Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعترافات حب تحت القصف في المسرحية السورية "تماس"

المخرج سمير طحان يرصد أجواء نفسية مركّبة بين رجل وامرأة في حالة حصار

من مسرحية "تماس" السورية (اندنبندنت عربية)

ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها كاتب مسرحي سوري إلى وضع شخصياته في فرضية حصار، فقد فعل ذلك سابقاً مصطفى الحلاج في نصه "احتفال ليلي خاص لدريسدن" عام 1970، وفيه استحضر الكاتب الراحل جرائم النازية عبر قصة مجموعة من نساء ورجال ألمان يلوذون بقبو إحدى حانات المدينة احتماء من قنابل طائرات الحلفاء عام 1945. يدور صراع بين هذه الشخصيات في القبو الذي سُدّت أبوابه بأطنان من الركام الذي خلّفه القصف. يصفّي السادة العمال، فيما ينتحر البعض الآخر بعد نقاشات عنيفة عن حال طبقة العمال في ألمانيا آنذاك، ونهب حقوق هؤلاء على حساب أوهام النازية التي كرّست الطبقية بين أبناء البلد الواحد.  

المخرج سمير طحان اختار فرضية أكثر محلية في عرضه الجديد "تماس" في محاولة لقراءة أهوال الحرب، وتشريح الآثار النفسية المدمّرة التي تركتها في نفوس الرجال والنساء على حدٍ سواء. فرح (عبير بيطار) تدخل إلى دار لتصميم الأزياء لانتقاء فستان لحضور حفلة خطبة صديقتها، إلا أننا نعرف أن دار الأزياء التي قصدتها الفتاة اللحوحة تقع على خطوط التماس بين طرفَي النزاع السوري. وعلى الرغم من تحذيرات صاحب الدار حسان (محمد شما) للفتاة بأن تسرع في انتقاء ما تريده قبل أن يبدأ الاشتباك المسلح، إلا أن الحفلة اليومية للرصاص والقنابل والتفجيرات المتبادلة سرعان ما تبدأ، تاركةً الشابة والشاب في حصار سيمتدّ لليلة كاملة بين جدران المكان.

إصابة واعتراف

يصاب حسان بجرح بسيط في رأسه وهو يغلق باب محله تحت وابل من الرصاص، فتسرع فرح لتطبيبه بإسعافات أولية. فهي في الأصل كانت تعمل متطوعة في جمعية الهلال الأحمر، لكنها تركت عملها لتشتغل سكرتيرة في شركة، بعد فشلها في إيجاد عمل مناسب لها كدارسة للأدب العربي في جامعة دمشق. الظروف المضادة لعبت دوراً حاسماً في الفرضية التي كتبها طحان، منحازاً إلى استنطاق بطلَي "تماس" تحت القصف. "تتدحرج" الأحداث بعدها في حوار مطوّل بين الرجل الذي تركته زوجته وسافرت إلى أوروبا بصحبة أطفاله، والفتاة التي عاشت قصة حب صاخبة مع رجل تركها بعدما قضى وطره منها. لكن ما المناسبة لقول كل هذا بين رجل وامرأة يلتقيان للمرة  الأولى؟

يجيب "تماس" عن هذا السؤال بتأنٍّ واضح، محاولاً دفع كل من الرجل والفتاة إلى ما يشبه اعترافات تحت تهديد موت محتمل. ورافق ذلك اشتداد أصوات التفجيرات في الخارج. بوح الفتاة يتعدى قصتها عن خطيبها الذي سافر وتركها، فهي لم تكُن تريد شراء فستان لحضور خطبة رفيقتها، بل من أجل قضاء سهرة حمراء مع رجل أعمال ثري مقابل رزمة من الأموال. نعرف أكثر عن ماضي فرح بعد أن تخبرنا بأنها كانت بحاجة للمال من أجل إجراء عملية قلب مفتوح لوالدتها، ودفع مصاريف تعليم إخوتها الصغار، والخروج من بيتها الرطب المظلم ولو حتى كان الثمن تقديم جسدها مقابل ذلك. لقد تركت قصة الحب التي عاشتها ندوباً لا تُمحى من جسدها بعد تعرّضها لعملية إجهاض غير شرعية.

بدوره، يخبرنا حسان عن ولعه بزوجته التي رسمها في لوحة تصدّرت عمق خشبة مسرح القباني (راميا حامد)، ويخبرنا عنه كرسّام ومصمم أزياء ناجح رفض خيار السفر مع زوجته التي خانته، وطلبت الزواج بآخر، فطلّقها وعاش في محله الذي صار نقطة تماس في الحرب. هذا البوح رافقه تصاعد القصف وهدوؤه في الخارج، مما جعل أصوات التفجيرات وأزيز الرصاص تبدو بمثابة إيقاع لأحداث العرض التي اقتصرت على مبارزات كلامية عن الحب وبيع النفس للشيطان، لتكون حبكة الصفقة الفاوستية هي أحد أبرز الحبكات الدرامية التي يلتقي عندها رجل لم يبِع نفسه، وفتاة كانت على وشك بيع نفسها لتاجر حرب. الفارق الوحيد أن الفتاة أخبرت مصمم الأزياء عن ذلك، فنعتها بالمرأة الرخيصة، ما أجّج الصدام بينه وبينها، قبل أن يعود ويعتذر عن كلامه القاسي، ويهدّئ من روعها، ومن ثم يقوم برسمها على سريره (بسام الحجلي) مدّثراً إياها بثوب زفاف أبيض.

المرأة والفساتين

ستكون لافتة، نهاية الاشتباك في الخارج مع نية الفتاة بالمغادرة وهي تحمل فستانين بين يديها. الأول أسود اللون لقضاء السهرة الماجنة مع الزبون المرتقب، والثاني ثوب زفاف. يترك مؤلف العرض ومخرجه النهاية مفتوحة من دون أن نعرف أيَّ ثوب ستختار، لتكون النهاية على شكل "ستوب كادر" لكل من الرجل والفتاة أمام مادة فيديو لشوارع دمشق وساحة العباسيين التي شهدت مواجهات دامية في الحرب السورية، وكانت من أكثر المواقع سخونة على خطوط التماس. واللافت هنا أن العرض (مديرية المسارح والموسيقى) وضع خاتمته من حيث بدأها، فاعتمد المخرج على مادة الفيديو لتصوير الفتاة وهي آتية نحو محل دار الأزياء، ومن ثم لتدلف من الصورة على الشاشة إلى المسرح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مزاوجة اعتمدها سمير طحان خلال العرض، مُقدّماً ما يشبه التجاور بين الشاشة والخشبة، وبمرافقة موسيقى لافتة (رامي الضللي)، اعتمدت على مقطوعات حالمة لآلتي البيانو والكمان، وتزامنت مع مناخات لونية خافتة لإضاءة شاحبة (بسام حميدي)، خفّفت بدورها من التناظر الواضح بين كتل الديكور (عبد القادر جعبري)، لا سيما كتلتَي المكتبة والبار اللتين ظلتا تجسيداً واقعياً مباشراً للمكان المتخيل. في حين لعبت الأزياء (ليلى مقصود) دوراً معقولاً مع التوجه العام لأداء الممثلين الواقعي، الذي ابتعد في كثير من مواضع العرض عن المَسرَحة، واعتماد أسلوب المعايشة للدور المكتوب، على الرغم من بعض التنويعات الاستعراضية في أداء رقصة العروس (تصميم سمية بلول) التي كانت من خارج الصيغة العامة للأداء الذي وسَمَ عمل الممثلين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة