Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح الكوكايين القاتل "أوبر" عالم المخدّرات البريطاني؟

لننسى لبرهة أنّ المخدّر غير شرعي وأنّه يبدو علاجاً لجيل بالكاد يتدبر أموره

أصبح الكوكايين في المدن البريطانية بمتناول الجميع رغم كل القيود الحكومية (أ.ف.ب) 

أكّد تقرير أخير أنّ المملكة المتحدة تشهد أعلى نسبة وفيات في أوروبا بسبب المخدّرات. وهذه الأرقام القياسية للأشخاص الذين يموتون نتيجة تعاطي المخدرات هي كناقوس الخطر الذي يجب أن ينبه الجميع، ولاسيّما أولئك المسؤولين عن وضع السياسات ذات العلاقة بالمخدرات، إلى أنّ الأمور ليست على ما يرام.

ولكن، عوضاً عن ذلك، يبدو الوزراء وكأنهم يعيشون حالة إنكار. فهم يتبجّحون بسياساتهم الصارمة التي نتج عنها خفض عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدّرات. وهذا ينطوي على مفارقة غريبة، إذ كيف يتناقص عدد متعاطي المخدرات، فيما يتزايد عدد ضحاياها ممن يموتون بسبب تعاطيهم لها؟  

لذا علينا أن ننظر من حولنا ونتأمل مّا يجري لنتمكّن من تفسير هذا الأمر، علماً أنّ الوفيات المرتبطة بتعاطي المخدرات تشهد ارتفاعاً ملحوظاً منذ العام 2010. كما أن تطبيق سياسات التقشّف أدّى إلى تخفيض الإنفاق على خدمات عامة منها علاج الإدمان على المخدّرات. ونعلم أنّ العلاج من تعاطي المخدّرات من شأنه أن يوفر الحماية للمدمنين على الكحول ومخدراتٍ أخرى، وبالتالي فإنّ الحدّ من شبكة الأمان هذه له تداعياته المدمرة التي تتمثل في وفاة الأشخاص.

يبدو أن هناك أشخاصاً غير محظوظين بما يكفي كي يموتوا لدى تعاطيهم المخدّرات للمرة الاولى، أمّا بالنسبة للآخرين فيمكن أن تكون هنالك فترة زمنية تفصل بين تعاطي الشخص للمخدرات أول مرة وبين إدمانه القاتل عليها. من الواضح أنّ بعض المخدّرات تسبب الموت، وبعضها يؤدي إلى مشاكل أقلّ خطورة. فمثلاً، بوسع الكوكايين أن يقتل متعاطيه، بينما لا تنتهي الحشيشة بمن يدخنها إلى الوفاة. بالتالي، فإنّ أيّ بيانات تؤكد ارتفاعاً في استخدام الكوكايين يجب ألا تعتبر مدعاة لقلقٍ عابر،  بل ينبغي أن تكون تحذيراً خطيراً حول ما يمكن أن يحدث في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكّد تقرير المخدرات الأوروبي حالياً أنّ مدى نقاء الكوكايين يرتفع في حين أنّ سعره ينخفض. وبعد أعوامٍ من الاستخدام الثابت نسبياً للكوكايين في المملكة المتحدة، فإن شعبية هذا المخدر الخطير إلى تزايد.

يُشار إلى أن مستوى الطلب على علاج الكوكايين في المملكة المتحدة هو الأعلى في أوروبا. ويقرع التقرير الآنف الذكر جرس الإنذار بقوة، حين يعرب عن الاعتقاد بأنّ سوق الكوكايين يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الطرق المبتكرة لتسويقه من قبل رجال أعمال يوفرون مراكز اتصال "حصرياً لطلب الكوكايين" ، ممّا ينذر بتحويل سوق الكوكايين إلى ما يشبه خدمة أوبر.

يتعاطى المدمن الكوكايين على امتداد 11 عاماً ، كمعدل وسطي، قبل أن يبدأ بالعلاج. وتوفر هذه الفترة الطويلة من التعاطي إمكانية التدخّل المبكر والتقليل من احتمالات الوفاة جرّاء جرعة زائدة من العقار المميت. ولكننا لا نقوم بتقليص الإنفاق على العلاج وحسب، بل إننا نفكر بسبل إنفاق أخرى للقليل من الأموال المتبقية المخصصة لمنع الأشخاص الذين يعانون من مشكلة مع مخدرات كالكوكايين في المقام الأول.

يجدر التفكير مجدداً في سبب رواج بعض المخدرات في هذا الوقت بالذات. ولعلّ البحث في تأثيرات الكوكايين يفسر سبب ملاءمته تماماً للحياة المعاصرة التي يعيشها كثيرون.

ففضلاً عن كونه يشكّل في نظر البعض بضاعة "تستحق السعر" الذي يدفعه الشاري للحصول عليها، يجعلكم الكوكايين تشعرون بثقةٍ أكبر ويمدّكم بالطاقة والطرافة على الرغم من أنّ الآخرين قد لا يشعرون أنكم تتحلون بهذه الصفات. ضعوا هذه الآثار إلى جانب الأشخاص الذين لا يشعرون بأن وظائفهم في أمان وقد يصبحون عاطلين عن العمل، وبين ايديهم القليل من المال،  ويعانون بشكلٍ متزايد من عدم ثقتهم بأنفسهم. لننسى لبرهة أنّ المخدّر غير شرعي وأنّه يبدو علاجاً لجيل بالكاد يتدبر أموره.

االناس بارعون في إيجاد حلول لمشاكلهم، وهم بطبيعة الحال يتوجّهون نحو الحلول التي يمكن بلوغها. ويجتهد مروّجو الكوكايين للابتكار في طرق تسويق منتجهم ولإبقائه مميزاً. فكروا بهذا الأمر وبالخدمة الصحية المتقشّفة، والنقص في الاستثمار لتعزيز الوقاية من المخدرات، وعندها ستتمكّنون من رؤية كم سيكون من الصعب البدء بتخفيض العدد القياسي للوفيات جرّاء المخدرات.

ولعل إحدى الحلول المحتملة تكمن في إعادة النظر برؤيتنا لمشكلة تعاطي المخدرات، فعوضاً عن اعتبار ذلك جرماً بوسعنا التعامل معه  كمشكلةٍ صحيّة.

ليس في هذا استنباط لمعاني جديدة، بل هو تلّمس للدليل على وجوب إعطاءالاولوية للخدمات التي تقدمها الدولة. ويمكن لرؤية تعاطي المخدّرات على أنّها مشكلة صحيّة أن تساهم في رفع مستوى الانفاق الخاص بالوقاية والعلاج، وكلاهما عنصر حاسم للحدّ من الوفيّات ذات العلاقة بتعاطي المخدّرات، علماً أنّ الأمم المتحدة التي عادةً ما تتوخّى الحذر، قامت الاسبوع الماضي بدعم هذه المقاربة. جلّ ما نحتاج إليه الآن هو أن يتبنى قادتنا السياسيين الموضوع.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات