Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صلى المسلمون في "تايمز سكوير" فهل يقبلون أن تصلي الديانات الأخرى في بلدانهم؟

بلدان عدة حول العالم تتضمن دساتيرها بنوداً ونصوصاً حول حرية المعتقد والدين لكن التطبيق كثيراً ما يختلف

مصلون يقيمون الصلاة في "تايمز سكوير" في نيويورك ( اندبندنت عربية)

بقدر ما سعد الملايين حول العالم بمشهد صلاة مئات المسلمين في "تايمز سكوير"، أحد أشهر ميادين مدينة نيويورك الأميركية، بقدر ما فتحت أبواب السجال والجدال حول "المعاملة بالمثل". يوم السبت أول أيام رمضان، شهد "تايمز سكوير" حدثاً غير مسبوق. فقد يصلي مسلم أو اثنان أو ثلاثة في حديقة عامة في دولة أوروبية، أو تصلي مجموعة صلاة الجماعة في "غرفة التأمل" أو "العبادة" الملحقة بعدد من المطارات والمدارس والجامعات في مدن غربية عدة. وربما تضطر أعداد المصلين الكبيرة أن تنقل صلاة الجمعة إلى الشارع المتاخم لمسجد في شرق لندن، أو يلجأون للصلاة في شارع في باريس بعد منعهم من الصلاة في غرفة ملحقة بمبنى مجلس المدينة، كنوع من الاعتراض. أما أن يشهد أحد أكبر ميادين نيويورك، الذي يعد المنطقة التجارية والترفيهية الأكبر إغلاقاً جزئياً للرصيف، حتى يتمكن مئات المسلمين من أداء صلاة التراويح، فهذا أمر مثير.

انتصار وفتح

وبلغت الإثارة درجة اعتبار مشهد الصلاة فتحاً مبيناً أو انتصاراً كبيراً. واعتبره آخرون دليلاً على شعور البعض من المسلمين بالنقص ورغبتهم في إشهار قوتهم عبر الصلاة في مكان مركزي، على الرغم من توافر أماكن عدة أخرى للصلاة. ورأى فريق ثالث أن السماح لهم بالصلاة هو ترجمة فعلية لاحترام التعددية في أميركا، وذهب البعض إلى القول، إن الإشادة بالتعددية واحترام الاختلاف والإعجاب بهما يجب أن تكون "رايح جاي" أي إن على المسلمين كذلك أن يحترموا التعددية، وأن يعتبروا الاختلاف مصدر قوة ومثار فخر، وليس تهديداً ومدعاة للرفض والنبذ.

وبدأت الصلاة المثيرة للجدل بدعوات عنكبوتية جرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي. نص الدعوة أشار إلى أن صلاة التراويح الرمضانية ستقام في "تايمز سكوير" في أول أيام رمضان، و"أنت مدعو لتكون جزءاً من التاريخ، وتنضم إلى ما يزيد على ألف مسلم يصلون الجماعة في أهم ميادين نيويورك"، مع ذكر لقناتي "سي أن أن" و"أي بي سي نيوز" لتغطي طواقهما الإعلامية "الحدث التاريخي".

 

 

دين السلام

وتداول الملايين تصريحات أحد منظمي صلاة "تايمز سكوير" لوسائل الإعلام الأميركية، ويسمي نفسه "أس كيو"، أن السبب وراء إقامة هذه الصلاة في هذا المكان هو "شرح ديننا لكل من لا يعرفون ما هو الإسلام... الإسلام دين السلام". "أس كيو" الذي يعرف بنفسه على "تويتر" بأنه متحدث إسلامي وزوج ومعلم وصانع محتوى احتفى بالصلاة، وقال إنها "الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية".

