Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحمل المناظرة الرئاسية مفاجآت تبدل مسار الانتخابات الفرنسية؟

ماكرون محاط بفريق من المستشارين من الإليزيه ووزراء حاليين وسابقين في حين يكتنف الفريق الذي يحضر مارين لوبن لهذه المعركة بكثير من السرية

أيام قليلة تفصل فرنسا عن الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، والسيناريو يتكرر كما في عام 2017، الرئيس المرشح لخلافة نفسه إيمانويل ماكرون يواجه مرشحة أقصى اليمين مارين لوبن. فما الذي ستقدمه هذه المناظرة التلفزيونية التي ينتظرها الفرنسيون ووسائل الإعلام من حول العالم؟ لا سيما أن هذه الانتخابات تأتي على وقع الحرب في أوكرانيا التي ألقت بثقلها على الحملة الرئاسية من كافة النواحي.

الكل ينتظر موعد الساعة التاسعة مساء اليوم، بتوقيت باريس. مبارزة استعدت لها مارين لوبن كمن يستعد لامتحانات الثانوية العامة. ماكرون الذي دخل المعركة الرئاسية في وقت متأخر أعطى صورة المسؤول المنهمك بالمسؤوليات والمهام الدولية، خصوصاً الحرب في أوكرانيا، كثف بعد نتائج الدورة الأولى تنقلاته ولقاءاته مع الناخبين من جهة للدفاع عن برنامجه الرئاسي، وللاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها في الرئاسة الأولى، حيث حاول إعطاء صورة الرئيس المقرب، الذي يستحق أن تغتفر له بعض الهفوات. حرب التناقضات بدت في الزيارات الميدانية، ففي حين اختارت مارين لوبن المناطق التي صوتت لها بكثافة، فضل ماكرون التوجه إلى الذين لم يعطوه أصواتهم جاعلاً عنوان معركته "لنتكاتف ونعمل معاً". ما فسر باليد الممدودة إلى معارضيه. أيام معدودة لن يفوت خلالها المتنافسان أي فرصة لكسب أصوات المرشحين السابقين الذين لم يحالفهم الحظ.

المواجهة بين اليمين واليسار

وكأن ماكرون أرادها منافسة مع مرشحة اليمين دون سواها. ومارين لوبن بدأت الحملة بصعوبة، وتهيأ للجمهور أنها لن تحصل على التواقيع الـ 500 المطلوبة التي تمكنها من الترشح، ولوهلة خال الفرنسيون أنها ضحية ورمز لتهافت الديمقراطية والتعددية. وبين صورة المرشحة المنبوذة التي تجهد لحصد التواقيع والمرشحة التي تهيأت إلى الدورة الثانية، مسافة لا يستهان بها.

ماكرون الذي لم تكن فترته الرئاسية بالهانئة، إذ تعين عليه مواجهة انتقادات وفضائح متعددة، طالت حياته الشخصية على الأصعدة كافة، آخرها كانت فضيحة شركة الاستشارات "ماكينزي"، التي حصلت على مئات الملايين مقابل تنظيم حملات التلقيح ضد "كوفيد"، وتبين أنها لا تدفع ضرائب في فرنسا منذ عشر سنوات.

ناهيك عن اضطرابات السترات الصفراء، والجائحة والصعوبات في مواجهتها، إلى ترد الأوضاع الاقتصادية والحرب في أوكرانيا. حملة ماكرون، عملت كخلية نحل طوال الأسبوعين الماضيين، والنداءات لسد الطريق أمام مارين لوبن أتت من كل حدب وصوب.

فرنسا التي تقف على خطوة واحدة من الانضمام إلى مجموعة الدول الأوروبية التي سلمت دفتها لليمين المتطرف، تظهر وكأن شعبها يقول نحن قادرون على ذلك لكننا لن نفعل. ومن يدري فاستطلاعات الرأي تبقى في النهاية تكهنات أو استشرافات، والمفاجأة تبقى واردة، حتى اللحظة الأخيرة، وهذا ما يزيد من التشويق في هذه الانتخابات التي تضع فرنسا في خضم التجاذبات الأوروبية، الإقليمية والدولية.

فكيف تتوزع المحاصصات في الأيام المتبقية؟ وهل المناظرة التي ينتظرها الجميع قادرة على حسم آراء المترددين، أو الممتنعين؟ وما هي الاحتمالات التي يمكن أن تبرز بعد هذه المواجهة، أو الفرصة الأخيرة أمام المتنافسين للدفاع عن برامجهما؟ ما هي نقاط الاتفاق، والاختلاف، وما مدى قدرة مارين لوبن على دحر منافسها التي بدت أمامه كتلميذة غارقة في البحث في تفاصيل تدويناتها في عام 2017؟

بداية هذه الحملة تبدو أكثر شراسة، فالمواجهة بين اليمين واليسار التقليديين باتت من الماضي، والدليل على ذلك أن الرئيس ماكرون الذي هو مبدئياً قادم من اليسار، يبدو وكأنه رئيس يميني، وواجه انتقادات جمة من هذا القبيل، إذ لُقب بكونه رئيس الأغنياء، والإصلاحات التي أراد تمريرها لاقت كثيراً من المعارضة إلى أن واجه السترات الصفراء.

عدم حصول فاليري بكريس على 5 في المئة من الأصوات بدوره أيضاً شكل صفعة لليمين التقليدي.

وصول ميلانشون بالدرجة الثالثة وعدم تأهل مرشحة الحزب الاشتراكي عمدة باريس، آن هيدالغو، شكل هو بالتالي صفعة لليسار التقليدي.

الرابح في المعركة

كيف ستتوزع أصوات المرشحين الذين لم يتأهلوا للدورة الثانية؟ ماكرون يعول على نسبة من أصوات ميلانشون، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن بعض منتخبي أقصى اليسار سيدلون بأصواتهم تقريباً بالتساوي لمارين لوبن، وماكرون 31 في المئة و34 في المئة. فاليري بيكريس، أعلنت أنها ستصوت لماكرون، والاستطلاعات تشير إلى أن أصوات ناخبيها هي أيضاً ستتوزع بالتساوي بين المرشحين. وفي الإحصاءات 40 في المئة للوبين و44 في المئة لماكرون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ميلانشون اكتفى بالقول، "ولا صوت لمارين لوبن"، لكنه لم يقل صوتوا لإيمانويل ماكرون. "كل شيء سوى لوبن"، فهو لم يدع للتصويت لماكرون، نهى مؤيديه عن التصويت لمنافسة ماكرون، كما أنه دعاهم إلى عدم الامتناع. بما يعني الحث على التصويت لماكرون بطريقة غير مباشرة.

وفي خضم الحملة بدأت بدورها بوادر الانتخابات التشريعية بالمثول أمام المنتخب الفرنسي، ميلانشون مدعماً بالأصوات التي حظي بها، يقدم نفسه على أنه مهيأ ويستحق تبوؤ منصب رئاسة الوزراء.

وكذلك رئيس الوزراء السابق الذي أنشأ حزب "آفاق" إدوار فيليب.

كل شيء يسير وكأن ماكرون هو الرابح في المعركة وسيتولى رئاسة ثانية، مع الاحتفاظ بهامش ضيق يترك المجال لمفاجأة لا أحد مستعد لها سوى مارين لوبن، حيث يدور الجدل حول تمكنها من الحصول على غالبية برلمانية في حال فوزها.

الدورة الثانية تترك الأبواب مشرعة على كافة الاحتمالات على الرغم من أن التوجه السائد بحسب استطلاعات الرأي، يعطي الغالبية للرئيس ماكرون، بفارق أقل مما كانت عليه في انتخابات عام 2017.

ومن بين التفسيرات لتحول الصوت الفرنسي إلى اليمين هو أنه لم ير نتائج ولا انعكاسات إيجابية على القدرة الشرائية والأوضاع الاقتصادية المتردية، ولا على صعيد نسبة البطالة، وبعضهم رأى في إعطاء صوته لليمين المتطرف كعقاب على سوء أداء اليمين واليسار. وهذا ما يفسر أن الخيار لم يعد اليوم بين هاتين الجهتين.

أكثر صلابة

معارضو لوبن يشددون على كونها تبرع في خطابها المعاد للإسلام والحجاب، على الرغم من اعتمادها لهجة أقل عدائية في الأيام الأخيرة، معتبرة أنه "يجب إيجاد طريقة لقطع الطريق أمام الإسلاميين لترك النساء وشأنهن".

كما يؤخذ عليها معاداتها للاتحاد الأوروبي وتلويحها بتجميد بعض المعاهدات دون الخروج على الطريقة البريطانية، أو ما يطلق عليه "فريكسيت"، في حين لجنة التدقيق الأوروبية تتهمها باختلاس الأموال الأوروبية لمخصصاتها الحزبية والشخصية.

إذاً المواجهة تم العمل على كافة تفاصيلها من حيث الديكور، والإضاءة وعدد الكاميرات، وعدد اللقطات من قرب، والزاوية التي سيتم من خلالها التركيز على كل مرشح، والوقت ودرجة الحرارة في الاستوديو التي ستكون 19 للجميع، وبُعد الصحافيين ليا سلامة وجيل بولو على مسافة أربعة أمتار. وتقديم المرشحين وقوفاً.

والجميع يذكر في كل مواجهة كانت الجملة التي يستخدمها المرشح الأقوى هي التي تقوي رصيده، وهذا المساء سنرى مدى قدرة كل مرشح على زعزعة الآخر. الكل يذكر غضب سيغولين رويال أمام ساركوزي الذي أظهرها بعدم ملء منصبها كمرشحة للرئاسة، أما الجملة التي رددها فرنسوا هولاند "أنا رئيس"، سوف أقوم بكذا وكذا، "أنا رئيس..."، فبدا ساركوزي أمامه متجمداً، ما حسم الأمر لصالح هولاند.

هذه العبارة التي استخدمتها وسائل الإعلام كافة، قيل في ما بعد إنها حسمت المواجهة لصالح المرشح الذي برز بشكل أكثر صلابة.

المبارزة الحاسمة

اليوم ستكون المبارزة حاسمة بين ماكرون ولوبين. استطلاعات الرأي تؤكد أن الفارق بين المرشحين سيكون أقل مما كان عليه في عام 2017، وسيكون بفارق 52 لصالح ماكرون و48 لصالح لوبن، في حين أعطت استطلاعات أخرى 51 لصالح الرئيس ماكرون و49 لصالح مرشحة اليمين المتطرف.

النقاش سيكون حول مفهوم دولة القانون، والدولة الليبرالية، حيث ستعطي لوبن الأولوية للانتماء الوطني والخروج من بعض المعاهدات الأوروبية واللجوء إلى الاستفتاء العام حول هذه القضايا، أمر يعتبره البعض مخالفاً للدستور. أما بالنسبة إلى الملف الاقتصادي، البعض أيضاً يعتبر برنامج المرشحة اليمينية أنه سيؤثر سلباً على الفئات البسيطة.

ماكرون محاط بفريق من المستشارين من الإليزيه، ووزراء حاليين وسابقين، في حين أحيط الفريق الذي يحضر مارين لوبن لهذه المعركة، بكثير من السرية.

حملة بدأت بفتور، لكنها كشفت عن قدرة الناخب باللعب بأعصاب المرشحين.

المزيد من تقارير