Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستعد ألمانيا لحظر الغاز الروسي... وماذا عن الخسائر الاقتصادية؟

أسواق الطاقة قد تشهد أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية في ظل اضطراب الإمدادات العالمية

لم تقم حكومة ميركل بدعم خط أنابيب "نورد ستريم 2"، بل وقفت على أهبة الاستعداد حيث تم اقتناص الأجزاء الرئيسة من البنية التحتية للطاقة في ألمانيا من قبل الشركات التي يسيطر عليها الكرملين (رويترز)

شهدت شركة "روزينثال"، إحدى أقدم مصنعي البورسلين في ألمانيا، الكثير من الاضطرابات في تاريخها الممتد 140 عاماً، لكن لم يهيئها شيء للتهديد بقطع الغاز الطبيعي الذي من شأنه أن يؤدي إلى توقف مفاجئ في إنتاج الأطباق والأوعية والمزهريات المصنوعة من الخزف الصيني، ويقول مادس رايدر، الرئيس التنفيذي للشركة لـ"فايننشال تايمز"، "لا يمكننا العيش من دون الغاز"، ويضيف، "ليس لدينا مصدر بديل للطاقة".

وتعيد الحرب في أوكرانيا ترتيب مشهد الطاقة العالمي، حيث صدم الاتحاد الأوروبي بالدمار الذي ضرب المدن الأوكرانية بالقنابل الروسية، وفرض عقوبات شديدة على الهيدروكربونات الروسية، الفحم محظور، النفط يمكن أن يكون التالي، وكذلك الغاز الذي قد يكون أيضاً على جدول أعمال العقوبات، لكن الحديث عن فرض حظر شامل على الطاقة الروسية ينشر الذعر في ألمانيا، التي تلقت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 55 في المئة من الغاز المستورد من روسيا، واليوم، الخوف من أي انقطاع مفاجئ للغاز يمكن أن يشل أجزاء كبيرة من صناعة البلاد، ويقول مارتن برودرمولر، الرئيس التنفيذي لمجموعة المواد الكيماوية "بي أي أس أف"، إنها ستغرق الشركات الألمانية في "أسوأ أزمة لها منذ الحرب العالمية الثانية".

سوف تتأثر شركة "روزينثال"، وهي شركة صغيرة تضم 600 موظف بالقرب من الحدود التشيكية، بشدة، ويقول رايدر، "إذا انقطع الغاز، فسيتعين علينا إغلاق إنتاجنا في غضون أيام أو أسابيع قليلة"، وبالتالي، فإن الإغلاق المطول "سيعني نهاية بعض الشركات في الصناعة"، التي تثقل كاهل العمالة والطاقة المرتفعة، والتي "تكافح فعلياً من أجل بقائها"، وهذا الخوف هو الذي يفسر معارضة ألمانيا العميقة لفكرة إغلاق صنبور الغاز الروسي.

في أوائل أبريل (نيسان)، قال المستشار الألماني أولاف شولتز للبرلمان إن اعتماد البلاد في مجال الطاقة على روسيا "نما على مدى عقود ولا يمكن أن ينتهي من يوم إلى آخر"، وتتفق كل الأحزاب الكبيرة في البلاد معه في تلك الرؤية، لكن هذا الرأي قد لا يمكن الدفاع عنه بشكل متزايد مع تقدم الحرب في أوكرانيا، فالأدلة المتزايدة على جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية في أماكن مثل "بوتشا" وبدء هجوم روسي كبير جديد في منطقة دونباس الشرقية هذا الأسبوع تزيد الضغط على كل الدول الأوروبية للنظر في الأقل في فرض حظر على استيراد الغاز، وألمانيا ليست استثناء، وفي الوقت نفسه، تواجه ألمانيا خطر قيام روسيا نفسها بالرد على العقوبات الغربية من خلال وقف تدفق الغاز إلى أوروبا من جانب واحد. في كلتا الحالتين، تواجه برلين سيناريو لم يكن من الممكن تصوره حتى قبل أسابيع قليلة، صدمة في إمدادات الغاز ستجبرها على تقنين الطاقة للصناعة ويمكن أن تغلق بعض أكبر المصانع في البلاد.