وعلى الرغم من أن نيويورك تترأس قائمة أكثر المدن الأميركية احتواء للمساجد، إذ يبلغ عددها 275 مسجداً، إلا أن اختيار "تايمز سكوير" له دلالات عدة لا يتفق عليها الجميع، بمن فيهم المسلمون أنفسهم. فإذا كان "أس كيو" اعتبرها طريقة لإخبار العالم بأن الإسلام دين سلام، فإن آخرين تساءلوا عن كيفية الإخبار، وما الذي يدعو المارة للاعتقاد بأن من يصلي على الرصيف ينتمي لدين سلام لمجرد أنه يصلي في الشارع. لكن الإجابة تأتي سريعاً، فقد أعقبت الصلاة قيام عدد من المصلين بإلقاء خطب عن الإسلام ومدى روعته، وجوهره الداعي إلى السلام والطمأنينة، وقبول الجميع ومحبة البشرية جمعاء.

لكن لم يعكر صوت الخطباء إلا أصوات الموسيقى الصاخبة الصادرة من أرجاء الميدان المعروف بصخبة وموسيقاه، وهو ما دعا مجدداً المنتقدين إلى إعادة طرح السؤال: ما الفائدة في إلقاء خطب يكاد لا يسمع محتواها أحد، إما لأن طبيعة الميدان ترفيهية تجارية بحتة، أو لأن الأصوات المتداخلة مع الموسيقى والصخب تحول دون السمع. كما أشار البعض إلى الملصقات والإعلانات المنتشرة في الميدان التي تتنافى تماماً والصلاة والغرض منها، ناهيك بالروائح الكريهة الناجمة عن محتويات سلات القمامة وبواقي الطعام والشراب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شد وجذب

وفي خضم الشد والجذب الشديدين المستمرين على منصات التواصل الاجتماعي، وأغلبه شد وجذب بين مسلمين وعرب، واتهامات من قبل الفريق المؤيد للصلاة في الشارع للفريق المعارض بأنهم يكرهون الدين ويعادون المسلمين، ورد الفريق الآخر بأن الإقبال على مثل هذه الفعاليات لا يعكس إلا شعوراً بالنقص أو رغبة في الاستفزاز بغرض استدعاء المظلومية، إذ البعض يؤكد أن الفعالية هي شكل من أشكال الدعوة ونشر الدين، لا سيما أن صاحب الفكرة "داعية" يعمل على نشر الإسلام في بلاد الغرب غير المسلمة. وقد تسبب ذلك في تشبث كل فريق بموقفه. فالفريق الداعم كَبّر وأثنى على الفكرة واعتبرها بشرى خير لنشر الإسلام في أميركا ومنها إلى بقية دول الغرب.

والفريق المعارض أمعن في رفضه، مشيراً إلى أن الدعوة الحقيقية تأتي من طريق علم نافع تنتفع به البشرية، أو دواء جديد يعالج الأمراض، أو اكتشاف مذهل يقضي على الفقر ويحقق التنمية والرفاهية، فلو حققها مسلم جذب الانتباه للإسلام، وإن اكتفي المسلم بالاستفادة منها وحصر دوره في الدعوة والصلاة في مكان عام بقي محلك سر.

لكن السر الأكبر في الجدل الواسع الذي أثارته الصلاة يبقى في مدى القبول بالعكس. قبل سنوات قليلة، شوهد رجل ستيني يمشي على رصيف إحدى محطات مترو الأنفاق في القاهرة، وهو يقول بصوت عال "كيرياليسون" أي "يا رب ارحم"، وهو مصطلح مسيحي معرب من اليونانية، فما كان من أغلب الركاب إلا أن رمقوه بنظرات استهجان ومنهم من تطوع بمطالبته بالسكوت تماماً حتى لا يتعرض للتنمر أو الاعتداء.

كما شهدت مصر على مر العقود الأربعة الماضية عديداً من حوادث الفتنة الطائفية، لا سيما في صعيد مصر، حيث موجات التشدد الإسلامي المتصاعدة والرافضة لأية مظاهر دينية لا تتعلق بالإسلام. كما أن المنطقة العربية عامرة بما لا يلذ أو يطيب من حروب وصراعات واقتتالات بين مسلمين بعضهم بعضاً، حيث سنة في مقابل شيعة أو العكس، وأحياناً بين سنة وبعضهم بعضاً، أو شيعة وبعضهم بعضاً.

قداس في العتبة

مغرد اسمه محمد أنور تساءل في تغريدة: "ماذا لو قررت مجموعة من المسيحيين إقامة قداس الأحد في ميدان العتبة في القاهرة أو شارع الرشيد في بغداد أو منطقة الكورنيش في جدة مثلاً؟ هل ستنهال الورود على رؤوس المصلين؟ أم سيتلقون أشياء أخرى؟". تراوحت الردود بين متعجب وغاضب ومندد ورافض، لكن الغالبية المطلقة إما اعتبرت السؤال سبباً في إثارة فتنة الجميع في غنى عنها، أو ردوا بأن مصر دولة أغلبها مسلم، ولذلك لا يجب أبداً المجاهرة بطقوس أو صلوات لأي دين آخر، أو اتهموه بأنه "غير مسلم" أو نصحوه بالرجوع إلى الدين.

نصائح مشابهة كانت من نصيب أحمد خيرت الذي كتب على "فيسبوك" أن مشهد المسلمين يصلون التراويح في "تايمز سكوير" لا يعني إلا رغبة مجموعة من المصلين في أن يستعرضوا قوتهم مع إيصال رسالة أنهم حاضرون وبقوة. ونصحهم بأن القوة الحقيقية والحضور القوي يتمثلان في التعايش السلمي في المجتمعات التي استقبلتهم، والاندماج والإسهام في مسيرة الأوطان التي يعيشون فيها بالعمل لا باستعراض التدين فقط.

تهديد بالويل والثبور

الكاتب الصحافي حمدي رزق يشيد بصلاة التراويح في "تايمز سكوير" في مقال يحمل العنوان نفسه، فيقول إن الأميركيين تسامحوا مع الدعوة إلى الصلاة، وأفسحوا لها المكان، ولم يعكروا صفو العبادة أو يتنمروا عليها. ويضيف: "ولم يهددوا المصلين بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولم يتظاهروا مكورين القبضات في وجوههم، ولم تُدبج المقالات التحريضية في الصحافة الأميركية استهجاناً، ولم يخرج على المسلمين مذيع متنمر ينهرهم أو يقبح فعلهم في قلب الميدان الشهير".

ثم تساءل رزق: "بالله عليك يا مسلم، هل تتسامح مع مثل هذه صلوات للأقليات الدينية في قلب ميادين المدن الإسلامية، مثلاً للمسيحيين، أو الهندوس، أو السيخ؟ هل تتسامح العواصم "السُنية" بصلوات "شيعية"؟ وهل تتسامح العواصم "الشيعية" وتفتح ميادينها الرئيسة لصلوات "السُنة"؟.

من جهة أخرى، تشير نتائج بحث أجراه "مركز بيو للبحوث" حول القيود الدينية المتزايدة حول العالم، إلى أن القيود الحكومية المفروضة على الأديان ومتبعيها زادت بشكل عام في العقد بين 2007-2017. ووجدت زيادة ملحوظة في عدد القوانين والسياسات والإجراءات التي اتخذتها 52 حكومة دولة في العالم للحد من الممارسات الدينية. كما رصد البحث تصاعداً للأعمال العدائية المرتكبة لأسباب تتعلق بالدين، مثل العنف والتحرش والتمييز من قبل أفراد وجماعات ومنظمات.

ويشار إلى أن دولاً عدة حول العالم تتضمن دساتيرها أو قوانينها بنوداً ونصوصاً حول حرية المعتقد والدين. لكن التطبيق كثيراً ما يختلف عن القوانين والثقافة تتغلب على السماحة، وقبول الاختلاف والتسامح مع الآخرين، يصطدم بحوائط التشدد وأسوار قصور التفسير.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات