Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تمزيق الخرائط والدول... "دومينو" بلا نهاية

العالم يخاف من أن ينتصر بوتين في حرب تعيد البشرية إلى سياسات ما قبل القرن الـ 19

تظاهرة رافضة للحرب والاجتياح الروسي لأوكرانيا في العاصمة الفنلندية هلسنكي (رويترز) 

ليست حرب أوكرانيا لعبة شطرنج عادية ذات بعدين، لأن للألعاب الجيو- سياسية بين الكبار أبعاداً ثلاثة، واللاعبون يحاذرون الوصول إلى مرحلة "كش ملك"، والحسابات معقدة لدى كل الأطراف، بصرف النظر عن التبسيط في خطب الأطراف، الرئيس فلاديمير بوتين، الرئيس فولوديمير زيلنسكي، الرئيس جو بايدن، وبقية الرؤساء الذين يقفون مع هذا الطرف أو ذاك، والرؤساء الذين يحاورون الطرفين ويلعبون دور الوساطة، والبابا فرنسيس، والمرجعيات الدينية، و"البابا العلماني" أنطونيو غوتيش، الأمين العام للأمم المتحدة.

فالغرب الذي انتقل من التركيز على "تكبير كلفة الغزو الروسي" إلى حديث عن "هزيمة استراتيجية" لبوتين، يخشى في الوقت نفسه من مضاعفات ما يتمناه وقيام الرئيس الروسي برد فعل غير عادي على إذلال دولة كبرى نووية بهزيمة استراتيجية، وموسكو التي وضعت شروطاً يستحيل قبولها كلها لوقف الحرب، سواء من الجانب الأوكراني أو من الغرب الأميركي والأوروبي، تخاف من أن يقود هذا الموقف المتشدد إلى حرب بلا نهاية تستنزف قدراتها بمقدار ما تهدم أوكرانيا التي يفترض أن تكون "الجائزة".

والعالم كله يخاف من أن ينتصر بوتين في حرب تعيد البشرية إلى سياسات ما قبل القرن الـ 19 بمقدار ما يتحسب لانعكاسات هزيمته، ذلك أن تمزيق خرائط الدول في زمن الانهيارات شيء، وتمزيقها في زمن التوسع الإمبريالي شيء آخر.

ما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كان هادئاً، لأن روسيا الدولة الأساس فيه أرادت "الاستقلال" بقيادة بوريس يلتسين. كل جمهورية سوفياتية صارت دولة مستقلة من دون أي تغيير في الحدود. انهيار يوغوسلافيا قاد إلى حروب بين مكونات الاتحاد اليوغوسلافي لأن صربيا الدولة الأساس رفضت التسليم بالاستقلالات، وانتهت الحروب المحلية التي ساندتها قوى خارجية بنشوء دول مستقلة على أساس إثني، بعدما كانت الأيديولوجيا وكاريزما الماريشال "نيتو" توحدها.

أما اليوم فإن الحرب الروسية على أوكرانيا التي فتحت الباب لتمزيق الخرائط تسجل سابقة في القرن الـ 21 بعد ثلاثة أرباع القرن من هزيمة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكريتاريا اليابانية، والأخطر هو نقل العالم إلى ما قبل "معاهدة ستفاليا" في القرن الـ 17 والتي أنهت "حرب الـ 30 سنة" في أوروبا وكرست "سيادة الدول" وحدودها، ولا أحد يعرف أين يتوقف "دومينو" الانهيار في سيادة الدول وتمزيق خرائطها.

الدول التي تظلمها الجغرافيا ولا ينصفها التاريخ لكونها في جوار قوى دولية صاحبة مشاريع إمبريالية أو قوى إقليمية لديها طموحات توسعية، فكل جار لقوة إمبريالية، مثل أميركا والصين وروسيا، ينطبق عليه القول الشهير عن المكسيك وأميركا، "مسكينة المكسيك كم هي بعيدة من الله وكم هي قريبة من أميركا. مسكينة أيرلندا كم هي قريبة من الله وكم هي بعيدة من أميركا"، وكل جار لقوة إقليمية متوسعة مثل إيران وتركيا يرى بالعين المجردة حرص إيران على التوسع في الأرض العربية إلى أبعد من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ونزوع تركيا الأردوغانية لاحتلال مساحات في شمال سوريا والعراق ونشر جيشها في ليبيا وتوسيع نفوذها في القوقاز.

والسؤال إذا ما انتصر بوتين في أوكرانيا هو: ما الذي يضمن ألا يكمل الطريق لاحتلال جورجيا ومولدافيا وسواهما؟ ومن يحد من رغبة الصين في استعادة تايوان والسيطرة العسكرية الكاملة على البحرين الجنوبي والشرقي للصين؟ وهل تبقى أميركا ممتنعة عن السيطرة على كوبا وإسقاط الأنظمة المعادية لها في أميركا اللاتينية مثل فنزويلا ونيكاراغوا؟

ليس هذا هو العالم الذي يصح العيش فيه، وإن كانت المظالم كثيرة في العالم كما هو اليوم، وعلى كل قائد يصعد البخار الى رأسه ويقرر تمزيق الخرائط أن يتذكر قول أبراهام لينكولن، "أنا أدعي أنني مسيطر على الأحداث لكني أعترف بأن الأحداث تسيطر علي".

المزيد من تحلیل