Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال ناجون من موجة كورونا الثالثة في الهند سقطوا من الحساب

إن حصيلة الضحايا التي أوقعها "كوفيد" في الهند تمثل واحدة من أعلى الأرقام الإجمالية للإصابات في العالم، ولكن الجائحة تسببت بصدمة حتى بين هؤلاء الذين نجوا من الجائحة، وعلى نطاق لم يبدأ إدراكه إلا للتو.

"أدى التأثير الاقتصادي للموجة الثانية إلى استشراء تسول الأطفال، وسفاح القربى وتزويج الأطفال محاولةً للانفلات من قعر المجتمع" (غيتي)

استيقظ عشرات الآلاف من تلاميذ المدارس في دلهي في 1 أبريل (نيسان) على روتين مألوف قد صار غريباً، إذ ارتدوا زيهم الرسمي، وتناولوا وجبة الفطور ثم صعدوا في الحافلات من أجل الذهاب إلى المدرسة. وفعل العديد منهم ذلك بحماسة بالغة، إذ كانوا قد صلوا لكي يأتي هذا اليوم بعد سنتين من تفشي الجائحة المدمرة.

لكن بينما كانت العودة إلى الحالة الطبيعية هذا الشهر نعمة بالنسبة لعدد كبير من الأطفال وعائلاتهم، فهي ذكّرت آخرين بشكل مؤلم بمن فقدوه. ولن يكون هذا الروتين اليومي متاحاً من جديد على الإطلاق لراهول، 13 سنة، الذي حلّ محل والدته في أداء دور العناية بعائلته المؤلفة من 6 ذكور.

اعتاد راهول ووالدته، 36 سنة، بيع الخضار معاً على عربة في أزقة حي راميش نيغار في غرب دلهي حتى شهر ديسمبر (كانون الأول)، ففي ذلك الوقت وصلت موجة متحورة "أوميكرون" إلى الهند وبدأت حالات الإصابة ترتفع بشكل كبير، وتوفيت والدته بشكل مفاجئ بين عشية وضحاها.

والآن، وبدلاً من توضيب حقيبته المدرسية، يستيقظ راهول في السادسة من كل صباح لكي يحضر وجبتي غداء جاهزتين لوالده وأخيه اللذين يذهبان إلى العمل، ثم يُعد طعام الفطور لهما ولأخيه الآخر وجده وعمه.

وقال راهول لصحيفة "اندبندنت" من بيته الواقع في مجموعة من الأحياء الفقيرة في غرب دلهي إن "أحداً آخر لا يعرف كيف يدير البيت. لكنني أعرف، فقد سألت والدتي كل هذه الأسئلة وهي علمتني كل هذا حين كانت لا تزال معي".

وتم دفن والدة راوول التي كانت تعاني من مرض سرطان الدم على مدى طويل، من دون الذهاب إلى المستشفى أو إخضاع جثمانها إلى التشريح الاختباري، ما يجعل سبب وفاتها غير مؤكد. بيد أن ذلك يعني أن راهول بات يُصنف من قبل حكومة دلهي، بين ما يزيد على 300 طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما في العاصمة منذ بدأت الجائحة.

وهو بين 147492 طفلاً ممن فقدوا إما والدهم أو أمهم، أو كليهما، جرّاء "كوفيد-19" وأسباب أخرى في هذه الفترة، طبقاً لـ "اللجنة الوطنية الهندية لحماية حقوق الطفل". وبالطبع، فإن عدد الذين فقدوا والديهم الاثنين من بين هؤلاء الأطفال يزيد على 10 آلاف طفل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ذروة موجة تفشي متحورة "أوميكرون" هذا العام، كانت الهند تسجل ما يزيد على 300 ألف حالة إصابة جديدة بـ"كوفيد" كل يوم، ما أعاد البلاد إلى حالة الإغلاق على الرغم من نجاح الحكومة إلى حد بعيد في حملتها الرامية لزيادة معدلات التلقيح في النصف الثاني من عام 2021.

إن خسارة أحد الأبوين ليست هي الطريقة الوحيدة التي حوّل بها الفيروس الأطفال إلى ضحايا في الهند. ففي حالة بنات مثل ريا، كان الفيروس يعني التعرض إلى المخاطر في البيت، أي حيث يجب أن يشعرن أنهن في أقصى درجات الأمان.

