Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع حرارة القارة القطبية الجنوبية ينذر بزيادة أسعار المواد الغذائية

تبدو مجتمعاتنا واقتصاداتنا هشة بدرجة خطيرة أمام التهديدات التي نواجهها فيما نتخبط أكثر في أزمة المناخ

"إذا انهار الغطاء الجليدي في غرب أنتاركتيكا ليجد طريقه إلى المحيط، يمكن أن ترتفع مستويات البحار العالمية أمتاراً إضافية من المياه" (غيتي)

"يبعث على الصدمة"، قال رئيس "مكتب الأرصاد الجوية" البريطاني، فيما اختار أحد الباحثين المتخصصين بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) مفردة "الجنون". في غمرة الحرارة التي شهدها طرفا الكوكب كلاهما الأسبوع الحالي، وجد العلماء أنفسهم عاجزين، إلا بشق الأنفس، عن العثور على كلمات تصف هول الحال. فوق المعدل الطبيعي، سجلت القارة القطبية الجنوبية والمنطقة القطبية الشمالية 40 و30 درجة مئوية على التوالي. ولما كانت درجات الحرارة أعلى كثيراً من أي معدل سبق تسجيله، كان على العلماء أن يؤكدوا أنهم ليسوا أمام خطأ طباعي: إنها حقيقة واقعة فعلاً.

الأسبوع الماضي، انهار تماماً جرف جليدي يسمى "كونغر"Conger ، يقع قبالة الساحل الشرقي لـ"أنتاركتيكا"، ويبلغ عرضه 1200 كيلومتر مربع تقريباً. معلوم أن الصفائح الجليدية تحول دون تدفق الجليد إلى البحر. و"إذا تحطمت، يتسارع تدفق الجليد من الداخل ويؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر"، على ما قال أندرو ماكينتوش، وهو عالم في "جامعة موناش" في أستراليا.

بطبيعة الحال، يتبدى رد الفعل الطبيعي تجاه هذه الأنباء خوفاً من انهيار محتمل لتلك الصفائح الجليدية برمتها. إذا انهار الغطاء الجليدي في "غرب أنتاركتيكا" ليجد طريقه إلى المحيط، يمكن أن ترتفع مستويات البحار العالمية أمتاراً إضافية من المياه، على نحو أسرع كثيراً وأبعد مما كان متوقعاً، مغرقة مدناً ساحلية عدة. صحيح أن ذلك لن يحدث في وقت قريب على الأرجح، ولكن حرارة القطبين بمثابة تذكير مرعب بحجم المخاطر التي تنطوي عليها.

مشكلة أزمة المناخ أن المستحيل يتحول سريعاً إلى حقيقة واقعة. صنع حرق الوقود الأحفوري عالماً يقاسي حوادث مناخية متطرفة أكثر تكراراً وشدة، إذ إنها لا تكتفي بتحطيم الأرقام القياسية، إنما تسحقها وتعيد كتابة توقعاتنا بشأن مستقبلنا.

كذلك صار واضحاً أننا لا نتمتع بالجاهزية المطلوبة. تبدو مجتمعاتنا واقتصاداتنا هشة بدرجة خطيرة أمام التهديدات التي نواجهها بينما نهوي أعمق في عالم مجهول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحد أكثر المخاطر إثارة للقلق التهديد المتنامي بأن تتكبد مناطق إنتاج الغذاء الرئيسة خسائر متزامنة في المحاصيل. نشهد اليوم شيئاً من هذا القبيل. أحد العوامل وراء غلاء المعيشة أن أسعار المعكرونة باتت أعلى كثيراً، ومرد ذلك إلى أن الجفاف الذي ضرب كندا الصيف الماضي قد دمر المحصول الصلب من القمح. وسيتفاقم هذا الضغط سوءاً لأن الحرب الروسية الأوكرانية أتلفت محاصيل القمح، ودفعت أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع في مختلف أنحاء العالم.

هنا مثل آخر: الفشل الواسع النطاق الذي مني به ناتج محصول الذرة العالمي كان أشبه بالمستحيل لولا ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن أنشطة الإنسان. لكن من شأن هذه المشكلة أن تطرأ مرة كل 14 سنة في حال سجلت درجات الحرارة ارتفاعاً قليلاً فقط. ستؤدي رداءة المحاصيل الأساسية إلى تعطيل الإمدادات الغذائية العالمية، ومن المحتمل أن تقود إلى مجاعات عالمية.

تترك هذه السيناريوهات شعوراً مثقلاً بالقهر والاكتئاب. لكن هذا لا يعني أن الأمور ميؤوس منها.

أولاً، بافتراض أن ثمة حاجة إلى مزيد من الأدلة، تبين موجات الحر التي تجتاح القطبين أن تخفيضات انبعاثات غازات الدفيئة لا بد من أن تكون أكبر وبوتيرة أسرع. بالاعتماد على الخطط المعمول بها راهناً لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، سنسجل معدل احترار أعلى كثيراً مما سبق أن شهدناه، ربما يكون أقرب إلى الضعف. ردع ذلك يستلزم التوقف الآن عن توظيف الاستثمارات في مشاريع النفط والغاز والفحم الجديدة.

ثانياً، على العالم أن يتجهز بشكل أفضل لقطع الطريق أمام تحول الظواهر الجوية القاسية إلى كوارث. بعض العواقب المترتبة على الأزمة المناخية المقبلة ليست خفية: موجات حر إضافية، ومزيد من العواصف والفيضانات الخطيرة، وارتفاع متسارع في مستوى سطح البحر، وما إلى ذلك. ولكن ليس قدراً محتوماً أن يقود الجفاف إلى أزمة غذائية محلية أو عالمية، ولا ينبغي أن تزهق موجات الحر أرواح الناس.

إذا صرنا مستعدين، نستطيع أن نخفف كثيراً من وطأة الظواهر المناخية القاسية. في الحقيقة، تكتسي حوادث الطقس المتقلبة خطورة أكثر في ظل غياب الاستعداد لها من جانب الناس، وفي البنية التحتية وسلاسل التوريد. ولكن في وسع العالم أن يتجهز لمواجهة عواقب أزمة المناخ التي أخفق في درئها، وذلك حتى لو تعذر علينا أن نعرف مسبقاً ماهية هذه العواقب. وفي الوقت نفسه، حري بنا أن نضع حداً لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

كما شهدنا للمرة الثانية الأسبوع الحالي، نعيش عصراً يلفه المجهول. حوادث مناخية غير مسبوقة على شاكلة موجات الحر التي تعصف بالمنطقتين القطبيتين، وحالات الفشل المتزامنة في المحاصيل، وأي أزمة تالية يحملها مقبل الأيام، ترسم كلها حقيقة أزمة المناخ. لذا، الأجدر بنا أن نتأهب لمواجهة المفاجآت.

ليو باراسي مؤلف كتاب "الغالبية المناخية: اللامبالاة والعمل في عصر النزعة القومية"

© The Independent

المزيد من آراء