Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الصحة" تدق ناقوس الخطر بشأن أغذية فاسدة في كردستان

عشرات الشركات المستوردة لحليب الأطفال لا تملك رخصاً مطابقة للمواصفات

انتشار أغذية ومشروبات غير مطابقة للمواصفات الصحية في كردستان (اندبندنت عربية)

كشفت السلطات الصحية وأعضاء في برلمان إقليم كردستان عن وجود العشرات من أنواع الحليب ومشروبات الطاقة في الأسواق غير مطابقة للشروط الصحية، مع وجود العشرات من الشركات غير المرخصة، فيما حمّل نواب ومعنيون الأحزاب الحاكمة مسؤولية غياب السيطرة النوعية وعمليات تهريب "ممنهجة" تتم عبر المنافذ الحدودية.

وكانت وزارة الصحة في حكومة الإقليم قد أرسلت في 21 من فبراير (شباط) الماضي أمراً إلى جميع مديرياتها بمنع بيع 41 نوعاً من مشروبات الطاقة و29 من مادة حليب الأطفال، لكونها غير مرخصة من قبل الوزارة، في وقت تشير بيانات رسمية إلى أن عدد الشركات التي تستورد الحليب يتجاوز 40 شركة، أربع منها فقط تملك إجازة صحية رسمية.

عمليات "التهريب" عبر المنافذ الدولية غالباً ما كانت مثار خلاف وتبادل للاتهامات بين الحزبين الحاكمين الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني ونظيره "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، حيث يمتلك الإقليم 9 منافذ أربعة منها دولية، وخمسة فرعية، 7 منها تقع ضمن مناطق نفوذ حزب طالباني على الحدود مع إيران، وثلاثة يديرها حزب بارزاني تتوزع على الحدود مع كل من تركيا وإيران وسوريا، وأهمها منفذ إبراهيم الخليل مع تركيا، ويعد هذا الملف مثار خلاف شديد بين الحزبين اللذين يتبادلان الاتهامات بـ"احتكار" الإيرادات والرسوم الجمركية وعدم إيداعها في خزانة الحكومة.

تقصير حكومي

وأعلن النائب البارز علي حمة صالح أن "نحو 29 نوعاً من مادة الحليب المستورد و43 من مشروبات الطاقة تدخل إلى الإقليم عبر طرق التهريب المختلفة، والتي لها تداعيات صحية كارثية على المواطنين". وأوضح أنه سبق وقدم "أدلة قانونية إلى هيئة النزاهة والادعاء العام ووزارة الصحة لمتابعة هذا الملف الخطير، وقد حاولت حل هذه الكارثة بصمت"، لافتاً إلى أن الوزارة "قبل أكثر من شهر ونصف الشهر عممت أمراً على مديرياتها لمنع دخول هذه المواد إلى الإقليم وسحب المعروض منها حالياً في الأسواق، دون اتخاذ أي إجراء فعلي، على الرغم من توفر كل التفاصيل والأدلة".

ويشدد خبراء في التغذية على ضرورة خلو الأغذية من بعض المواد المسرطنة كمادة "الدايوكسين"، التي تعتبر وفقاً لمنظمة "الصحة العالمية"، من المواد "شديدة السمية"، ولها انعكاسات خطيرة على "الإنجاب والجهاز المناعي والهرمونات"، حيث أبدى متخصصون أن تحوي بعض المنتجات على هذه المادة.

وأوضح صالح، "أنه كان قد طلب من وزارة الداخلية أيضاً من أجل الاستجابة وتنفيذ قرار وزارة الصحة الذي يؤكد ضرورة سحب هذه المواد من السوق لكونها غير صالحة للاستخدام البشري"، مؤكداً أن "المشكلة لا تنحصر بالحليب ومشروبات الطاقة فقط، بل تتعداها بمستوى أكثر خطورة فيما يتعلق بزيت الطعام والمشروبات الكحولية والأدوية والتمور". وأردف أن "نوعاً رديئا من مادة التمر يدخل إلى الإقليم عبر طرق التهريب من قبل مسؤولين، حيث تدفع رشى بمبلغ 2200 دولار مقابل عدم إخضاعها للفحص المخبري".

وكانت لجان من الحكومة الاتحادية في إطار عقوبات فرضتها على الاكراد رداً على خوضهم استفتاء للانفصال عام 2017، قالت إنها أغلقت العشرات من المنافذ "الحدودية الفرعية" التي تقع في معظمها بين محافظة السليمانية مع إيران، وأبقت على المنافذ الرسمية، في وقت تعاني فيه إدارة منافذ البلاد منذ سقوط النظام السابق عام 2003 تراخياً وفوضى إدارية وفساداً نتيجة تفوق سطوة الأحزاب والميليشيات.

ونقلت قناة "روداو" المقربة من رئيس الإقليم عن رئيس "شعبة السوق المحلية" في وزارة الصحة إبراهيم مصطفى قوله، "إن التحقيقات الأولية التي أجرتها الشعبة توصلت إلى أن من بين 38 نوعاً من الحليب المبيع في السوق، هناك 12 نوعاً غير مرخص"، منوهاً بأن "من بين 47 نوعاً من مشروبات الطاقة هناك 41 غير مسجل أو غير مرخص صحياً، وأن 10 منها محلي الصنع".

