Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المدينة المنورة عرضت أول مسرحية خليجية جماهيرية عام 1910

الباحث المصري سيد إسماعيل يطرح مشروعاً لتوثيق المسرح في السعودية وعمان

رسمة للمدينة المنورة في أواخر القرن التاسع عشر (غيتي)

يتبنى الباحث المصري سيد علي إسماعيل، أستاذ المسرح في كلية الآداب جامعة حلوان، مشروعاً مهماً لإعادة كتابة تاريخ المسرح في البلدان العربية. وبين الحين والآخر يخرج علينا باكتشاف جديد يسهم في تصحيح كثير من المعلومات حول المسرح وتاريخه في المنطقة. وقد لقبه المسرحيون بـ"جبرتي" المسرح العربي، حيث تدور معظم كتاباته حول الاكتشافات التاريخية لهذا المسرح. ومن خلال هذه الكتب يقوم "الجبرتي" بإعادة كتابة تاريخ المسرح العربي، وقد أرّخ لبدايات المسرح في: مصر، والكويت، ولبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، والسودان، وتونس، وسيستمر في مشروعه حتى يؤرخ لبدايات المسرح في بقية البلدان العربية.

ألقى سيد علي إسماعيل، أخيراً، محاضرة بعنوان "توثيق تاريخ المسرح الخليجي بين التنظير والتطبيق... سلطنة عمان والسعودية نموذجين"، وهي محاضرة موجهة إلى الباحثين في السعودية وعمان، يقول إن الهدف منها يتمثل في هذه العبارة: "لكل شيء بداية، وأصعب شيء في تاريخ المسرح اكتشاف بداياته، لا سيما بدايات المسرح الخليجي".

هناك صعوبة بالفعل في اكتشاف بدايات المسرح في منطقة الخليج العربي. وعن هذه الصعوبة يقول سيد علي إسماعيل في حوار مع "اندبندنت عربية": "لو أردنا الحديث عن بدايات المسرح العماني، سنُصدم أمام نتائج الدراسات السابقة التي تؤكد جميعها غياب المسرح قديماً في عمان، مثل غيابه في منطقة الخليج أو الجزيرة العربية، وذلك بسبب العادات والتقاليد. وعلى استحياء تقول هذه الدراسات إن المسرح ظهر في عمان داخل المدارس بداية من الأربعينيات، وأقول على استحياء بسبب عدم وجود وثيقة واحدة مكتشفة، أو خبر واحد منشور في أية جريدة أو مجلة معاصرة للأحداث، تؤكد هذه الحقيقة التاريخية غير الموثقة حتى الآن، لذلك سارع الباحثون العمانيون إلى كبار السن يسجلون لهم أقوالهم وذكرياتهم بعد مرور عشرات السنين على تخرجهم في هذه المدارس. وللأسف الشديد أصبحت هذه الروايات هي المستند الوحيد لحقيقة تاريخية مسرحية، لا نملك الدليل على صدقها أو صدق تفاصيلها أو تحديد تاريخها. وهذا الأمر ينطبق على كثير من دول الخليج العربي، وتحديداً السعودية، لكونها تتشابه مع السلطنة في أمور كثيرة رسمت في عقولنا صورة ذهنية باستحالة وجود أي نشاط مسرحي في السعودية قديماً، كما هو الحال في السلطنة".

بحث وتوثيق

ولكن هل استجاب سيد علي إسماعيل لهذا التصور الذي ينفي وجود مسرح في منطقة الخليج العربي قديما؟ يجيب: "رفضت هذا التصور، وبدأت البحث والنبش عن بدايات المسرح في الكويت، وأصدرت عام 1999 كتابي "تاريخ المعهد المسرحي في دولة الكويت". وفي عام 2015 أصدرت كتابي "قراءة في تاريخ المسرح الكويتي من خلال وثائق غير منشورة"، وفي عام 2017 أصدرت كتابي "وثائق مركز الدراسات المسرحية الكويتية". ومن خلال هذه الكتب استطعت أن أوثق كثيراً من الأمور التاريخية المسرحية الكويتية، واكتشفت أموراً كانت مجهولة، وصححت مفاهيم كانت مغلوطة".

ولكن ما مراحل مشروع توثيق بدايات المسرح في سلطنة عمان والسعودية؟ يقول: "مشروعي في التأريخ المسرحي قائم على عاملين الأول "الوثائق"، والآخر "الدوريات"، حيث يقوم الباحثون العمانيون والسعوديون بتوثيق أو تأريخ مسرحهما من خلال الاطلاع على الوثائق، وتفريغ الدوريات من الأخبار المسرحية وإعلاناتها".