تعيش ريا بنت الـ 15 سنة، وعائلتها في مقاطعة أوتام نيغار المزدحمة في دلهي، حيث كانوا سلفاً يصارعون الآثار الاقتصادية للجائحة، وقد فقد والدها للتو عمله. قررت والدتها السفر إلى قرية أجدادها في ولاية أوتاراخند الشمالية. وبعد مغادرة الوالدة بفترة قصيرة، جاء والد ريا ذات ليلة مخموراً واعتدى عليها جنسياً.

ويعمل الناشطون في مجال حقوق الإنسان في دلهي من أجل رسم خريطة المحنة التي عاناها الأطفال خلال الجائحة، وقد أكدوا وجود ارتفاع مضطرد في عدد حوادث إساءة المعاملة المنزلية، والعنف، وسفاح القربى والاغتصاب، التي غالباً ما كانت مرتبطة بإغلاقات "كوفيد".

وإلى جانب جرائم عنيفة من هذا النوع، هناك الواقع المرير لتأثير الجائحة على العديد من العائلات الهندية التي كانت بالكاد قادرة على تأمين حاجاتها وقد سقطت حالياً في براثن الفقر.

تتشارك روخسار، 15 سنة، في كوخ مؤلف من غرفتين مع 15 من أعضاء العائلة الآخرين وذلك في موقع مكب للنفايات في دلهي. قالت إنه خلال الجائحة، لم يجد أي عضو في العائلة وظيفة يمكنها أن تطعم كل هذه الأفواه. وكان من المقرر للفتاة أن تدخل المدرسة المتوسطة في عام 2020، لكن بحلول أواخر عام 2021 قررت أن كسب أجرة صغيرة من العمل كخادمة منزلية سيكون أفضل من قضاء يوم آخر بمعدة فارغة.

وقد عملت لساعات مرهقة في مسح البيوت وكنسها، كما قضت الليالي وهي تتسول خارج المعابد من أجل الحصول على القليل من المال الإضافي لشراء الطعام. وقالت "الأغنياء لا يتصرفون بشكل حسن مع عمالهم". وأضافت "وحين كنت أطلب يوم إجازة من العمل، قيل لي إنني كنت أختلق الأعذار وأنني أردت كسب المال من دون أن أعمل".

 وإلى جانب الجوع، كان لدى روخسار حافز آخر من أجل العثور على دخلها تمثل في شراء الفوط النسائية الصحية. وتذكرت أنه "كلما طلبت من والداي، كانا يتقاتلان بشكل عنيف مع بعضهما بعضاً، ولا يتناول أحد الطعام في تلك الليلة. وكانا يقولان لي "كيف يمكنني أن أطلب المال لشراء أشياء من هذا النوع في الوقت الذي لم يكن فيه مال كافٍ حتى للحصول على الطعام".

وقال مسؤولون في "مؤسسة بروتساهان الهندية"، وهي منظمة تعمل من أجل دعم الأطفال المعرضين للخطر ممن أسقطهم نظام الضمان الاجتماعي من الحساب، إن عمالة الأطفال وسفاح القربى قد برزا كاثنين من أكبر الانتهاكات لحقوق الأطفال خلال الجائحة، فيما تأتي مجاعة الطفل وعدم الوصول إلى التعليم الرقمي، بعدهما مباشرة.

ويلفتون إلى أن البنات تأثرن بشكل غير متناسب بالعديد من هذه المشكلات، فإذا كان لدى عائلة ما العديد من الأطفال، وأداة واحدة فقط من أجل الاتصال بشبكة الإنترنت للمدرسة، فإن الفرصة التي تتاح للصبيان في الوصول إلى هذه الأداة ستكون عادة أكبر. إن هذه إحدى الطرق التي تسببت فيها الجائحة بانتكاسة للتقدم في تضييق الفجوة في الأجور بين الجنسين في الهند.

وقالت سونال كابور التي أسست بروتساهان، "لقد أثّر كوفيد بشكل جلي في البنات اللواتي ينتمين إلى الجيل الأول من المتعلمات من شرائح مهمشة، ومن المرجح ألا تعود الكثيرات منهن على الإطلاق إلى المدرسة. وأدى التأثير الاقتصادي للموجة الثانية إلى زيادة في تسول الأطفال، وسفاح القربى وزيجات الأطفال السريعة كاستراتيجية للنجاة بالنسبة لعائلات موجودة في أسفل الهرم".

وأضافت كابور أن المدى الكامل للأذى الذي ألحقه "كوفيد" بجيل من الأطفال الهنود، لم يتكشف بعد. وتابعت "أن الأمر أكبر من مجرد خسارة تعليمية. فالعواقب الاجتماعية والاقتصادية تذهب إلى أبعد بكثير مما يظهر بوضوح على السطح".

وقال أنوراغ كوندو، وهو رئيس "لجنة دلهي لحماية حقوق الطفل"، إن السلطات في دلهي على علم بوجود الأزمة التي تتكشف فصولها وقد بذلت قصارى جهدها لضمان وصول برامج الدعم المتوافرة إلى أولئك المحتاجين. وذكر لـ"اندبندنت" موضحاً "لقد ضاعفنا عدد مشغلي المساعدة، كما زدنا عرض النطاق الترددي للتوعية عندنا، وجرى إبلاغ جميع أطفال المدارس الحكومية بسبل المساعدة المحتملة التي يمكنهم أن يستعملوها في وقت الحاجة".

لكن حتى كوندو نفسه لا ينكر وجود حدود لما يمكن فعله بالنسبة لحالة أولئك الذين يقعون ضحايا للعنف المنزلي والاعتداءات الجنسية خلف الأبواب المغلقة، في مجتمع محافظ حيث الوصمة تكون عميقة. ويشير إلى أنه "ليس من السهل رسم معالم هذا... لا أعتقد أن أي شخص على حد علمي، كان قادراً على فعل هذا. ولقد ارتفع العنف الجسدي بشكل مؤكد".

وحتى النشطاء لا يعبرون عن تفاؤلهم على هذه الجبهة. هكذا قالت نيميشا سريفاستافا، وهي المديرة التنفيذية لـ "محام لتأمين العدالة"، "إن الأمر بالغ الصعوبة فعلاً". وأضافت "ويصل الوضع إلى نقطة تصبح فيها القدرة على تلبية الحاجات الأساسية مثل الطعام والطبابة، مهمة صعبة".

وذكرت سريفاستافا أن منظمات الخدمات الاجتماعية لديها قد شهدت كيف انخفضت معدلات العنف المنزلي في الهند عملياً خلال الإغلاق الأول لأن كل محلات بيع المشروبات الكحولية كانت مغلقة. وزادت "لكن حين أُعيد فتح [هذه] المحلات، ازداد العنف، وقد ازداد بشكل حاد".

وأضافت أنه بينما لم تكن موجة متحورة "أوميكرون" فتاكة بقدر موجة "دلتا" في ربيع عام 2021، عندما توفي الكثيرون جرّاء فشل نظام الرعاية الصحية في التحمل، فإن تأثير الموجة الثالثة كان ولا يزال حقيقياً جداً بين الأطفال.

ويجري النظر إليه على أساس التراجع الاقتصادي وبسبب الفجوة الرقمية. وأظهر استطلاع بعنوان "التقرير السنوي عن حالة التعليم" أنه فيما يملك 67 في المئة من الأطفال في الهند هواتف ذكية، فإن ما يزيد على 26 في المئة قالوا إنهم لا يتمكنون من استعماله، وأفاد 47 في المئة بأنهم يستطيعون الوصول إلى الهواتف الذكية فقط من وقت إلى آخر.

ومع ذلك، قالت سريفاستافا إنها لا تزال ترى أن ثمة ما يبرر الشعور بالأمل، فيما هي تتعامل مع حالات الاعتداء الجنسي ودعم الأطفال المخالفين للقانون. واعتبرت أن "الأطفال يتمتعون بمرونة بالغة في مواجهة المآسي... إذا وفرت له قدراً قليلاً من الدعم والتشجيع، ونوع المناخ المناسب، فعندها يمكن للطفل أن يتعافى ويخرج من هذه المرحلة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير