Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المفارقة الليبية

الحرب الأوكرانية عقدت المسألة فانشغال العالم عنها لم ينتج منه انسحاب القوى الفاعلة في الساحة

مفارقة اليوم هي مزيد من التأجيل للقضية الليبية ليس إلا (أ ف ب)

إذا كانت غالبية اللقاءات والاجتماعات التي تقام حول أوكرانيا غرضها دعم الحرب، فإن مؤتمرات دولية كثيرة واجتماعات أممية عُقدت حول ليبيا، غرضها دعم السلام. وقبيل الحرب الروسية على أوكرانيا وقيامة الحروب الأوروبية، كانت إيطاليا راغبة بعقد مؤتمر دولي آخر حول ليبيا، واليوم، تناقلت الأنباء أن الجزائر قد تعمل أيضاً من أجل مؤتمر دولي. والمفارقة الليبية أن المؤتمرات المتوالدة لم تُخمد نيران ليبيا، بل زادت الطين بلة، فالحل (اللاحل)، كان دائماً النتيجة التي يحصدها الليبيون، منذ بدء الأزمة في 2011.

سرح بي الخيال من هذه المفارقة إلى يوم ظهور المسألة الليبية دولياً. عندما عاشت عاصمتها طرابلس الغرب حرباً أهلية في القرن التاسع عشر، وانتهت عام 1835، وقتها سمحت الإمبرياليتان، الإنجليزية التي تستعد لاحتلال مصر، والفرنسية التي كانت احتلت الجزائر، بعودة السلطان العثماني لاحتلال ليبيا. بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تحتضر، وتناقش القوى العظمى مسألة اقتسام ميراثها. هذه مفارقة أولى: فليبيا بعد شبه استقلال دام تحت الأسرة القرهمانلية لأكثر من قرن (1711- 1835)، أعيدت إلى حكم الإمبرطورية المحتضرة.

بعيد عودة العثمانيين إلى شمال أفريقيا، في جنوب البحر المتوسط، أعلن عن ميلاد دولة حديثة هي المملكة الإيطالية عام 1861، وأخيراً نجح غاليباردي في توحيدها. ومع مدخل القرن العشرين، قامت المملكة الوليدة بالتوسع في البحر المتوسط، فقد سمح الفرنسيون والإنجليز للإيطاليين باحتلال إيالة طرابلس الغرب. وهو ما تم في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1911، واعتُبر عودة إلى الشاطئ الرابع لروما، وقد سمّى مرسوم ملكي إيطالي ذلك الشاطئ "ليبيا"، بعد عقد اتفاقية "أوشي" في لوزان السويسرية، وانسحاب العثمانيين وتسليمهم الإيالة، في أكتوبر 1912.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هكذا دخل الليبيون من دون دولة ولا حليف في حرب طويلة ضد الإيطاليين. وفي 1914، عام الحرب الكبرى الأولى، دخلوا في حلف الإنجليز والفرنسيين ضد محور ألمانيا وتركيا. وعندئذ، كانت الحركة السنوسية في شرق ليبيا تحت قيادة أحمد الشريف، تقود الحرب ضد إيطاليا، فدخل الشريف، تحت قيادة المحور التركي الألماني، في حرب ضد الإنجليز في مصر، وأعاد حربه ضد الفرنسيين في تشاد. وفي غرب ليبيا، عاد الترك من خلال ميناء مصراتة، حيث أعلن الليبيون عن الجمهورية الطرابلسية في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918. وهذه المفارقة الثانية في الحرب الكبرى الأولى، إذ دُفع الليبيون إلى تحالف مع من هزموا في النتيجة.

ليبيا حجر الأساس المنسي الذي تستدعيه الجغرافيا، خاضت حربها المتمثلة في الكفاح المسلح، وهو ما قاده شيخ المجاهدين عمر المختار، واستمرت من دون ذكر حتى إعدامه في 16 سبتمبر (أيلول) 1931. ليبيا هذه في الحرب الكبرى الثانية، ومنذ عام 1940، باتت ساحة كبرى للمعارك. في هذه المرة، ستكون ليبيا من دون غالبية البلاد المستعمرة وكل العرب، حليفة للحلفاء ضد المحور الإيطالي الألماني، ما شاءت ولكن شاءت الأقدار. وقد خاض الليبيون الحرب تحت راية الجيش السنوسي مع جيوش الحلفاء، من أصبحوا المنتصرين. من هنا، فإن المسألة الليبية كانت في الأمم المتحدة مسألة استثنائية، وعلى الرغم من معارضة الاتحاد السوفياتي وتلكؤ فرنسا ومطالب إيطاليا، نالت استقلالها بقرار الأمم المتحدة في 21 نوفمبر 1949، وتحقق في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951. فكانت من أوائل الدول المستقلة، ولأجل ذاك، فقد دعيت ليبيا "دولة الأمم المتحدة"، وهذه هي المفارقة الثالثة.

اليوم في ليبيا مفارقة أخيرة، فعلى الرغم من أن أوروبا تغوص في حرب ليس لها مثيل منذ الحرب الكبرى الثانية، وعلى الرغم من أن تركيا، دولة أردوغان العثماني، يمسسها شرر الحرب، وأن القيصر الروسي بوتين يخوض حرب الاستعادة السوفياتية، وأن الولايات المتحدة هي الخصم، على الرغم من كل ذلك، فإن حرب أوكرانيا عَقّدت المسألة الليبية. فانشغال العالم عنها لم ينتج منه انسحاب القوى الفاعلة في المسألة الليبية، بل إن هذه القوى صبغت شعارها الحل (اللاحل) وأكدت عليه، والبقية الباقية مجرد تفاصيل للفيلم الليبي. مفارقة اليوم هي مزيد من التأجيل ليس إلا.

لكن هذا المزيد دافعه هذه المرة الشرر، فالحرب في أوروبا، مركز العالم حتى الساعة، يطال شررها العالم، الذي لا أتصور أنه سيشهد تغييراً دراماتيكياً. إن هذه الحرب الساخنة حرب تقليدية، مستجدها الحرب الاقتصادية التي لا مثيل لها، وفي ظني أنها ستزيل من الساحة شبح الاتحاد السوفياتي، وعندئذ لكل حادث حديث.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء