Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كائنات العزلة" كما تتجسد في أعمال سبهان آدم

البحث عن الجمال غير المألوف في جو تشكيلي كافكاوي

الشخص المشوه في معرض سبهان آدم في القاهرة (الخدمة الإعلامية)

يميز الفيلسوف الألماني بول تيليش بين الوحدة والعزلة بقوله، إن الوحدة هي تعبير عن الألم الناتج من كونك وحيداً، أما العزلة فهي للتعبير عن روعة أن تكون وحيداً. هذا المقتطف الذي أورده الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي في كتابه "كائنات العزلة"، يأتي في سياق بيانه حول الرابط بين العزلة والشعر. يميز الجنابي هنا بين العزلة والوحدة، مدافعاً عن عزلة الشاعر كخيار إبداعي، وهو خيار يبدو وقفاً على الشعراء وحدهم، كما يوضح متسائلاً: "من هو أجدر بالعزلة من الشاعر"؟ وهو تساؤل يستدعي الإقرار والتأكيد على أحقية الشاعر في انصرافه للعزلة بمدلولها الرمزي الباعث على التأمل في الذات والمشاعر الداخلية، ومن ثم الإبداع انطلاقاً من هذه الحالة الشعورية الخاصة. يأتي الجنابي في هذا الكتاب بنماذج لشعراء كثر تبنوا العزلة في أشعارهم ودعو لها كفردوس وملاذ آمن، فشيطان الشاعر هو عزلته، كما يقول.

هل يمكن اعتبار العزلة وقفاً على الشعراء وحدهم حقاً؟ وهم الأقدر على التعبير عنها؟ هذان السؤالان تنطق بهما كائنات الرسام السوري سبهان آدم وهي خارجة لتوها من فضاء عزلتها. هي العزلة بعيون رسام مقتدر، يجسدها كما خبرها وعاش في كنفها، يصورها في أعماله بشقائها وبهجتها. يطالعنا سبهان آدم في تجربته الممتدة بنتاج عزلته على هيئة مسوخ وكائنات مشوهة، وهو يعرض جانباً من تجربته هذه حالياً، في غاليري مصر في القاهرة حتى 28 أبريل (نيسان) تحت عنوان "كائنات العزلة"، وهو العنوان نفسه الذي يحمله كتاب عبد القادر الجنابي.

الأصيل والجميل

العزلة تصقل الموهبة وفقاً للكاتب الألماني غوته، وتولد فينا الأصيل والجميل غير المألوف كما يقول توماس مان. هذا الجمال غير المألوف تعبر عنه خير تعبير هذه الرسوم التي يطالعنا بها سبهان آدم في معرضه. فالجمال هنا نابع من فرادة الصورة ونأيها عن المحاكاة، والفتنة التي ينطوي عليها المشهد، ما هي إلا انعكاس لمشاعر الألم والوحدة اللذين تشعر بهما حين تتطلع إلى تلك الأجواء الكافكاوية التي يثيرها المشهد في أعمال سبهان آدم. وجوه تتطلع إليك كما تتطلع إليها، وأجساد غضة وبائسة تستعرض عريها وانكسارها في ثبات أشبه بالنحيب. كائنات سبهان آدم تجسيد صارخ لطبقات من المشاعر المتناقضة، هي مزيج من الغضب والبهجة والوحدة والوحشة. هي أيضاً كائنات يصعب التعرف إليها أو الإلمام بحقيقتها، كأن الألم الذي تشعر به قد انتزعها انتزاعاً من طبيعتها البشرية.

لكل واحد من هذه الكائنات التي يرسمها سبهان آدم مساحته الخاصة: فراغ مُحايد، وكائن وحيد يتوسط المساحة، لم يراع في صوغه له نسقاً واحداً أو خامة بعينها. المساحة المرسومة هنا مزيج بين الدرجات الحيادية واللون الصريح، كما تراوح العناصر بين المنحى الغرافيكي الذي تشي به الخطوط المتوترة، والتصويري الذي تمثله الدرجات والمساحات اللونية الملقاة بعفوية على مساحة الرسم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وُلد سبهان آدم في مدينة الحسكة عام 1972، وعلّم نفسه بنفسه، وهو فنان غزير الإنتاج، شقّ مسيرته الفنية عبر المزج بين الطريقة التقليدية والنهج المستقل من خلال العرض في صالات فنية وكذلك التسويق والتمويل الذاتي لأعماله وإصدار الكتب. وفي إشارة إلى حساسيته الفنية الفريدة، يقول آدم إن أعماله متأثرة بتجاربه وأن "المعرفة تنبع من الحقيقة، وليس من التأثر بعمل شخص آخر". يؤكد الفنان أن مخلوقاته البشرية مرتبطة بـ"الألم والخوف والهلع التي يعاني مجتمعنا منها بشكل مزمن".

وفي استحضار لألمه ومعاناته على المستوى الشخصي، يردف قائلاً: "أحبّ الناس وأحبّ الطبيعة، ولكن عندما يكون هناك ذلك الكمّ الكبير من الألم داخلك وحولك، يصبح من المستحيل رسم عصافير وأزهار".

عرض آدم أعماله في مؤسسات عدة منها أوفيزي غاليري في فلورنسا، ومعهد العالَم العربي في باريس، وبينالي البندقية. وأعماله مقتناة من قِبل المتحف البريطاني، ومجموعة جالانبو الفنية، ومؤسسة بارجيل للفنون، والعديد من المجموعات الخاصة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة