض المقاطعة بشكل واسع من عدمها، كون اليومين اللذين يسبقان العيد هما الأكثر إقبالاً على شراء الملابس كما تجري العادة في كل عام.

رقابة منقوصة

وفيما كان الأهالي يعلنون تذمرهم من غياب دور السلطة المحلية في جانب مراقبة وضبط الأسعار، يؤكد أوسان علي، المراقب في مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة مأرب، أن المكتب تفرد على مدى الأسابيع الماضية بإنزال قائمة لأسعار المواد الغذائية والرئيسة وألزم التجار بها بالشراكة مع المواطنين لمراقبة المخالفين الذين تم ضبطهم ومعاقبتهم.

وأضاف أنهم يحرصون على ضبط الأسعار والتفاعل بإيجابية مع حملات المقاطعة المجتمعية للتجار الذين يبالغون في أسعار الملابس كموسم استغلال في ظل ظروف صعبة على المواطنين.

أسواق بلا رقيب

وأمام الاتهامات الشعبية للسلطات المعنية بالتقصير إزاء جشع التجار، يشير علي إلى أن مسألة ضبط تجار الملابس المخالفين أمر أصعب من تجار المواد الغذائية، كون الأمر يحتاج إلى سلسلة إجراءات أخرى غائبة من أهمها عدم وجود مؤسسات اقتصادية وطنية تقدم هذه السلع الموسمية بسعر منافس أو سعر التكلفة، بالإضافة إلى أن الجهات الرسمية لا تتدخل بحملات المقاطعة التي لن يكتب لها النجاح الكافي بسبب إصرار البعض على الشراء، وهنا لا نستطيع منعهم، كما أن تعدد سلطات الرقابة والضبط في مختلف منافذ الاستيراد لا يتيح عملية التحكم بأمور عدة في صالح المستهلك حتى باتت الأسواق بلا رقيب.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات