موازنة لبنان هي موازنة ما تبقى من عام نصفه انقضى، فيما المزايدات السياسية والاستعراضات مستمرة. أما أرقامها فحدث ولا حرج، ففيها الواضح والمؤجل والمستور.
ويبقى الرقم الأصعب الالتزام بمستوى 7.6 في المئة كنسبة عجز للناتج المطروحة ضمن الموازنة، بما يرضي المتطلبات الدولية لإطلاق حزمة المساعدات المالية التي أصبح لبنان بأمس الحاجة إليها.
الدولة اللبنانية لا تدفع المستحقات
تلحظ موازنة العام 2019 إنفاقاً عند 18.4 مليار دولار وعجزاً متوقعاً عند 4.5 مليار دولار. لكن إلى توقعات الإيرادات الطموحة، على الدولة اللبنانية مستحقات لم تدفعها منذ سنوات ولم تُلحظ في جدولة الأرقام حالياً أو مستقبلياً، ما يطرح علامات استفهام. فأكبر المترتبات على الدولة اللبنانية هي:
مستحقات المستشفيات البالغة 1300 مليون دولار
مستحقات المقاولين البالغة 400 مليون دولار
مستحقات الضمان الاجتماعي البالغة 2100 مليون دولار
مستحقات المدارس المجانية التي تدعمها الدولة والتي تفوق 300 مليون ليرة.
ومجموع هذه المستحقات يفوق 4 مليارات دولار. فماذا عن هذه الأموال؟ ومتى تصرف؟ ومن أين؟ ليكون العجز الفعلي أكبر بالتأكيد من العجز المطروح.
يوضح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أن المتأخرات يعود تاريخها إلى العام 2012. فمنذ سبع سنوات والدولة اللبنانية عموماً ووزارة الصحة خصوصاً لا تسدد كامل مستحقاتها. ومنذ العام 2018، لم تسدد وزارة الصحة أي فواتير، بينما سددت القوى المسلحة 25 في المئة من مستحقاتها، ليصل المبلغ المتراكم إلى 1.3 مليار دولار مستحق لـ 127 مستشفى خاصاً في لبنان. ويشير النقيب هارون إلى أنه في مرحلة ما قبل العام 2012، لجأت الدولة إلى مصالحات وتسويات لتسديد مستحقات المستشفيات عبر سندات خزينة تم الاكتتاب فيها في العام 2017، وتستحق في العام 2022 بفوائد أقل من فوائد السوق حالياً، وهنا تكمن المشكلة الأكبر. فالمستشفيات الخاصة، وفق هارون، تحصّل مستحقاتها بعد أكثر من 20 سنة من دون الأخذ في الاعتبار التضخم.
ويحذّر نقيب المقاولين مارون الحلو من انهيار قطاع المقاولات، الذي أسهم في إعمار لبنان والمنطقة. فالشركات أصبحت مهدّدة بالإفلاس والعمال مهدّدون بالصرف. فمستحقات المقاولين اللبنانيين فاقت 400 مليون دولار، وهي تعود إلى أكثر من 10 سنوات وتتضمّن فروق أسعار وتسويات ومشاريع مشتركة مع جهات خارجية. أما المشكلة فتتلخّص وفق الحلو بأن وزارة المالية لا تدفع الأموال المستحقة على الرغم من أن المشاريع نُفذت ومُثبتة قانوناً ورُصدت لها الاعتمادات. وتتوزّع مستحقات المقاولين بين وزارة الأشغال، التي تصرف على المشاريع الجديدة متجاهلة المشاريع القديمة ومجلس الإنماء والإعمار، الذي يتذمّر من عدم تحويل وزارة المالية الأموال، ووزارة الطاقة التي تدين للمقاولين بمبلغ 20 مليون دولار لم تدفع أيضاً.
ووفق الحلو، وبعد متابعة مع الوزارات، يتبين أنها تصادق على الفواتير وتطلب صرفها من وزارة المال إلا أنها لا تسدّد.
وتحاول نقابة المقاولين منذ ثلاث سنوات وضع مستحقاتها على الموازنة من دون جدوى. والمشكلة تكمن في أن شركات المقاولة تستدين من المصارف لتنفيذ مشاريعها بانتظار أن تسدّد الدولة مستحقاتها، لتجد نفسها متعثّرة مصرفياً وتتكبّد فوائد وكلفة مرتفعة لإعادة جدولة ديونها بانتظار بارقة أمل لا تبدو قريبة.
العجز تقدير واقعي أم خيالي؟
دأبت الحكومة اللبنانية على مدى أكثر من 20 جلسة على البحث عن الإيرادات وخفض النفقات لخفض العجز، لكن الطروحات والآمال دونها عقبات. ويبدو أن الإخفاق المسجل في العام 2018 سيتكرّر في العام 2019.
ففي العام الماضي، توقّعت الموازنة عجزاً عند 8.4 في المئة ليفوق 11 في المئة مع نهاية العام. فهل يتكرّر السيناريو نفسه في العام 2019؟
- أولى الخيبات وأكبرها رشح من أولى جلسات مناقشة لجنة المال النيابية لمشروع الموازنة، إذ أبلغت المصارف التجارية النواب عدم قدرتها على الاكتتاب بسندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار (7.3 مليار دولار) بفائدة 1 في المئة، ما يرفع تلقائياً ومجدداً خدمة الدين المستحقة خلال 2019 وبالتالي يرفع العجز من جديد.
- تضمّنت موازنة العام 2019 تأجيل اعتمادات ملحوظة في قوانين برامج للعام 2019 تبلغ قيمتها 800 مليار ليرة وذلك إلى الأعوام 2020 و2021، ما يعني أن مشكلة الإنفاق تأجلت ولم تحل وستعود لتصطدم بها الحكومة بعد أقل من ستة أشهر.
ومن إخفاقات الموازنة، التي تبدو كثيرة، مشكلة قطع الحساب. إذ يُلزم النواب بإقرار قطع حساب السنة الماضية قبل إقرار موازنة السنة المقبلة. والخطورة تكمن في "الطعن"، في حال لم يقبل المجلس تمرير مشروع الموازنة من دون قطع حساب.