سيطرة ضعيفة

وبحسب خبير التغذية "لشكر حميد"، فإن "جميع المواد الوارد ذكرها ضمن قائمة الوزارة لها مخاطر على الصحة"، معلناً أن "مختبرات الإقليم تفتقر إلى إمكانات إجراء فحص مختبري دقيق على مادة الحليب ولمعرفة مدى صحة مكوناته المكتوبة على البضاعة"، محذراً من ظاهرة "الترويج الإعلامي لمنتج الحليب الصناعي في الإقليم، على الرغم أن ذلك ممنوع وفق تعليمات منظمة الصحة العالمية"، كما كشف عن أن معظم مشروبات الطاقة المنتشرة في أسواق الإقليم "مزيفة ولا تطابق عملية إنتاجها للمعايير الصحية".

وشدد حميد على أن "نحو 40 في المئة من الأغذية بالإقليم قد تكون غير آمنة على الصحة، وتفتقر إلى الجودة"، منوهاً بأن "نوعية المشروبات الكحولية تبدو أكثر سوءاً من المواد الغذائية، وأغلبها من النوع الرديء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان حميد قد أعلن في بيان وجهه للرأي العام عقب إقالته من منصبه في يوليو (تموز) الماضي إنه أقيل بأمر من "المديرية العامة للصحة في السليمانية"، مبيناً، "أنه تمكن خلال مدة خدمته من فرض رقابة ومتابعة صارمة تصل إلى نحو 95 في المئة على الأدوية المهربة والممنوعة والمزيفة، وتقديم العديد من أصحاب معامل تصنيع المشروبات الكحولية إلى القضاء، كانوا أشخاصاً معروفين لأول مرة يتم محاسبتهم، وكذلك ضبط عشرات الأطنان من الأغذية واللحوم منتهية الصلاحية في المطاعم والمحال".

ونفى حينها مسؤولون في مديرية صحة السليمانية أن يكون أشخاص متنفذون وراء قرار الإقالة رداً على إجراءات غلق وتغريم مصانع للمشروبات الكحولية ومخازن أدوية مزيفة، مؤكدين أن "أعضاء اللجان الصحية يتم تغييرهم كل ستة أشهر بموجب القوانين المعمول بها، وأن عبد الحميد قد تجاوز مهلته القانونية".

أغذية ملوثة وفاسدة

وبالتزامن مع إعداد هذا التقرير أعلنت وزارة الصحة، الأربعاء 13 أبريل (نيسان) في بيان "حظر بعض منتجات بسكويت كندر من نوع يعرف بكيندر سوبر ماكس (على شكل بيضة)، بلجيكي المنشأ تنتهي صلاحيته في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل"، عقب انتشار إشاعات تفيد باحتوائه على "بكتيريا السلامونيا"، موضحة أن لجنة متخصصة ستقوم "بالتحقيق في مصدر المنتج والشركة المتسوردة والموزعة، وتحديد المنافذ الحدودية أو المطارات التي يتم عبرها الاستيراد، وكذلك سحب المنتج من السوق، وحظر استيراده، لحين حسم المسألة، وكذلك أخذ عينات عشوائية من المنتج لفحصها، وعلى الفرق الصحية إعطاء رد عاجل بالنتائج".

لكن نواباً حذروا من أن أصناف المواد الواردة في قائمة الحظر المعلنة من قبل وزارة الصحة "ما زالت تباع في الأسواق وبأسعار مرتفعة، ويتم الترويج لها في فقرات الإعلانات التي تبثها القنوات ووسائل الإعلام".

وأعلنت لجنة مراقبة الأسواق في محافظة دهوك، الاثنين الماضي، "غلق أحد المحال التجارية بسبب مخالفته للشروط الصحية"، مشيرة إلى "ضبط 500 كيلو غرام من العصائر و25 كيلو غراماً من البسكويت منتهية الصلاحية"، داعية المواطنين إلى "ضرورة الإبلاغ عن أي محال تبيع مواد منتهية الصلاحية".

تهريب وفساد

وتعد منافذ الإقليم أحد الخلافات الشائكة مع الحكومة الاتحادية في بغداد التي تقول إنها خارج سيطرتها، لكن مدير جمارك الإقليم سامال عبد الرحمن نفى تلك الادعاءات قائلاً، "إن أعضاء من اللجنة الاتحادية سبق وتفقدوا منافذ الإقليم، وتقرر أن يستمر العمل فيها لحين تسجيلها لاحقاً في وزارة الداخلية، لكن الإجراءات التنفيذية ما زالت معلقة بسبب الخلافات القائم بين أربيل وبغداد". ويشير عبد الرحمن إلى أن "لجانا اتحادية ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سبق وتفقدوا المنافذ دون أن يسجلوا أي مخالفة، بل أشادوا بكفاءة ملاكها ونظامها الإلكتروني الصارم الذي يمنع وقوع أي مخالفة".

وفي نهاية مارس (آذار) الماضي أعلنت عضو لجنة الصحة النيابية عن كتلة "الاتحاد الوطني" شنو أشقي، أنها "منذ نحو خمسة أشهر قدمت للحكومة وهيئة النزاهة أدلة موثقة حول وجود فساد في المديرية العامة للصحة بمحافظة دهوك، دون اتخاذ أي إجراء"، مبينة أن "المديرية سمحت بدخول خمسة أنواع من الأغذية عبر معبر إبراهيم الخليل من دون إخضاعها للفحص المخبري والسيطرة النوعية"، مشير إلى أن "قيمة هذه المواد تقدر بملايين الدولارات". واتهمت وزير الصحة "بالاكتفاء في توجيه كتاب تحذير إلى مديرية صحة دهوك من دون اتخاذ أي إجراءات قانونية، وكالعادة فإن لجنة النزاهة لم يصدر عنها أي موقف".

لكن وسائل الإعلام التابعة والمقربة من حزب بارزاني تزعم أن "معظم عمليات التهريب المنظمة تقع في منافذ السليمانية، ويقف وراءها مسؤولون وشركات، مع وجود مجاميع وأجنحة في أحزاب متنفذة تقف عائقاً أمام وقف هذه الظاهرة".

خرق للضوابط

رئيس لجنة الزراعة النيابية عن كتلة "جماعة العدل" الإسلامية وزير الزراعة السابق عبد الستار مجيد، اتهم الشهر الماضي من وصفهم بـ"أحزاب ومسؤولين متنفذين في السلطة، بإعطاء الرخصة للتجار باستيراد مادة قشرة الحبوب (النخالة)، عن طريق التهريب مقابل تلقي رشى، على الرغم من صدور قرار بمنع استيرادها"، موضحاً أن "مبلغ الرشى يصل إلى 5 آلاف دولار مقابل دخول كل 25 طناً من المادة، مع دفع 500 دولار للمكتب المعني بموافقة عبور الشحنات".

وأوضح مجيد أن "جل هذه الأموال لا تحول إلى خزينة الحكومة بل تذهب إلى جيوب أحزاب وأشخاص متنفذين، وفي النهاية يدفع المواطن الضريبة". ولفت إلى أن لجنته "وقفت بالضد من قرار منع استيراد هذه المادة تجنباً للاحتكار، وعدم إلحاق الضرر بأصحاب الدواجن ومربي الحيوانات".

وكان النائب دابان محمد قد أعلن ضمن "مشروع إصلاح" سبق وتقدم به لحل الأزمة المالية التي يعانيها الإقليم، أن "فرض السيطرة على المنافذ الحدودية من شأنه إعادة ملايين الدولارات إلى خزينة الحكومة، لكن نتيجة وجود العديد من الشركات الحزبية وعمليات التهريب وجماعات المافيات، فإن 30 إلى 35 في المئة فقط من مجموع إيرادات المنافذ الحدودية تذهب للحكومة"، منوهاً إلى أن "حجم التهريب في جميع المنافذ يتجاوز 170 مليون دولار شهرياً". ورأى أن "القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومة للحد من عمليات التهريب لا تخرج في العادة بنتائج ملموسة".

أدوية مزيفة

وتأتي هذه الأزمة بعد جدل أثير الشهر الماضي عندما كشفت مديرية صحة السليمانية عن تورط شركة في تزويد مستشفى الأمراض السرطانية للأطفال بأدوية "مغشوشة"، مبينة أنها "اعتمدت على استخدام تلك الأدوية بناءً على امتلاك الشركة المعنية رخصة الاستيراد من قبل وحدة السيطرة النوعية". وأقرت وزارة صحة الإقليم من جهتها "بضبط شركة تقوم ببيع أدوية مزيفة بكونها معتمدة من قبل شركات عالمية رصينة عبر تزوير للوثائق، وقد أحيل الملف قبل سنة إلى الإجراءات الأصولية من الحجز وتم التأكد من عملية التزوير، وبدأنا بمراجعة شاملة للشركات لإحالة المزورين والمتحالين إلى القضاء".

وكان النائبان علي حمة صالح وأبو بكر هلدني قد رفعا دعوى قضائية بعد رصد "عملية تزوير لأصناف عالمية من الأدوية من قبل شركة تقوم منذ نحو 7 سنوات بتجهيز مستشفيات مرضى السرطان في الإقليم بتلك الأدوية". وقالا إن "التحقيق في الملف تأخر على الرغم من طلب تحقيق كانت تقدمت به السيطرة النوعية".

وأعقب ذلك تأكيد صدر عن مدير السيطرة على الأدوية شيروان قادر عن "اتخاذ إجراءات ضد العديد من الصيدليات ومخازن الأدوية، و10 شركات فضلاً عن 20 شخصاً، بسبب مخالفات، ضمن عملية إصلاح تجري في هذا القطاع"، مشدداً على مواصلة "العملية لرصد المخالفات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير