Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المكتوب" يثير جدلا في المغرب بين "الشيخ الداعية" و"الشيخة المغنية"

يعتبر البعض أن تلك الظاهرة ترتبط بالفن والتاريخ بينما يرى فيها آخرون دعوة إلى الانحلال الأخلاقي

إعلان مسلسل المكتوب المغربي (مواقع التواصل)

أثار مسلسل "المكتوب" (القدر) الذي يُبثّ خلال شهر رمضان على القناة الثانية للتلفزيون المغربي الرسمي، جدلاً واسعاً في البلاد، وذلك لاعتماده الدفاع عن صورة "الشيخة" في المجتمع. ويطلق مصطلح "الشيخة" على مغنية "فن العيطة" الشعبي، وعلى الرغم من ارتباط ذلك الفن تاريخياً بشكل كبير بمقاومة الاحتلال، إلا أن الصورة النمطية للشيخة ارتبطت بالمرأة المغنية المنحلة أخلاقياً، التي تغني في الكباريهات، وتتعاطى شرب الخمر وتقيم علاقات غير شرعية.
وحقق المسلسل أعلى نسب مشاهدة، مما يعني أنه تمكن، على الأقل، من احترام أدنى المعايير المرتبطة بحبكة السيناريو وجودة الإخراج. وتدور أحداثه حول معاناة حليمة "الشيخة" وابنتها هند من الصورة النمطية للمجتمع تجاه "الشيخات"، وتبدأ من فسخ "يوسف" لعلاقته بهند بعد أن علم بمهنة أمها، وزواجه بامرأة أخرى من الحارة، إلى أن تجمع الأقدار هند بـ"عمر" الرجل الثري المتزوج بأرملة أخيه بعد وفاة زوجته، والذي يركز على الحفاظ على إرث العائلة المرتبط اسمها بمشاريع تجارية مهمة. ويشهد زواجهما معارضة من أسرة عمر، بالتالي تعاني علاقتهما من صراعات تحيك فصولها كل من زوجته وابنته، الرافضتين للمصاهرة مع "بنت الشيخة".
من جانبها، امتنعت الشركة المنتجة للمسلسل عن التعليق على الجدل الذي خلقه العمل، إلى حين انتهاء عرضه في نهاية شهر رمضان.

نقاش الشيخ والشيخة

ويتفجر الجدل حول مفهوم "الشيخة" في المجتمع المغربي، بين الحين والآخر، إلا أن الخلاف الحاصل حالياً بخصوص تكريس مسلسل "المكتوب" لمفهوم "الشيخة" ودفاعه عنها، أخذ مجرى خاصاً، باعتبار أن الموضوع طرح عندما انتقد الشيخ (الداعية الإسلامي) ياسين العمري "محاولة ضرب القيم" من طرف الأعمال الدرامية، بخاصة لأنه معروف بتوجه الديني المتشدد، كونه يحرم سماع الموسيقى مثلاً.

وبذلك انتقل الجدل من الخلاف حول مفهوم الشيخة، إلى جدل حول "الشيخ" و"الشيخة"، إذ انقسم المعلقون بين مؤكد لرأي الداعية الرافض للتطبيع مع مفهوم "الشيخة"، ومدافع عن تلك السيدة، باعتبارها امرأة وفنانة تقوم بالحفاظ على التراث الثقافي. ورد الشيخ العمري على من يقول إن المسلسل يعكس واقع المجتمع، فرأى أن "ذلك واقع من يعتمدون ذلك الطرح، وليس ذلك بواقع المجتمع المغربي، الذي يضم عجائز يُواظبن على قراءة القرآن"، متسائلاً "لماذا لا يتم ترسيخ ذلك الواقع في مجال الدراما؟".

الشيخة جزء من ثقافة البلد

في المقابل، قال محمد عبد الوهاب رفيقي (سلفي سابق يبحث حالياً في مجال الإصلاح الديني) إنه يتابع مسلسل المكتوب لأنه عمل مغربي، "وعلى الرغم من أن إيقاعه ثقيل نوعاً ما، إلا أن السيناريو محترم، وبه أداء جيد لجل الممثلين"، موضحاً أن "الشيخة هي جزء من ثقافتنا وفئة من فئات المجتمع، بالتالي من حق الدراما أن تعطيها حقها وهو أمر يحسب لها". وأضاف أن "الشيخة حالها كحال كل فئات المجتمع، ليست ملاكاً ولا شيطاناً، وليس ضرورياً أن تكون شخصاً سيئاً، أو أن تكون مقاومة ومناضلة، فهي ككل الشعب. وكما يتم تناول فئات أخرى من الشعب بمختلف سلوكياتها، يتم تصوير الشيخة التي جاهدت في تربية ابنتها، وحافظت على علاقاتها بصديقاتها، وفي الوقت ذاته الأم التي شجعت ابنتها على الزواج برجل لمجرد أنه غني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووجه رفيقي خطابه للداعية العمري فقال إن "من أراد انتقاد المسلسل فلينتقد أداء الممثلين مثلاً، ولا يتنمر على الشيخة لأنها امرأة، مع أن مسلسلات أخرى تتطرق لمواضيع الانحراف والإجرام، لكنك لم تعتبر ذلك تطبيعاً مع تلك الظواهر".
من جانبه دافع المخرج المغربي، عبد الإله الجوهري عن "الشيخة"، باعتبارها "ليست امرأة فنانة فقط، بل سيدة وربة أسرة، وقبل ذلك مواطنة مغربية تملك من الكرامة ما لا يملكه العشرات من تجار الدين، وأزلامهم الخائبين"، معتبراً أن "من ينتقص من قيمة الشيخة وأدوارها، وأهميتها في إغناء الفن الشعبي المسمى العيطة، كفن راق، إنما يقدم صورة عن وعيه الفج الأهوج، كما يقدم ملخصاً عاماً عن أخلاقه في إطلاق الأحكام على عواهنها".
وأشار الجوهري إلى وجود "سيدات كريمات يزاولن الفن، من موقع الشيخات، بكل حس فني ومسؤولية إبداعية، ويقدمن صور بهية عن المرأة بشكل لا يستطيع معه الكثير من قليلي الحياء تقديمه، أعني بهم بعض من سقطوا بيننا بسبب الخواء والجهل، أصحاب النفوس المهلهلة المريضة الانتهازية التي تتاجر بالدين، وتركب على موج فوضى الإفتاء، والتدخل في أمور لا يفهمون فيها أي شيء".

تمدد العلمانية

ويشهد المغرب خلال العقود الأخيرة امتداداً كبيراً للفكر العلماني، حيث أصبح جزء من المجتمع المغربي يرفض الخطاب الديني جملةً وتفصيلاً، بالتالي توالت الحملات الرافضة لخطابات شيوخ الدين وتوجهات الأحزاب الدينية، وتحديداً كلما اقتربت من المجال الأخلاقي.
وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب المغربي، إدريس الكنبوري، أن "الهجوم الذي تعرض له الداعية الأستاذ ياسين العمري بسبب رأيه في مسلسل تلفزيوني عن الشيخات، يعكس حالة الإفلاس الخطير الذي وصلناه في الثقافة والذوق والأخلاق. وتابعت أغلب الردود والمواقف فوجدت أننا وصلنا درجة كبيرة من الانحطاط"، مضيفاً أن "جل أصحاب الردود لا يهمهم أمر الشيخة، وإنما قاموا لأن صاحب الرأي داعية إسلامي، إنه الصوت الداخلي المحبوس عند الكثيرين، الصوت الكاره للتدين في المجتمع المغربي، وقد التحق البعض بهذه الهجمة عن حسن نية، وهم لا يدركون أنهم يخدمون مخططاً أكبر منهم".

وأشار الكنبوري إلى أن "الموضوع ليس مرتبطاً بالدراما أو الفن، على اعتبار أن لو أدلى الفقيه برأي إيجابي تجاه مسلسل معين، لقام هؤلاء بالهجوم عليه بدعوى أن الدراما يجب ألا تخدم أيديولوجيا معينة"، موضحاً "أنها أمور معروفة، لكنها للأسف تنطلي على الأبرياء في مواقع التواصل الاجتماعي فيسقطون في الفخ". وأضاف أن "الأمر أكبر من الشيخة، أكبر بكثير، نحن مجتمع متسامح تعايشت فيه الشيخة الراقصة مع الشيخ المربي، دون مشاكل عندما كانت الشيخات التعبير الوحيد عن الغناء في المغرب، لكن الظاهرة تراجعت بشكل كبير مع تطور أشكال فنية جديدة، واليوم عندما يختار مسلسل تلفزيوني شخصية الشيخة فليس الغرض الدفاع عنها، بل خدمة الميوعة والتفاهة، إن مخرجي المسلسل والذين برمجوه في رمضان يتفقون مع ياسين العمري في أن رمز الشيخة رمز قبيح، وإنما هو يرفضه بينما هم يريدون أن يقبل به المغاربة للتطبيع مع الهبوط الأخلاقي، هي وجهة نظر واحدة، لكن في اتجاهين متعاكسين".
وشدد الكاتب المغربي على أن "المشكلة اليوم هي أن المثقف المتدين مرفوض، والتيار الكاسح هو تيار التحلل والتفاهة والسخافة، إنها صورة كاذبة لمغرب مصطنع تلعب فيه الأقلية دور الأغلبية في مسلسل جميع الممثلين فيه يؤدون دور الشيخة".

المزيد من منوعات