Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قولوا لبوتين: ممن تحررنا؟" ناجون من المحرقة اليهودية في أوكرانيا يتأهبون لقدوم القوات الروسية

كانت أوديسا مركزاً للحياة اليهودية طيلة سنوات. يخبر بعض أعضاء المجتمع المحلي هناك بيل ترو عن غضبهم ورعبهم فيما يقصف فلاديمير بوتين - الذي زعم أنه يريد "اجتثاث النازية" من أوكرانيا - الساحل

رومان، الذي نجا من المحرقة اليهودية (الهولوكوست) في أوكرانيا خلال الحرب العالمية الثانية، يقلق من أن يعيش أحفاده المأساة نفسها (اندبندنت)

السبب الوحيد الذي حال دون مقتل يوري بارفينوف في مجزرة أوديسا التي استهدفت السكان اليهود في عام 1941 هو قيام إحدى العائلات بتخبئته وشقيقه داخل حفرة المرحاض عندما أتى الجنود للبحث عنهما.

يقول السيد بارفينوف، المولود لأم يهودية وأب روسي، إنه كان من المقرر اصطحابه إلى منطقة ميكولاييف المجاورة وإعدامه رمياً بالرصاص ذلك اليوم.

في المحصلة، قتل 14 فرداً من عائلته - ومنهم والدته - خلال المحرقة اليهودية (الهولوكوست) في أوكرانيا. في منطقة أوديسا التي تضم ميناءً على البحر الأسود، قتل عشرات آلاف السكان اليهود، رمياً بالرصاص وأحرقوا وهم أحياء، وأرغموا على العمل أو جوعوا حتى الموت - ولا سيما على يد الجنود الرومانيين المتحالفين مع ألمانيا النازية، ولكن يوري نجا، وخدم بعدها في جيش الاتحاد السوفياتي.  

وهكذا، كما يقول، إنه لمن دواعي السخرية بشكل خاص أن يجد نفسه، هو الناجي من الهولوكوست، نصف الروسي والقائد السابق لكتيبة دبابات في الاتحاد السوفياتي، في مواجهة الموت من جديد، ولكن هذه المرة على يد فلاديمير بوتين الذي يزعم أن غزوه يهدف إلى "انتزاع النازية" من البلاد وإنقاذ سكان أوكرانيا الناطقين بالروسية من "التطهير العرقي".

يقول يوري بالروسية - لغته الأم - وهو يرتجف من الغضب: "قولوا لبوتين: ممن تحررنا؟"

"أنا عاجز عن التعبير، إنه وحش. لم نطلب من أي أحد أن يجتاح بلادنا، أن "يحررنا"، أن يقتل أولادنا".

"أريد أن أواجه بوتين وأقول له: أنت قاتل. أكاد لا أصدق أنني عشت لأرى حرباً قد تتحول إلى الحرب العالمية الثالثة".

يوري واحد من عشرات الناجين من الهولوكوست القاطنين في أوديسا، التي تضم مجتمعاً محلياً كبيراً يتحدث اللغة الروسية، ولديها تاريخ يهودي غني وأليم يعود إلى فترة تأسيسها في عام 1794 على يد كاثرين العظمى.

داخل كنيس تشاباد اليهودي في وسط المدينة الذي يعود بناؤه إلى مئة عام مضت، يجلس رومان شفاركمان (88 عاماً)، وهو أحد الناجين من الهولوكوست ويدير منظمة تمثل السجناء اليهود السابقين في الغيتو أو معسكرات الاعتقال النازية، ويجهش بالبكاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشهر الماضي، أوشك "كوفيد" أن يؤدي بحياته، وهو يواجه الآن خطر الموت مرة أخرى فيما تنتظر بلدته ذات الموقع الاستراتيجي هجوماً مزدوجاً، عبر البر والجو، من روسيا.

ويقول لـ"اندبندنت": "حين تصدح صفارات الإنذار بالغارات الجوية، أحاول الوصول إلى قبو منزلي الواقع في مبنى من 10 طوابق، وأجلس في البرد وأصلي أن يكون لأحفادي وأبنائهم فترة شباب مشرقة وسعيدة".

"نحن جيل من الناس خسر طفولته. أنا لا أقلق على نفسي، بل على الجيل المقبل".

يقارن يوري السيد بوتين بأدولف هتلر، إذ يقول إن أوكرانيا تواجه مجزرة جماعية من جديد.

