Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عمران خان... لماذا سقط المجداف من قبضة "لاعب الكريكيت" في باكستان؟

علاقات رئيس الوزراء المعزول مع بكين وموسكو أغضبت واشنطن... وتدهور الاقتصاد والأمن وخلافه مع الجيش سرع إطاحته

بات عمران خان أول رئيس حكومة في تاريخ باكستان تطيحه مذكرة حجب الثقة (أ ف ب)

مع دخول باكستان حقبة جديدة محملة بالأعباء والتداعيات بعد خروج رئيس وزراء ودخول آخر إلى المشهد، لا تزال الأسئلة تدور حول الأسباب التي أدت إلى إطاحة عمران خان، نجم الكريكيت السابق، وصاحب المناورات السياسية والخطاب المثير للجدل.

خان، الذي تولّى السلطة عام 2018، كان اقترب لأن يكون أول رئيس وزراء في البلاد منذ استقلالها (1947) مرشح أن يكمل مدته الدستورية (خمسة أعوام)، إلا أن شبح مصير أسلافه أبى أن يترك زعيم حزب "حركة إنصاف" (تأسس عام 1996) وشأنه ليكون استثناء عن القاعدة، وأُطيح بموجب مذكرة لحجب الثقة تم التصويت عليها في الجمعية الوطنية الأحد الماضي، بعدما فعل بكل شيء لتأجيل هذا الأمر المحتوم، ليكون بذلك، أول رئيس حكومة في تاريخ البلاد تطيحه مذكرة حجب الثقة.

وقبل إزاحته، كان خان اعتقد أنه نجا من هذا المصير عبر حصوله على عدم طرح المذكرة على التصويت في البرلمان والمضي نحو حلّه. لكن المحكمة العليا قضت بأن كل هذه العملية غير دستورية. وأعادت عمل الجمعية الوطنية وأمرت باستكمال التصويت على مذكرة حجب الثقة، لتدخل الدولة المسلحة نووياً في رحلة من المرجح أن تستمر الاضطرابات السياسية والاقتصادية فيها.

الجيش "كلمة السر"

أثار صعود نجم الكريكيت السابق وحزبه "حركة إنصاف" عام 2018 والوصول إلى السلطة كثيراً من التساؤلات، لا سيما بعدما تمكّن عمران خان وبعد أعوام طوال من النضال من إزاحة السلالتين السياسيتين الراسختين المتنافستين اللتين هيمنتا على السياسة في البلاد طوال عقود، وهما حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية الباكستانية.

ووفق ما تقول "نيويورك تايمز" الأميركية، جاء هذا الصعود بعد أن برز خان كقوة جديدة، بمسيراته المدوية وحضوره الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار رسالته وشعاراته الشعبوية التي تجمع بين وعود الإصلاح الاجتماعي والمحافظة الدينية ومكافحة الفساد، وفوق كل هذا، كانت "نظرة الجيش الإيجابية إلى خان وبرنامج عمله المحافظ".

وللجيش دور كبير في باكستان وحكم البلاد لما يقرب من نصف تاريخها، كما أنه يسيطر على بعض أكبر المؤسسات الاقتصادية، غير أن قيادة الجيش الحالية في باكستان تقول إنها ليست طرفاً في التطورات السياسية الراهنة التي تعصف بالبلاد.

لكن وبحسب الصحيفة الأميركية، "قادت الخلافات الأخيرة بين خان وقيادة الجيش الباكستاني إلى توسيع الهوة بين الطرفين، ورفع المؤسسة العسكرية دعمها عن رئيس حركة إنصاف، ما جعل خان في مهب الريح وزاد من احتمالات إطاحته في الأيام الأخيرة"، موضحة، "تحركت الأحزاب السياسية المعارضة للتصويت على سحب الثقة بعدما بدا أن خان فقد دعم الغالبية ودعم المؤسسة العسكرية".

وذكرت "نيويورك تايمز"، "يُعتبر دوماً دعم الجيش في باكستان مهماً لاستمرار رئيس الوزراء في منصبه، وخلاف المؤسسة العسكرية مع خان هز حزبه وقاد إلى انشقاق عدد من أعضائه البرلمانيين، بعد أن اتهموا زعيمهم بالفشل في معالجة الأزمات الاقتصادية".

ويقول مراقبون إن "دعم الجيش لخان تراجع بعد خلاف مع قائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، على تعيين رئيس الاستخبارات العسكرية ذي النفوذ وظهور المشكلات الاقتصادية التي أدت إلى أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ عقود هذا الأسبوع".

 

من جانبها، ووفق ما توضح "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، "بدا أن أسباب ضمان خان (69 سنة) لصعوده على رأس الحكومة في باكستان عام 2018 هي ذاتها التي يمكن أن تفسر سقوطه في 2022، أي دعم المؤسسة العسكرية"، مضيفة، "وعد عمران خان في بداية تولّيه منصبه بأن يجلب التغيير للبلاد، وأن يبني باكستان جديدة، في وقت كان يتحدث بفخر أنه والجيش على صفحة واحدة عندما يتعلق الأمر بالقرارات السياسية، وعليه بدا أن يكون أول رئيس وزراء في البلاد قد يكمل فترة خمسة أعوام في الحكم، وهو ما لم يسبقه عليه أحدهم، لكن الخلاف مع الجيش عرّضه للسقوط".

ويتمسك الجيش الباكستاني بإعلان التزامه الحياد في مجال السياسة، إلا أن كان لافتاً ما صرح به عمران خان الشهر الماضي في تجمع حاشد في معرض حديثه عن مستقبله السياسي، قائلاً، "الحيوانات فقط هي التي تبقى على الحياد"، الأمر الذي اعتبره كثيرون أنه إشارة إلى دور المؤسسة العسكرية في البلاد.

وضع اقتصادي متردٍّ

في مقابل الوعود البراقة التي أطلقها عمران خان، خريج جامعة أكسفورد الإنجليزية، من الإصلاح الاجتماعي مروراً بمكافحة الفساد ووصولاً إلى "نظام الرفاه"، مثّل الواقع الاقتصادي في البلاد أحد أبرز التحديات التي جعلت حكم نجم الكريكيت السابق معرضاً للاهتزاز.

ويقول مراقبون إن عمران خان ورث وضعاً مالياً متأزماً، فاقمته "خياراته الرديئة" والوضع الاقتصادي المتدهور، ما أدى إلى تراجع شعبيته خلال الأشهر الأخيرة ودفع حلفاء له في الائتلاف الحاكم للانضمام إلى المعارضة لمحاولة إطاحته من المنصب.

وخلال الفترة الأخيرة، شهدت باكستان ارتفاعات حادة في أسعار المواد الغذائية وتكاليف المعيشة، فضلاً عن انخفاض حاد في قيمة الروبية مقابل الدولار منذ يوليو (تموز) الماضي، وما أزّم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، ارتفاع التضخم لأكثر من 12 في المئة، والنمو الاقتصادي الذي ظل صفراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتفاقم الديون التي وصلت إلى 130 مليار دولار (43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت العملة الباكستانية (الروبية) بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الخميس الماضي (وصلت إلى 190 مقابل الدولار، بفقدان قرابة ثلث قيمتها منذ تولّي خان السلطة) وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي. وعليه، رفع البنك المركزي الباكستاني سعر الفائدة القياسي بمقدار 250 نقطة أساس في اليوم ذاته، في أكبر تحرك من نوعه منذ 1996. كذلك تعثّرت السندات الباكستانية المقومة بالدولار مرة أخرى الجمعة الماضية.

إضافة إلى ذلك، لم تتمكّن الحكومة من استكمال تنفيذ برنامج إنقاذ لصندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار وقّع عليه خان عام 2019، بعد أن تراجعت عن تطبيق اتفاقيات بخفض أو إنهاء الدعم على سلع معينة وتحسين الإيرادات وتحصيل الضرائب.

وتفسر صحيفة "لاكروا" الفرنسية تداعيات الأزمة الاقتصادية في باكستان على حكم خان، قائلة، "في قلب الأزمة الأخيرة، كان واضحاً أن خان لم يفِ بالوعود التي قطعها على نفسه منذ انتخابه في 2018"، مضيفة، "بينما استندت حملته الانتخابية إلى مكافحة الفساد وتعافي الاقتصاد، يمر خان اليوم وبعد أربعة أعوام من انتخابه، بواقع اقتصاد متردٍّ وتحديات غير مسبوقة".

ويقول مراقبون إنه يتعين على الحكومة الباكستانية المقبلة "إجراء إصلاحات جذرية للسياسات" لمواجهة التحديات الاقتصادية الضخمة، بينها "اجتماع أعباء الديون الثقيلة مع تضخم متسارع وعملة وطنية ضعيفة، مع أمل ضئيل بتحقيق تحسن حقيقي".

تحديات أمنية

خلال الأشهر الأخيرة، تزايدت صعوبات عمران خان الداخلية مع تدهور الوضع الأمني، لا سيما منذ تولّي حركة "طالبان" السلطة في أفغانستان المجاورة منتصف أغسطس (آب) الماضي.

وعلى الرغم من أن عودة الحركة الأصولية في كابول إلى السلطة فُسّرت في البداية على أنها انتصار لباكستان التي لطالما اتُهمت بدعمها، ولرئيس وزرائها الذي أطلِق عليه لقب "طالبان خان" لأنه لم يتوقف عن الدعوة إلى الحوار معها وتقويض الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، لكن بعد أعوام من الهدوء النسبي، استُؤنفت بقوة في أغسطس هجمات حركة "طالبان باكستان" والفرع الإقليمي لتنظيم "داعش" وجماعات انفصالية بلوشية، على الرغم من تعهد كابول عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية في هذه الأغراض.

وكان لافتاً كذلك، تهديد الحركة المتشددة (طالبان باكستان)، التي تم تحميلها سابقاً مسؤولية سلسلة هجمات دامية، بشنّ هجمات أخرى ضد القوات الحكومية خلال شهر رمضان الحالي. وسابقاً، حاول خان التفاوض مع "طالبان باكستان"، لكن المحادثات لم تصل إلى أي مكان العام الماضي وقبل انتهاء مهلة هدنة استمرت لمدة شهر.

تدهور العلاقات مع واشنطن

بعد أربعة أعوام من بقائه في الحكم، يقول مراقبون إن جهود خان التي سعى من خلالها رئيس الوزراء المعزول، إلى تحويل باكستان إلى فاعل إقليمي رئيس لم تحقق نجاحاً كبيراً، إذ تراجعت علاقات إسلام آباد مع واشنطن والدول الأوروبية، لا سيما تحت تأثير خطاباته اللاذعة ضد الإسلاموفوبيا التي يعتبر أنها تختبئ في الغرب وراء ستار حرية التعبير، كما أثار تقاربه مع بكين وموسكو قلق البيت الأبيض.

وفي الفترة الأخرة، ندد خان في أكثر من مناسبة بتدخل الولايات المتحدة بشؤون بلاده، وبمؤامرة دبّرتها واشنطن لإطاحته، بتواطؤ من المعارضة. ووفقاً له، "فإن البيت الأبيض غضب من انتقاداته المتكررة للسياسة الأميركية في العراق وأفغانستان، ومن زيارته إلى موسكو يوم اندلاع الحرب في أوكرانيا". ونفت واشنطن اتهامات خان.

 

وأثار خان غضب الغرب بمواصلة زيارته إلى موسكو في اليوم ذاته الذي اجتاحت فيه روسيا أوكرانيا، وكان أيضاً من بين القادة القلائل في العالم الذين حضروا افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عندما قاطعها آخرون، احتجاجاً على سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.

وتقول صحيفة "لاكروا" الفرنسية إن "الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة لم يكونوا يفضلون في الأساس وصول خان إلى السلطة في باكستان عام 2018، بسبب تصريحاته المنتقدة لدور واشنطن، فضلاً عن تزايد احتمالات تناقض مسار السياسة الباكستانية التي بقيت حليفة للدول الغربية لفترة طويلة".

تضيف الصحيفة، "كانت هناك تباينات كبيرة في المواقف السياسية والاقتصادية بين واشنطن وإسلام آباد في عهد عمران خان"، مضيفة، "لم ترحب واشنطن بالدور الباكستاني الفاعل خلال الأعوام الماضية في مبادرة الحزام والطريق الصينية"، وهي المبادرة التي اندمج فيها خان بفاعلية، معوّلاً على الفوائد التي ستجنيها بلاده، من "تأمين فرص عمل في البلد الذي يعاني بطالة مرتفعة، وتأهيل البنية التحتية من طرقات وموانئ ومطارات، وصولاً إلى تحقيق التنمية في البلد الفقير اقتصادياً على المدى البعيد".

ونقلت الصحيفة عن أميلي بلوم، أستاذة الأبحاث في معهد العلوم السياسية بـليون الفرنسية قولها إن "خان لطالما كان زعيماً قومياً شعبوياً، وتسبب انتقاده المستمر لدول لغرب والولايات المتحدة، التي يعتبرها فاسدة أخلاقياً، إلى حرج أولئك الذين يمتلكون السلطة حقاً في باكستان (الجيش)". وتابعت، "كل هذه الأمور تتعارض مع المواقف والأهداف الاستراتيجية للمؤسسة العسكرية الباكستانية الذي تتمثل أولويتها في السياسة الدولية بالسعي إلى تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".

المزيد من دوليات