Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تبدو سياسة لوبن الخارجية في حال أصبحت رئيسة فرنسا؟

المناظرة التي انتظرها الفرنسيون لم تحقق المفاجآت

النقاش الذي تابعه 15.6 مليون فرنسي، مساء الأربعاء، خلال المناظرة الرئاسية بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، لم يحقق نسبة المشاهدة المعهودة كما أنه لم يخرج بشيء جديد، إذ بقي كل مرشح على مواقفه، والمرشحان لم يتخطيا حدود اللباقة والكياسة إلا في بعض الاتهامات التي وجّهها ماكرون لمنافسته. 

مارين لوبن التي حققت نسبة تاريخية لحزبها في الدورة الأولى، حاولت الإبقاء على صورة المرشحة الأقرب لهموم المواطن البسيط الذي يجد صعوبة في تأمين متطلبات الحياة اليومية، لكن ماكرون ظهر في منصب الرئيس الذي يملأ منصبه، المتمعن في ضبط تقنيات ملفاته، بخاصة في ما يتعلق بالاقتصاد والأرقام، وهذا أمر بديهي نظراً إلى تكوينه العلمي، فهو خريج المدرسة العليا للإدارة التي تكوّن معظم الكوادر للدولة، وهو آتٍ من عالم المال والأعمال، ووزارة الاقتصاد، وشغل منصب مستشار رئاسي في عهد فرنسوا هولاند، ناهيك عن خمسة أعوام رئاسية. 

النقاش لم يحرك مشاعر الفرنسيين، كونه كان طويلاً ولم تتخلله مناظرات حادة. مارين لوبن بقيت في موقع الدفاع وبعيدة من الانفعال ورد الفعل. وللأيام الثلاثة الفاصلة، تبقى المهمة الأساسية للمرشحين اللذين عادا إلى الميدان في اليوم التالي، إقناع المترددين وكسب أصوات مؤيدي جان لوك ميلانشون عن أقصى اليسار، وأصوات اليمينية فاليري بيكريس. 

ضاحية سان دوني الشعبية شمال باريس حيث كانت نسبة المقاطعة الأعلى، هي المكان الذي اختار ماكرون زيارته غداة النقاش. في حين توجّهت لوبن إلى منطقة السون في قرية روا الصغيرة، فهي تشدد على صلاتها مع المجتمع الريفي. 

بحسب استطلاعات الرأي "إيبسوس سوبرا"، تبيّن أن ماكرون يتقدم على لوبن بنسبة 13 نقطة مع 56.5 في المئة لماكرون مقابل 43.5 في المئة للوبن.

وفي تشريح الأصوات بين مؤيدي ميلانشون، يوضح رئيس معهد الإحصاءات "إيبسوس سوبرا" بريس تانتوريه، في مقال لصحيفة "لوموند" أن عام 2017، أعطى مؤيدو مرشح أقصى اليسار ما يزيد على نصف أصواتهم لماكرون 52 في المئة، بينما كانت نسبة الذين أعطوا أصواتهم إلى مارين لوبن 7 في المئة وامتنع 41 في المئة عن التصويت. 

ملفات ساخنة

واليوم يعتبر المعهد أن نسبة الامتناع ستكون حوالى 28 في المئة، وستكون الحصص موزعة كالتالي: 36 في المئة ستصوّت للرئيس الذي يسعى إلى ولاية ثانية، و19 في المئة للمرشحة لوبن، في حين ستصل نسبة الممتنعين إلى 45 في المئة. وهي نسبة كبيرة، أما نسبة الذين يقولون إنهم يحبون ماكرون من بين مؤيدي ميلانشون، فهي 9 في المئة.

وكون منصب الرئاسة يحظى بأهمية أساسية بالنسبة إلى الفرنسيين، يبقى ماكرون في نظر شريحة واسعة مؤهلاً لمنصب الرئاسة بنسبة 54 في المئة من مؤيدي ميلانشون، في حين لا تتعدى هذه النسبة 23 في المئة للوبن.

نقاش الأربعاء تناول الملفات الداخلية التي تمحورت حول القوة الشرائية وخفض الضرائب والحدّ من ارتفاع أسعار المحروقات والطاقة. مسائل وطنية هي التي تشكل الهم الأساسي للمواطن والتي تحدد فوز المرشح.

المحاور الإقليمية والدولية كانت حول الاتحاد الأوروبي والعلاقة بين الثنائي الألماني - الفرنسي، الذي يبقى المحرك الأساسي للاتحاد، وحول روسيا وأفريقيا. وحول هذه المسائل، كانت هذه المقابلة مع المحللين السياسيين أوليفيه روكان وإيمانويل دوبوي. 

مكانة فرنسا في الاتحاد الأوروبي

المحلل السياسي أوليفيه روكان يرى أن ما تعلن عنه لوبن حيال مكانة فرنسا في الاتحاد الأوروبي وتغيير التموضع داخله والانفتاح أكثر على علاقات مع بولندا والمجر، وليس فقط في ما يتعلق بسياسات الهجرة، "سيكون أمراً يحمل كثيراً من المخاطر. فمستوى الاندماج مع ألمانيا سيواجه مقاومة كبيرة وهذا يتطلب برنامجاً معقداً وصعباً، ويصعب تقييمه سواء من حيث التنفيذ ويبقى غير واضح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بمبدأ السيادة الوطنية، يقول: "هذا الشعار يشكل هويتها ودمغتها السياسية، ويبقى علامة حزبها الخاصة ولا يمكنها أن تكون غير ذلك، وهي لم تتبدل في أي يوم، على الرغم من أن الشيء السياسي يحمل في طياته التغيير لكنها لم تتغير". 

