Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تساعد التكنولوجيا الزراعية دول الخليج على تحقيق الأمن الغذائي؟

فرص واسعة للاستثمار لكن مع مخاطر مناخية وبيئية وتمويلية

الطلب العالمي على الغذاء سيرتفع بحلول عام 2050 بنسبة 56 في المئة عما كان عليه في عام 2010 نتيجة الزيادة السكنية وتغير العادات الغذائية (رويترز)

أظهرت أزمة حرب أوكرانيا، وقبلها مباشرة أزمة وباء كورونا على مدى عامين، أهمية الأمن الغذائي للدول، بخاصة تلك التي تعتمد على استيراد المنتجات الزراعية، فنتيجة الإغلاقات خلال وباء كورونا تعطلت سلاسل التوريد ما أثر بشدة في تجارة المنتجات الزراعية والغذائية، تلتها الحرب الأوكرانية لتحرم العالم من القدر الأكبر من الحبوب والحاصلات الزراعية ومنتجات الغذاء التي يشكل إنتاج روسيا وأوكرانيا القدر الأكبر من إنتاجها العالمي.

حسب تقديرات معهد الموارد العالمي في الولايات المتحدة، فإن الطلب العالمي على الغذاء سيرتفع بحلول عام 2050 بنسبة 56 في المئة عما كان عليه في عام 2010 نتيجة الزيادة السكانية وتغير العادات الغذائية، إذ سيحتاج العالم إلى إطعام ملياري نسمة إضافية في ذلك الوقت، بزيادة سكانية بنسبة 25 في المئة على عدد سكان الأرض حالياً.

وصدر، هذا الأسبوع، عن مجموعة "أوكسفورد" للأعمال، بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية وغيرها، تقرير مطول حول فرص الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي الست. ويفصل الباحثون كيف لجأت معظم دول المنطقة للتكنولوجيا لتطوير قدرتها على مواجهة تحديات الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، في وقت تشهد فيه سلاسل التوريد اختناقات إلى جانب أزمات غير متوقعة سواء طبيعية مثل الجفاف في مناطق الإنتاج أو الحروب كما في روسيا وأوكرانيا.

الأمن الغذائي

في الفترة ما قبل أزمة وباء كورونا عام 2020، كانت دول مجلس التعاون الخليجي تستورد ما نسبته 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية، على سبيل المثال، فكل الأرز المستهلك في المنطقة يتم استيراده تقريباً، إضافة إلى استيراد 93 في المئة من استهلاك المنطقة من الحبوب و62 في المئة من اللحوم و56 في المئة من الخضراوات.

مع ذلك، وحسب مؤشر الأمن الغذائي الذي تعده مؤسسة "إيكونوميست إمباكت" لعام 2021، تعد دول مجلس التعاون من أفضل المناطق بالنسبة إلى الأمن الغذائي من بين الاقتصادات الصاعدة، لكن في الوقت نفسه ليست لديها السيطرة الكاملة على الإمدادات وتظل معتمدة على الاستيراد.

ومشكلة القطاع الزراعي في دول المنطقة هي ندرة الموارد المائية والظروف المناخية التي لا تجعل الأراضي الصالحة للزراعة متوافرة، كما أن القطاع الزراعي وتصنيع الغذاء يشكلان أيضاً عبئاً على المناخ بسبب الانبعاثات منه، التي تبلغ نسبتها 11 في المئة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.

ويشير التقرير إلى أن الحفاظ على المستوى الجيد من الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب، ليس فقط التعامل مع العوامل المناخية، وإنما تطوير وسائل مستدامة للإنتاج والتخزين على المدى الطويل.

استراتيجيات زراعية

ويستعرض التقرير الاستراتيجيات المختلفة التي تبنتها دول المنطقة في السنوات الأخيرة لزيادة الإنتاج الزراعي المحلي والتحوط في مواجهة احتمال اضطراب الاستيراد، ومن أهم تلك الاستراتيجيات مسألة إدارة موارد المياه بزيادة قدرات تحلية مياه البحر في كل دول المجلس. ففي عام 2018، افتتحت الإمارات مثلاً أكبر خزان في العالم للمياه الناتجة عن تحلية ماء البحر، ويحوي الخزان، الموجود تحت الأرض في صحراء منطقة ليوا قرب أبو ظبي على 26 مليار لتر من المياه يمكنها تزويد السكان بنحو 100 مليون لتر من المياه يومياً، كما تستخدم المياه المعالجة في ري بعض المحاصيل.

وعلى سبيل المثال، تعيد السعودية والكويت استخدام 50 في المئة من مياه الصرف بعد معالجتها، أما قطر والبحرين فتعيدان استخدام ما نسبته 10 إلى 15 في المئة من مياه الصرف بعد معالجتها لتصبح صالحة للري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وللتغلب على ندرة المياه، تقوم مراكز الأبحاث في دول المجلس بالعمل على تطوير طرق مبتكرة للزراعة. على سبيل المثال، يتعاون معهد البحث العلمي في الكويت والمركز الدولي للزراعة الحيوية بماء البحر في دبي على ابتكار محاصيل تتحمل في زراعتها مستويات الجفاف وملوحة ماء البحر، وهناك أيضاً الدعم المباشر من الحكومات للمزارعين، كما في السعودية التي أطلقت في 2019 برنامج مساعدة صغار المزارعين للتحول إلى إنتاج المحاصيل العضوية بهدف زيادة إنتاج الحاصلات الزراعية العضوية بنسبة 300 في المئة بحلول عام 2030، ويهدف "برنامج التنمية الزراعية والفلاحية المستدامة" السعودي إلى زيادة إنتاج وتصنيع وتسويق الفواكه والبن العربي والثروة الحيوانية والأسماك، بالإضافة إلى الزراعة المعتمدة على مياه الأمطار.

الاكتفاء الذاتي

ويشير تقرير مجموعة "أوكسفورد" للأعمال إلى أن الاستراتيجيات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث زيادة القدرات التخزينية وتنويع مصادر الاستيراد وزيادة الإنتاج الزراعي المحلي ساعدت على تحقيق الأمن الغذائي، لكن الاعتماد على الاستيراد ما زال بنسبة كبيرة، وهو ما يعني أنها حققت الأمن الغذائي لكنها لم تحقق الاكتفاء الذاتي.

حسب أرقام بنك "ألبن كابيتال" الاستثماري، ومقره دبي، فقد زادت دول مجلس التعاون الخليجي إنتاجها الزراعي ليصل في عام 2019 إلى تلبية ما نسبته 31.3 من الطلب الإقليمي، وذلك بزيادة واضحة على نسبته في عام 2014 التي بلغت 24.9 في المئة، وهكذا، حقق الإنتاج الزراعي لدول المجلس في تلك الفترة نسبة نمو بلغت 4.3 في المئة، وفي المقابل، تراجعت واردات المنطقة من المنتجات الزراعية والغذائية بنسبة 2.1 في المئة.

وفي الفترة السابقة على وباء كورونا، بلغ الاكتفاء الذاتي لدول المنطقة من الأسماك ومنتجاتها 94 في المئة، ومن الألبان ومنتجاتها المختلفة نسبة 97.8 في المئة، ومن الخضراوات نسبة 42.2 في المئة، ومن اللحوم نسبة 41.1 في المئة، أما من الحبوب فلم يزد اكتفاء المنطقة الذاتي على نسبة ستة في المئة.

أما المحصول الأفضل نمواً في دول المنطقة فكانت الفواكه، إذ بلغت نسبة النمو في إنتاجها في الفترة من 2014 إلى 2019 ما يصل إلى عشرة في المئة، وذلك نتيجة الإقبال على زراعة أنواع مطورة تتحمل ظروف المنطقة وتنافس المزارعين في زيادة محاصيلهم منها.

فرص استثمارية

ويرى الباحثون في التقرير أن هناك فرصاً واعدة للاستثمار في الزراعة وإنتاج الغذاء في دول مجلس التعاون الخليجي، بخاصة مع اعتماد حكومات دول المنطقة مزيداً من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأشار التقرير إلى أن "مثل هذه الخطوات ساعدت في خلق بيئة استثمارية جاذبة للشركات الإقليمية والدولية التي تتطلع إلى الفرص في هذا القطاع".

وتقول جانا تريك، مديرة التحرير لمجموعة "أكسفورد" للأعمال في منطقة الشرق الأوسط، "يتعاون صناع السياسات وقادة الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة طويلة بشكل فعال لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، مع تفاقم الوباء العالمي وتغير المناخ الذي فاقم من التحديات في سلاسل التوريد الدولية والإنتاج المحلي، هناك شهية متجددة للاستثمار في حلول مبتكرة لإنتاج الغذاء. نتيجة لذلك، نتوقع أن نرى نمواً مستمراً في تمويل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية ونشاط الاندماج والاستحواذ في إنتاج الغذاء في السنوات المقبلة".

ويتضمن التقرير نماذج لمشروعات وعدداً من "دراسات الحالة" التي توضح قصص النمو وخطط التنمية لأصحاب المصلحة الإقليميين الرئيسين في قطاع الزراعة وصناعة إنتاج الأغذية، ويشير أيضاً إلى أن الأمر لا يخلو من مخاطر، مثل تأثير التكنولوجيات الزراعية في المناخ. لكن ذلك ربما يوفر فرصاً استثمارية لابتكارات تقلل من الانبعاثات من توسع الزراعة بالطرق الحديثة.