Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص... فما فرص النجاح؟

تمويل حكومي وخارجي لإطارات المؤسسات الحكومية لتفادي الأخطاء السابقة

انطلقت الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تونس في فترة مبكرة منذ عقود (رويترز)

يتم وضع اللمسات الأخيرة لإصدار التراتيب الخاصة بصندوق دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تونس، حيث يرتقب إصدار أوامر في هذا الصدد ليرى الصندوق النور، وهو الذي أعلن عنه بقانون المالية لسنة 2022، ويهدف إلى إسناد وتنمية العمل بصيغة الشراكة في إنجاز المشاريع من قبل الهياكل والمؤسسات العمومية في شراكتها مع القطاع الخاص، عبر تمويل الدراسات وخدمات المساندة والمرافقة المسداة من قبل الخبراء ومكاتب الدراسات، في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومن شأن التراتيب الإجرائية تنظيم تمويل تشريك الخبرات ومكاتب الخدمات المتخصصة في وضع دراسات المشاريع الكبرى لمساعدة القطاع العام على إبرام عقود الشراكة بما تقتضيه الشروط الفنية والمالية الاقتصادية، وهو من أهم الآليات التي تعمل على ضمان شروط نجاح المشاريع في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وانطلقت تجربة الشراكة في تونس منذ ثمانينيات القرن الماضي بتجارب ناجحة، لكنها شهدت تراجعاً في السنوات المنقضية بسبب البيروقراطية وانعدام الرقمنة وغياب الثقة، في حين ذهب خبراء في تحليلهم لـ "اندبندنت عربية" أنه من أهم عوامل التعثر عدم التأسيس لتخطيط وهيكلة مسبقة للمشاريع قبل عرضها على الشراكة من قبل القطاع العام، وهذا ما سيعالجه الصندوق ويوفره في القريب العاجل.

موارد الصندوق

وينص قانون المالية لسنة 2022 على أن يتولى رئيس الحكومة الإذن بالدفع لمصاريف الصندوق، وتعهد مهمة التصرف في "صندوق دعم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص" إلى الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص (حكومية) المحدثة بمقتضى القانون عدد 49 لسنة 2015، بمقتضى اتفاقية تبرم للغرض بين الهيئة المذكورة والوزير المكلف المالية، على أن تشمل موارد صندوق دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص مساهمة "صندوق الودائع والأمانات" (حكومي) والمساهمات والهبات والوصايا الموظفة لفائدته طبقاً للتشريع والتراتيب الجاري بها العمل، كما أشار القانون إلى أن طرق التصرف في "صندوق دعم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص" وتسييره وصيغ تدخلاته ومجالاتها تضبط بأمر رئاسي، ومنها ما ينتظر نشره  قريباً من الأوامر  الترتيبية الخاصة بعمل الصندوق، أما الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص فتتولى تقديم الدعم الفني للأشخاص العموميين ومساعدتهم في إعداد عقود الشراكة وإبرامها ومتابعة تنفيذها.

وتتفرع المنظومة القانونية للشراكة في تونس إلى شكلين، وهي "عقود تصرف واستغلال بمقابل" و"عقود الشراكة"، وتتمثل عقود "التصرف والاستغلال بمقابل"، في العقود التي يفوض بمقتضاها الطرف العمومي لمدة محددة طرفاً خاصاً أو عمومياً باستغلال معدات أو ممتلكات عمومية مقابل ما يستخلصه من المستعملين، في حين يتحدد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص في عقد يعهد بمقتضاه طرف عمومي إلى شريك خاص أو عمومي بمهمة إحداث منشآت أو بنى تحتية لتوفير مرفق عام، وذلك مقابل ما يؤديه الطرف العمومي طوال مدة العقد.

