فتح الكشف عن 270 مرضاً نادراً يتسبب بها زواج الأقارب في الجزائر، أبواب النقاش على مصراعيها حول الظاهرة، ومن أجل الحد من انتشار هذه الأمراض تعالت الدعوات التي تطالب الحكومة إلى إعداد مخطط للتكفل المبكر.
وصدمت الأرقام والتصريحات التي أدلى بها رئيس جمعية الأمراض النادرة والتوحد، مولود موتشو، في منتدى إعلامي للإذاعة الجزائريين، بخاصة بعد أن ربط أسبابها بما يعرف بـ"زواج الأقارب"، وأبرز أنه تم إحصاء أكثر من 270 مرضاً نادراً بعديد المحافظات، أبرزها تيزي وزو وبجاية وغرداية وجيجل، موضحاً أن الدراسات أظهرت بأن سبب ظهور هذه الأمراض النادرة في هذه المناطق يعود بالدرجة الأولى وبنسبة تفوق 35 في المئة، إلى ظاهرة زواج الأقارب ووجود جينات تنتقل عبر الولادات الناتجة من هذا الزواج.
وأشار موتشو إلى عدد من أبرز الأمراض النادرة المنتشرة اليوم في الجزائر، ومنها نقص المناعة والاستقلاب الخلوي وتصلب الجلد، ومتلازمة سغوغرن، ومرض الدم الوراثي، ومتلازمة ويلشون، وبشتاين، والجلطات الدموية في الشرايين، وتسمم الأفيونيات.
وزواج الأقارب هو زواج بين اثنين تجمعهما رابطة الدم، ومن بين أهدافه المحافظة على بقاء واستمرار الجماعة وعدم اختلاطها بغيرها، ومنعاً للاندماج أو الذوبان في جماعات أخرى.
التوعية والتشخيص المبكر
في السياق، تحذر أستاذة الطب زكية أرادا، من انتشار زواج الأقارب في الجزائر بسبب أضراره السلبية على صحة الجنين، وقالت إن الأمراض الوراثية يمكن الوقاية منها من خلال توعية المواطنين بالابتعاد عن زواج الأقارب وعدم الإنجاب في سن متأخرة، إضافة إلى القيام بالتشخيص المبكر ومتابعة الجنين لإنقاذه من مضاعفات المرض التي قد تؤدي إلى الإصابة بالإعاقة الحركية أو الذهنية مدى الحياة، داعية الأطباء الجزائريين إلى مزيد من التكوين، على اعتبار أن أغلبية الأمراض الوراثية مجهولة من قبل المتخصصين في الجزائر، إضافة إلى غياب مختبرات متخصصة تسمح باكتشاف نوع المرض.
الدين يجيز ولكن...
من جانبه، يرى أستاذ العلوم الإسلامية كمال سعدودي، أن زواج الأقارب يعد جائزاً بصورة عامة، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، إذ لم يرد نص قرآني أو حديث نبوي يحرم الزواج من ابنة العم أو ابنة الخال، إلا أنه ينبغي تفادي الأمراض الوراثية التي قد يسببها هذا النوع من الزواج للأولاد من خلال إجراء الفحوصات الطبية التي تسبق الزواج، مشيراً إلى أن الأعراض والأمراض يمكن أن تكون في زواج الأقارب كما يمكن أن تكون في غيره، بالتالي لا بد من الأخذ بالأسباب التي من شأنها رفع الضرر والمرض عن المجتمع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اهتمام رئاسي
ولم تهمل السلطات الموضوع ومنحته أولوية، إذ شدد الرئيس عبد المجيد تبون، خلال الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء الأخير، على ضرورة التكفل بنقص المناعة بين المواليد والأمراض النادرة في الجزائر، ما جعل رئيس جمعية الأمراض النادرة والتوحد، يعتبر هذه القرارات جاءت في أوانها نظراً لتزايد معاناة المرضى في وقت تشهد فيه المكملات الغذائية الخاصة بهذه الفئة من الأمراض ارتفاعاً وندرة في الأسواق، موضحاً أن الجزائر تحتاج إلى إيلاء عناية أكبر بهذه الفئة، خصوصاً أن عديد المحافظات لا تملك مختبرات للتشخيص المبكر أو مراكز للتكفل النفسي، داعياً السلطات إلى إعداد مخطط وطني من أجل تكفل أمثل، وذلك من خلال فتح مزيد من المختبرات والمراكز الصحية المتخصصة من أجل العمل على الكشف المبكر عن هذه الأمراض، وتقديم النظام الغذائي المناسب وضمان وفرته وبأسعار مدعمة.
إجراء وقائي لحماية الأسرة
كما أكدت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة على ضرورة تقديم شهادة طبية في ملف عقد الزواج كإجراء وقائي لحماية الأسرة من كل الأمراض الوراثية والمكتسبة، بخاصة زواج الأقارب، بالتالي الحفاظ على الصحة العمومية، وأشارت إلى أن الدولة اهتمت في تشريعاتها بالأسرة من خلال سن قوانين تشمل جميع مجالات الحياة وتسهر على تطبيقها وتعديلها كلما اقتضت ذلك المصلحة الفضلى للفرد والأسرة، موضحة أن قانون الأسرة تضمن كل التدابير التي من شأنها بناء أسرة مستقرة ومتوازنة، حيث ينص على ضرورة تقديم شهادة طبية لا يزيد تاريخها على ثلاثة أشهر تثبت خلو المقبلين على الزواج من أي مرض أو عامل يشكل خطراً يتعارض مع الزواج، داعية إلى ضرورة التوعية بأهمية هذا الإجراء على مستوى مصالح الصحة العمومية الجوارية والمدرسة والمسجد وكذلك المجتمع المدني.
استمرار نمط مجتمعي منغلق
وفي وقت كان الجميع يظن أن التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عاشتها وتعيشها الجزائر قد تركت آثارها الواضحة والعميقة في البناء "السوسيولوجي" للمجتمع بصورة عامة ومؤسساته الهيكلية كالعائلة والقرابة والزواج بصورة خاصة، بما يؤدي إلى تحول الاختيار من زواج الأقارب إلى زواج خارج دائرة الأقارب، إلا أن تصريحات رئيس جمعية الأمراض النادرة والتوحد مولود موتشو، أسقطت كل النظريات، بل على العكس كشفت عن استمرار بعض المناطق في نمط مجتمعي منغلق تحت مسميات مختلفة، أهمها الحفاظ على النسل وحماية الهوية القبلية وغيرها، ما يستدعي توسيع وتنشيط دائرة التوعية بخاصة في المدرسة والمسجد.