Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الاسرائيلي عاموس عوز ما برح يحرج الصحافة الثقافية العربية... برواياته المهمة

هل يحق للقارئ ان يحب اعمال كاتب هو بمثابة عدو؟

الروائي الاسرائيلي عاموس عوز (يوتيوب)

كان الروائي الإسرائيلي الراحل عاموس عوز مرشحاً بقوة للفوز بجائزة نوبل، وكان الكثيرون من الصحافيين العرب محرجين إزاء هذا الفوز لو تم حينذاك: هل يمكنهم أن يمتدحوا روائياً إسرائيلياً بلغ مرتبة العالمية، متناسين انتماءه إلى دولة الاحتلال والقتل والتهجير، على الرغم من دعوته إلى حل عادل للصراع بين أهل الأرض والمحتلين. وعندما رحل عوز قبل عام، وهو بلا شك أحد أكبر الروائيين الإسرائيليين المعاصرين، إلى جانب يهودا أميحاي ودافيد غروسمان، كُتب عنه القليل في الصحافة العربية، التي كانت دأبت على الكتابة عن رواياته التي ترجمت إلى العربية ومنها رائعته "قصة عن الحب والظلام". هل بالغ الصحافيون العرب في حرجهم هذا وفي تحيرهم (الدائم) حيال الأدب الإسرائيلي وترجمته إلى العربية؟ طبعاً، لا جواب قاطعاً عن هذا السؤال ما دام العرب على عداء مع إسرائيل التي تمثل صورة المحتل الظالم والمتعجرف. والموقف السياسي لا ينفصل بتاتاً عن الموقف الثقافي. ولكن ألا يحق للقراء العرب أن يطّلعوا على ما يُكتب في إسرائيل من أدب وأن يكونوا على بيّنة من أعمال أدباء العدو ومواقعهم وتوجهاتهم؟ أما ما يمكن استغرابه فهو الإقبال الإسرائيلي على ترجمة الأدب العربي وعلى قراءته ونقده وتدريسه في الجامعات. ومعروف أن عيون الأدب العربي الحديث رواية وشعراً، ترجمت إلى العبرية، اللغة التي توصف بـ "الميتة" والمنحسرة القراء، ولا تحصى أسماء الروائيين العرب الذين باتوا مقروئين باللغة العبرية، وقد رحّبت الصحافة الإسرائيلية ببعض منهم وكتبت عنهم. في إسرائيل مثلاً هناك قراء يحبون أعمال طه حسين ونجيب محفوظ ومحمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا والياس خوري ومحمد شكري وسواهم، على الرغم من العداء القائم دائماً بين ثقافة الضحية وثقافة الجلاد.

محمود درويش والشعر الاسرائيلي

وعلى الرغم من "استنفار" جبهة مناهضة التطبيع العربية وأدائها دور المراقب الساهر الذي لا تغمض له عين، ووقوفها بالمرصاد أمام أي ترجمة للأدب العبري وتخوينها المترجمين والروائيين والشعراء الذين يشاركون في مهرجانات عالمية يحضر فيها إسرائيليون، فلائحة الكتب المترجمة عن العبرية تتسع وتزداد أسماء الكتاب الإسرائيليين المترجمين إلى العربية. واللافت أن القراء العرب يقبلون على اقتناء هذه الأعمال رغبة في الاطلاع على أدب العدو، ولا استغراب إن أحب بعضهم روايات أو قصائد عبرية. ولا تحصى حتى الآن الروايات والقصائد التي باتت تحفل بها المكتبة العربية. ويكفي أن تنشر مثلاً مجلة "الكرمل" التي كان يشرف على تحريرها الشاعر محمود درويش، بضعة ملفات عن الشعر الإسرائيلي مع ترجمات، عطفاً على النصوص والمقالات والدراسات المترجمة عن العبرية. وكان درويش الذي أجاد العبرية، يقرأ باستمرار الشعر الإسرائيلي وعبّر مرة في حوار لي معه عن حزنه عندما يقرأ قصائد إسرائيلية جميلة تتغنى بالأرض المحتلة التي هي أرض فلسطين. ولا استغرب أيضاً أن يكون كثيرون من المترجمين إلى العبرية فلسطينيين منضوين في صفوف المقاومة ومنهم على سبيل المثل الكاتب توفيق فياض (السجين السابق) الذي كان سباقاً في ترجمة رواية "خربة خزعة" للكاتب الإسرائيلي اليساري يزهار سميلا نسكي وهي تدور حول تهجير الإسرائيليين أهل قرية خربة خزعة الفلسطينية وتشريدهم. أما رواية "الطريق الى عين حارود " الشهيرة فترجمها الى العربية الكاتب انطوان شلحت وقدم لها الشاعر سميح القاسم.

 

هل يمكن قارئاً عربياً أن يحب كاتباً إسرائيلياً؟ لا جواب أيضاً على مثل هذا السؤال. لكنه يستطيع حتماً أن يحب رواية إسرائيلية لا سيما إذا كانت مناهضة لسياسة دولة الاحتلال، مثلما يستطيع أن يحب قصيدة أو قصة... هل من الضرورة أن تنعكس حال العداء على الذائقة الأدبية وعلى قراءة نص الآخر الذي هو هنا العدو بامتياز؟ قد يختلف المثقفون العرب - وهم يختلفون فعلاً - حول هذه القضية المعقدة، وبعضهم جاهر برفضه الأدب الإسرائيلي بصفته أدب عدو مغتصب ومتعجرف، وبعضهم آثر الفصل بين الأدب والهوية السياسية، والحجة أن الشعوب المتحاربة طوال التاريخ تبادلت آدابها وحضاراتها، والأمثلة كثيرة.

 أرض فلسطين

أذكر أنني عندما وصلتني رواية عاموس عوز الضخمة "قصة عن الحب والظلام" (دار الجمل) في ترجمتها العربية التي تمت مباشرة عن العبرية وليس عن لغة وسيطة، قرأتها بمتعة. كنت قرأت بضع روايات له في الترجمة الفرنسية. هذا روائي كبير، شئتُ أم أبيت، عالمه لا تخوم له، عالم واقعي ومتخيل، عبثي وعدمي وساخر بحسب "السخرية "اليهودية. وأعتقد أن روايته "وحده البحر" التي قرأتها بالفرنسية، هي من أكثر الروايات التي تبقى في الذاكرة. ولئن كانت موضوعاته الروائية يهودية جداً (المحرقة، الدين اليهودي، الحضارة اليهودية، الهجرة، الواقع الإسرائيلي...) فهو ينجح في بلورتها روائياً والارتقاء بها إلى مصاف الأدب العالمي. هذا روائي يحفر في أرض التاريخ والواقع، حتى وإن لم يكن التاريخ تاريخه أو تاريخ شعبه. في كتاب له عنوانه "مشاهد من حياة ريفية" يتخيل قرية عمرها مئة عام، تمتد بين كروم العنب والحقول وتحيا حياة هانئة وسط الطبيعة. هذه القرية أليست فلسطينية؟ كم كان محمود درويش على حق.

عاموس عوز روائي كبير حتى لو أنكر بعض المثقفين العرب مكانته العالمية أو تجاهلوا أعماله، آخذين عليه انتماءه الإسرائيلي الوجودي وليس السياسي فقط. ومن يقرأ عوز من المثقفين العرب، لا يستطع أن ينكر عليه أدبه البديع، حتى وإن كان هذا المثقف يسارياً أو قومياً أو عروبياً. هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها. فهذا الروائي استطاع فعلاً أن يخلق عالماً فريداً، بأشخاصه كما بأحداثه أو وقائعه، عطفاً على لغته الجميلة التي لم تفقد في الترجمات خصائصها الفريدة. ومعروف أن عاموس عوز أصلا ًهو من الأدباء الإسرائيليين القلة الذين أعادوا إحياء اللغة العبرية الميتة، محققين الحلم الإسرائيلي، حلم الوجود الإسرائيلي، الذي تُعد اللغة أحد تجلياته. وقد يكون هذا الإحياء للغة إسرائيل الدولة الطاغية، هو ما يؤخذ عليه بصفته ينتمي إلى "العدو"، على رغم يساريته وإسهامه في تأسيس حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، وفي صوغ شعاراتها السلمية. وهو نادى مراراً بضرورة قيام دولتين، واستنكر قتل الأطفال، فلسطينيين وإسرائيليين. ومعروف عنه إدانته الدائمة أعمال إسرائيل العسكرية ضد الفلسطينيين واللبنانيين. وأذكر مقالة له كتبها العام 2002، وعنوانها "كل هذا القتل غير ضروري"، ويعرب فيها، على ما أذكر، عن رغبته في أن تقضّ أشباح الأطفال القتلى، الفلسطينيين والإسرائيليين، مضجعَي شارون وعرفات. وطبعاً لم يفته، أن شارون كان مجرماً كبيراً وأن عرفات كان يملك حق الدفاع الشرعي عن أرضه المغتصبة.

أذكر كيف دعت وزارة الثقافة المصرية إبان خوض الوزير فاروق حسني معركته "الشرسة" لاحتلال كرسي رئاسة اليونسكو، إلى حرق الكتب الإسرائيلية المترجمة في مصر تبرؤاً منها من تهمة "التطبيع" التي كانت أحد العوائق في المعركة، مع أن الوزير كان سعى قبل سنوات إلى إحياء حركة الترجمة من العبرية. وكان عليه ان يعتذر لاحقاً ا/ام مجلس اليونسكو عن هذا العمل. إلا أن السؤال عن إمكان ترجمة الأدب الإسرائيلي إلى العربية الذي ما زال يطرح، يظل شائكاً، والجواب عليه شائك بدوره. فعندما يقال "كاتب إسرائيلي" لا يستطيع القارئ العربي إلا أن يستحضر صفة "العدو"، ما دامت حال العداء الشديد، قائمة بيننا وبين الدولة الإسرائيلية، على الرغم من ظواهر التطبيع السياسي التي أضحت بارزة.

 

المزيد من ثقافة