واليوم يشعر قدامى المحاربين في مجال الطاقة بالحيرة، ويقول ليونارد بيرنبوم، الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة الألمانية "إيون"، "لقد رأيت الكثير من الاضطرابات"، ويضيف، "لقد رأيت انتقال الطاقة من الصفر إلى قوتها الكاملة، دعنا نقول، لقد رأيت فوكوشيما، لقد رأيت أوقاتاً مضطربة، لكن ما نلاحظه الآن هو غير مسبوق"، في وقت يغذي الضغط على أوروبا الغضب من المبالغ الهائلة التي سلمتها إلى الكرملين مقابل الهيدروكربونات، حتى في الوقت الذي تقاوم فيه حرباً أودت بحياة الآلاف من المدنيين ودمرت البلدات والمدن الأوكرانية.

38.2 مليار دولار المخصصات الأوروبية لإمدادات الطاقة الروسية

ومنذ بدء الحرب، خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 35 مليار يورو (38.2 مليار دولار) لإمدادات الطاقة الروسية، وفقاً لجوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وقال زميله شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، في أوائل أبريل، إنه "عاجلاً أم آجلاً" على الكتلة أن تفكر في حظر واردات النفط الروسي، وحتى الغاز، لكن الشركات الألمانية تصر على أن مثل هذا الحظر ستكون له عواقب وخيمة، ويقول سيغفرايد راسوورم، رئيس اتحاد الأعمال للصناعة  الألمانية، "فرض حظر مفاجئ على استيراد الغاز سيؤدي إلى توقف قطاعات كاملة من الصناعة ويلحق أضراراً جسيمة بأكبر قوة في ألمانيا، وكذلك في النزاعات الدولية، قوتها الاقتصادية واستقرارها".

ألمانيا رجل أوروبا المريض

وفي إصرارها على نهج تدريجي، حظيت الحكومة الألمانية بغطاء من قبل بعض الاقتصاديين البارزين في ألمانيا، وقالت توقعات صدرت في 13 أبريل عن أكبر معاهدها الاقتصادية إن حظر الاتحاد الأوروبي الكامل للطاقة من شأنه أن يؤدي إلى ركود حاد في ألمانيا، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 2.2 في المئة العام المقبل والقضاء على أكثر من 400 ألف وظيفة، ويقول ستيفان كوثز من معهد كيل للاقتصاد العالمي، "ستخسر ألمانيا 220 مليار يورو (240.3 مليار دولار) من الناتج الاقتصادي في عامي 2022 و2023، أي ما يعادل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي".

وتأتي مثل هذه التوقعات القاتمة مع ظهور ألمانيا بالفعل وكأنها رجل أوروبا المريض، وتقلص ناتجها المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الماضي تحت ضغط من اختناقات سلسلة التوريد العالمية، وعلى عكس الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو ككل، لم تنتعش ألمانيا إلى مستويات الإنتاج قبل الوباء، لكن الجدل لا يزال محتدماً حول مستقبل إمدادات الغاز الألمانية من روسيا، ويقول بعض المحللين والاقتصاديين إن التكاليف المتوقعة للتعليق، وصعوبة سد فجوة العرض، مبالغ فيهما، في وقت يعتقد البعض الآخر أن الأهمية الاقتصادية للغاز الروسي لا ينبغي أن تكون الاعتبار الوحيد لصناع السياسة.

من جانبها تعتقد جانيس كلوج، الخبيرة في شؤون أوروبا الشرقية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أن ألمانيا يجب أن تفكر في فرض حظر على الغاز، ولو لأسباب أخلاقية فقط، وتقول كلوج، "من خلال عدم ممارسة الضغط الكافي على موسكو في هذه الحرب، فإننا نخسر رأس المال السياسي في أوروبا والغرب"، وتضيف، "لا يبدو أن ألمانيا تدرك التكاليف الهائلة التي يتطلبها القيام بالقليل للغاية".

محور الطاقة بين برلين وموسكو

واليوم، تذهب معضلة الغاز إلى قلب نقاش أوسع نطاقاً في ألمانيا حيث يدور حول سؤال بسيط وهو: كيف أصبحت البلاد معتمدة إلى هذا الحد على دولة تحولت في عهد فلاديمير بوتين إلى ديكتاتورية مستعدة لغزو جيرانها وإغراق أوروبا في الحرب؟

وتعود جذور علاقة الطاقة الوثيقة إلى اتفاقية تاريخية بين ألمانيا الغربية آنذاك والاتحاد السوفياتي عام 1970، والتي شهدت دفع الألمان مقابل الغاز الطبيعي السوفياتي من خلال صادرات الأنابيب الفولاذية، ويقول بيرنبوم من "إيون"، "لقد كانت صفقة رائعة للجميع، بما في ذلك السوفيات، لقد حصلوا على البنية التحتية للتصدير بتمويل من الغرب، ولدينا غاز رخيص"، ومع توطيد العلاقة، اكتسبت روسيا سمعة كمورد موثوق به واستمرت في ضخ الغاز حتى عندما أدى الغزو السوفياتي لأفغانستان إلى التوترات بين الشرق والغرب إلى نقطة الغليان، ويقول فرانك ماستيو، الرئيس التنفيذي لشركة "أي أن بي دبليو"، ثالث أكبر شركة للطاقة في ألمانيا، "كان هناك عنصر من الاستقرار على المستوى التشغيلي بسبب الطبيعة التكافلية للعملاء والموردين".

ومع تحول سياسة الطاقة في ألمانيا، ازداد اعتمادها على الغاز الروسي أكثر من أي وقت مضى، في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، قررت برلين التخلص التدريجي من الطاقة النووية في عام 2011 وتحركت لاحقاً لإغلاق محطات الطاقة المتبقية التي تعمل بالفحم في البلاد، ومع ذلك، مع توقف تراكم مصادر الطاقة المتجددة، بدأ الغاز كوقود جسر لمستقبل منخفض الكربون يلوح في الأفق بشكل أكبر في مزيج الطاقة، وحتى عندما غزت روسيا جورجيا وتدخلت في سوريا وضمت شبه جزيرة القرم وأثارت حرباً انفصالية في شرق أوكرانيا، واصلت ألمانيا توسيع شراكتها في مجال الطاقة مع روسيا، ولم تقم حكومة ميركل فقط بدعم خط أنابيب "نورد ستريم 2" لزيادة تدفق الغاز الروسي الذي يتم ضخه مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، بل وقفت على أهبة الاستعداد حيث تم اقتناص الأجزاء الرئيسة من البنية التحتية للطاقة في ألمانيا من قبل الشركات التي يسيطر عليها الكرملين، ومن الأمثلة على ذلك معمل تكرير النفط "بي سي كيه" في مدينة شويدت، شرق ألمانيا، الذي تملكه الآن "روسنفت"، ومرفق "غازبروم" الآخر، "ريهدين"، أكبر منشأة لتخزين الغاز في أوروبا الغربية، وقد وقعت عمليتا الاستحواذ بعد غزو روسيا شبه جزيرة القرم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في غضون ذلك، اتخذت برلين قرارات حبستها في الإمدادات الروسية من الغاز لعقود مقبلة، مع استبعاد مصادر أخرى، في وقت دمر خط أنابيب "نورد ستريم 1 و2" دراسة الجدوى لبناء محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي كان سيسمح لألمانيا بتنويع تدفقات الطاقة الداخلة إليها، ويتعرض السياسيون الألمان، الذين ينظر إليهم على أنهم أقاموا علاقات وثيقة مع روسيا، للسخرية اليوم، أحدهم هو فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية السابق في حكومة ميركل الذي يشغل الآن منصب رئيس ألمانيا، والذي كان قد خطط لزيارة كييف الأسبوع الماضي، ولكن حكومة فولوديمير زيلينسكي الأوكرانية أخبرته أنه لن يكون مرحباً به، وهو ازدراء مذهل.

لكن محور الطاقة بين برلين وموسكو كان في الواقع من عمل الحكومات الألمانية المتعاقبة، ولم يكن مدفوعاً فقط بالعوامل الاقتصادية، ليس فقط بسبب الرخص النسبي للغاز الروسي، ولكن بسبب حتمية التغيير من خلال التجارة، عبر فكرة أن "الاعتماد المتبادل المتزايد من شأنه أن يرسخ العلاقات بين روسيا وألمانيا"، وتقول كلوج، "لقد أزال هذا السرد السياسي المخاوف التي كان يمكن أن تنتاب الناس من هذا الاعتماد غير المتوازن على روسيا".

التجميد من أجل الحرية

وعلى الرغم من تفضيلها الفك البطيء لهذه العلاقة، تستعد ألمانيا الآن بنشاط لاحتمال وقف الغاز الروسي، وبعد أن رفضت دول الاتحاد الأوروبي طلب موسكو دفعها بالروبل مقابل غازها الشهر الماضي، حيث قامت الحكومة الألمانية بتنشيط أولى مراحل التحذير الثلاث في خطة الإمداد الطارئة، وهي خطة تم وضعها أثناء الحظر النفطي العربي في السبعينيات، وبموجب أحكامها، ستقوم الحكومة الألمانية في حال النقص الحاد من إمدادات الطاقة في نهاية المطاف بتأميم شبكة توزيع الغاز في البلاد، ما يضمن تخصيص الإمدادات للبنية التحتية الحيوية، مثل المستشفيات، والأسر، وستضطر الصناعة إلى تقليص استهلاكها من الغاز، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيطلب من الشركات الصغيرة أو الكبيرة القيام بذلك أولاً، أو بالإجراء نفسه، واليوم، تعج قاعات مجالس الإدارات الألمانية بالضجة، ويقول المسؤولون الحكوميون إنهم غمروا برسائل من الصناعات تؤكد مدى "ارتباطها بشكل منهجي"، لا سيما من قطاع المواد الكيماوية الذي يشعر أن الأهمية الحقيقية لمنتجاته الأساسية للاقتصاد الأوسع لم يتم فهمها بشكل كامل، فالشركات التي تتصارع للحصول على مكان في قائمة انتظار التقنين تعين محامين للدفاع عنها، وأشاروا إلى أنه في حين يمكن تعطل خط تجميع السيارة ثم إعادة تشغيله بأقل قدر من الضرر الدائم، إلا أنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن أفران الصهر في مصانع الصلب أو المفرقعات البخارية الكبيرة التي تكسر الهيدروكربونات.

وكجزء من الخطة الحكومية، أجرت وكالة الشبكة الفيدرالية، الجهة المنظمة التي تشرف على البنية التحتية للطاقة في ألمانيا، محادثات مع الشركات للاستعداد "لعمليات إغلاق لا مفر منها" في حال حدوث نقص في إمدادات الطاقة، وقال كلاوس مولر، رئيس الوكالة، لصحيفة "هاندلسبلات" الألمانية، "لسوء الحظ لا يمكننا استبعاد موقف يتعين علينا فيه اتخاذ قرارات لها عواقب وخيمة على الشركات والوظائف وسلاسل التوريد ومناطق بأكملها".

وتقوم بعض الشركات مثل "ثيسينكروب" و"بي أي أس أف" بإعداد قوائم بوحدات الإنتاج التي يمكنها تحمل تكاليف إغلاقها في حالات الطوارئ، كما يقوم بعض تجار التجزئة بخفض درجة الحرارة في منافذهم لخفض تكاليف الطاقة، في حين دعا الرئيس الألماني السابق يواكيم غاوك، الشهر الماضي، مواطنيه إلى "التجميد من أجل الحرية"، في غضون ذلك، تسعى الحكومة جاهدة لإيجاد بدائل للغاز الروسي، وسافر وزير الاقتصاد روبرت هابيك، وهو شخصية بارزة في حزب "الخضر"، إلى قطر، الشهر الماضي، لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال الطويلة الأجل من الدولة الخليجية، واختار هابيك ثلاث وحدات تخزين عائمة وإعادة تحويل الغاز إلى غاز ستزود ألمانيا بـ27 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، كما قام بتسريع صفقة لبناء محطة دائمة للغاز الطبيعي المسال في ميناء "برونسبوتل" بالقرب من هامبورغ.

مزارع الرياح

في الوقت نفسه، تضغط الحكومة من أجل المزيد من مزارع الرياح والحدائق الشمسية لزيادة حصتها من الطاقة المتجددة، لكنها قد تسمح لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم في ألمانيا، والتي من المقرر إغلاقها بحلول عام 2030، بالعمل لفترة أطول، وهو توجه مرير يمكن لحزب الخضر ابتلاعه، وتقول وزارة هابيك إنه منذ غزو روسيا أوكرانيا، خفضت الحكومة اعتمادها على الفحم الروسي من 50 إلى 25 في المئة، والنفط من 35 إلى 25 في المئة، والغاز من 55 إلى 40 في المئة، وتهدف الخطة إلى أن تتخلص ألمانيا من الغاز الروسي بحلول منتصف عام 2024 وأن تصبح "مستقلة فعلياً" عن النفط الروسي بحلول ديسمبر (كانون الأول)، ومع ذلك، يقول بيرنباوم من شركة "إيون" إن الأمر سيستغرق ثلاث سنوات حتى تتخلص ألمانيا تماماً من إدمانها واردات الطاقة الروسية.

ومع ذلك، يختلف الآخرون، ووفقاً لتقرير صادر عن المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (دي أي دبليو)، يمكن لألمانيا أن تسد بسهولة فجوة إمدادات الغاز لديها إذا توقفت الصادرات الروسية، جزئياً عن طريق زيادة واردات خطوط الأنابيب من النرويج وهولندا، والاستفادة من المزيد من الغاز الطبيعي المسال عبر محطات الاستيراد في روتردام، وزيبروج، ودونكيرك، وإجبار الصناعة على الحفاظ على الطاقة، وتقول كلوديا كيمفرت، خبيرة الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية إن "الصناعة الألمانية تعمل على تطوير سيناريوهات الرعب هذه، قائلة إنه لا يمكننا الاستغناء عن الغاز الروسي، ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يأخذون الاقتصاد بأكمله رهينة، لكننا نعيش في عالم مختلف الآن، لم يعد بإمكاننا التعامل مع روسيا بعد الآن وعلى الصناعة أن تدرك ذلك".

لكن المسؤولين الحكوميين يرفضون الاقتراحات بأن ألمانيا يمكن أن تفعل بطريقة ما الاستغناء عن الغاز الروسي، ويقول أحدهم، "لا تزال واردات الغاز الروسي، من وجهة نظرنا، لا يمكن الاستغناء عنها".

تكاليف الانقطاع

وتبقى الآراء مختلطة بالقدر نفسه حول التأثير الاقتصادي المحتمل لحظر الطاقة على ألمانيا والاتحاد الأوروبي، في حين يدعم بعض الاقتصاديين البارزين نهج الحكومة التدريجي، محذرين من أن قطع العرض المفاجئ على مستوى القارة يمكن أن يضر بشكل دائم بالقدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي بل ويغذي الاضطرابات الاجتماعية، ويقول مارسيل فراتزشر، رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، "ستكون صدمة غير متكافئة للغاية، وستضرب ألمانيا وأوروبا بشدة، وأصعب بكثير من الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم"، ويضيف، "هناك خطر حدوث رد فعل اجتماعي عنيف إذا كانت لدينا فترة طويلة من ارتفاع الأسعار، وإغلاق الشركات وتقنين إمدادات الغاز".

ليس الأمر كذلك، كما يقول روديجر باخمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة "نوتردام" الذي شارك في كتابة أحد التقارير العديدة التي أعقبت غزو أوكرانيا والتي قدرت أن إنهاء واردات الطاقة الروسية سيكون "قابلاً للإدارة" بالنسبة إلى الاقتصاد الألماني، "إنها أزمة مؤقتة، يمكننا حماية الوظائف من خلال العمل لوقت قصير ودعم الشركات بضخ رأس المال من قبل الحكومة، لقد فعلنا هذا من قبل في توقيت كوفيد، ألمانيا لديها القدرة المالية على دفع ثمن ذلك".

وتتفق فيرونيكا جريم، أستاذة الاقتصاد بجامعة "إرلنغن نوربيرغ"، التي تجلس في مجلس الخبراء الاقتصاديين الذين يقدمون المشورة للحكومة على أن تدابير الكفاءة يمكن أن تقلل من استهلاك الغاز على المدى القصير بنسبة تصل إلى 15-25 في المئة.

مثل هذه الحسابات قوبلت بالازدراء من قبل العديد من الشركات الألمانية، التي تحذر من العواقب الفوضوية للإغلاق المفاجئ للغاز الروسي. "روزينثال" هي مثال على ذلك، فهي تحرق البورسلين في أفران تسخن إلى 1200 درجة مئوية ويجب الحفاظ على درجة الحرارة هذه باستمرار، وتقول الشركة، "لا يمكننا تقليل استهلاكنا للغاز قليلاً"، وتضيف، "إذا لم تكن لدينا درجة حرارة ثابتة، فإن الخزف لا يشتعل ويبدأ في الانكسار"، وتعمل الشركة على خطة طوارئ لاحتمال حدوث نقص في إمدادات الغاز، لكن التوقعات قاتمة.