Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تزداد نسبة الانتحار بين الشباب في فلسطين؟

القيود المفروضة عليها كفتاة دفعتها إلى محاولة شنق نفسها

ارتفاع نسبة الانتحار بين الفلسطينيين خلال العام الماضي إلى 14% (رويترز)

وجدته أخته ميتاً بعد أن شنق نفسه بسقف غرفته أثناء فترة الامتحانات النهائية لمدرسته. وأيضاً قتل شاب نفسه نتيجة الضغط العائلي الكبير عليه ووصفه بالفاشل، لأنه لم يحصل على علامات جيدة في الثانوية العامة، هذه بعض الأمثلة على حالات انتحار سجّلتها الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، والتي بحسب الأرقام المتوافرة تظهر ازدياداً.

ارتفاع بنسبة 14 في المئة خلال سنة

أحصت الشرطة العام الماضي 25 حالة انتحار، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 14في المئة عن عام 2017 الذي سجل 22 حالة فقط. ومن ضمن الأرقام التي سجلتها الشرطة 60 في المئة من المنتحرين ذكوراً، ومعظم المقدمين على الانتحار كانوا من فئة غير المتزوجين من كلا الجنسين، وأعمارهم تتراوح ما بين 25 و28 سنة، وأغلبهم يسكنون في المدن.

وبحسب الشرطة الدافع الأكبر للانتحار في الحالات المسجلة، كان الأمراض النفسية وعدم التوجه لعلاجها، تليها الخلافات العائلية، ثم الأوضاع الاقتصادية والعاطفية، وأقلها كان التعرض للابتزاز.

الشنق بالحبل

شكل الشنق 76 في المئة من الحالات المسجلة، ثم السقوط من علو، والسموم والأسلحة والأدوات الحادة، وإضافة إلى حالات الانتحار، سجلت الشرطة في الضفة الغربية 218 محاولة للانتحار كان من ضمنها 157 أنثى حاولنَ الانتحار، عبر تناول حبات الدواء، أو جرح الأطراف أو الشنق.

الظروف الخانقة

أما في قطاع غزة فسجلت الشرطة حتى منتصف العام الماضي 176 محاولة انتحار، 6 منها انتهت بالوفاة، وعام 2017، كان هناك 543 محاولة، توفي فيها 23 شخصاً، جزء منها كان بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القطاع، بسبب الحصار المفروض عليها منذ 12 عاماً، فهذه الظروف تسهم كثيراً في ازدياد التفكير بالانتحار في ظل انسداد الأفق أمام الشباب، ومن ضمن الحالات المسجلة إقدام مواطن على حرق نفسه بعد قتل أبنائه، وآخر أحرق نفسه أمام جمعية خيرية على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها أهالي القطاع، وعدم قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية.

محاولة انتحار كصرخة نجدة

ولكن الأمر لا يقتصر على تنفيذ الانتحار، فهناك حالات كثيرة تسجل فقط كمحاولة، إذ تقول إحدى الفتيات "لففت الحبل على رقبتي وشددته كثيراً، حينها سمعت والدتي تصرخ منادية والدي وأخي، وفي الحقيقة خفت من الموت ففككته بسرعة، وجلست على الأرض أبكي" وكانت محاولتها هذه بعد شجار عائلي نشب بسبب نقاش حاد على القيود المفروضة عليها لأنها فتاة. أما شابة أخرى فروت أنها شربت كمية كبيرة من الدواء بعد تعنيفها من أسرتها، وشاب قام بقطع شريان يده من منطقة الرسغ بعد أن تزوجت الفتاة التي أحبها شاباً آخر.

المجتمع هو السبب

اختلفت وجهات نظر الناس حول الأسباب التي تدفع إلى الانتحار، فمنهم من قال إنها ظروف الحياة الاجتماعية وبالأخص المحيط القريب كالعائلة والأصدقاء والتهميش من قبلهم، أو التقليل من قيمة الشخص واعتباره غير ذي أهمية وسوء معاملته، أو ربما العادات والتقاليد القائمة على التحكم في مسارات الحياة في بعض المناطق، والتعاطي بسخرية مع نيتهم الانتحار، إضافة إلى فقدان الأمل من الحياة بعد هجر شخص عزيز أو التعرض لصدمة كبيرة، في حين رجح فريق آخر أن يكون العامل الاقتصادي له دور كبير في التوجه للانتحار، بسبب ما تسببه البطالة والفقر من إحباط وشعور بقلة الحيلة.

وهناك من قال إن الانتحار قد يكون بسبب القيود الدينية والاجتماعية على الميول الجنسية، والأمراض النفسية كالاكتئاب، أو قد يكون وسيلة للهرب من الحياة والتخلص من الألم الذي سببته حادثة معينة.

معظمهم مرضى نفسيون

أوضحت رئيس وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة سماح جبر  لـ"اندبندنت عربية" أن الأبحاث والدراسات أظهرت أن معظم من يتجهون لقتل أنفسهم هم مرضى نفسيون، يليهم من تعرض لصدمة نفسية كبيرة كالفضائح الأخلاقية أو الخسارة في البورصة، موضحة أن الشباب أكثر توجهاً للانتحار بسبب غياب المسؤوليات كالعائلة وغيرها، إضافة إلى أن قدرتهم على التحكم بمشاعرهم وضبط اندفاعاتهم أقل، أما على صعيد الجنس فالذكور أكثر تنفيذاً للانتحار لكن الفتيات أكثر عرضة للاكتئاب ومحاولة الانتحار، وذلك لأن الذكور يستخدمون وسائل أكثر فتكاً من الإناث، إضافة إلى أنهنّ يطلبنَ المساعدة أكثر بطبيعتهنّ، مضيفة أن المجتمع المحيط قد يعزّز هذا الأمر، فالتي يكثر فيها الموت والحرب وتفكك الروابط الأسرية قد تكون بيئة خصبة للتفكير في الانتحار، هذا عدا عن ترهّل الظروف الاقتصادية والاجتماعية، كما أن الإعلام قد لا يلتزم مسؤولياته تجاه هذه القضية كالتحدث عنها بشكل رومانسي أو وصفها بالنجاح والفشل، وإرعاب الناس بفكرة انتشارها.

"أين ندفنه؟"

تقول سماح إن ما قدمته الشرطة من أرقام لا يمكن اعتبارها إحصاءات لأن هذه الحالات كانت واضحة ولكن هناك انتحار مقنع كأن يموت أحدهم منتحراً في حادث سير، وربما ذلك ينشأ بسبب الخوف من المجتمع، فبعد سماع الناس عن إحدى حالات الانتحار، يدور حديث حول سبب الانتحار وتنتشر التأويلات، ولكن بحسب البعض فالأخطر هو الحوار المتعلق بالدين: "هذا كافر"، "الانتحار حرام"، "لا يدفن في مقابر المسلمين".

وفي هذا الإطار، تعمل وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة على وضع إستراتيجيات للتقليل من حالات الانتحار، إذ تضمّ كل الوزارات ذات العلاقة كوزارة التربية والتعليم بما فيها من معلمين ومرشدين نفسيين في المدارس، والأطباء العامين والمتخصّصين في الطب النفسي، ووزارة الأوقاف والتنمية الاجتماعية والعمل، من أجل تحويل الحالات إلى الجهات المتخصّصة قبل فوات الأوان، إضافة إلى تطوير نظام إحصاءات دقيق لرصد هذه الحالات من أجل استخدامها في التطوير والتعديل لاحقاً.

المزيد من تحقيقات ومطولات