رسميا انطلقت، يوم الاثنين، رحلة اختيار خلف لرئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة، تيريزا ماي، في رئاسة حزب المحافظين الحاكم، ومن ثم رئاسة الحكومة، في وقت تتلبد فيه لندن بـ"غيوم بريكست"، ذلك الملف الشائك الذي قال عنه دبلوماسي رفيع المستوى بوزارة الخارجية البريطانية إنه "لا حديث يعلو على ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن مع تزايد مؤشرات خروج لندن من دون اتفاق".
ووفق تقارير بريطانية، قدّم نحو 11 سياسياً محافظاً (9 رجال وامرأتان) ترشيحاتهم لرئاسة حزبهم، من بينهم وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، المؤيد القوي لبريكست، والذي اعتبره محللون الأوفر حظاً، إلا أنه ووفق حديث دبلوماسي بريطاني لـ"اندبندنت عربية"، فإن "معارك السلطة في بريطانيا غالباً ما تشهد أحداثاً غير متوقعة، وإن التاريخ لا يقف دوما مع الأوفر حظاً".
ويتولى رئيس الحزب الفائز بأغلبية برلمانية منصب رئيس الحكومة البريطانية. وستكون مهمته الرئيسة إنجاز خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهذا ما لم تنجح ماي في تحقيقه في الموعد الذي كان محددا في 29 مارس (آذار)، واضطرت إلى إرجائه إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول).
لا حديث يعلو على "بريكست"
وبحسب دبلوماسي بريطاني فإن "قضية بريكست هي الحدث الأبرز في الشارع الانجليزي وسط تخوفات من خروج بريطانيا من دون اتّفاق"، مضيفاً "تركت محاولات رئيسة الوزراء المستقيلة تريزا ماي، التي استقالت الجمعة الماضية من مهامها على رأس الحزب، غموضا بشأن ملف الخروج البريطاني من الاتحاد وتداعيات ذلك على الأوضاع السياسية والاقتصادية".
وذكر الدبلوماسي البريطاني "رغم الترجيحات المسبقة بفوز أحد المرشحين، إلا أن طريق الوصول إلى السلطة في نهاية الأمر غالباً ما يشهد أحداثاً غير متوقعة".
وتاريخيّاً لم يفز يوما الأوفر حظاً حتى الآن، ففي عام 1965، كان ريجينالد ماودلينغ يُعتبر الأوفر حظاً إلا أن إدوارد هيث هو من فاز. ودعا هيث إلى انتخابات جديدة عام 1975 لإرساء سلطته وكان يُفترض أن يفوز خلالها بسهولة. إلا أن مارغريت تاتشر فاجأت الجميع وفرضت نفسها وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى رئاسة الحزب المحافظ. كما أنه في عام 1990، كان على مارغريت تاتشر أن تغادر منصبها بعد فشلها في الحصول على الأكثرية مقابل منافسها مايكل هيسيلتاين. ودخل جون ميجور السباق ففاز على هيسيلتاين.
في 2005، كان ديفيد ديفيس يُعدّ فائزاً إلا أن ديفيد كاميرون تقدّم عليه. وأثناء تصويت 2016 الذي شهد انتصار تيريزا ماي، كان رئيس بلدية لندن بوريس جونسون الأوفر حظاً قبل أن يتخلى عنه حليفه مايكل غوف، فأرغمه على الاستسلام.
جونسون الأوفر حظاً
ورغم الخبرة التاريخية، إلا أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق وعمدة لندن السابق، بوريس جونسون، والذي يعد البريطانيين بمستقبل باهر للمملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، ترجحه أغلب المؤشرات للفوز بالمنصب، لا سيما وأنه يبدو أنه مستعد لخوض مواجهة في المفاوضات حول بريكست. كما يحظى جونسون، البالغ 54 عاماً، بتقدير كبير من جانب الناشطين في قاعدة حزب المحافظين، لكنه يثير في المقابل ردود فعل متباينة في صفوف النواب المحافظين.
وهدّد جونسون في مقابلة مع صحيفة "صانداي تايمز"، بعدم دفع فاتورة بريكست، وهو مبلغ يقدّر بما بين 40 و45 مليار يورو، إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على شروط أفضل لبلده. وقد يثير هذا الموقف غضب قادة الاتحاد الأوروبي.
ويعد جونسون أيضاً بتخفيض الضرائب للبريطانيين الذين يجنون أكثر من 50 ألف جنيه إسترليني سنويا (56 ألف يورو)، في إجراء تُقدّر كلفته بـ 9.6 مليار جنيه إسترليني (10.8 مليار يورو) سنوياً وسيتمّ تمويله بشكل جزئي من مدخرات الحكومة لاحتمال حصول بريكست من دون اتفاق، حسب ما ذكرت صحيفة "التلغراف" البريطانية أمس.
وبوعده بالتشدد مع الاتحاد الأوروبي وبالعمل على توحيد بلده، يقدم جونسون نفسه على أنه الرجل الوحيد القادر على منع انهيار كامل للمحافظين عبر التصدي لخصمين كبيرين لهم، هما حزب "بريكست" الرابح الأكبر في الانتخابات الأوروبية، والعماليين في أكبر حزب معارض.
وفي السابع من يونيو (حزيران) الحالي، رفض القضاء البريطاني ملاحقات ضده بتهمة الكذب أثناء الحملة التي سبقت الاستفتاء على بريكست. وكان جونسون متهماً بتعمد الكذب حين كان رئيساً لبلدية لندن، إذ قال إن المملكة المتحدة كانت تدفع 350 مليون جنيه إسترليني (440 مليون دولار) أسبوعيا للاتحاد الأوروبي.
وحصل جونسون خلال عطلة نهاية الأسبوع على دفع قوي لحملته الانتخابية بانضمام العديد من زملائه الوزراء إلى العدد المتزايد من نواب حزب المحافظين الوسطيين في إعلان دعمهم له.
غير أنّ وزيرة العمل والمعاشات، آمبر رود، أعلنت في تغريدة أمس دعمها لوزير الخارجية البريطاني الحالي جيرمي هانت لتولي زعامة الحزب وتالياً رئاسة الوزراء. أما وزير الداخلية ساجيد جافيد، الذي يخوض بدوره السباق إلى "داوننغ ستريت"، فحصل من جانبه على تأييد بعض الشخصيات الرئيسة في الحزب، وفي مقدّمهم زعيم المحافظين الاسكتلنديين، روث ديفيدسون.
احتمالات التفاوض مجدداً
ولدى إطلاق حملتهما، يبقى وزيرا البيئة مايكل غوف والخارجية جيريمي هانت، المنافسين الأقوى لجونسون، مع اتخاذ مواقف "جدية" حيال جونسون الذي ارتكب سلسلة أخطاء عندما كان وزيراً للخارجية.
ويُتوقع أن يقول هانت في انتقاد واضح لمنافسه إن زعيم المحافظين المقبل يجب أن يتقن "فنّ التفاوض، ليس فنّ الخطابة الفارغة". وفي عطلة نهاية الأسبوع، أكد هانت أنه "واثق تماما من أنه إذا تبنينا الأسلوب الصحيح في هذا الشأن، فإن الأوروبيين سيكونون مستعدين للتفاوض"، مستندا في ذلك إلى حديث يقول إنه أجراه مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وأكدت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 مرارا أنها لن تغير اتفاق الخروج من الاتحاد الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) بين لندن والمفوضية ورفضه النواب البريطانيون ثلاث مرات.
ويمكن ألا تحقق محاولات غوف لتقديم نفسه كبديل موثوق به، النتيجة المطلوبة إذ إن الوزير أثار جدلاً بعد أن اعترف بتعاطيه "الكوكايين" عندما كان في العشرين من عمره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق، أنه مستعد لإعادة مناقشة هذا الإعلان في حال أعادت لندن النظر في مواقفها بشأن الاتحاد الجمركي والوصول إلى السوق الموحدة.
ويشمل اتفاق بريكست، خصوصاً، الترتيب المثير للجدل بشأن "شبكة الأمان" أو "باكستوب". وينصّ حلّ اللحظة الأخيرة على إبقاء كامل المملكة المتحدة في اتحاد جمركي لتجنّب إعادة الحدود الفعلية بين أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد.
وينصّ الاتفاق الذي أبرمته ماي مع الاتحاد الأوروبي ورفضه البرلمان البريطاني على أن تسدّد لندن الالتزامات المالية التي تعهّدتها بموجب الموازنة الحالية متعدّدة السنوات (2014-2020)، والتي تغطي أيضاً الفترة الانتقالية التي ينصّ عليها الاتفاق. ولا يحدّد الاتفاق قيمة هذه الفاتورة بل كيفية احتسابها. وقدّرت الحكومة البريطانية قيمة المبلغ بما بين 40 و45 مليار يورو، وهي أرقام لم يؤكّدها الاتحاد الأوروبي.
رحلة التصويت لاختيار خليفة ماي
وسيجري النواب المحافظون سلسلة عمليات تصويت يستبعدون خلالها المرشحين الواحد تلو الآخر، إلى أن يبقى منهم اثنان. وعندها يكون على أعضاء حزب المحافظين الذين يبلغ عددهم 160 ألف ناشط، اختيار الفائز الذي سيتولى مهامه رسميا على رأس الحكومة قبل نهاية يوليو (تموز) المقبل، على أن تقود ماي المرحلة الانتقالية حتى ذلك التاريخ.
وغداة تقديم ملفات الترشيح، اليوم الاثنين، يحتاج الطامحون لتولي المنصب على دعم ما لا يقلّ عن ثمانية من النواب المحافظين البالغ عددهم 313، على أن تبدأ جلسات استماع النواب المحافظين للمرشحين غدا وبعد غد.
وفي الـ13 من يونيو (حزيران)، يبدأ التصويت الأول للنواب. وبناء عليه، يتمّ استبعاد المرشحين الذين حصلوا على أقل من 17 صوتاً. وإذا حصل جميعهم على أكثر من هذا العدد، يتمّ استبعاد المرشح الذي يحصل على أقل عدد من الأصوات. وهي المرحلة التي تقود إلى المناظرة التلفزيونية الأولى بين المترشحين على قناة "تشانل 4"، في الـ16 يونيو (حزيران).
وفي الـ17 من يونيو (حزيران)، يستمع النواب المحافظون في جلسات مخصصة لذلك للمرشحين، وذلك عشية الدورة الثانية من التصويت، والتي يتم فيها استبعاد المرشحين الذين حصلوا على أقل من 33 صوتاً. وإذا حصل جميعهم على أكثر من هذا العدد، يتمّ استبعاد المرشح الذي يحصل على أقل عدد من الأصوات.
وفي الـ19 من يونيو (حزيران) تبدأ الدورة الثالثة للتصويت، والتي يتم فيها استبعاد المرشح الذي يحصل على عدد الأصوات الأقل. وذلك قبيل انطلاق الدورة الرابعة والخامسة للتصويت، والتي ينبغي خلالها تخفيض النواب المحافظين عدد المرشحين إلى اثنين.
وبعيد تلك السلسلة الطويلة من الإجراءات، تبدأ أولى المناظرات بين أعضاء الحزب المحافظ في 22 يونيو (حزيران). وذلك قبل أن يبدأ نحو 160 ألف عضو في الحزب المحافظ للتصويت خلال أسبوع بدءا من 22 يوليو (تموز) لاستبعاد مرشح من بين اثنين وصولا إلى المرحلة النهائية، التي يصبح فيها الفائز رئيساً للوزراء.
ويواجه حزب المحافظين في الواقع صعوبة كبيرة. فقد كشف استطلاع للرأي أجراه معهد "يوغوف"، في الخامس والسادس من يونيو (حزيران) الحالي، أن الحزب الذي جاء في المرتبة الخامسة في الانتخابات الأوروبية، وهي نتيجة مهينة، لن يتجاوز في حال جرت انتخابات تشريعية المرتبة الرابعة ولن يحصل على أكثر من 18% من الأصوات.
وبات بقاء الحزب مرتبطا بقدرة أو عدم قدرة رئيسه على تنفيذ بريكست بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء الذي جرى في يونيو (حزيران) 2016 الذي صوت 52% من البريطانيين فيه على الخروج من الاتحاد الأوروبي.