ولكن من يضمن أن هذا العمل ستكون له نتيجة، أليس من المحتمل أن يقول الباحثون في السعودية والسلطنة إنه مشروع حالم لا جدوى منه، لأننا لن نجد شيئاً، وسنبذل مجهوداً بحثياً لا طائل منه؟ يجيب "الجبرتي": "هذا السؤال توقعته، وحتى يقتنع الجميع بجدوى هذا المشروع سأضرب مثلاً حياً بالسعودية تحديداً، وأقول إن معظم الدراسات المسرحية الخليجية أجمعت على أن البحرين صاحبة أول عرض مسرحي مدرسي تم عرضه في مدرسة الهداية الخليفية عام 1925، وهو مسرحية "القاضي بأمر الله". أما الكويت فكانت الثانية تاريخياً من خلال عرض مسرحية "إسلام عمر" عام 1939 داخل مدرسة المباركية، وهناك رأي آخر يقول إن الكويت الأسبق بسبب عرض "المحاورة الإصلاحية"، تأليف عبد العزيز الرشيد، والذي تم في المدرسة الأحمدية عام 1922، على الرغم من أن العرض محاورة، وليس مسرحية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هذه الحقيقة التاريخية عصف بها خبر صغير اكتشفته­­، يقول سيد علي إسماعيل، منشوراً في جريدة "المؤيد" المصرية عام 1910، أثبت من خلاله أن "المدينة المنورة" هي أول مدينة في الجزيرة العربية عرضت مسرحية جماهيرية داخل المدرسة الصناعية عام 1910، وقام بتمثيلها بعض الهُواة من السعوديين والسعوديات، وتم العرض بصورة احترافية لأنه كان بتذاكر مدفوعة، والعرض اسمه "فتاة الدستور"، تأليف نجيب كنعان".

إشارات دالّة

هذا الاكتشاف كتب سيد إسماعيل عنه مقالاً عام 2015، ثم أعاد نشره مع نص المسرحية السعودية في كتاب صدر عام 2017 في القاهرة، أي إنه أمر أصبح معروفاً للمهتمين بالمسرح، فما الجديد الذي اكتشفه ولم ينشره، ويريد أن يعمل عليه الباحثون السعوديون؟ يجيب: "إليك هذه الإشارات التي أعدها مفاتيح لمشروع توثيق بدايات المسرح السعودي، ومنها: خبر منشور في مجلة "الفكاهة" المصرية عام 1927، جاء فيه حرفياً: "قررت حكومة ابن سعود أن تنشئ تياترو في الرياض، عاصمة نجد، وأن تدعو لإدارته الممثل المصري حسين رياض. وإليك أهم اكتشاف - يواصل الجبرتي - وهو "جمعية الشبان الحجازيين" التي تكونت عام 1932، وكان لها دور مهم في مجال المسرح. والمثال على ذلك مقالة منشورة في جريدة "الوادي" المصرية، كتبها مؤسس الجمعية تحت عنوان "التمثيل وأثره في الحركة العلمية"، وفيها أعلن عن تكوين "فرقة الأدب والتمثيل لجمعية الشبان الحجازيين". وسأقتبس جزءاً من المقالة، تحدث فيه كاتبها عن القصص القرآني، قائلاً ومعقباً: "إن التمثيل نوع من هذا القصص، يحمل إلى النفوس أدقّ العبر، ويثير فيها ذكريات الماضي، وما فيه من دروس بليغة، وأمثولات مؤثرة، تفعل في الأنفس فعلها كما تفعل الخطب على المنابر، والعظات في المساجد، والمواعظ في الكتب. نعم، لو تدبر الجامدون ما في التمثيل من انطباق ديني مع روح القرآن ومدلولاته وما فيه أيضاً من زجر وموعظة وتهذيب للنفوس، لخففوا من غلوائهم، وسمحوا للشبان بتعميمه وممارسته". ولنا أن نتخيل أهمية هذه الجمعية المكتشفة، لو اكتشفنا وثائقها أو مقالات أخرى لها أو عنها".

فرقة الكشافة

يتساءل سيد علي إسماعيل: "هل سمعت عن "فرقة الكشافة السعودية" عام 1935 في فلسطين؟ هذه الفرقة عرضت مسرحية "السمسرة وباعة الأراضي" حول ظاهرة بيع الأراضي لليهود في فلسطين في تلك الفترة. وفي العام التالي مثلت الفرقة مسرحية "إلى المجد". وهل تعرف الشيخ عبد العزيز الكحيمي؟ إنه القنصل العام للسعودية في فلسطين، وكان له نشاط مسرحي، بحيث كان الراعي الأول لبعض العروض المسرحية هناك عام 1944، وقام بنشر إعلانات تحمل اسمه وصفته من أجل دعم العروض المسرحية مثل مسرحية "الشهيدة"، ومسرحية "اليتيم"، وسواهما".

يواصل سيد علي إسماعيل ضرب أمثلته: "ما قولك في خبر منشور عام 1956 يقول نصّاً: "يزور المسرح العسكري الأراضي الحجازية لإحياء بعض الحفلات التمثيلية هناك، وستتخلف ممثلات الفرقة عن هذه الرحلة". وهناك أيضاً خبر منشور في جريدة "القاهرة" المصرية عام 1959 عنوانه "أول ممثلة سعودية"، والخبر يذكر اسمها، وأنها كانت تعمل في الدعاية للسعودية، وعادت إلى القاهرة، ومثلت في بعض الأفلام المصرية.

هذه الاكتشافات مهمة جداً، وتحتاج إلى جهد كبير في تتبعها وتوثيقها ودعمها من خلال الوثائق والدوريات، متى ستبدأ في هذا المشروع؟ سألت "الجبرتي، وأجاب: "هذا المشروع يجب أن يقوم به الباحثون السعوديون أو العمانيون أنفسهم، وعندما طرحت فكرته قلتُ: "أعرض عليكم المشروع مستعيناً في طرحه بخبرتي في هذا المجال، بشرط عدم مشاركتي فيه بأية صفة مهما كانت، ولن أسهم فيه بأي مجهود، ولا علاقة لي به نهائياً، حيث إنه سيكون مشروعاً سعودياً أو عمانياً خالصاً".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة