Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولايات المتحدة تعيد لليبيا جزءا من آثارها المنهوبة

يشكل العقد الماضي فترة كارثية إذ شهد انفراط الدولة وقبضتها الأمنية

تتوالى عمليات استعادة السلطات الليبية آثاراً منهوبة (وزارة الخارجية الليبية)

نجحت ليبيا في استعادة جزء آخر من تاريخها المنهوب والمنتشر في أنحاء العالم. فقد تسلمت من الولايات المتحدة رأسين لتمثالين يعودان إلى العهد الإغريقي، الذي امتد من عام 639 ق.م حتى 322 ق.م، في إقليم برقة شرق البلاد.

وكانت ليبيا نجحت قبل أيام قليلة في استرجاع قطعة مماثلة تنتمي إلى العصر نفسه من البرازيل، بعد مفاوضات مضنية امتدت لعام من أجل إثبات ملكيتها هذه القطعة، التي تمثل رأس تمثال لأحد "آلهة الطب" عند اليونانيين القدماء، سرق من مدينة قوريني الأثرية (200 كيلومتر شرق بنغازي)، في ثمانينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من أن استعادة هذه القطعة الأثرية تعتبر إنجازاً للدولة الليبية، فإنها لا تشكل إلا النزر القليل من آثارها المنهوبة التي تعرضت للسلب المستمر على مدى القرنين الماضيين، منذ وقوع ليبيا تحت الحكم العثماني ثم في فترة الاستعمار الإيطالي مروراً بالحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى العقد الماضي الذي شهد تنامي حالة النهب.

رؤوس من زمن الإغريق

استعادت ليبيا رأسي تمثالين رخاميين لامرأة محجبة ورجل ملتحٍ، من الولايات المتحدة الأميركية، يعود أصلهما إلى العصر اليوناني، فقدا منذ أواخر الثمانينيات في القرن الماضي.

وأعلن مكتب المدعي العام في مانهاتن، ألفين براج، "إعادة بعض الآثار المسلوبة إلى ليبيا، وهي عبارة عن تماثيل نصفية رخامية، من ضمنها تمثال يجسد امرأة محجبة سرق من معبد قورينا (شحات)، الذي يرجع إلى الحضارة اليونانية القديمة".

وكانت سلطات الأمن الأميركية صادرت، قبل فترة، التمثال الجنائزي للأنثى المحجبة من معرض في مانهاتن بعد أن أدرج للبيع عبر الإنترنت بأكثر من 500 ألف دولار.

واسترجعت ليبيا قطعة ثانية من تمثال رجل ملتحٍ تقدر قيمتها بنحو 300 ألف دولار وتم تداولها في السوق الفنية لعقود، وصودرت هذا الشهر في الولايات المتحدة. ووصف المدعي العام في مانهاتن تلك القطع الأثرية بأنها "تمثل نوافذ على آلاف السنين من الثقافة والحضارة وتستحق أن تعاد إلى بلدها الأصلي".

انتصار للسلطات الليبية

وأثنى المبعوث الأميركي وسفير واشنطن لدى ليبيا ريتشارد نورلاند على جهود مكتب المدعي العام في مانهاتن وجهاز الأمن الداخلي الأميركي لإعادة هذه القطعة الأثرية إلى شحات.

واعتبر نورلاند في تغريدات على "تويتر"، أن "استعادة هذه الكنوز الأثرية انتصار لليبيا، وانتصار لتطبيق القانون وسيادته".

وأشار إلى أن "عملية التسليم مجرد جزء يسير من الجهود الأميركية - الليبية لحماية التراث الليبي الغني".

وكانت واشنطن أعادت في يناير (كانون الأول) الماضي قطعة أثرية من الرخام عبارة عن "رأس أنثى محجبة"، يعود تاريخها إلى 350 قبل الميلاد، تقدر قيمتها بنحو مليون و200 ألف دولار.

جمع الكنوز المفقودة

وتبذل السلطات الليبية جهوداً حثيثة لاستعادة مزيد من الكنوز الأثرية التي كانت مفقودة، وظهرت في السنوات الماضية في عدد من الدول، وأضخمها مجموعة مشكلة من 11 قطعة أثرية مسروقة من ليبيا تم إيقاف عملية بيعها من جانب السلطات الإسبانية في عام 2017، وأبدت مدريد تجاوباً مع المطالبات الملحة من طرابلس لاستعادتها في أقرب وقت.

وكانت السلطات الإسبانية أبلغت حكومة الوفاق، التي كانت تدير البلاد في تلك الفترة، بوجود هذه القطع الأثرية التي كانت في طريقها للبيع لتجار الآثار، قبل أن تتمكن السلطات في مدريد من إيقاف عملية بيعها، لتتأكد بعدها أنها مهربة من ليبيا.

وأرسلت طرابلس وقتها فريقاً من مصلحة الآثار لمتابعة القضية. وأكد الفريق أنها قطع آثار ليبية مشكلة من تماثيل وتحف، أهمها تمثال لامرأة ورأس جنائزي وتمثال جنائزي لبيرسيوني "آلهة العالم السفلي" وتمثال مغطى الرأس. وكلها سرقت من متحفي سوسة وشحات شرق البلاد عام 2011.

عقد كارثي

ويشكل العقد الماضي فترة كارثية على الآثار الليبية، منذ اندلاع الثورة على نظام معمر القذافي في فبراير (شباط) 2011 وانفراط الدولة وقبضتها الأمنية. وبدأ حجم هذه الكارثة يظهر بإعلان مصلحة الآثار الليبية، بعد أشهر من الانتفاضة الشعبية، سرقة سبعة آلاف قطعة أثرية من مصرف في مدينة بنغازي، معظمها قطع نقدية من الذهب والفضة يرجع عمرها إلى آلاف السنين كانت محفوظة داخل المصرف منذ ستينيات القرن الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوالت خلال السنوات التالية بلاغات المصلحة عن آثار مفقودة في ظروف غامضة، إذ سجلت محضر سرقة أربعة أوانٍ فخارية من متحف سوسة عام 2012، وسرقة تمثالين من متحف صبراتة عام 2013. وسرقة عدد من القطع المعدنية من متحف مصراتة، ووقعت أكثر من 100 حالة سرقة من متحف بني وليد، وسرقت قطعة سلاح ترجع لأحد المجاهدين الليبيين من متحف السرايا الحمراء بطرابلس.

ويقدر عدد الآثار المفقودة في ليبيا خلال هذه الفترة بنحو 9800 قطعة من مواقع متنوعة، إضافة إلى 364 قطعة ذهبية و2433 قطعة نقدية فضية و4484 عملة برونزية، وكذلك الجواهر القديمة مثل الأقراط الذهبية وأعمال نحت.

وتعج ليبيا بالمدن الأثرية المهمة التي بنيت في عصور مختلفة ضاربة في القدم بينها أكبر مدينتين رومانية ويونانية في العالم، خارج إيطاليا واليونان، وهما لبدة غرب طرابلس، وقورينا أو شحات كما تعرف حالياً، شرق بنغازي. وأغلى فسيفساء في العالم من العصر الروماني موجودة في متحف طرابلس. وأكبر وأجمل مسرحين رومانيين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط هما مسرحا مدينتي لبدة وصبراتة (غرب طرابلس). وأكبر مجموعة رسومات في شمال أفريقيا والحوض المتوسط ترجع إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد في جبال أكاكوس (جنوب ليبيا). وفيها أقدم مدينة في العالم بنيت منذ القرن الثامن قبل الميلاد في الصحراء هي مدينة غدامس (جنوب غربي طرابلس). وهذه المناطق مسجلة في قائمة التراث العالمي الصادرة عن منظمة اليونسكو.

اهتمام عالمي

قضية الآثار الليبية المنهوبة لم تعد في السنوات الماضية قضية محلية تخص ليبيا وحدها، بل أصبحت محط اهتمام دولي من المنظمات المعنية بالحفاظ على التراث العالمي والمنظمات المتخصصة في حماية الآثار.

وفي عام 2016، أسهم تقرير صحافي أميركي بقسط وافر في تسليط الضوء على المخاطر التي تتعرض لها الكنوز التاريخية والأثرية الليبية، إذ نقلت صحيفة "ذي ديلي بيست" الأميركية عن عالم الآثار الفرنسي، مورغان بلزيغ، قوله إن "هناك عمليات اتجار واسعة بالقطع الأثرية في ليبيا، يديرها رجال العصابات وسراق القبور الأثرية، وتصل إلى المعارض الفنية في باريس ونيويورك".

وأضاف بلزيغ أن "الآثار المنهوبة تعرض للبيع على شبكة الإنترنت". وأشار إلى أنه "قدم خلال مشاركته في حدث بالأكاديمية البريطانية في لندن في مارس (آذار) من ذلك العام صوراً لـ40 منحوتة جنائزية من برقة، نبش عنها بطريقة غير قانونية، ثم بيعت".

وكشف عالم الآثار الفرنسي عن "100 قطعة رخام معروضة للبيع، يعتقد أنها من ليبيا، يعرض بعضها بأربعة آلاف دولار، وبعضها بـ400 ألف دولار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير