Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتهامات لحكومة أربيل بممارسة سياسة "التمييز" تجاه السليمانية

حزب طالباني يتلقى تنبيهات من احتمال التعرض لهزيمة انتخابية ثقيلة

عاد المتقاعدون منذ أيام إلى الوقوف في طوابير أمام مصارف السليمانية للحصول على مرتباتهم (أ ف ب)

تجددت احتجاجات وإضرابات موظفي القطاع العام في إقليم كردستان العراق مع عودة ظاهرة وقوف المتقاعدين في طوابير أمام مصارف محافظة السليمانية جراء أزمة المرتبات والمطالبات بالتوظيف الحكومي، وسط اتهامات للحكومة بممارسة سياسة "التمييز المناطقي"، فيما تزداد الضغوطات على حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" لمراجعة سياسته تجنباً لـ"خسارة مدوية" ربما يتعرض لها في الانتخابات النيابية الكردية.

ويؤكد نواب وسياسيون أكراد أن الإقليم يُدار فعلياً وفق نظام مقسَّم على إدارتين متنافرتين، إحداهما في أربيل ودهوك وتخضع لنفوذ "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، والثانية في السليمانية وحلبجة وتوابعهما تحت سلطة حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، على وقع خلافاتهما المتفاقمة في ملفات عدة سواء على صعيد إدارة الحكم والموارد في الإقليم، حيث يواجهان أزمة مالية حادة، أو الصراع الدائر بينهما على المناصب في الحكومة الاتحادية.

طوابير وإضرابات

وعاد المتقاعدون منذ أيام إلى الوقوف في طوابير أمام مصارف السليمانية للحصول على مرتباتهم، وذلك بعدما كان خمسة منهم توفوا في نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، إثر تدهور حالتهم الصحية، فيما أكد آخرون أنهم اضطروا إلى المغادرة من دون الحصول على مرتباتهم "التي لا تكفي لتلبية الحاجات الأساسية اليومية". كما لم يحصل موظفو عدد من الوزارات على مرتباتهم على الرغم من ورود اسم وزاراتهم ضمن القائمة الصادرة عن وزارة المالية والمحدد فيها موعد إطلاق المرتبات. وأفاد مدير أحد المصارف بأنه "لم يتلقَّ أموالاً من البنك الرئيس في الإقليم".

وأعلن موظفو مديرية الكهرباء عن إضرابهم عن العمل، وقالوا إنهم ينتظرون منذ يومين للحصول على المرتبات، "لكن البنوك خالية من السيولة النقدية". وأضافوا "لن نعود إلى العمل ما لم نحصل على مستحقاتنا"، وذلك بموازاة تظاهرة نظمها أساتذة جامعة السليمانية أقدموا خلالها على غلق الباب الرئيس لمبنى الجامعة احتجاجاً على تأخر صرف مرتباتهم.

في السياق، واصل موظفو العقود في القطاع الصحي احتجاجاتهم، مطالبين بتثبيتهم في الملاك الدائم، وهددوا بمواصلة الإضرابات في حال عدم الاستجابة لمطالبهم. والجدير بالذكر أن نحو نصف موظفي القطاع الصحي في السليمانية وحلبجة يعملون وفق آلية العقود المؤقتة، بعد نحو عقد من تعليق الحكومة قرار تعيين موظفين جدد في القطاع العام.

"تمييز في التوظيف"

وقال ممثلون عن المضربين خلال مؤتمر صحافي إن "أعداد موظفي العقود في القطاع الصحي في مناطق السليمانية وحلبجة وكرميان يفوق 12 ألف متعاقد، وإضراب هؤلاء سيعطل نصف المؤسسات الصحية". وطالبوا "برفع الغبن عن وزارة الصحة والسليمانية ككل في مسألة التعيينات، ونحن نسمع يومياً عن صدور قرارات سرية بالتعيين باستثناء المحافظة".

وعلى ضوء الضغوط المتزايدة، أعلنت الوزارة عن "تجديد عقد أكثر من 500 من الموظفين العاملين بأجور يومية، على أن يتم دفع مرتباتهم من إيرادات المحافظات والإدارات المستقلة".

وتزامنت هذه التطورات مع تحذيرات أطلقها مسؤولون في القطاع الصحي من تداعيات شح الأدوية التي تعاني منها المحافظة منذ 3 أشهر جراء أزمة في السيولة النقدية. وقال وكيل وزارة الصحة التابعة للإقليم رهيل فريدون خلال مؤتمر صحافي إن "أزمة نقص الأدوية بلغت ذروتها، وعلى الرغم من نداءاتنا المتكررة، فإننا لم نلقَ إلى الآن آذاناً صاغية"، مؤكداً أن "المخاطر ستزداد إذا ما استمرت هذه المشكلة". وحذر نائب مدير صحة السليمانية هيرش سيد سليم، من "احتمالية غلق المستشفيات"، متهماً وزارة الصحة بـ"ممارسة التمييز، ما دفعنا إلى مقاطعة اجتماعات مجلس الوزارة".

وقال مسؤولون في "اتحاد المعلمين" إنهم سبق ورفعوا "مذكرة منذ مطلع العام الحالي تتضمن مطالب عدة إلى الحكومة والوزارات المعنية لإعادة العمل بالترفيع الوظيفي من دون تلقي أي رد". وأكدوا أن "الحكومة وبعد مرور 10 أشهر على الامتحانات النهائية للسنة الماضية، لم تدفع مخصصات المراقبين، ما قد ينعكس سلباً على الامتحانات المقبلة نتيجة رفض معلمين كثر المشاركة في عملية المراقبة".

ووفقاً للنائبة عن كتلة "الحزب الديمقراطي" ليزا فلك الدين كاكائي، فإن السليمانية "تحتاج شهرياً إلى نحو 240 مليون دولار لدفع مرتبات موظفيها، وقد أرسلت الحكومة إلى المحافظة نحو 193 مليون دولار من العائدات النفطية، وعلى المحافظة أن تكمل بقية المبلغ من عائداتها الداخلية"، مشيرةً إلى أن "السليمانية تحصل شهرياً على 105 ملايين دولار وبإمكانها حل أزمة المرتبات بسهولة".

من جهة أخرى، دعا 9 من أعضاء مجلس السليمانية، في مذكرة رسمية، إلى "تقديم إيضاحات حول زيارة قام بها المحافظ هفال أبو بكر إلى الهند، وإذا ما كانت رسمية أم سياحية؟ إذ أثارت كثيراً من الجدل والانتقاد". وقال الأعضاء التسعة إن "السيد أبو بكر زار الأماكن الثقافية والسياحية في الهند والتقط صوراً تذكارية، في وقت تغرق السليمانية في أزمة المرتبات وتشهد تدهوراً غير مسبوق في الخدمات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تراشق إعلامي

في هذه الأثناء، تتواصل الحرب الإعلامية الحامية بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، إذ اتهم موقع "أس أن أن" التابع لـ "الاتحاد الوطني"، الحزب "الديمقراطي"، بإصدار "أمر عبر وزير الصحة وبشكل سري بتعيين 100 من موظفي العقود في مديرية صحة قضاء زاخو، وموافقة وزير التربية على تعيين 41 من المعلمين الذي يمارسون المهنة بصيغة العقود في تربية دهوك من دون أخذ شروط الأولوية في الاعتبار"، مشيراً إلى أن "هذا الإجراء يأتي بينما هناك 20 ألف معلم يطمحون لتثبيت وظيفتهم في الملاك الدائم".

من جانبها، ردت وزارة التربية على اتهامات الموقع ووصفتها بـ"المضللة". وقالت إن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى الأدلة". وأكدت أنها "سترفع دعوى قضائية ضد إدارة الموقع".

وضمن المساعي الجارية لإيجاد مخرج لأزمة السيولة، نقلت وسائل إعلام محلية "تسريبات" تشير إلى أن رئيس الحكومة مسرور بارزاني وزعيم حزب الاتحاد بافل طالباني، عقدا اجتماعين منفصلين مع وزير المالية آوات شيخ جناب، المعتكف منذ ما يزيد على الشهرين في منزله، احتجاجاً على آلية جمع إيرادات الجمارك (بين أربيل والسليمانية) وصرف المرتبات وفقدان وزارته للصلاحيات. وأكدت وسائل الإعلام أن الوزير تلقّى تطمينات بالعمل على حل الأزمة والعودة لمواصلة مهماته.

وقال الناطق باسم كتلة الحزب "الديمقراطي" بيشوا هورامي، "وصلتنا معلومات أن حزب الاتحاد يسعى إلى اتباع آلية غريبة لصرف المرتبات، وهي طريقة أرقام الزوجي والفردي المعروفة والمعمول بها حالياً في توزيع وقود السيارات، وذلك من خلال الاعتماد على تاريخ ميلاد الموظف أو المتقاعد". وعلّق ساخراً "أحسنتم على هذا الإنجاز في الإدارة وتحمّل المسؤولية، أتمنى أن تُخفوا هذا الاختراع لكي لا تسرقه منكم الدول المتقدمة". وتساءل هورامي "فقط أريد أن أعرف ما هو سبب سكوت الذين يهاجمون باستمرار الحزب الديمقراطي؟ كم هي معيبة ومخزية السياسة التي تمارسونها، فالسليمانية تحصل من خلال المنافذ فقط على 150 مليار دينار شهرياً، ما عدا الإيرادات المستحصلة من رسوم الكهرباء والماء والبلديات والضرائب وتلك التي لا تحوَّل إلى خزانة الحكومة".