مشاريع محدودة

وفي حين انطلقت الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تونس في فترة مبكرة منذ عقود، فقد عرفت بطئاً شديداً، ولم تتجاوز "عقود التصرف والاستغلال" التي أبرمت، 225 عقداً في الفترة الممتدة بين سنتي 2017 و2021، وشمل أغلبها مجال النقل، وتوزعت بين 84 في قطاع الصيد البحري، و17 في مجال البيئة والتنمية، وأربعة عقود في المجال الثقافي، وثلاثة في الغابات، وعقدين في مجال الطاقة المتجددة، وعقد وحيد في التجارة، وأبرم في قطاع النقل 112 عقداً من بينها التصرف في الملك العمومي للسكك الحديدية والنقل الحضري، وعقود أخرى  تخص الموانئ البالغ عددها 89 موزعة على سبعة موانئ  علاوة على الطيران المدني والأسواق الحرة، وهي من أبرز العقود، كما أنجزت أربعة عقود استغلال تهم مجال النقل البري، وحصل قطاع الصيد البحري على 84 عقداً تمثلت في إسناد وكالة موانئ وتجهيزات الصيد البحري، وتوزعت على 20 ميناء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغت قيمة العقود في قطاع النقل 123 مليون دينار (41 مليون دولار)، يليه الصيد البحري بقيمة مليون دينار (333 ألف دولار) وقطاع البيئة بمليون دينار (333 ألف دولار)، وترفع تونس رهان تطوير الشراكة بإحداث طرق جديدة ومبتكرة لتمويل المشاريع، بإحداث آلية لتمويل عمليات المساعدة على إعداد العقود ومتابعتها، وتدعيم "صندوق الودائع والأمانات" لتمويل مشاريع الشراكة بالتنسيق مع "الهيئة العامة للشراكة بين القطاعين العام والخاص"، وفي هذا الإطار، أتى إطلاق الصندوق، إضافة إلى تحفيز البنوك المحلية التونسية على تقديم خيارات تمويل طويلة الأمد تناسب مدة المشاريع.

آلية إيجابية لكن بشروط

وقال أصلان بن رجب عضو المكتب التنفيذي لـ "كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية" (منظمة مستقلة)، وعضو غرفة التجارة والصناعة التونسية الإيطالية، إن "صندوق دعم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص" وقع بعثه في إطار الفصل 13 من قانون المالية لسنة 2022، وتتمثل أهدافه في تنمية العمل بصيغة الشراكة عبر تمويل الدراسات والمرافقة المسداة من قبل الخبراء ومكاتب الدراسات، وتكمن أهمية الصندوق في سعيه لمعرفة مدى إمكانية تحقيق استثمار عام في إطار صيغة الشراكة، وفي هذا الإطار،  وجب القيام بدراسات تقنية وقانونية ومالية لاستشراف مدى مردودية المشروع وحسن التجهيز له، وعادة ما تكون هذه الدراسات الأولية باهظة الثمن لوجوب الالتجاء فيها إلى خبراء وأخصائيين محليين وأجانب، وهنا تكمن أهمية  هذا الصندوق الذي من مهامه تمويل الدراسات الأولية لتقييم المشاريع المقترحة من القطاع الخاص وتوفير التمويلات اللازمة  لمساعدة الهياكل والمؤسسات العمومية لإعداد وإمضاء العقود المعقدة .

أما الأمر الرئاسي المنتظر إصداره، الذي سيؤسس للتراتيب المرافقة، فسيمكن من تحديد طرق التصرف وتسيير الصندوق، وهي بالتالي آخر مرحلة لانطلاق العمل به، ورأى بن رجب أن انطلاقه في صلب الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس والتي تتسم بغياب الاستثمارات العمومية هو أمر إيجابي للغاية، لكن تبقى المجالات التي يتحتم على الحكومة مواصلة العمل عليها، وهي أساساً الضمانات الممنوحة للمستثمرين عند دخولهم في مثل هذه الشراكات بالتأسيس لإجراءات واضحة وشفافة حتى تكون المشاريع مربحة للطرفين.

تفادي الفشل السابق

واعتبر رياض بن خليفة الخبير لدى البنك الدولي في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن الصندوق سيمكن من تفادي الأخطاء التي تسببت في تأخير أو فشل عدد من المشاريع في تونس في السابق، بتوفيره الدراسات المسبقة الضرورية لها، وسيقوم بتمويل تكوين الإطارات والموظفين في القطاع العام في مجال مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص، ثم تمويل الدراسات الضرورية للمشاريع التي تقوم بها المكاتب المتخصصة وهي مكلفة، وهي الخطوات التي تمثل التحضيرات التقنية  للمشاريع  حتى تحقق النتائج المرجوة بما فيها دراسة المخاطر وأساليب التكفل بها، ويؤدي ذلك إلى تقليص مدة طرح وانطلاق المشاريع إلى جانب ضمان نجاحها، فالعملية تتمثل في الهيكلة للمشاريع، وهي نواة التحضير التي افتقرت إليها في السابق وأدت إلى الفشل، وهي هيكلة تضمن المردودية وتدرس مراحل المشاريع وتجهز لها الآليات وتجعلها مطابقة للمواصفات العالمية، كما تقلص من الحيز الزمني لإطلاق المشاريع، وأكد بن خليفة أن الصندوق سيهيئ لدفع الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي من شأنها أن تدفع بالبنية التحتية في تونس والأنشطة في عديد من القطاعات، و من شأنها أن تكون عاملاً للنهوض بالاقتصاد.