Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغالطات تاريخية في "العاصوف" تثير حفيظة المتابعين

تحويل مطالبة النساء لقيادة المرأة في التسعينات لحادثة رجالية تخالف المعلومات التاريخية

لقطة من مشهد قدم في مسلسل "العاصوف" أثر جدلاً حول مصداقية الرواية المقدمة حول حركة قيادة المرأة في 1990 (منصة شاهد)

يبدو أن قضية "قيادة المرأة للسيارة" التي ظلت ولسنوات طويلة محل جدل كبير في السعودية لم تنته بجلوس المرأة خلف المقود في 2018، ففي الحلقة 12 من المسلسل السعودي الشهير "العاصوف 3" ثمة مشاهد أعادت للأذهان واحداً من مشاهد النضال التاريخية، وهو أول المطالب النسوية بالقيادة، لكن موضع الجدل الذي احتدم حول الحلقة، هو هل الرجال كانوا خلف هذه التظاهرة التي تتزامن مع حرب الخليج؟ 

تشير المشاهد التي أظهرتها الحلقة أن ثمة أزواجاً كانوا يساندون النساء في مطالباتهن في عام 1990، لكن هذه الرواية بحسب أكاديميين تبدو مخالفة للواقع، ولم يكن ثمة رجل واحد، والمطالبة كانت نسائية خالصة. 

المسلسل السعودي الشهير الذي يأتي في جزئه الثالث، ويناقش أحداث السبعينيات والثمانينيات، وما بعدها في السعودية، بات تحت مجهر النقاد والمتابعين وباتت ردود الفعل منذ جزءه الأول لا تهدأ تارة تصحيحاً لتاريخ ما، وتارة يظهر ناقد يشير إلى أن الرواية لا تخلو من ابتداع لحكمة لا يعلمها إلا الله ومخرج العمل وكُتّابه. 

لكن المسألة الأخيرة التي تقول، إن ثمة أزواجاً كانوا يجلسون خلف زوجاتهم اللاتي خرجن في العاصمة للمطالبة بحقهن بالقيادة، دعت الأكاديمي السعودي تركي الحمد، وهو الذي يبدو غارقاً في متابعة العمل في الأجزاء الثلاثة كما تشير دائماً تصويباته وتغريداته للقول بعد عرض الحلقة المثيرة التي تجسد يوماً تاريخياً في حياة النسوة السعوديات، "في الحلقة 12 من العاصوف، مشهد يوحي بأن حركة قيادة المرأة للسيارة عام 1990 بمشاركة رجالية، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق. لقد عشت تلك الأحداث بكل تفاصيلها وكواليسها، ولم يكن هنالك أي رجل في الموضوع، بل كانت حركة نسائية خالصة تخطيطاً وتنفيذاً". 

كتاب "السادس من نوفمبر" يوثق المرحلة

بالعودة لأول كتاب يسلط الضوء على أحداث تلك القصة، وهو لمؤلفتين سعوديتين شاركتا في التظاهرة التي تزامنت مع غزو صدام حسين للكويت، تشير الرواية التي طبعت في كتاب "السادس من نوفمبر" إلى أنه لم يكن "ثمة رجل وسط التظاهرة وأن السيدات السعوديات اللاتي بلغت أعدادهن 47 هن من قُدن تلك التظاهرة بمفردهن".

يقول الكتاب الذي جاء بتأليف كل من عائشة المانع، وحصة آل الشيخ (ضمن المشاركات في المسيرة)، إنه جاء ليوثق تفاصيل مهمة في تلك التجربة، قبل المسيرة وأثنائها وما تلاها من تداعيات وأحداث وصخب إعلامي، وهي تفاصيل ظلت غائبة عن التناول لأكثر من عقدين من الزمان (لحظة صدور الكتاب 2013).

ثمة تفاصيل كثيرة أوردها الكتاب في صفحاته الـ292، وهو يشير بشكل غير مباشر إلى أن لنزوج مئات الآلاف من الكويتيين للبلاد وقيادة نساء الكويت لسياراتهن إبان احتلال بلادهن من الجيش العراقي دعوة غير مباشرة وحافزاً للسعوديات للمطالبة بالقيادة.

 

كان بداية نهار 6 نوفمبر (تشرين الثاني) يوماً خالداً، وهي لحظة خروج النساء "لكتابة تاريخ للمرأة في بلدهن"، وكان كل شيء مرسوماً بحسب ما أورده الكتاب، "بإرادتهن الخالصة، وكان القرار قرارهن"، أي النساء السعوديات.

في تلك الحقبة التي ليس للبلاد حديث سوى صدام، والجيش الأميركي، والدبابات، والقتلى، ودخان الحرب، وأصوات صافرات الإنذار، وهي الفترة التي مضى على احتلال الكويت نحو 4 أشهر، في ظل تلك الأجواء المشحونة بالتوترات والتطورات الميدانية المتسارعة، كانت النسوة في لحظات حاسمة لكتابة تاريخ ما.. وهو لبدء مسيرة للمطالبة بحق حرمن منه بحكم العرف والعادة وليس للدين علاقة فيه. لكنه ويا لمأساتهن فإن لرجال الدين في تلك الفترة سطوة وقراراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أول اجتماع لبدء تلك المسيرة المحفوفة بالمجهول، بحسب الكتاب "كانت في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1990 حيث قامت نورة الغانم وشقيقتها سارة الغانم بزيارة مسائية للدكتورة عائشة المانع في مكتبها بشركة الخليجية في الرياض، والتي لم يسبق لها التعرف بهما من قبل، وكان الغرض من الزيارة دعوتها منزل السيدة نورة التي أبدت رغبتها بأن تعرف عائشة على مجموعة من السيدات المهتمات بشؤون وقضايا المرأة"، ذلك لأخذ آرائهن في ما يمكن عمله. وهو ما حدث فعلاً حين التقى عدد من النساء المهتمات بحقوق المرأة بعد ذلك لمناقشة ما يمكن فعله.

صاحبة الفكرة 

لعائشة المانع وهي التي عاشت تلك الحقبة وكتبت الكتاب رفقة حصة آل الشيخ، هذه الفكرة. فكرة ترتيب المطالب والبدء في تفعيلها. وهي التي دعت النساء للحضور لمنزلها في الأسبوع التالي (31 أكتوبر 1990) وذلك لبدء خطة القيادة. 

وبحسب الرواية الصادرة في الكتاب، فإن المانع اتصلت بمسؤول يعمل بمنصب وزير للدولة ورئيس لديوان الخدمة المدنية لمطالبته بالقيادة، وهو على ما يبدو كان مقتنعاً بمطالب النساء، لكن "الوقت غير مناسب" نظراً للظروف الأمنية التي تمر بها المنطقة، بحسب قوله.

وبعد سلسلة من الخطابات التي قدمت للديوان والملك، اتخذت النساء خطوة حاسمة وهي النزول إلى الشارع وقيادة جميع المشاركات لسياراتهن بأنفسهن. ونظراً لعدم وجود وسائل تواصل سريعة كانت المواعيد آنذاك تضرب بحسب أوقات الصلاوات وحين تغرب الشمس ومع إشراقها، تقول المؤلفتان إن المُشاركات اتفقن على أن "آذان العصر من السادس من نوفمبر هو كلمة السر وساعة الصفر المتفق عليها للقيادة، ومكان التجمع كان بمواقف أسواق التميمي الشهيرة آنذاك بطريق الملك عبدالعزيز مع طريق عبدالله العنقري شمال الرياض".

 

وبعد التجمع في الزمن الموعود، بدأت أرتال سياراتهن تجوب الشوارع وسط دهشة من المارة حينها أخذن الشوارع ذهاباً وإياباً، وحين بلغن طريق الملك عبدالعزيز حين المصير المنتظر، ذلك حين أوقفتهن سيارات الشرطة وطلبوا منهن إبراز رخصة القيادة، لتفاجئه سائقة برخصة قيادة أميركية تحملها، وهو ما دعا الجندي لاستدعاء رئيسه الذي وصل مع وصول سيارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". 

في تلك الأثناء اختلفت الجهتان، الشرطة والهيئة، في من يتولى معالجة الموقف، لكن إمارة الرياض أمرتهما بترك الأمر للشرطة والاتجاه لشرطة العليا والسليمانية على أن يرافق كل سيارة شخص من الشرطة والهيئة، وهنا بدأت سلسلة من التأليب والمحاسبة والتعهدات والاحتجاز. وانتهى الحال بشكل مأساوي للنسوة إذ قررت السلطات آنذاك فصلهن من العمل ومنعهن من السفر. 

لتبدأ بعد ذلك سلسلة طويلة من السيناريوهات، وكن على موعد من أشد موجات الصحوة الدينية المتشددة، وهي التي وزعت المنشورات وصدح خطباؤها المتشددون بأقذع الأوصاف تجاههن من على المنابر. يقول منشور أورده الكتاب المثير في الصفحة الـ70 "أسماؤهن معروفة، عاهرات.. منحلات.. وقد شوهدن خارج البلد بتصرفاتهن غير الأخلاقية وتحت شعارات معروفة، فهل هؤلاء وأمثالهن وصيات وممثلات للمرأة في هذا البلد؟ لا والذي فلق الإصباح والنوى لا يمثلنهن...".

لم يكن السخط في تلك الحقبة على المانع وآل الشيخ وصاحباتهن اللاتي تغيرت أقدارهن في 2022 وحسب، حتى أزواجهن روّج الرجال المتشددون دينياً منشورات بأسمائهم وبجوار كل اسم صفة لكل زوج، كالعلماني الأميركي، والشيوعي، والعلماني القذر، وداعية فساد وتبرج، وأحدهم كتب بجوار اسمه"عسكري من كبار دعاة الانحلال، وهو قريب للساقطة (...)". كانت تلك الموجة رد فعل شرس تجاه النساء الـ47.  

وخلفت أحداث السادس من نوفمبر، أول فتوى سعودية تنص صراحة على منع قيادة المرأة للسيارة، وهي الفتوى التي أرجأت لعقود ثلاثة بعدها موضوع القيادة والبت فيه قبل أن تعيش السعودية اليوم أزهى عصورها، بخاصة في 26 سبتمبر (أيلول) 2018 حين أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بقيادة المرأة وإصدار رخصة لها. وبذلك أنهى القرار عقوداً من السجال حول القيادة وتحريمها. 

الكتاب الذي طبع قبل قرار الملك السعودي التاريخي، يعد مرجعاً تاريخياً لأحداث مأساوية عاشتها المرأة السعودية، لكن مسلسل "العاصوف" بات يواصل شرح تلك المرحلة، وإن كان ثمة عتب من شهود العصر على بعض تفاصيله وحول صحتها، إلا أنه يعد أول مسلسل تاريخي بدأ بتجسيد حياة البلاد في السبعينيات والثمانينيات وما بعدهما.

المزيد من تقارير