"تهميش متعمد"

في المقابل، تشن وسائل إعلام حزب "الاتحاد" منذ أيام حملة انتقادات ضد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، لتعمّده "في تهميش السليمانية". وقال النائب عن كتلة "الاتحاد" جمال حويز، "منذ تولّي مسرور بارزاني رئاسة الحكومة فشل في إثبات دوره على أرض الواقع في منطقتَي السليمانية وحلبجة، وأصبح موضع انتقاد مستمر من قبل مواطني المحافظتين ليقولوا إن صلاحياته لا تتجاوز حدود مناطق حزبه، وإلا لمَ لا يقوم كما يفعل رئيس الوزراء الاتحادي (مصطفى الكاظمي) بزيارة أي محافظة كانت عندما تحصل مشكلة".
وشدد حويز على "عدم وجود أي عقبات أمام السيد مسرور لكي يقوم بزيارة للمحافظتَين، لكن من الواضح أنه لا يعيرهما أي أهمية، وقد فصلهما عن محافظتَي أربيل ودهوك اللتين لا تعانيان كما تعاني مناطق السليمانية، حيث نشهد فيها احتجاجات ضد الحكومة باستمرار".

في المقابل، ردت وكالة "باسنيوز" المقربة من مسرور بارزاني على ادعاءات حويز، قائلةً إن "حزب الاتحاد يزعم باستمرار أن حكومة الإقليم لا تملك أي سلطة في نطاق مناطق السليمانية، في حين أنه غير قادر على إدارة هذه المناطق ويقوم بنشر الأكاذيب".

وأوضحت أن مسرور "زار السليمانية في يوليو (تموز) عام 2020 ليفتتح مشروع شارع الـ100 متر الاستراتيجي، الذي تعطل في ما بعد بسبب سحب حزب الاتحاد أموال المشاريع من المصارف. وبعد عام، زار المحافظة مجدداً، وافتتح عدداً من المشاريع المهمة في منطقة إدارة كرميان". ونقلت عن النائب في كتلة "الديمقراطي" شوان زراري قوله إن "الإهانة التي يتعرض لها يومياً المتقاعدون في السليمانية علامة على فشل وهزيمة حزب الاتحاد في مناطقه". وتساءلت الوكالة "إن الاتحاد يروّج بين فترة وأخرى لتطبيق نظام لا مركزي أو تحويل مناطق نفوذه إلى إقليم مستقل، فكيف سيتمكن من تحقيق ذلك وهو في الحال الذي نراه عليها اليوم؟".

أما على صعيد أزمة شح السيولة النقدية في السليمانية، فكشف عضو "لجنة النزاهة" النيابية هلكوت لاله أنور، عن أن "التحقيقات التي أجرتها اللجنة توصّلت إلى أن الإيرادات تُرسل يومياً إلى بنوك السليمانية، ومع نهاية كل أسبوع تقوم سيارتان بسحب تلك الأموال وتنقلها إلى جهة مجهولة".

"غياب الرؤية"

ويتعرض حزب "الاتحاد" لانتقادات وضغوط داخلية متزايدة، إذ وجّه تجمع يُعرَف باسم "أجيال شهداء حزب الاتحاد" انتقادات لاذعة للسياسة التي يتبعها الحزب. وقال التجمع في بيان إن "الحزب على الرغم من انتقاداتنا وعتبنا، يواجه أزمة خطيرة، وبات دوره وتأثيره ونفوذه من النواحي الجيوبوليتيكية غير واضحة، ويفتقر إلى الرؤية أكثر من أي وقت مضى"، محذراً من أن "الحزب إذا ما استمر على هذه الصيغة من الإدارة، فإنه من دون شك سيتعرض لهزيمة قاسية في انتخابات برلمان الإقليم المقبلة"، ومبدياً رفضه "عدم تشكيل لجنة خاصة بأُسَر شهداء الحزب ومطالبهم خلال أعمال ملتقى الحزب الجارية حالياً، على غرار ما حصل في أعمال المؤتمر الرابع". وشدد التجمع على أنه "لا يتبع لأي تيار أو لأي من أجنحة الحزب، وعليه نطالب بإجراء إصلاحات حقيقية".

ويخوض نواب وساسة في الحزبَين الكرديَين منذ أيام سجالات حول الدعوات للعودة إلى نظام حكم الإدارتين الذي نشأ منتصف تسعينيات القرن الماضي في أعقاب حرب أهلية خاضها الطرفان، لكن الناطق باسم مجلس قيادة "السليمانية – حلبجة" لحزب بارزاني، فارس نورولي، رد على تلك الدعوات بالقول إن ""الذين يتاجرون في مسألة نظام الإدارتين مخطئون، وأي جهة إذا ما تحدثت عن هذا الخيار، فستواجه اللعنة". وأردف "حزبنا يرى في موضوع حكم الإدارتين، تراجعاً كبيراً، لذا فإنه لا يؤمن بهذا الخيار تحت أي أعذار".

المزيد من الشرق الأوسط