"خلال الحرب العالمية الثانية، حاول النازيون قتل كل اليهود. والآن، يحاول الروس قتل كل الأوكرانيين. أوكرانيا بلادي. لن أترك هذه الأرض حتى لو قتلوني. لن أهرب".

زعم الرئيس بوتين أن هدفه من الغزو هو "انتزاع النازية" من أوكرانيا ووقف "الإبادة الجماعية" لسكانها الناطقين بالروسية.

صحيح أن أوكرانيا، البلد الديمقراطي، فيها حركة يمينية متطرفة مرتبطة بجماعات مسلحة منها الميليشيات الوطنية، كتيبة آزوف، لكن المتطرفين اليمينيين خسروا بعض نفوذهم خلال الانتخابات الأخيرة، ولديهم دعم قليل جداً على المستوى الوطني، مقارنةً بأحزاب أخرى في أجزاء ثانية من أوروبا.

وفي هذه الأثناء، واجه السيد بوتين انتقادات كبيرة لإلحاقه الضرر بالمعالم اليهودية فعلياً.

منذ عدة أيام فقط، كتبت السفيرة البريطانية لدى أوكرانيا، ميليندا سيمونز، تغريدة قالت فيها إن أحد المعالم الرمزية للهولوكوست، قرب مدينة خاركيف الشرقية، قد تضرر جراء القصف. ونشرت صورة للنصب المدمر في موقع دروبيتسكي يار، حيث قتل النازيون 11 ألف يهودي في وادٍ.

خلال الأسبوع الأول من الحرب، أفادت أوكرانيا أن موقع النصب التذكاري للهولوكوست، بابين يار في كييف - حيث قتلت ألمانيا النازية أكثر من 30 ألف يهودي - أوشك هو الآخر على التعرض للقصف في الغارات الروسية، ما تخشاه أوديسا هو أن تكون التالية على القائمة.

تشكل "لؤلؤة البحر الأسود" خط إمداد رئيساً ومعبراً استراتيجياً إلى باقي مناطق أوكرانيا، ولطالما وضعها الروس نصب أعينهم، وهم الآن يكثفون القصف على بلدات ساحلية أبعد شرقاً، ويحاصرونها، وحتى يحتلونها.

لدى أوديسا تاريخ يهودي طويل وصعب. كانت في الأساس تقع ضمن نطاق الاستيطان، وهي المنطقة التي سمحت الإمبراطورية الروسية لليهود بالعيش فيها. عانت هذه الجماعة في فترة المذابح المنظمة في مطلع القرن العشرين، ولكن مع حلول ثلاثينيات القرن العشرين، بات 200 ألف يهودي يعيشون في المدينة الساحلية، ويشكلون نحو ثلث إجمالي السكان.  

لكن ذلك تغير مع قدوم الحرب العالمية الثانية. تمكن نصف سكان أوديسا من اليهود فقط من الهرب قبل دخول الرومانيين، حلفاء ألمانيا، إلى أجزاء من الأراضي السوفياتية واحتلالهم المدينة.

أكثر من 25 ألف يهودي قتلوا في المذبحة التي تلت، فيما رحل 60 ألفاً آخرين تقريباً، فقضى معظمهم داخل المخيمات والغيتويات. حبس المدنيون اليهود داخل المستودعات ورش عليهم البنزين وأحرقوا أحياءً.

يخبر يوري ورومان بقصص مرعبة عن ذلك الوقت، وتبدو من نواحٍ عديدة، مألوفة بشكل مخيف في إطار النزاع الحالي.

هربت عائلة رومان، التي تتحدر أساساً من مدينة فينيستيا التي تبعد 400 كليو متر (250 ميلاً) إلى الشمال، ضمن موكب من المدنيين تعرض لقصف عنيف ومتكرر قبل أن يوقفه في النهاية جنود ألمان ويرغموه على العودة أدراجه. يقول إن عائلته تعرضت للتجويع فيما اغتصبت شقيقته على يد الجنود الرومانيين وأطلق الرصاص على شقيقه الأكبر فوق جسر مدمر. انتزع الجنود يوري من حضن أمه، وأطلقوا عليها النار عندما حاولت استرجاع طفلها.

طويت هذه الفصول المرعبة باعتبارها جزءاً من الماضي من وقت غير بعيد. في عام 2018، حضر سفراء ألمانيا ورومانيا فعالية تذكارية خاصة، لإحياء ذكرى مذابح عام 1941-1942 المنسية في أوديسا التي نجا منها يوري ورومان.

ولكن على مر السنوات الأخيرة، عاشت الجماعة فترة أشبه بالنهضة وفقاً للحاخام أبراهام وولف، وهو الحاخام الأكبر لأوديسا وجنوب أوكرانيا ويدير كنيس تشاباد هناك.

ويقول الحاخام إنه قبل الغزو الأخير، كانت المدينة تضم ملايين السكان، ومنهم 35 ألف يهودي.

تدير جماعته حضانتين للأطفال اليهود، ومدرستين وميتمين، وجامعة يهودية وداراً لرعاية المسنين فيه 50 ناجياً من الهولوكوست: وهي شبكة موسعة يقول الحاخام إنها كانت دلالة على شعوره بأكبر درجة من الأمان في جنوب أوكرانيا، من بين كل المناطق في العالم.

ويقول من مكتبه الواقع بقرب الكنيس: "أتمنى أن يتمتع كل حاخام في العالم بالحرية التي أتمتع بها هنا. لدينا 11 مبنى في هذه المدينة، وهي تؤمن لنا كل احتياجاتنا".

ويضيف، في إشارة إلى الرئيس اليهودي فولوديمير زيلينسكي ورئيس وزرائه السابق فولوديمير غرويسمان: "في العالم بلدان كان فيهما في مرحلة من المراحل رئيس وزراء ورئيس يهوديان - وهما إسرائيل وأوكرانيا، ولكن (فكرة) أنني أحتاج لمن يحررني؟ إن التفكير في وجود النازية هنا ضرب من الخيال. لا علاقة له بالواقع على الأرض".

يقول الحاخام وولف، إن أكبر مخاوفه الآن هي تفكيك المجتمع المحلي الذي عمل بجهد لبنائه.

نظم بالتعاون مع فرق من المتطوعين لديه، عملية إجلاء نحو 60 ألف يهودي وغير يهودي من سكان أوديسا، باتجاه الدول المجاورة منذ بداية الحرب. كما أجلى 120 طفلاً من ميتميه باتجاه ألمانيا، ورحل عدة مئات من النساء والأطفال من المدينة على الرغم من عدم امتلاك معظمهم لوثائق السفر.

لا يمكنه نقل الناجين من الهولوكوست، وعددهم 50 شخصاً، من دار رعاية المسنين الذي يديره، لأنهم طاعنون في السن وضعيفون جداً ومن غير المرجح أن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة أثناء الرحلة إلى خارج أوكرانيا. كل ما يمكنه فعله هو تخزين المؤن من قبيل الأطعمة المعلبة، والمعكرونة والأرز، ودفع رواتب ثلاثة أشهر سلفاً لمقدمي الرعاية لكي يهتموا بهم. وهم يأملون ألا يقع الأسوأ.

"ما يحدث للمجتمع اليهودي هنا مؤلم للغاية. خلال السنوات القليلة الماضية، جمعنا 35 ألف شخص - 35 ألف قطعة من الأحجية - في صورة واحدة كبيرة. بنينا مؤسسات، من دور الحضانة إلى دور الرعاية بالمسنين، ومن المياتم إلى الجامعة اليهودية".

ويضيف الحاخام وولف: "ركبنا هذه الصورة، ثم وضعنا لها إطاراً وعلقناها على الجدار. ولكنها تتهاوى الآن. 35 ألف قطعة من الأحجية متناثرون في كل أرجاء أوكرانيا ومولدوفا وألمانيا وإسرائيل. لقد تحطمت".

"لا نزال هنا، نحن نعمل ولكن الأمر ليس سيان".

أما يوري ورومان، فيصبان تركيزهما على أولادهما وأحفادهما، وعلى حمياتهم من الرعب الذي ترعرعا في ظله. ويعهد الاثنان بملازمة المدينة مهما حصل.

يقول رومان والدموع تنهمر من عينيه: "لا يمكنني حمل بندقية. لست محارباً، وأنا كبير في السن، ولكن سلاحي هو كلماتي ضد هذه الفاشية الروسية، هذا السلاح الذي أحارب به".

لكن يوري الذي يصغره بعدة سنوات يعرب عن استعداده للانضمام إلى قوات الدفاع الإقليمية. ويقول، فيما تنير شمس العصر نصباً للهولوكوست يقع قرب منزله: "أنا مستعد للدفاع عن المدينة بالمسدس إن اقتضى الأمر. لن نذهب إلى أي مكان. سوف نحارب حتى نفسنا الأخير".

أسهمت فالنتاين ستراكوفسكي في إعداد التقرير

نشرت اندبندنت هذا المقال في 30 آذار 2022

© The Independent

المزيد من متابعات