Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحولت ظاهرة الطوابير إلى أسلوب حياة في الجزائر؟

يرى وزير التجارة أنها تعبر عن "سلوك حضاري" وجمعية حماية المستهلك دعت للقضاء عليها

مشهد من طابور طويل لاقتناء الحليب في مجمع سكني   (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - التواصل الاجتماعي)

تغيرت السلوكيات الاستهلاكية في الجزائر بشكل لافت لدرجة أن يقضي مواطنون ساعات طوالاً في طوابير يتشاركها رجال، ونساء، وأطفال ومسنون كذلك، من أجل ممارسة حقهم في اقتناء سلع تموينية كالخبز، والحليب والزيت والسكر والطحين.

ومنذ سنوات، يستاء جزائريون من معضلة الانتظار أو إهدار الوقت والجهد، كما يصفونها في المستشفيات الحكومية، أو مصالح الحالة المدنية بالبلديات لاستخراج وثائق إدارية، وكذلك في مراكز البريد التي تعرف هي الأخرى اكتظاظاً للحصول على الرواتب الشهرية، بالنسبة إلى المتقاعدين وعمال التوظيف العمومي، وكان هذا السلوك مرفوضاً في بدايته، قبل أن يتكيفوا معه كواقع عجزت حكومات متعاقبة على تسيير البلاد عن تغييره، ليصبح من المشاهد الحياتية الروتينية.

"نكبة اللهفة"

امتد هذا المسلسل أو الديكور الحياتي، إلى المحال والمراكز التجارية، إذ كان مقتصراً على فترات متقطعة تشهد فيها مادتا الخبز والحليب واسعتا الاستهلاك ندرة في التمويل أو نقصاً حاداً في المادة الأولية وهي بودرة الحليب والقمح. وساءت الأمور أكثر في ظل تدهور القدرة الشرائية والارتفاع المستمر لأسعار السلع والخدمات منذ الموجة الأولى لجائحة كورونا في مارس (آذار) 2020، حيث استحوذ الجشع على عقول المتسوقين ممن باتوا يقتنون ما يكفيهم وأكثر من ذلك وهو واقع كشف عن الطبيعة الأنانية للإنسان دفعت إليها غريزة البقاء. وهو ما تربطه جمعيات مدنية، باللهفة إذ يصل الاستهلاك إلى معدلات مرتفعة وهو ما يقابله بطبيعة الحال تبذير وإسراف.

أسلوب حياة

ويبدو أن السلوك الاستهلاكي الموصوف بـ"اللهفة"، تحول إلى برمجة اجتماعية، بأن شراء المزيد من السلع فيه تفادٍ للوقوع في أزمة اقتصادية، وهو ما يدل من جهة أخرى على استشعار دائم بالخوف من المستقبل وضرورة التحضر لأسوأ السيناريوهات، كما يذهب إليه متخصصون اجتماعيون في تحليل الظاهرة، يقولون إن الإشكال يكمن في تحول الطوابير إلى أسلوب حياة وليس مجرد أزمة عابرة مرتبطة بظروف اقتصادية استثنائية، أثرت في الطلب الداخلي.

إذ من غير المبرر أن يسجل المواطن قبل ذهابه إلى العمل حضوره في طابور على الساعة السادسة لاقتناء كيس حليب، قبل توجهه إلى مقر عمله، ويكرر الفريضة الاستهلاكية نفسها مساءً للظفر بكيس طحين أو قارورة زيت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الزيادات على السلع الأساسية شملت الخضر والفواكه في الجهة الأخرى، وهو ما جعل ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي يطلقون حملة لمقاطعة الموز مثلاً، بشعار "خليه يكحال" (اتركه ليسود) بسبب ارتفاع أسعاره التي وصلت إلى 700 دينار جزائري (قرابة 5.4 دولار) للكيلوغرام الواحد، على الرغم من رفع جميع القيود في عمليات استيراد هذه الفاكهة.

ودعت جمعية حماية المستهلكين في الجزائر، المواطنين إلى الاقتداء بتجربة الأرجنتين التي عرفت ارتفاعاً في أسعار البيض، وكيف تمكن المستهلكون من تخفيضه بالامتناع عن شرائه، مبرزة "باستطاعتنا أن نرفع أو نخفض أسعار أي سلعة بإرادتنا من دون حملات أو دعايات، نحتاج فقط إلى ثقافة عدم إعطاء الفرصة لاستغلالنا".

بين الحكومة والمضاربين

وسط معادلة غلاء الأسعار، تبرز معركة خفية بين كبار التجار أو المضاربين والحكومة، فالأخيرة تقول، "إنهم السبب الرئيس في ندرة مواد أساسية وخلق أزمات مفتعلة لإرباك السلطات العمومية، وهو ما جعلها تسن عام 2021 قانوناً لمكافحة المضاربة عبر إقرار عقوبات تصل إلى 30 سنة والمؤبد في الظروف الاستثنائية على المضاربين، وهي الإجراءات التي لم يتقبلها ممارسون للأنشطة التجارية باعتبارها قد توظف لاستهدافهم".

هذا المبرر الحكومي لا يجد متعاطفين كثراً معه، على اعتبار أن المواد التي تشهد غلاء في الأسعار هي تلك المدعمة التي يتم تمويلها من الخزينة العمومية، وبالتالي فإن ضعفها في الرقابة يعني فشلاً في التسيير.

ومن بين أحد التبريرات التي ساقها وزير التجارة كمال رزيق، في تفسيره لظاهرة الطابور "أنها ليست عيباً، ففي كل دول العالم توجد طوابير، وبالتالي فإنه ينم عن سلوك حضاري بأن كل شخص ينتظر دوره، أفضل من مشاهد الفوضى واللهفة". وفق رزق الذي دعا في المضمار نفسه إلى محاربة سلوك التخزين الذي انتشر عند المواطنين، ونجم عنه نقص في عدة مواد أساسية.

 هذه التصريحات الصادرة من المسؤول الحكومي، لم تمر من دون إثارة موجة من الانتقادات والاستنكار، وطالب ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بإقالة رزيق من منصبه وزيراً للتجارة، إذ يتهمه مواطنون بالفشل الذريع في إدارة ملفات معيشية للمواطنين.

وقال مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية المستهلك، إن "الأصل في عملية اقتناء الحاجيات هو التمتع بالأريحية والرفاهية وممارسة هذا الحق بكل كرامة، وقد يحدث في الحالات أو الظروف الاستثنائية الوقوف في طابور، لكن من غير المعقول أن يصبح هذا السلوك عادة تمتد مع الزمن ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال"، مطالباً بالقضاء على الطوابير لأن "نهوض المواطن على الساعة السادسة للحصول على كيس حليب في طابور طويل يعتبر تصرفاً سيئاً وغير سوي ولا يمت إلى الحضارة بأي صلة ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبريره".

هذه المؤشرات تزامنت مع تسجيل الدينار الجزائري مستويات متدنية، تعاكس توقعات الحكومة، ما من شأنه رفع نسبة التضخم التي قدرت في فبراير (شباط) بـ7.6 في المئة، فيما عرفت الأسعار عند الاستهلاك ارتفاعاً بتسعة في المئة حسب بيانات رسمية.

حتى زيادات رواتب العمال والموظفين التي أفرج عنها أخيراً وجدت تحفظاً من قبل نقابات عمالية اعتبرتها غير كافية ولا ترقى إلى مستوى تطلعات الطبقة الشغيلة، إذ تتراوح الزيادة ما بين 2250 ديناراً جزائرياً (16 دولاراً) للموظف المبتدئ وخمسة آلاف دينار جزائري (35 دولاراً) بالنسبة إلى أعلى الدرجات في الوظيفة العمومية، وتدعو النقابات لفتح المجال لمفاوضات جدية بشأن زيادات حقيقية تأخذ في الاعتبار غلاء المعيشة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي