Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رمضان في البيوت العربية... إسراف بلا حدود

ترتفع السلوك الشرائي والاستهلاكي لدى العائلات في شهر الصوم إلى مستويات قياسية وتزيد أطنان الأكل المهدرة

تزدهر تجارة الفوانيس في رمضان (رويترز)

تتزايد معدلات استهلاك الطعام في شهر رمضان إلى حد الإسراف والتبذير، على الرغم من من كونه شهراً للصيام، وليس لزيادة الطعام. وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) FAO، إن الفرد في المنطقة العربية يهدر في صناديق القمامة كميات ضخمة من الطعام خلال الشهر الفضيل، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدلات الجوع في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، حيث يعاني 52 مليون شخص نقصاً مزمناً في التغذية.

وأوضحت أنه تبلغ التكلفة الاقتصادية للأغذية المُهدرة على مستوى العالم نحو تريليون دولار كل عام، وتهدر الدول النامية، والتي تقع فيها الدول العربية وأفريقيا وشرق آسيا، ما قيمته 310 مليارات دولار.

استهلاك الجزائريين في رمضان... إسراف ظاهري واحتياج خفي

يتواصل التناقض في الجزائر بشأن الوضعية المعيشية، ويأتي رمضان هذه السنة ليؤكد استمرار الإسراف الاستهلاكي في عز أزمة اقتصادية أرهقت فئات واسعة من الشعب، غير أن المتفق حوله اهتمام الأسر على اختلاف مستوياتها بالمائدة الرمضانية لدرجة الإقدام على "الاقتراض" لتأمين الحاجات.

إقبال لافت يقابله تبذير واسع

ومع كل شهر رمضان تعود مظاهر غير معهودة خلال باقي الأشهر، حيث يكثر الإقبال على المواد الاستهلاكية بشكل كبير جداً، كما تتحول بعض الأغذية إلى "كنز" يجب الحصول عليه، وهي التي لا معنى لها على طول أيام السنة، في حين تنتشر أكياس بقايا الأكل وفضلات شتى أنواع الطعام بعد الانتهاء من الإفطار، والخبز بخاصة، وبكميات كبيرة جداً، ما يجعل الحديث عن الإسراف يأخذ حيزاً يغطي عن اقتصاد ترقّبه الشارع بسبب تدهور القدرة الشرائية مع ارتفاع الأسعار ونُدرة المواد الاستهلاكية.

 

وعلى الرغم من أن أغلب تصرفات الجزائريين مبنية على التضامن والمساعدة، وفق الأعراف والتقاليد، فإن الوضع يبدو أنه تغير في ظل العولمة التي غزت كل المجالات ومسّت المبادئ أيضاً، إذ تحول جزء من المجتمع إلى نمط الاستهلاك المفرط والتبذير، وهو ما أكده الرئيس عبد المجيد تبون، في خطاب التهنئة بقدوم الشهر المبارك، حين دعا الجزائريين إلى "تقوية أواصر الأخوة اعتزازاً واقتداءً بأجدادنا، والابتعاد عن الاستهلاك المفرط والتبذير".

ترشيد الإنفاق بعد ارتفاع الاستهلاك

وفي السياق ذاته، يرى أستاذ علم الاجتماع، محمد أيمن، أن الحديث عن علاقة الأسرة بالاقتصاد هو بالضرورة حديث عن ترشيد الإنفاق وتوجيه الاستهلاك، مبرزاً أن ترشيد النفقات يحتاج إلى المهارة والتحكم في المصاريف، وذلك يستدعي مشاركة كل أفراد الأسرة أو معظمهم في التخطيط المبكر. وأشار إلى أن التفاهم والتراضي داخل الأسرة ضروريان من أجل مواجهة الضغط والأزمة المالية، والاستعداد لمصاعب الحياة اليومية، سواء في شهر رمضان، أو غيره.

إلى ذلك، يقول نائب رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، محمد عبيدي، إن استهلاك اللحوم خلال شهر رمضان يمثل 380 في المئة من الاستهلاك الشهري خلال السنة، فيما يمثل استهلاك المنتجات الغذائية الأخرى 170 في المئة، مشدداً على أن متوسط نفقات الأسر ارتفع من مرتين إلى أربع مرات الأجر المحلي الأدنى المضمون خلال رمضان، ما يتطلب توعية المستهلكين حول ضرورة إعادة توجيه إنفاقهم.

وكشف عبيدي عن رمي 4 ملايين رغيف خبز يومياً في القمامة خلال شهر رمضان، مشدداً على أن النقاش حول الاستهلاك خلال رمضان يجب أن يتغير حتى لا يرتكز فقط على الأسعار، ولكن أيضاً على صحة المستهلكين.

التقشف والاقتصاد

على العكس، يشدد رئيس اللجنة الوطنية للخبازين، عامر أعمر، على أن ظاهرة التبذير تناقصت بشكل كبير على خلاف السنوات الماضية، مرجعاً الأمر إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي جعل الجزائري مستهلكاً أكثر عقلانية، كما أصبح يميل أكثر للتقشف والاقتصاد. وأشار إلى أنه بالنسبة لمادة الخبز، تراجع تبذيرها إلى النصف بسبب تراجع القدرة الشرائية. وختم بأنه من الضروري ترشيد الاستهلاك ونشر التوعية داخل الأسر الجزائرية بهدف الحد من تفاقم سلوك التبذير، بخاصة في الشهر الفضيل.

تجليات العنف الاستهلاكي

يعتقد الباحث في علم الاجتماع، أنس بورومة، أن ظاهرة التهافت الكبير على اقتناء المواد الغذائية في رمضان، وربما الاقتراض من أجل ذلك، وما يرافقه من هدر للطعام وإسراف في الاستهلاك، تعبير عن التدين المظهري الذي يخدش قدسية الشهر الفضيل ويفرغه من عمقه الروحي، ويحوله إلى مجرد مناسبة للاستعراض والتباهي الاستهلاكي. وقال إن الإفراط في الاستهلاك يشكل أحد تجليات العنف الاستهلاكي الذي بموجبه يتحول الاستهلاك إلى وسيلة لتعميق الهوة الاجتماعية بين من له القدرة على الاستهلاك ومن لا يستطيع ذلك، ما يشتد إحساسه بالقهر والدونية.

ويضيف بورومة، أن شهر رمضان عبارة عن دورة تدريبية لترشيد الاستهلاك والنفقات، وفرصة للاقتصاد، مشيراً إلى أن المطلوب والمنطقي في هذا الشهر الحاجة إلى مال أقل واستهلاك أقل، وذلك عبر تخصيص ميزانية أقل لشهر الصيام مقارنة بباقي أشهر السنة، وادخار الفرق المتبقي كاحتياط يلجأ المرء إليه عند الضرورة، مشدداً على أهمية الإنفاق في حدود الدخل بعيداً عن متاهة الديون.

 

 

"رمضان السودانيين"... في خدمة النهم

تتمدد موائد السودانيين في الشوارع خلال رمضان الحالي بأكثر مما كانت عليه في العامين السابقين، بعد انزياح هواجس وقيود جائحة كورونا، التي كبلت بقدر كبير الإفطار الجماعي المفتوح، السمة الأساسية لإفطار رمضان في هذه البلاد، إذ درج السودانيون عبر تاريخهم، على حمل موائدهم خارج البيوت إلى الطرقات والساحات المجاورة، طلباً لأجر إفطار صائم، وتعزيزاً لروح وقيم التراحم والتكافل الاجتماعي.

بين التقاليد والضائقة

يعد الإفطار الجماعي في الشوارع والساحات العامة طوال شهر رمضان، من أبرز التقاليد السودانية الموروثة والعادات الاجتماعية المترسخة التي تميز هذا الشهر، إذ يخرج كل الناس في كل منطقة قبل الإفطار بنصف ساعة إلى الشارع، كل يحمل طعامه وشرابه ليتشاركه مع الآخرين، مستهدفاً عابري الطريق، حتى بات الإفطار داخل المنزل ضرباً من العيب والبخل والتقاعس في بعض الأحياء الراقية في المدن الكبيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما إن أفلت الناس في السودان من أسر قيود كورونا حتى وقعوا في براثن الضائقة الاقتصادية الخانقة والغلاء الفاحش في الأسعار، وهو ما دفع رئيس جمعية حماية المستهلك السودانية، ياسر ميرغني، إلى اتهام التجار بالجشع مع غياب الرقابة الحكومية على الأسواق، الأمر الذي فاقم الغلاء مع حلول شهر رمضان. ويتحسر "ميرغني" على أن المستهلك لم يعد قادراً على الشراء وتلبية احتياجاته، مع تزايد الضغوط يومياً بسبب الزيادة المضطردة في أسعار السلع والخدمات الحكومية، بصورة تفوق قدرته المالية.

ضغوط ونهم

على الرغم من كل ذلك، وبمجرد إعلان ثبوت شهر رمضان، تنتظر الأسواق هجمة كبيرة من قبل المستهلكين، في ظاهرة عنوانها النهم والمبالغة في شراء الاحتياجات من السلع الغذائية بما يفوق الحاجة الفعلية، فقط إشباعاً لرغبة الشراء التي تجعل من مائدة رمضان غاية في ذاتها.

وسط هذه الضغوط أعاد رمضان إلى الموائد الشعبية التقليدية كامل ألقها وبريقها من جديد، واللافت في المائدة الرمضانية السودانية هذا العام أنها تبدو سودانية خالصة، إذ تضم أطباقاً من عصيدة الذرة الرفيعة أو الدخن، أو قراصة (أقراص) القمح، مع ملاح التقلية والبليلة، والبلح (التمر) وبليلة العدس الأحمر أو الكبكبيك، إلى جانب مشروبات أهمها الآبري الأحمر (الحلو مر)، الذي يستمد اسمه من مذاقه الخليط بين الحلاوة والمرارة، وهو مشروب سوداني حصري خالص لا مثيل له في العالم، يجري تجهيزه قبل رمضان بوصفات خاصة من الذرة الرفيعة المعالجة بكثير من البهار كالقرفة والزنجبيل، ومعه عصائر التبلدي والكركدي المحليين.

 

 

تعد مائدة العشاء الأكثر ثراء بقدر من الإسراف، بخاصة في اللحوم، إذ تعد الوجبة الرئيسة وتضم أصنافاً مختلفة من الطعام، مثل اللحوم وأنواع السلطات الخضروات المختلفة والفول، كما يحتفي السودانيون بتناول وجبة خفيفة وقت السحور، وهي في الغالب طبق صغير من الرقاق (رقائق القمح) المحلية، أو الأرز مع الحليب، ومع اللحوم يفرط السودانيون في تناول السكر الأبيض مع مشروبات العصائر المختلفة، ما يرفع فاتورة هاتين السلعتين بشكل كبير في هذا الشهر.

كذلك يتميز رمضان السودان بشبه حظر للمناسبات الاجتماعية المعتادة كالزواج والختان، كملمح لتفرغ الناس للعبادة، وسد أبواب الإسراف والترف غير المتماشي مع الأجواء الروحانية للشهر الكريم، بينما تحل محلها حلقات من المديح النبوي التي تنشط في ليالي رمضان مع بعض الفعاليات والأنشطة الثقافية والرياضية في الفترات المسائية.

بين الكرم والإسراف

تشير الباحثة الاجتماعية، هنادي الأمين، إلى أن ظاهرة الإسراف في الاستهلاك خلال شهر رمضان تسربت من الأغنياء إلى غالبية الأسر من مختلف الطبقات، حتى الفقيرة منها، شأن معظم المجتمعات العربية التي يتزايد إقبالها على شراء السلع الغذائية بكميات كبيرة في هذا الشهر، بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي للأسرة وميزانيتها الطبيعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحملت الباحثة الاجتماعية النساء المسؤولية الأكبر عن ظاهرة الإسراف، سواء لدى التسوق أو في مكونات المائدة. واعتبرت أن "الاختلاف في أنماط الاستهلاك بين المجتمعات أمر طبيعي، لكن مغالاة بعض الأسر في حشد أصناف الطعام بصورة أقرب إلى التباهي أمر مذموم، بخاصة في ظل الظروف التي يعاني فيها أغلب الناس من تدني مستوى المعيشة والغلاء الفاحش، لكن موائد الأثرياء لا تضع خطاً فاصلاً بين الكرم والإسراف، الذي هو مرفوض شرعاً في دين الإسلام".

وأشارت إلى أن "أي قطعة طعام تنتهي في سلة القمامة هي هدر وإسراف قد يصل إلى درجة الحرمة الشرعية، في وقت توجد أسر فقيرة في أشد الحاجة لتلك القطعة، كما أن الظاهرة تصطدم مباشرة مع قيم الدين الإسلامي، والحكمة التي شرع الله بسببها الصوم وشهره".

 

"شهر الاستهلاك المفرط" في الأردن

يصنف اقتصاديون رمضان على أنه "شهر الاستهلاك المفرط" بالنسبة إلى الأردنيين، بسبب ارتفاع قيمة وكمية المشتريات التي يقبلون على تكديسها استعداداً له ويذهب معظمها إلى حاويات النفايات.

ووفقاً لمتخصصين اقتصاديين فإن الاستهلاك المفرط الذي يبديه الأردنيون خلال شهر رمضان وبما يفوق دخلهم الشهري، يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والتي يكون معظمها غير ضروري.

وللمرة الأولى منذ عامين يستقبل الأردنيون شهر رمضان بلا قيود، بعد تحسن الوضع الوبائي، حيث سمح بالدخول إلى الأماكن المفتوحة من دون اشتراط ارتداء الكمامات، واستخدام كامل الطاقة الاستيعابية للمطاعم والصالات والمنشآت.

كما تقررت إقامة التجمعات الداخلية والخارجية بجميع أشكالها وتنظيمها والمشاركة فيها بما في ذلك موائد الرحمن والخيم الرمضانية والصلوات في المساجد.

موروث اجتماعي

ويعزو هؤلاء هذا النمط الاستهلاكي الشره في رمضان إلى بعض العادات الاجتماعية مثل الولائم والسهرات العائلية والتفاخر الاجتماعي، بخلاف الفقهاء الذين يرون أن الشهر فرصة لتقليل النفقات.

وعلى سبيل المثال تؤكد نقابة محال أصحاب الحلويات أن قيمة ما يستهلكه الأردنيون في رمضان من حلويات يفوق 14 مليون دولار، ويلقي مراقبون باللائمة على وسائل الإعلام التي تخصص منصاتها للترويج للمأكولات والحلويات على حساب الجوانب الأخرى من الشهر.

وثمة فروق واختلافات في الأسعار بين العاصمة عمّان والمحافظات الأخرى، كما أن مظاهر البذخ والإسراف تقل في الأرياف والقرى، حيث يمتاز رمضان هناك بالبساطة والتواضع.

ولسنوات قليلة خلت، لم تكن بعض مظاهر الإسراف الرمضاني قد تشكلت في العاصمة عمّان بعد، مثل الخيم الرمضانية وتناول السحور بالمطاعم والفنادق، مما شكل عبئاً إضافياً على جيب المواطن الأردني.

ولم يعد الإسراف يقتصر على هذه الأمور بل تعداه إلى أمور أخرى مثل زينة رمضان التي يبالغ كثير من الأردنيين في استخدامها.