ويردف: "وما استهدفه ماكرون خلال المناظرة ولو أنه بدا مستعلياً، فهو نازعها ليكشف عن مدى قدرتها الرئاسية، وشدد عل هذه النقطة ليزرع الشك في عقول الناخبين حول قدرتها على إدارة دفة رئاسية". ويضيف، "ففي حال فوز لوبن، سنشهد فترة من الغموض على صعيد العلاقات الدولية، وعلى المستوى الأوروبي والعلاقات مع كل من إيطاليا وإسبانيا، كذلك سيكتنف الغموض العلاقة مع الولايات المتحدة برئاسة جو بايدن، كما ستكون هناك شكوك حول المصداقية والحوكمة وستُطلب منا ضمانات كثيرة".

فالأمر لن يكون بالسهولة المتخيلة حيال المسائل المتعلقة بالمعاهدات الدولية، واحترام المعاهدات يطغى على القانون، كل هذا يبقى في إطار الإعلان وبرنامج لوبن سيواجه العقبات، ويصطدم بعلاقات القوة على الصعيد الدولي.

وبذلك يمكن القول إن الكلمة الفصل تبقى في الحملات الانتخابية للتحديات المحلية، ففي معظم الحملات الرئاسية النقاش والجدل يتمحوران حول الأمور الوطنية الداخلية على الرغم من أن المسائل الدولية في هذا النقاش جاءت في مرتبة متقدمة. 

الحلف الأطلسي

من جهته، يعتبر المحلل السياسي إيمانويل دوبوي أن النقاط الأساسية المتعلقة بالعلاقات الدولية تتمثل في مسألة الحلف الأطلسي، فهي تطالب بخروج فرنسا من الإدارة العسكرية للحلف.

ويقول دوبوي: "في ما يتعلق بخطابها وموقفها من الاتحاد الأوروبي، فهو لم يتبدل على الرغم من أنها عدّلت من لهجتها الحادة، فهي لم تعُد تطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي، على غرار النموذج البريطاني، بل تطالب بإعادة النظر ببعض المعاهدات الأساسية، ما يعني التشكيك والتخلف عن المبادئ والمعاهدات التي تشكل أساسيات البناء الأوروبي كمشاركة الديون، والمبادئ الأساسية للسياسة الخارجية، وذلك من شأنه أن يضعها بمصاف الدول الأوروبية التي انتخبت اليمين المتطرف، على غرار المجر وبولندا، بالتالي ما يؤثر في دور فرنسا في العالم ويضعها على هامش التحالفات التي توحّد أوروبا". 

عن العلاقة مع روسيا، يعتبر دوبوي أن صلة لوبن مع روسيا لا تقتصر على القرض بقيمة 9 ملايين دولار الذي اقترضته من أحد المصارف المقربة من فلاديمير بوتين عام 2015. لوبن استغلت الانتقاد الذي وجّهه إليها ماكرون بالقول: "عندما رفضت المصارف الفرنسية منحي القرض اضطررت إلى التوجه للخارج. حزبنا فقير". 

فهي الوحيدة، بحسب دوبوي "التي اعترفت بالاستفتاء في شبه جزيرة القرم، الذي نظمه بوتين بعد ضمها إلى روسيا عام 2014. كان بإمكان لوبن التراجع أو تغيير رأيها، لكنها لم تفعل ذلك". 

وبذلك، ينسحب الأمر على معاهدة حقوق الإنسان والعلاقات مع الولايات المتحدة، فهي غير متحمسة لعلاقات مع جو بايدن، وهذا ما يجب أن يؤخذ في الحسبان. 

العلاقات الفرنسية - الأفريقية

المحور الثالث في العلاقات الدولية تناول العلاقات الفرنسية - الأفريقية، فهي أبدت شكوكها حول العلاقات التي تربط ماكرون ببعض الدول الأفريقية، بخاصة أن تلك الدول لم تنجح بتحقيق التحول السياسي كتلك التي يديرها العسكر أو أنها خسرت الحكم مثل في بوركينا فاسو ومالي، لكنها في هذا السياق لم تقدم أي بديل أو اقتراح، بل بقي خطابها محاطاً بالنزعة الحمائية ضد الهجرة، بحسب دوبوي.

لوبن شددت على منع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، لكنها خففت من حدة لهجتها وتركت هامشاً لبحث هذه النقطة، عن ذلك يقول دوبوي: "خطاب لوبن حول قضية الحجاب سيكون له تأثير في العلاقات مع الدول العربية وعلى الرغم من أنها عدّلت من حدة خطابها حيال ارتداء الحجاب، فهي تبقي على منعه في الأماكن العامة والمؤسسات الرسمية. لن يكون في صالحنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات استراتيجية مهمة على غرار المغرب والجزائر". 

الصورة كما تبدو اليوم لا تقدم مارين لوبن على أنها ربما تفوز في الانتخابات، وحول ما إذا كانت النسبة التي حققتها تساعدها على تأمين عدد مهم من النواب في المجلس الوطني؟، يقول دوبوي: "القوة السياسية الثانية في البلاد أي حزب لوبن، لم يحصل إلا على 8 مقاعد، وعلى ضوء ما ستحققه في الدورة الثانية يمكن التعويل على 10 مقاعد أو 12 مقعداً، إذ إن الانتخابات التشريعية تجري بحسب نسبية مختلفة ولا تأثير لمدى ما حققته بالانتخابات الرئاسية في ما يمكن أن يحققه حزبها بالانتخابات التشريعية".

المزيد من تقارير