Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أوكرانيا وكورونا تخفضان توقعات نمو الاقتصاد العالمي

صندوق النقد الدولي يحذر من انتقال غير منظم نحو تعدد الأقطاب

يركز تقرير صندوق النقد الدولي على تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي (رويترز)

كما كان متوقعاً قبل صدور التقرير نصف السنوي لصندوق النقد الدولي، خفض الصندوق، الثلاثاء 19 أبريل (نيسان)، توقعات نمو الاقتصاد العالمي بنحو نقطة مئوية كاملة. وذلك بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا. وحذر الصندوق من أن التضخم صار "خطراً واضحاً وحاضراً" في دول كثيرة. ومنذ صدور توقعات الصندوق بداية العام الحالي، تشير التقديرات إلى أنه سيخفض توقعات النمو مجدداً حتى قبل حرب أوكرانيا، مع استمرار مشكلات سلاسل التوريد حول العالم والارتفاع غير المسبوق في معدلات التضخم في مختلف الاقتصادات حول العالم، بسبب زيادة أسعار الطاقة والغذاء التي تفاقمت بعد حرب أوكرانيا.

وقال الصندوق في أحدث تقاريره عن "آفاق الاقتصاد العالمي"، إنه يتوقع أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى إبطاء النمو وزيادة التضخم، منوهاً إلى أن توقعاته تأتي في ظل "ضبابية مرتفعة بشكل غير عادي". وأضاف الصندوق، الذي خفض توقعاته للمرة الثانية هذا العام، حيث كانت الأولى في يناير (كانون الثاني)، أنه يتوقع نمواً عالمياً بنسبة 3.6 في المئة في 2022 و2023، بانخفاض بنسبة 0.8 في المئة و0.2 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة، وذلك نظراً للتأثيرات المباشرة للحرب على روسيا وأوكرانيا وتداعياتها العالمية. وذكر التقرير أن النمو قد يزداد تباطؤاً ويزداد التضخم ارتفاعاً بفعل فرض مزيد من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي واتساع نطاق الحرب وتباطؤ أكثر حدة من المتوقع في الصين واحتدام وباء كورونا من جديد، في حين قد يتسبب ارتفاع الأسعار باضطرابات اجتماعية.

وكان التقرير السابق للصندوق في خريف العام الماضي توقع نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي العالمي في حدود 5 في المئة، قبل أن يخفض تلك التوقعات مطلع هذا العام إلى نسبة 4.4 في المئة. وربما تكون التوقعات الجديدة في تقرير الثلاثاء ما زالت متفائلة في ظل عدم وضوح تأثيرات الحرب الأوكرانية وتضافرها مع عوامل سلبية ما زالت تتفاعل منذ أزمة وباء كورونا. وكان متوسط نمو الاقتصاد العالمي في العام الماضي عند 6.1 في المئة.

والتوقعات الجديدة لنمو الاقتصاد العالمي أقل من النصف تقريباً عن النمو العام الماضي، الذي كان من المفترض أن يكون بداية تعافي الاقتصاد من أزمة وباء كورونا التي أدت إلى ركود في معظم أرجاء العالم في عام 2020. ويشير ملخص التقرير إلى أنه "في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية واتساع دائرة الضغوط السعرية نتيجة الحرب، وصلت معدلات التضخم المتوقعة لعام 2022 إلى 5.7 في المئة في الاقتصادات المتقدمة و8.7 في المئة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، متجاوزة بذلك توقعات يناير بمقدار 1.8 نقطة مئوية و2.8 نقطة مئوية. وستكون الجهود متعددة الأطراف ضرورية للاستجابة للأزمة الإنسانية، والحيلولة دون استمرار حالة التشتت الاقتصادي، والحفاظ على مستويات السيولة العالمية، وإدارة المديونية الحرجة، ومواجهة تغير المناخ، والقضاء على جائحة كورونا".

ويركز تقرير صندوق النقد الدولي على تأثير الحرب في أوكرانيا على توقعاته للاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة، مع الإشارة إلى ما تسلم به المؤسسات الدولية من أنه من الصعب جداً وضع أي سيناريوهات أو تقديرات لتوجه الاقتصاد في ظل عوامل عدم يقين وعدم اتضاح تأثير العقوبات المفروضة على روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عرضه للتقرير الثلاثاء، قال كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير- أوليفييه غورينشا، إن تشديد الدول الغربية العقوبات على روسيا لتستهدف صادرات الطاقة بسبب حربها في أوكرانيا سيتسبب في مزيد من الهبوط الحاد في الناتج الاقتصادي لروسيا بما يصل إلى 17 في المئة بحلول 2023. وأبلغ الصحافيين أن التوقعات الحالية لصندوق النقد تشير إلى انكماش قدره 8.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لعام 2022. وأضاف "لهذا فإن للعقوبات تأثيراً كبيراً جداً على الاقتصاد الروسي، وقد يكون لها تأثير أكبر إذا ما شهدت مزيداً من التشديد".

وأضاف غورينشا "تزيد الحرب سلسلة الصدمات على صعيد الإمدادات التي ضربت الاقتصاد العالمي في السنوات الماضية. شأنها شأن الموجات الزلزالية، ستنتشر آثارها على نطاق واسع... من خلال أسواق السلع والتجارة والروابط المالية".

وجاء في التقرير، "شهدت آفـاق الاقتصـاد العالمـي تدهـوراً ملحوظاً منـذ صدور أحدث تنبؤاتنا في عدد يناير من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. وقـد توقعنا آنذاك تحسن وتيرة التعافي العالمي اعتباراً من الربع الثاني من العام عقب تداعيات متحورة "أوميكرون" التي لم تدم طويلاً. ولكـن الآفـاق تدهورت منذ ذلك الحين، وهو ما يرجع أساساً إلى الحرب الروسية الأوكرانية (الـتي تسـببت في أزمـة إنسـانية في أوروبا الشرقية) والعقوبات الهادفة إلى الضغط على روسيا لإنهاء العمليات العدائية".

عالم متعدد الأقطاب

على الرغم من صعوبة التوقعات والتقديرات في الظروف الحالية، ربما كان أهم ما في تقرير الصندوق هو تباين توقعات النمو في اقتصادات العالم المختلفة. وهو ما يشكل قلقاً لدى المؤسسات الدولية بشأن الاعتماد المتبادل واحتمالات زيادة الخلل في النظام الاقتصادي والمالي الدولي. فبحسب جدول التوقعات، يقدر الصندوق نمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 3.3 في المئة العام الحالي وبنسبة 2.4 في المئة العام المقبل. في مقدمها الاقتصاد الأكبر في العالم الذي يتوقع نموه بنسبة 3.7 في المئة هذا العام وبنسبة 2.3 في المئة العام المقبل. أما اقتصاد دول منطقة اليورو فيتوقع أن يحقق نمواً بنسبة 2.8 في المئة العام الحالي وبنسبة 2.3 في المئة العام المقبل.

في المقابل، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بنسبة 3.8 في المئة في 2022 وبنسبة 4.4 في المئة العام المقبل. وفي مقدمها الصين، التي يتوقع نمو اقتصادها بنسبة 4.4 في المئة هذا العام وبنسبة 5.1 في المئة العام المقبل. بينما جاءت التوقعات لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة نمو 4.6 في المئة العام الحالي وبنسبة 3.7 في المئة العام المقبل.

بالطبع، تظل تلك التوقعات غير مؤكدة في ظل تطورات الحرب في أوكرانيا وتأثير عودة انتشار فيروس كورونا في الصين وغيرها وتأثير ذلك في الاقتصاد العالمي.

لذا، قال غورينشا في تصريحاته إن "العالم يسير نحو تعدد الأقطاب بصورة أكبر بالنظر إلى صعود الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي، لكن الأمر سيكون كارثياً إذا ما انقسم الاقتصاد العالمي إلى أنظمة متنافسة بمعايير مختلفة". وأضاف إن "انتقالاً منظماً إلى عالم متعدد الأقطاب سيكون نتيجة مفضلة لأنه سيحافظ على مكاسب العولمة ويحميها... أحد السيناريوهات هو أن يكون لدينا كتل منقسمة لا تتعامل كثيراً مع بعضها بعضاً، ولها معايير مختلفة، وذلك سيكون كارثة على الاقتصاد العالمي".

تلك المخاوف من تضرر النظام الاقتصادي والمالي العالمي سبقت حرب أوكرانيا، لكن الحرب فاقمتها في ظل عدم مسايرة كثير من دول العالم للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في فرض العقوبات على روسيا. وتلك العقوبات إذا ما توسعت وتم تشديدها سيتجاوز تأثيرها الدول المعنية إلى الاقتصاد العالمي ككل. وهذا ما عبر عنه ضمناً كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في تصريحاته.