هدر غذائي

يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الإنفاق في رمضان يرتفع إلى الضعف، على الرغم من غلاء الأسعار مما يؤدي لاحقاً إلى إرباك الأسر مالياً لأشهر طويلة. ووفقاً لإحصاءات رسمية يهدر الأردنيون نحو 34 في المئة من طعامهم، بسبب الإفراط في شراء واستهلاك المواد الغذائية، بينما تقدر النسبة خلال رمضان بنحو 50 في المئة، ومع النمو السكاني السريع الذي يشهده الأردن وما يرتبط به من ارتفاع في الإنفاق، لم يعد بالإمكان تجاهل المستويات العالية السائدة لفقد الأغذية وهدرها.

وتتهم تقارير دولية الحكومة الأردنية بالتقصير في التحقيق بشأن هدر الأطعمة، من خلال عدم وضع استراتيجيات وسياسات للاستدامة وبرامج لمحاربة هذه الظاهرة السلبية التي تتسبب بها عادات ثقافية واجتماعية.  

ظاهرة هدر الطعام لا تقتصر على البيوت الأردنية، إذ يوجد في المملكة نحو 18 ألف محل تعمل في قطاع المطاعم والحلويات وولديها قرابة 100 ألف عامل، ويتهم كثير من هذه المطاعم بهدر ما يتبقى لديها يومياً.

بنك الطعام

وفي موازاة هذا الواقع السلبي، تبرز بعض الجهود الفردية مثل بنك الطعام الأردني الذي يهدف إلى التخفيف من هدر الطعام عبر جمع بقايا الطعام للمحتاجين.

ويدور نقاش مستفيض بين الأردنيين حول إمكان تعزيز أنماط الحياة المستدامة وزيادة الوعي بالعواقب على البيئة والاقتصاد والأمن الغذائي، فضلاً عن تعزيز الاستراتيجيات الشاملة للجنسين عبر سلسلة القيمة الغذائية.

 لكن تقديرات من الأسواق الأردنية تتحدث عن زيادة إنفاق الأسر في رمضان بنسبة 40 في المئة، ويدور الحديث عن أصناف بعينها بخلاف الحاجات الأساس مثل الحلويات والعصائر والتسالي، وهي بضائع تصنف في خانة" التبذير"، إذ تشير الأرقام الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة إلى استهلاك مفرط للتبغ والفواكه المجففة والمكسرات في رمضان أكثر من باقي الشهور، والمفارقة أن هذا الاستهلاك المفرط في رمضان يأتي في موازاة شكوى الأردنيين من ارتفاع الأسعار وعدم قدرة أغلبهم على شراء مستلزمات الشهر.

إغراء إعلاني

يلقي كثيرون باللائمة على ما تمارسه العروض الإعلانية من إغراءات للمستهلكين في رمضان، إذ لا تخلو المولات الكبيرة ومراكز التسوق من إعلانات يومية خاصة على الكميات، الأمر الذي يشكل أحد عوامل جذب المتسوقين.

وخارج الأسواق الكبيرة ثمة اقتصاد ظل ينمو في وضح النهار خلال شهر رمضان، ويشهد إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين الأردنيين، حيث تتواجد عشرات البسطات التي تبيع حاجات رمضان بأسعار أرخص من السوق، وتتمركز عند مداخل المساجد تحديداً.

 

رمضان في مصر... كرم أم إسراف؟

مع كل رمضان تتبارى الأسر المصرية يومياً في إعداد كميات المأكولات التي قد تكفي ذات الأسرة أسبوعاً كاملاً بعيداً من الشهر، إذ اعتاد المصريون على المبالغة في الاستهلاك الرمضاني الذي تكشف إحصاءات رسمية أنه يعادل 35 في المئة من إجمالي ما ينفقه المصريون طوال العام.

ووفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نقلته صحف محلية في أبريل (نيسان) 2021، ينفق المصريون 80 في المئة من دخلهم على المواد الغذائية في رمضان، إذ بلغت تقديرات قيمة استهلاك السلع الغذائية خلال الشهر في 2021 إلى ما يزيد على 100 مليار جنيه، بارتفاع 30 في المئة عن عام 2020، وبلغت القيمة في 2019 قرابة 50 مليار جنيه وفق تقديرات وزارة التموين والتجارة الداخلية.

أزمة مستمرة

الحديث عن الاستهلاك المبالغ فيه ليس جديداً، فقبل نحو 60 عاماً قدم الفنانان الراحلان فؤاد المهندس وصباح أغنية "الراجل ده هيجنني" في فيلم "القاهرة في الليل" حين كانت الزوجة التي أدت دورها الفنانة صباح تشكو الطلبات المتكررة من زوجها (فؤاد المهندس) بالإكثار من الطعام في رمضان، بينما تطالبه بعدم التبذير. كذلك قدم المهندس في السبعينيات من القرن الماضي مع الفنانة شويكار أغنية "الصيام مش كده"، لتكون الأغنيتان تعبيراً عن حال البيوت المصرية في رمضان حتى الآن.

وتقابل معدلات الاستهلاك الكبيرة أرقاماً أكبر لحجم الطعام المهدر في مصر الذي تقدره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) قبل سنوات عدة بـ 55 في المئة من الإنتاج السنوي، وكذلك 40 في المئة من الأسماك، إضافة إلى 1.5 مليون طن قمح سنوياً، وهي أرقام تثير كثيراً من التساؤل في دولة تبلغ معدلات الفقر بها 29.7 في المئة، وفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن عامي 2019 و2020.

تلك المفارقة بين حجم الإنفاق والإهدار يرجعها استشاري الصحة النفسية وليد هندي في تصريحات خاصة إلى ما سماه بـ "الخواء الروحي" الذي يدفع الشخص إلى المبالغة في المظاهر والرغبة في التفاخر أمام الآخرين، إضافة إلى الخلط لدى كثير بين الكرم لدى استقبال الضيوف والإسراف في الاستهلاك، مشيراً إلى أن ما كانت الأسر تعتاد عليه من تنافس خلال "عزومات رمضان" انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت كل سيدة تحرص على نشر صورة ما تعده من أطعمة.

وألقى "باللوم على وسائل الإعلام في ترسيخ ثقافة الاستهلاك من خلال مضاعفة إعلانات المواد الغذائية وبرامج الطبخ في رمضان".

ويأتي انخفاض قيمة الجنيه المصري بنحو 20 في المئة قبل أسبوعين من حلول رمضان، وما سبقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بنسب وصلت إلى 50 في المئة لبعض السلع على خلفية الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا، ليضيف مزيداً من الضغط على الأسر المصرية التي وجدت نفسها بين ضغط الأسعار والرغبة في المحافظة على عاداتها الاستهلاكية.

ودفعت موجة ارتفاع الأسعار في نهاية فبراير (شباط) الماضي بعدد من المصريين إلى الحد من كميات المواد الغذائية التي يستهلكونها، في ظل ثبات الدخول والارتفاعات المتتالية في الأسعار، لكن استشاري الصحة النفسية استبعد أن يستمر ذلك الترشيد في رمضان لأن "الإنسان أسير ما يعتاد"، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن الطعام أحياناً يكون "المتعة الوحيدة" لدى الفقير الذي لا يستطيع أن يتحمل كلفة كثير من وسائل الترفيه الأخرى.

الاستهلاك والأسعار

ويشير رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية متى بشاي إلى أن ثبات أسعار السلع الغذائية في الأسبوعين الأخيرين مؤشر على عدم تكالب المواطنين على الشراء، موضحاً أنه كلما زاد الإقبال على السلع "يقبل التجار على زيادة الأسعار في ظل حرية السوق وعدم وجود تسعيرة للمنتجات".

وأكد بشاي أن وعي المواطن بشراء ما يحتاجه فقط وعدم تخزين السلع الغذائية يعد عاملاً مهماً في الحد من زيادة الأسعار، ولفت إلى ضرورة التخلي عن العادات الاجتماعية بشراء وتخزين كميات كبيرة من السلع قبل رمضان، خصوصاً أن جميع السلع متوافرة في الأسواق وتحتفظ الحكومة بمخزون استراتيجي منها يجعل المواطن لا يشعر بالقلق من نفادها.

وأعرب عن أمله بأن يستمر الثبات في الأسعار الناتج من المعدلات المنضبطة في شراء المواد الغذائية وفق ما يحتاجه المواطن يومياً من دون الحاجة إلى تخزين كميات كبيرة.

 

 

السعودية تهدر أطعمة بما يعادل 10.66 مليار دولار سنويا

الإسراف في كميات الأطعمة والسلع الغذائية بشكل عام ظاهرة مرتبطة بالمجتمعات العربية، خصوصاً في رمضان، الذي يتحول عند البعض من "شهر الصيام" إلى "شهر الطعام".

على الرغم من أن تجربة أزمة كورونا أسهمت في تغير نمط استهلاك بعض السعوديين، كما يرى محللون اقتصاديون، فإن البعض الآخر ذهب إلى أن الإسراف إشكالية لا يزال يعانيها المجتمع.

يرجع المحلل الاقتصادي صلاح الشلهوب، سبب ارتفاع معدلات الإنفاق على الأطعمة في رمضان إلى طبيعة الموائد الرمضانية وما تحتويه من أطباق مختلفة تماماً عن باقي أيام السنة.

عدم تقدير الاحتياجات

وقال الشلهوب "في الغالب يكون الإقبال على شراء مستلزمات محددة لأطباق محددة تشتهر العوائل السعودية بإعدادها في رمضان، وفي الغالب تكون تكاليف هذه الأطباق أعلى من الطبيعي، لذا نرى أن هناك ارتفاعاً في معدلات الإنفاق والشراء على المواد الغذائية خلال الشهر.

وأضاف أن الإنفاق الكبير على هذه الأطعمة في رمضان يعود إلى عدم قدرة البعض على تقدير احتياجاتهم بصورة صحيحة، إذ يظن الغالبية أنهم في حاجة إلى تلك السلع، لذا فمن الملاحظ شراء كميات كبيرة من الأطعمة استعداداً للشهر، وهذا يدفع محلات بيع المواد الغذائية إلى تقديم العروض الترويجية والتخفيضات ومعها يشترى المستهلك أكثر من حاجته.

وأشار الشلهوب إلى أن عمليات شراء المنتجات الغذائية دائماً ما تكون قبل بدء رمضان، كنوع من الاستعداد، الذي يدخل ضمن عادات السعوديين، وتبدأ معدلات الإقبال على شراء المنتجات في الانخفاض بعد الأسبوع الثاني من الشهر.

ولفت المحلل الاقتصادي أن هناك بعض الإحصاءات والتقارير التي تشير إلى ارتفاع معدلات هدر الأطعمة في السعودية بوجه عام، وفي شهر رمضان تحديداً، ويرجع السبب إلى إعداد كميات من الطعام تفوق احتياج الفرد والأسرة، مشدداً على أهمية معالجة هذه السلوكيات للحد من تفاقم الظاهرة.

درس قاس

بينما يختلف معه في الرأي المحلل الاقتصادي جمال بنون، الذي يعتقد أن الأسر السعودية تلقت درساً قاسياً خلال فترة جائحة كورونا، حينما بلغ التضخم أعلى مستويات بين 5.3 و6.2 في المئة خلال يونيو (حزيران) 2021.

وقال إن ارتفاع التضخم تسبب في تراجع فرص العمل، وتقليص المرتبات في الكثير من الشركات لحين انتهاء الجائحة، و"لهذا يتعامل كثيرون بحذر في مسألة الإنفاق، وتحويل السيولة في مجالات استثمارية".

وأضاف بنون أن الجهات الحكومية تحاول تقنين الموائد الرمضانية بحيث تكون أكثر تنظيماً وتوجه إلى المحتاجين والفقراء، ولا تتحول إلى إسراف وهدر، لافتاً إلى أن السعودية من أكثر الدول هدراً للأطعمة، وتقدر قيمة الهدر بـ40 مليار ريال (نحو 10.66 مليار دولار) سنوياً.

 

الإسراف "عقدة قديمة" في العراق

يعرف عن العراقيين أنهم شعب محب للولائم وتعدد أصناف الطعام، بخاصة في شهر رمضان الذي تتعدد فيه الأطباق إلى حد المبالغة والإسراف من بعض العوائل، وينهمك العراقيون قبل أيام من شهر الصيام في التسوق لجمع المواد الغذائية التي تدخل في المائدة، ما بين أنواع اللحوم والرز والبقوليات، فضلاً عن الدقيق الخاص بصنع الحلويات.

أطباق الطعام في شهر رمضان وكمياتها والولائم التي تقام في أوقات الفطور، ربما يدخل بعضها في باب الإسراف، فكثير من العوائل تبالغ في تعدد أصناف الطعام وكمياته، وتكون الصحون ممتلئة وأكثر من حاجة الاستهلاك ليلقى بها في القمامة نهاية المطاف.

وبدلاً من أن يكون شهر رمضان مناسبة للاقتصاد والتوفير، أصبح مثالاً للمبالغة في المصاريف حتى إن بعضهم يزداد وزناً لكثرة أصناف الطعام التي يدخل الدهون في تركيبها، ومن يسعى إلى تقليل الوزن يؤجل قراره إلى ما بعد شهر الصيام.

وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية التي يعانيها العراق منذ تسعينيات القرن الماضي وما أعقب عام 2003 إبان الغزو الأميركي، لم تتبدل عادات كثير من العوائل العراقية.

إلا أن هذا الأمر لا ينسحب على عوائل أخرى اتخذت من شهر رمضان مناسبة للاقتصاد بتقليل الوجبات إلى وجبتين بدلاً من ثلاثة، إذ تقتصر وجبته الرئيسة على الإفطار وما يزيد يستفاد منه لوجبة السحور.

ولائم الافطار

تقول أم علي، وهي ربة أسرة تضم ستة أفراد، "مصاريفنا تزداد في شهر رمضان بمقدار الضعف، فرب عائلتي وأولادي لا يقتنعون بعدد محدود من الطعام ولذلك نعمل على زيادة عدد الأصناف والكمية".

وتضيف أم علي الذي يعمل زوجها مقاولاً للتأسيسات الكهربائية أنه "في شهر رمضان تكثر الزيارات بين الأقارب والأصدقاء لذلك تكثر ولائم الإفطار وعلينا أن نكون مستعدين بزيادة أصناف الطعام وكمياته"، مشيرة إلى أن التسوق يزيد لبعض المكسرات وكذلك العصائر والمعجنات استعداداً لاستقبال الضيوف الذين يتوافدون عادة بعد الإفطار.

ويلعب الوضع الاقتصادي للعائلة، فضلاً عن العادات والتقاليد، دوراً في العزائم المتبادلة والولائم وزيادة حجم المصاريف والإسراف في بعض الأحيان في المصروفات الخاصة بالشهر المبارك.

فيما تختلف عائلة أم حوراء في تقاليدها وتدبيرها للمنزل، فعلى الرغم من تنويعها لأصناف الطعام إلا أنها تطبخ كميات قليلة على قدر حاجة عائلتها المكونة من أربعة أفراد وما يزيد يستفاد منه في وجبة السحور.

تقول أم حوراء "مصاريفنا مقاربة للأيام الاعتيادية من أيام السنة، فنحن نحاول قدر الإمكان الاقتصاد وعدم التبذير، وأن نستفيد من الباقي فهو نعمة من نعم الله ويجب أن نحافظ عليها". وتضيف، "نضع لكل شخص صحنه وفيه طعام على قدر حاجته".

29 مليون بدين

يصنف العراق بارتفاع معدلات البدانة نتيجة النظم الغذائية غير الصحيحة، فضلاً عن قلة النشاط الرياضي مما أدى إلى زيادة نسب الأمراض، بخاصة داء السكري ونسب الدهون المرتفعة في الدم.

وبحسب تقرير لوزارة الصحة العراقية صدر عام 2019، فقد بلغ عدد الذين يعانون البدانة وزيادة الوزن ما يقارب 29 مليون، 60 في المئة منهم مصابون بمرض السكري، وتسعة في المئة منهم يعانون ارتفاع نسب الكوليسترول والدهون في الدم، وجميعها تؤدي إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.

عقدة الطبيخ والمستوى الثقافي

من جهته، يوضح الباحث الاجتماعي حسن حمدان أن الإسراف في الطعام وزيادة عدد صنوفه عادة مستأصلة في العادات العراقية، مشيراً إلى أن زيادة حجم الأمراض لدى العراقيين جاء نتيجة كثرة الطعام ومحتوياته.

وأضاف حمدان، "هناك عقدة لدى الشعب العراقي هي عقدة الطبيخ من خلال زيادة كمياته ونوعياته، وهي من المواضيع المهمة التي تطرق لها علم الاجتماع، بما يسمى الاستهلاك المظهري ومن ضمنها موضوع الطعام".

وتابع أن زيادة هذه الظاهرة تجلت بعد الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1991 وحرمان الشعب العراقي من الطعام مما أدى إلى هذا التعويض عند تحسن الوضع، لا سيما بعد العام 2003، ولفت إلى وجود بحبوحة مالية لدى المجتمع العراقي ولذلك كان هناك اهتمام بشراء الأطعمة لا سيما في بعض المناسبات مثل شهر رمضان، وأشار إلى أن المستوى الثقافي لبعض العوائل لعب دوراً في الاقتصاد لأغراض تقليل الوزن.

وحش الغلاء يغير كل العادات الرمضانية في لبنان

قد يكون المشهد الاستهلاكي بالنسبة للأسرة اللبنانية لا يعكس حقيقة ما تعانيه الأسر اللبنانية في ظل الانهيار غير المسبوق الذي يعيشه لبنان واللبنانيون.

لقد تميز اللبناني بطريقة عيشه، حيث انعكس هذا النمط بالعيش على استهلاك الأسر اللبنانية طيلة فترة السنوات السابقة، ولكن منذ عام 2018 ظهرت بوادر أزمة مالية واقتصادية بدأت تفرض آثارها بتغيير النهج المعتمد لدى الأسر اللبنانية وتغير في نمط الاستهلاك المتبع وأولويات الأسر المعيشية. عندما تبدأ الأزمات ويعصف الانهيار بحياة اللبنانيين تصبح عملية الاستهلاك مرتبطة بالأولويات. ومنذ التاريخ المذكور أعلاه لم يعد هناك من إسراف في نمط الاستهلاك للبنانيين، بل أصبحت الأسر اللبنانية تعمد إلى اعتماد الإنفاق الاستهلاكي الموجه والرشيد بحسب أولويات تأمين المتطلبات الأساسية. فالتضخم الذي أصاب حياة اللبنانيين غيّر نمط معيشتها الاستهلاكي، فلا الأسر عاد بيدها التفريط بالاستهلاك في ظل الأزمات المتتالية التي ما كان اللبناني يتخلص من إحداها حتى يصاب بما تلاها.

 

أزمات لبنان تطيح الأمن الغذائي

وفي هذا السياق، يشرح الخبير الاقتصادي والمالي بلال علامة في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" أن "التضخم هو ازدياد كبير في السيولة مقابل انخفاض الإنتاج، وهذا يعني أن النمط الاستهلاكي أصبح مكلفاً أكثر وبحاجة لأموال أكثر. لذلك فمن المؤكد أنه منذ بدء الأزمات لم يعد للأسر اللبنانية ترف الذهاب كثيراً في الاستهلاك والإسراف، بل بدأت عملية الترشيد تفرض نفسها على نمط حياة اللبنانيين وتمنعهم عن متابعة حياتهم بالنمط المعتاد".

ويشير إلى أن "الأزمات المتتالية ومصيبة العصر التي تمثلت بحجز أموال اللبنانيين لدى المصارف اللبنانية بدءاً من 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والذي طاول هذا الإجراء التعسفي معظم اللبنانيين، سينعكس هذا الأمر على نمط الاستهلاك لديهم وطريقة تأمين الأولويات المعيشية، إذ بدأت الأسر اللبنانية تعتمد الإنفاق بالأولويات، وطبعاً تحت ضغط الأمر الواقع، وتخلت عن النمط السابق المتبع في الحياة، فغابت أمور كثيرة من حياة اللبنانيين، وتغيّرت أشكال موائدهم، وبدأوا باعتماد طرق جديدة في العيش على الرغم من كل المحاولات الحثيثة التي بُذلت للحفاظ على حد أدنى من مستوى المعيشة التي تميز بها اللبناني وأراد الحفاظ عليها، ودخلت أسعار السلع والخدمات في موجات متتالية من الارتفاع والارتفاع المتقلب الذي يحدث فرقاً ما بين ليل ونهار".

ولفت علامة إلى أنه "قبل أشهر من حلول شهر رمضان المبارك، ومع حلول الأشهر الأخيرة لعام 2021، بدأت أسعار السلع والمنتجات تأخذ منحى تصاعدياً رهيباً لدرجة أن بعضها وصل إلى مستوى أسعار قد يكون خيالياً ومهيباً"، مشيراً إلى أن "الكيلو الواحد من بعض المنتجات الزراعية والخضراوات وصل إلى 50 ألف ليرة، وقد ارتفعت سعر صفيحة البنزين إلى 500 ألف ليرة، أما تكلفة مولدات الكهرباء الـ5 أمبير فقد تخطت مليون ونصف مليون ليرة لبنانية في ظل انعدام الكهرباء من مصادرها الأساسية، أي الدولة اللبنانية، وفي هذا الحال لم تعد الأسر اللبنانية تستطيع تحديد نمط أو طريقة استهلاك وإنفاق، بل باتت رهينة الانهيار وارتفاع الأسعار الذي بات شبه يومي وحركة دائمة تواجه اللبنانيين".

رمضان بطعم الغصة

ومع حلول شهر رمضان المبارك هذا العام اختلف المشهد كثيراً بالنسبة للبنانيين والأسر اللبنانية، وقد ظهر هذا الأمر جلياً قبل بدء شهر رمضان بيومين، حيث غابت الاحتفالات، وانعدمت مظاهر الزينة على الرغم مما يحمله هذا الشهر من خير وبركات. فمع حلول الشهر الكريم، تغيّرت الأولويات الاستهلاكية مع الارتفاع الهائل في مستوى الأسعار حتى بالنسبة لبعض السلع الزراعية اليومية.

ويشير علامة إلى أن "ربطة الخبز التي تعتبر القوت والغذاء الأساسي للبنانيين ارتفعت إلى 11 ألف ليرة، إضافة إلى أسعار الحبوب المخيفة، حيث بلغ سعر كيلو العدس الأسود تقريباً 45 ألف ليرة، الأمر الذي أجبر اللبناني على الاستهلاك الإكراهي، وبات يعمد إلى شراء حاجاته واحتياجاته بالغرام".

أما صحن الفتوش، وهو الصحن الأساسي المائدة الرمضانية، فيشير إلى أن "تكلفته باتت تفوق مئة ألف ليرة في حال كانت العائلة مؤلفة من أربعة أشخاص. أما الطبق اليومي الأساسي المكون عادة من الرز واللحوم فيبدو أن كثيراً من العائلات اللبنانية قامت باستبداله بالبطاطا أو المجدرة هذا في حال توفرها".

أسباب الغلاء

أما عن أسباب الغلاء الفاحش، فيقول رئيس نقابة تجار الخضار والفاكهة بالمفرق، سهيل المعبي، إن "ذلك يعود إلى جشع المزارعين الذين يبحثون عما يُؤمّن لهم المياه والمازوت والمواد الأولية كالسماد والرش والمبيدات، والذي يقوم به هو التصدير إلى الخارج، بالتالي يتم تحويل الدولار إلى جيبه مباشرة وليس إلى خزانة الدولة، لذا كلما تقل البضائع من السوق ترتفع الأسعار".

غياب الرقابة

وشدد المعبي على أهمية "تشديد الرقابة، وذلك لا يتم إلا بالتعاون مع ثلاث وزارات أساسية والنقابات، والتي هي وزارة الداخلية ووزارة الزراعة المسؤولة عن المزارعين ووزارة الاقتصاد التي يقتصر دورها على رقابة الأسعار داخل السوق".

وعن دور النقابة يؤكد المعبي "أهمية التوازن بين مصلحة المواطن وتجار السوق، ويجب التعاون مع حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لضبط الأسعار، وهذا لا يمكنه أن يحصل إلا من خلال إنشاء أسواق شعبية في المناطق لتوحيد الأسعار. أما بالنسبة للمحلات والسيارات العشوائية المصفوفة على الطرقات لا يمكن ضبطها، الأمر الذي يسهم بزيادة الأسعار"، مشيراً إلى أن "كيلو اللوبيا بـ130 ألف ليرة لبنانية، وإذا كانت الأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص فهم بحاجة إلى كيلو ونصف من اللوبيا، هذا عدا عن دخول اللحم والغاز للطبخ، بالتالي أصبح الطبق الرئيس يكلف أكثر من 300 ألف ليرة".

ويقول علامة، "عن أي إسراف استهلاكي نتكلم والأسر اللبنانية باتت تعيش وكل حلمها الاستهلاكي تأمين الحد الأدنى من متطلباتها، وأن تُبقي على سلامتها الصحية والاجتماعية والحياتية"، متسائلاً، "كيف ستستطيع الأسر اللبنانية فرض التوازن بين والمتطلبات المرتبطة بالإنفاق الضروري وبين المداخيل التي بقيت على حالها، حيث ما زال الحد الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة؟".

قد تكون الأسر اللبنانية أمام مشهد لم تتعوده، ولكنه بات أمراً واقعاً وحقيقة راسخة مكرهة لتقبلها ومُجبرة لاعتمادها، حيث تغيّرت أولوياتها الحياتية بسبب تغيّر أولويات الاستهلاك لديها المرتبط أصلاً بتغيير نمط الحياة والمستوى المعيشي لجميع اللبنانيين. فكم من أسر لبنانية ستفتقد الفتوش والأرز واللحوم عن موائدها وكم من لبناني سيبيت ليلته من دون إفطار، وسيبقى الاستهلاك بالنسبة للعائلات اللبنانية شرطاً أساسياً للاستمرار في الحياة من دون أي قدرة على الحياة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات