Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي تأثيرات محتملة للأزمة الأوكرانية على الساحات العربية؟

خروج روسيا منتصرة سيعجل بعودة النظام السوري إلى المنطقة ويضيق الخناق على جيوب تركيا وأميركا

طفل ينتظر إجلاءه من مدينة إيربين شمال كييف (أ ف ب)

ربما يكون من المبكر توقع نتائج أو آثار الأزمة الأوكرانية على ساحات الأزمات العربية، لكن ارتباط المسارين، فيما يتعلق بما تناولناه في مقالنا السابق، من كون التدخلات الروسية بشكل خاص في أزمتى ليبيا وسوريا، كانت من مقدمات الحرب الأوكرانية، بمعنى محاولة روسيا إعادة التموضع وطرح نفسها كفاعل دولي رئيس، حيث كانت تدخلاتها الأسبق من ذلك في جورجيا 2008، وفى ضم القرم 2014، تدخل ضمن تحركها في جوارها المباشر، لكن تدخلها العسكرى الحاسم في سوريا 2015، كان المحاولة الأبرز للعب دور دولي بارز كقطب مؤثر للمرة الأولى منذ انحلال الاتحاد السوفياتي، وبتدخل بعيد عن حدودها، وهنا لاحظنا أن رد الفعل الأميركي والغربي كان بطيئاً ومذبذباً ثم حسم خياراته بالاستمرار في احتلال شريط حدودي في شمال شرقي سوريا، والاختفاء خلف تركيا وهي تقود دوراً حاسماً في اقتطاع مساحة سورية في شكل محافظة كاملة هي إدلب، ليكون العنوان في النهاية عدم السماح باكتمال نصر روسي، وبعبارة بسيطة، كان التدخل الروسي في سوريا محاولة لاستعادة مساحة دور روسي دولي، وهو ما تحقق ناقصاً بسبب نمط التحرك الأميركي الغربي التركي لفرملة لا إجهاض التحرك الروسي.

أما في ليبيا، فروسيا فاعل ثانوي تم تحجيمه أكثر مما حدث في سوريا، ومن هنا كان ارتباط الساحتين من منظور استراتيجي شامل وصل ذروته الآن في الساحة الأوكرانية، من ناحية محاولة روسيا الاعتراف بها كقطب دولي رئيس، ومن ناحية أخرى محاولة واشنطن ومناصريها في الغرب القضاء على فرص هذا الحضور الروسي، بل تحطيمه بقدر الممكن إلى حد غير مسبوق.

الساحة الليبية

وعلى الرغم من طبيعة الارتباط سابق الذكر بين هذه الساحات العربية والساحة الأوكرانية، فإن على الأرجح الارتباط ليس آلياً من حيث النتائج، فالأمور أكثر دينامية وتعقداً، فمن المهم عدم افتراض أن نصراً روسياً أو على العكس انتصار الغرب، سيستتبعه نصر هذا الطرف أو ذاك في ساحات الأزمات العربية، فهناك التباس وتداخل معقد في ملابسات هذه الأزمات العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي حالة ليبيا، تبدو المتغيرات شديدة التداخل، ففي مرحلة سابقة تراجعت الأدوار الغربية وتضخمت أدوار قطر وتركيا والإمارات ومصر، وكان هذا مصحوباً بضجيج فرنسي وإيطالي تنافسي بأكثر من تأثير حقيقي في مجريات الأزمة، وكان الموقف الأميركي متباعداً وضعيف التأثير ويعتمد على صداقاته الوثيقة بأغلب أطراف الصراع الخارجية، وتغير الأمر تدريجياً بعد التصعيد التركي وتراجع الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر إلى الشرق، ثم التهديد المصري الذي أوقف تركيا وحلفاءها عن محاولة التقدم إلى الشرق الليبي، وهنا بدأ الدور الأميركي في البروز التدريجي، وفى الواقع فإن هذا الدور يعد في ذاته ظاهرة فريدة من تفاعل وتأثير متبادل مع دور القائم بأعمال المبعوث الأممي الأميركية الجنسية، ستيفانى ويليامز، واستنادها إلى دعم بلادها لإفراز ترتيبات التسوية التي أخرجت فائز السراج وحكومته من المعادلة، واستبداله بترتيبات أخرى تضمنت مجلساً رئاسياً برئاسة محمد المنفي، ورئيساً للحكومة هو عبد الحميد الدبيبة، الذي استغرق في تحالفاته مع فصائل الإسلام السياسي ومصالح شخصية ومادية حولها تساؤلات كثيرة، ثم بدأت جولة أخرى قادتها ويليامز مرة أخرى بدعم أميركي وقبول دولي لمحاولة إدارة المرحلة الانتقالية الجديدة، وهي ما زالت متعسرة، لكن لا يمكن تجاهل أن الدور الأميركي المستتر هو الأكثر حضوراً، ومن الصعب توقع معطيات جديدة تسمح لروسيا بدور أكثر حضوراً، إلا إذا حققت نصراً مذهلاً في الساحة الأوكرانية يؤدي إلى تغيير خريطة التحالفات في المنطقة، وهو أمر يصعب توقعه بشكل سريع، كما أن أحد المكونات الأساسية في الساحة الليبية هو الأدوار المهمة للأطراف الإقليمية المتعددة التي تقبل الدور الأميركي المستتر خلف المبعوثة الدولية، وقد يتراجع بشكل درامي إذا انتهت مهمة هذه المبعوثة، التي تواصل عملها كمستشارة للأمين العام بسبب الفيتو الروسي على تعيينها مبعوثة، ما يجعلنا نصل إلى خلاصة مهمة، أن هذه الساحة الليبية هي ساحة أقرب إلى الركود في المرحلة الراهنة، وقد لا تتغير معادلاتها بسرعة كبيرة إذا حسمت الساحة الأوكرانية، فضلاً عن أن الدور الروسي ليس محورياً بعد فيها، ولا تبدو بوادر قريبة لهذا.

الساحة السورية

نظرياً، تبدو الساحة السورية هي الأكثر أهمية لروسيا، حيث ألقت بثقلها أكثر منذ عدة سنوات، وحيث تقيم أهم قواعدها العسكرية خارج أراضيها، وحيث حققت أهم إنجازات دورها العسكري الخارجي بهزيمة معارضي النظام السوري الحليف، وهنا تبدو هذه الساحة أكثر حساسية لمستقبل الصراع الدولي الأكبر حول أوكرانيا، ومن ثم فإن هزيمة روسيا قد تعني ضعفاً شديداً في الكتلة المؤيدة للنظام وإمكانية إعادة مستويات مختلفة من الضغوط عليه، لهذا ستكون عودة الضغوط السياسية الأقرب في البداية، من خلال محاولة تطبيق إجراءات عقابية متواصلة دولية ضد هذا النظام، وبخاصة أن قائمة العقوبات التي طبقتها واشنطن وحلفاؤها ضد روسيا قدمت إرهاصات عالم لم يحلم الغرب بمثله منذ نشأة الأمم المتحدة، والذي وصل إلى قمته بطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان، ومن المتصور أن استقرار نصر غربي سيفتح الباب أمام إجراءات متتالية من واشنطن لاستغلال قوة الدفع الراهنة التي لم يسبق لها نظير كما سبق لإقامة نظام تحكمي غير مسبوق في المؤسسات الأممية، ولهذا آثار سنعود إليها، لكن الأهم أن سلسلة من الضغوط السياسية والحصار قد تعمق من عزلة النظام السوي وتحول دون استكمال الخطوات الإقليمية لعودة سوريا إلى العالم والمنطقة العربية.

والعكس هنا واضح أيضاً، فخروج روسيا محققة أهدافها سيعجل على الأرجح من عودة النظام السوري إلى المنطقة والعالم، وسيضيق الخناق أكثر على جيوب الاحتلال التركي والأميركي شمال البلاد، كما قد يقوي شوكة روسيا لتقليص الوجود الإيراني وممارسة دور أكبر في الساحة السورية من دون منازع من الخصم التركي أو الحليف الإيراني. كما تجدر الإشارة إلى أن استطالة النزاع واحتمالية استدعاء مرتزقة من الجانبين في الحرب الأوكرانية قد يصبح لهما تداعيات مهمة في الساحة السورية، ومع ذلك، وكما كتبنا هنا بهذا الشأن، فإنني أميل أكثر إلى اعتبار المرتزقة ورقة ردع نفسي من الجانبين، ومن الصعب توقع دور مهم لهم في هذه الساحة، إلا إذا اتسع نطاق الحرب بشكل خطير، وهو ما لا تبدو إرهاصاته بعد.

نتائج ليست نمطية

ما سبق يشير إلى أن أهم ساحتين للوجود الروسي المباشر لن تشهدا نتائج متطابقة، ولو نظرنا للساحتين اللبنانية واليمنية حيث نفوذ إيران حليفة روسيا، سنجد أن طهران تمارس اللعبة لمصالحها المباشرة ولا يوجد دور روسي ملموس، بل أكثر من هذا تبدو موسكو أكثر حذراً وحرصاً على أصدقائها الخليجيين والعرب في الأزمة اليمنية، وتدرك أن حساباتها لا تتطابق مع طهران. ومن ثم على الرغم من أنه يمكن النظر إلى التحركات الروسية في المنطقة العربية كجزء مهم من مقدمات السعي الروسي لاستعادة دور دولي مهم، فإن نتائج المعركة في أوكرانيا بتداعياتها الدولية المعقدة قد تحمل رسائل متناقضة للأطراف الإقليمية المختلفة، ولعل هذا ما يكشف عنه نمط التصويت العربي في قرارات الأمم المتحدة الأخيرة، وبشكل أوضح فيما يتعلق بقرار طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان، وأن هناك تحسباً واسعاً لتداعيات معقدة ستمتد من العالم إلى الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل