أثارث استعانة الحكومة المغربية ببعض "المؤثرين" على مواقع التواصل (سوشيال ميديا) للترويج لأحد البرامج الاستثمارية جدلاً واسعاً، إذ شدد منتقدون على كون تلك الفئة لا تكرس إلا "التفاهة" عبر السعي إلى خلق ضجة موهومة، وبالتالي الاسترزاق من عدد المشاهدات، موضحين أنه كان على الحكومة الاستعانة بأشخاص على مستوى الحدث.
فرصة "المؤثرين"
رئيس الحكومة المغربية أسند تدبير برنامج "فرصة" إلى وزارة السياحة والصناعة التقليدية، ويهدف البرنامج إلى تشجيع إنشاء الشباب للمقاولات عبر دعم 10 آلاف صاحب فكرة مشروع بموازنة تقدر بـ 25. 1 مليار درهم (127 مليون دولار)، لكن استعانة الشركة المكلفة بالترويج للبرنامج بـ"مؤثرين" جر عليها سيلاً من الانتقادات، وأجمع معظم المعلقين على أن "هؤلاء الأشخاص ناشري تفاهة هدفهم خلق ضجة وحسب"، وقال المحامي والباحث في الإعلام وحقوق الإنسان الحسين بكار السباعي إن "حقيقة التأثير في مواقع التواصل الاجتماعي زائفة الغاية"، موضحاً أنه "على الرغم من تنوع محتويات مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي عبر مواقعهم الخاصة، فإنها لا ترقى إلى مستوى جودة المحتوى وأهدافه الإيجابية، بل إن غالبية المحتويات لها تأثير خطر في نفسية وسلوك الجمهور، وبعض متتبعي هؤلاء اتخذوهم قدوة يحتذى بها ومصدراً للمشورة والمعلومة، ظانين أن لديهم القدرة على جس نبض الشارع".
مفهوم المؤثر
وفي محاولة منه للتعريف بتلك الفئة يقول الباحث، "دعونا نصحح مفهوم المؤثر بما له وما عليه حتى نوضح للحكومة وبرنامج (فرصة) بأنها اليوم أصبحت تلعب بالنار، وتجعل من الفاشلين قدوة لأولادنا وشبابنا"، ويوضح أنه بحلول العام 2014 أصبح مفهوم المؤثرين في أميركا والدول الاوربية متعلقاً بمشاهير التمثيل والموضة والغناء الذين تتابعهم الجماهير، ويتأثرون بثقافتهم ودعواتهم لحماية حقوق الإنسان والبيئة وبعضهم أصبحوا سفراء للنوايا الحسنة والسلام، لأنهم لا يعبثون بالرسائل السياسية والثقافية والاجتماعية وأغلبهم مثقفون وحاصلون على شهادات عليا في مختلف التخصصات، بل إن فئة منهم خبراء في توجيه وصناعة الرأي العام، على حد تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير السباعي إلى أن "مفهوم المؤثر انتقل من الخليج إلى المغرب، حيث ينتشر استعمال (فيسبوك وإنستغرام)، غير أنهم لا يختلفون كثيراً عمن ينشرون التفاهات والجهل، ويحولون متابعيهم إلى مدمنين، وآخرين كارهين للحياة، بسبب مشاهد الثراء التي يصورنها، وفيها الكثير من التمثيل والاحتيال، لأنهم لا ينشرون مآسيهم وأحزانهم، كما يوهمون الناس بأنهم أكثر سعادة وثقافة وهم في الحقيقة لا يملكون شجاعة العمل والابتكار".
خطأ فادح
مدير نشر جريدة "الأيام" نور الدين مفتاح انتقد تعاون الحكومة مع المؤثرين على حساب الصحافيين، موضحاً أن وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من كونها شكلت فرصة لجعل التواصل الجماهيري متاحاً للجميع، فإنها لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الصحافة المهنية، وأضاف مفتاح أنه لا ضير في الاستعانة بالمؤثرين، لكن ما قامت به وزيرة السياحة ومن قبلها وزير التربية الوطنية، حين استدعى بعض المؤثرين لأجل تبيان استراتيجية التدبير، يجعلنا نقول إن هؤلاء يريدون ضرب الصحافة لأنها تزعجهم، وأكد أن "الأمر يتم عمداً لكون المؤثرين لن يبحثوا عن سبب منح رئيس الحكومة ذلك البرنامج لوزارة السياحة بدل وزارة الشغل، التي يدخل البرنامج في إطار اختصاصاتها، كما أنهم لن يسألوا عن طبيعة الشركة المكلفة بالترويج للمشروع".
من جانبه، يشير الباحث الحسين السباعي إلى أنه "حينما تلجأ حكومتنا إلى المؤثرين لإطلاق برنامج (فرصة) الذي يراد به انتشال الشباب، فإنها تضع هؤلاء التافهين في مكانة فوق خبراء الاقتصاد وعلوم السوق والمقاولة، وفوق المثقفين والباحثين الجامعيين والسياسيين"، مضيفاً، "إذاً فلنترحم على كفاءاتنا ونخبنا، ولنترك أعمال الحكومة وتدبير الأزمة الحالية للمؤثرين، فقد أفشلنا التعليم، وأفقرنا الأحزاب الوطنية، وتركنا وراءنا المفكرين والعلماء".
توضيحات رسمية
من جانبه، أوضح المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس أنه جواباً على التساؤل بخصوص إشراف الوزيرة المكلفة بالقطاع السياحي على برنامج "فرصة" عوض الوزير المكلف بالشغل، فإنه "لابد من التذكير أن الوزيرين يشتغلان في حكومة واحدة، إضافة إلى كون تدبير السياسة العمومية، حسب الفصل 89 من الدستور، يفوضها رئيس الحكومة"، مشيراً أن "الحكومة تعمل على كمية من الإجراءات السريعة جداً لكي تقدم دعماً للفئات التي وجدت نفسها عاطلة من العمل بفعل الجائحة، وهؤلاء لا يسعهم انتظار العديد من الإجراءات وبالتالي من الضروري إيجاد حلول آنية، لذلك عملت الحكومة على إطلاق مشروع (أوراش) الذي خصصت له موازنة تبلغ مليار درهم (100 مليون دولار)، ويتطلب العديد من الإجراءات، وهو ما يؤديه وزير التشغيل على أحسن وجه".
ويعتبر المتحدث باسم الحكومة أنه "من الأكيد أن برنامج (فرصة) في شق منه موجه إلى المقاولة الصغيرة والصغيرة جداً والمتوسطة، لكنه في الوقت نفسه موجه للتعاونيات ولمجموعة من الفعاليات التي تشتغل في الاقتصاد الاجتماعي، الذي يدخل في اختصاص وزيرة السياحة والصناعة التقليدية".
من جانب آخر، أثار منح تدبير برنامج "فرصة" إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية جدلاً كبيراً، باعتبار أن الشركة كانت محل فحص من طرف المجلس الأعلى للحسابات في 2013 بسبب شكوك بوجود اختلاسات، لكن المتحدث باسم الحكومة أكد أن الشركة بذلت مجهوداً كبيراً لتقويم تدبيرها منذ العام 2013، موضحاً أن مشروع "فرصة" موجه لشباب هم أصلاً يعانون إشكالات الولوج إلى التمويل، بسبب التعقيدات الإدارية بين البنية الإدارية للشركة المذكورة، والمؤسسات الإدارية المعروفة بصلابتها ومساطرها المعقدة، فإذا أسند المشروع لمؤسسات إدارية معروفة بصعوبة إجراءاتها، لن يحقق غايته الأساسية التي تتجلى في توفير تمويلات لمشاريع بشكل مستعجل وفق مساطر الحكومة، على حد تعبيره، وقال لمنتقدي القرار الحكومي "ابحثوا في الإطار القانوني للشركة وستجدون أنها تتميز بمرونة كبيرة جداً في تمويل المشاريع وتدبير الإمكانات التي ترصد لها".