يتفقد علاء مركب "أسطول البحر"، يدور حوله وينظر بتمعن في هيكله المثقوب من كل جهة، وبسرعة يقفز على متنه، ليكمل حصراً الأعطاب التي أصابت أضخم سفينة صيد في غزة. يعدد "نحو 30 ثقباً، محرك جديد، ناقل حركة، وأعمدة حديد" جميع هذه تحتاج إلى إصلاح، يقول لصاحب المركب.
ويعد "أسطول البحر" أضخم مركب صيد في غزة، إذ يبلغ طوله 20 متراً بعرض سبعة أمتار، كان يوفر قوتاً لأكثر من 20 صياداً يعيلون نحو 200 شخص، إضافة إلى نحو 100 آخرين يعتاشون من خلفهم بمهن ملحقة. لكن هذه السفينة أصيبت بالشلل منذ خمس سنوات، وحينها رست في ميناء غزة كسمكة نافقة.
متذكراً حادثة تعطلها، يقول صاحبها خليل، "في ليلة عاصفة عام 2018 اعترض جنود البحرية الإسرائيلية رحلتي في عرض البحر، وفتحوا نيران الرشاشات الثقيلة تجاه الأسطول، وحينها كان على متنه نحو 20 صياداً، وبالعدد نفسه أصيب هيكل القارب برصاص حي، وتعطل محرك السفينة وأشياء أخرى غيره، وبسبب تركها هذه المدة، تعرضت لعوامل تعرية ونتيجة الأجواء العاصفة تآكل متنها وهيكلها، حتى باتت بحاجة إلى صيانة كاملة".
أسطول البحر في مقبرة القوارب
ومنذ تعطّل "أسطول البحر" وهو يرسو في مكانه داخل ميناء غزة، الذي بات يسمى "مقبرة القوارب" بسبب كثرة المراكب المعطوبة التي تصطف على جانبيه إما نتيجة عوامل التعرية والأجواء العاصفة، أو بسبب سياسة إسرائيل في تعاملها مع الصيادين.
يقول نقيب الصيادين في غزة، نزار عياش، إن جميع مراكب الصيد أو قوارب السياحة في القطاع فيها أعطاب، وهي بحاجة إلى صيانة شاملة حتى تتمكن من الإبحار مجدداً، وفعلياً لا يوجد أي مركب يمكن تصنيفه أنه جديد، لكن على الرغم من ذلك، هناك نحو 300 قارب تعمل في بعض الأوقات.
ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية، يبلغ عدد القوارب المخصصة للصيد في جميع محافظات قطاع غزة نحو 2500 سفينة، ويبحر عليها أكثر من 10 آلاف صياد، بينهم 4 آلاف مسجلون لدى نقابة الصيادين، لكن جميع السفن بحاجة إلى صيانة وإصلاح، حتى تلك التي تبدو أنها جيدة.
الصيانة مهنة
السبب الذي دفع خليل إلى صيانة قاربه، هو انتشار مهنة صيانة وترقيع المراكب في غزة، بعد فشل جميع محاولات إدخال محركات صيد جديدة، وتعد هذه المهنة قديمة حديثة في القطاع، إذ تنتشر فترة وتختفي كثيراً، فهي مرتبطة بمدى سماح إسرائيل بإدخال قطع غيار المراكب ومستلزمات صيانتها.
لكن نقابة الصيادين تصنف مهنة إصلاح القوارب بحرفة الماضي، التي شارفت على الاندثار، وتراجعت كثيراً خلال العشرين سنة الماضية، إذ يوجد في غزة 20 حرفياً وفنياً فقط يجيدون صيانة المراكب أو صناعتها بشكل متقن وصحيح. يشير عياش إلى أن السبب في ذلك منع السلطات الإسرائيلية دخول المواد الخام الخاصة بهذه الحرفة إلى غزة.
على أي حال، يتخذ علاء من الرصيف الجنوبي لميناء غزة البحري مكاناً يعتبره ورشة له ويصلح فيه قوارب الصيد ويقول، "نعمل على إصلاح سفن الصيد، وهذه المهمة ليست بالأمر السهل، بسبب حظر إسرائيل إدخال كثير من الأدوات الخاصة بالمركب، بخاصة الألياف الزجاجية (الفيبر غلاس)، لكن على الرغم من ذلك سيكون بإمكان أصحاب هذه القوارب بعد صيانتها الإبحار مجدداً لمسافة أميال في البحر".
عدد قليل من الفنيين
ويضيف علاء "لدينا نحو 20 من العمال الفنيين، وهم قادرون على تأهيل سفن الصيد من جديد لتصبح قادرة على ركوب البحر، لكن لفترة قصيرة، فنحن نعمل على استخدام قطع قديمة، نجلبها من قوارب لا أمل في إعادة صيانتها، وننقلها إلى المراكب التي من الممكن أن تعمل بشكل جيد، ونصارح أصحاب هذه السفن بذلك".
ويصف علاء المهمة التي يجريها بـ"عملية إعادة إحياء للسفن الراكدة في مقبرة القوارب"، ويستخدم هؤلاء الفنيون الطريقة اليدوية في تأهيل القوارب باستخدام مادة "فيبر غلاس"، بخلاف ما وصل إليه التقدم في صناعة القوارب خارج فلسطين باستخدام خامات جديدة، وأنظمة محوسبة.
ويضطر إلى ذلك العاملون في مجال صيانة القوارب، نتيجة منع السلطات الإسرائيلية دخول "فيبر غلاس" عبر المعابر الرئيسة، بدعوى الاستخدام المزدوج (أي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وأخرى عسكرية)، يقول مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي، زكريا بكر، إن هذا المنع رفع ثمن العبوة الواحدة (20 كيلوغراماً) إلى 500 دولار أميركي، بعد أن كانت قيمتها 100 دولار فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف بكر "تعرضت قوارب الصيادين خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2021 إلى دمار كبير، نتج عنه توقفنا عن الحرفة"، ويشير إلى أنهم يعملون على صيانة المراكب، في خطوة شأنها تحقيق الأمن الغذائي لمئات العائلات من الصيادين، بخاصة أن هذه الحرفة مصدر رزق أساسي ووحيد لنحو 4 آلاف صياد.
ارتفاع تكلفة الصيانة
وبحسب تقديرات لجان العمل الزراعي، فإن تكلفة صيانة المركب الواحد، تزيد على ألفي دولار، ومن المقرر أن تنتهي صيانة جميع المراكب الشهر المقبل، وتعود إلى العمل من جديد.
لكن هناك تخوفاً لدى نقابة الصيادين ومؤسسات متابعة عملهم من تعرض هذه القوارب إلى أعطال جديدة، يوضح بكر أنهم يشتغلون في صيانة القوارب بدعم من حكومات الاتحاد الأوروبي، لكن دون الحصول على ضمانات بعدم تعرض هذه السفن إلى أي اعتداء داخل المياه من قبل السلطات الإسرائيلية.
وبحسب الرصد والتوثيق الذي أجراه اتحاد لجان الصيادين، فإن البحرية الإسرائيلية نفذت ما يقارب من 302 اعتداء على الصيادين خلال عام 2021، نتج منه مقتل 3 صيادين، إضافة إلى اعتقال 11 آخرين وتدمير شباك ومعدات صيد بالمئات، وكذلك جرى احتجاز عدد من القوارب وهي غير معلومة العدد.