Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عزت القمحاوي: النص المفتوح يتيح لي حرية أكبر في السرد

لديه محاولات في قصيدة النثر ويعتقد ان العالم يحتاج إلى وقت طويل للتعافي من كورونا

الروائي المصري عزت القمحاوي (صفحة الكاتب على فيسبوك)

في مستهل العام الحالي، أصدر الكاتب المصري عزت القمحاوي (مواليد 1961) طبعة جديدة من كتابه "الأيك في المباهج والأحزان" (الدار المصرية اللبنانية) وصدَّرها بتأكيد أن "هذا كتاب جديد من كل الوجوه"، علماً أن الطبعة الأولى منه صدرت في سلسلة "كتاب الهلال" القاهرية قبل عشرين عاماً.

كان أصل هذا الكتاب، يقول القمحاوي "هو خطوتي الأولى على طريق فرعي امتد وأثمر كتباً أخرى. فبعد مجموعتين قصصيتين ورواية، نازعتني نفسي إلى حرية أكثر ورغبة في الخفة واللعب عبَّرت عن نفسها في شكل نصوص تداخلت موضوعاتها وتشابكت أجناس الكتابة بداخلها تشابك فروع أو أغصان الشجر الحر في الأيكة، لكنني لم أدرك وقتها أن (الأيك) سيكون فاتحة طريق، وأن متعة اللعب ستأخذني إلى نصوص مثل (كتاب الغواية) و(غرفة المسافرين) وسواهما". وقد وصل كتاب "غرفة المسافرين" إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورة العام الماضي. ووصلت رواية عزت القمحاوي "غربة المنازل" إلى القائمة القصيرة للجائزة نفسها للعام الحالي.

أول مظاهر الاختلاف بين الطبعتين من كتاب "الأيك في المباهج والأحزان"، هو أن الطبعة الجديدة جاءت في حجم يقترب من ضعف حجم الطبعة الأولى، فما مظاهر الاختلاف الأخرى؟ يقول القمحاوي "في الحقيقة، كانت تجربة هذه الطبعة من (الأيك) من أكثر تجاربي إثارة لخوفي، من عدة زوايا. لا أعرف تجربة سابقة لكاتب آخر كان فيها هذا الحجم من الإضافة لأقيس عليها، فنشأت مشكلة ابتداءً من العنوان؛ هل أنشر الكتاب بعنوان جديد؟ وماذا عن الحصة القديمة من الكتاب التي سيجدها القراء في كتاب أقول إنه جديد، ربما اعتبر قراء الطبعة الأولى الأمر (غِشاً) على نحو ما، وفي الوقت نفسه كان من المستحيل نشر جزء ثانٍ يتضمن الكتابة الجديدة ثانياً، لأن الجديد يتعلق بالموضوعات القديمة نفسها. على سبيل المثال، هناك فصل في (الأيك) القديم عن الصورة الفوتوغرافية بعنوان (خزين الذكريات) وبين الطبعة الأولى التي صدرت عام 2002 والطبعة الجديدة الصادرة عام 2022 صارت الكاميرا أهم تطبيقات الهاتف المحمول، فوُضِعَتْ الكاميرا في كل يد، ثم أضيفت الكاميرا الأمامية التي تتيح للإنسان تصوير ذاته، فأضفتُ فصلاً جديداً عن (اللقطة السيلفي) التي أنعشت النرجسية بعنوان (العودة الظافرة لنرسيس). وهكذا الأمر في موضوعات أخرى كالعمارة حيث أضفتُ فصولاً عن الشُّرفة، وصارت هناك عمارة (الريبة) إلى جوار عمارة (الألفة) في (الأيك) القديم. الخوف الآخر كان يتعلق باختلاف الوعي والخبرة بين الكاتب الذي كنته منذ عشرين عاماً وما صرتُ إليه. وهذا الأمر اقتضى مراجعة دقيقة للنصوص القديمة وإضافة بعض التعديلات، لخلق الروابط اللحنية، وتنغيم النصوص معاً".

كتابة الشعر سراً

صدر العمل الأدبي الأول لعزت القمحاوي عام 1992، بعنوان "حدث في بلاد التراب والطين"، متضمناً نصوصاً تقع في منطقة وسطى بين القصة القصيرة جداً وقصيدة النثر، وجاءت مجموعته القصصية "مواقيت البهجة" عامرة بالسرد الشعري، فهل سبق أن فكَّر في أن يكتب الشعر وينشره؟ يقول "يبدو الشعر أقرب للروح، ومثلما تكون بدايات الحب في المحيط القريب بين أفراد العائلة والجيران، يبدو أن كثيراً من كُتَّاب النثر حاولوا الشعر ولو سراً في البدايات، ولم أخرج على هذه القاعدة، لديَّ محاولات لم أجرؤ على نشرها، ويبدو أن حب الشعر المضمر، يظهر في القصص والنوفيلات القصيرة، مثل (مدينة اللذة)، و(ما رآه سامي يعقوب)، و(يكفي أننا معاً) وسواها".

في ظل مقولة أننا نعيش في زمن الرواية فإن عزت القمحاوي يتجه من آن لآخر الى إصدار أعمال من نسيج "الأيك"، مثل "كتاب الغواية" و"غرفة المسافرين"، فما السبب في ذلك مع العلم أنه كان من الممكن أن يكتب مزيداً من الروايات؟ يجيب "كتاب (الأيك) كان مغامرتي الأولى التي عرفت فيها حرية الكتابة من دون مثال سابق ومن دون قواعد بالمطلق، على الرغم من أن الرواية فضاء حرية هي الأخرى، وتقبل الكثير من الاقتراحات في الشكل واللغة، لكن النصوص المفتوحة تتيح لي حرية التأمل والاستطراد أكثر مما تفعل الرواية".

بين الفلسفي والنفسي

"الأيك" وصفه بعض النقاد بأنه غير مسبوق في اللغة العربية، فهل يرى القمحاوي في هذا الوصف شيئاً من المبالغة؟ هنا يؤكد صاحب روايات "الحارس" و"غرفة ترى النيل" و"بيت الديب"، أنه لم يأخذ الأمر باعتباره حكم قيمة لصالح "الأيك"، ليراه مبالغة. ويضيف "أعتبره حكماً صحيحاً على مستوى توصيف النوع، في اختلافه عن الكتابات التي تندرج في جنس أدبي محدد، لكنه لم يأتِ من فراغ مطلق. وأنا أعتبر (الأيك) وكتبي التي جاءت على شاكلته كتابة تضع قدماً في أرض التراث العربي، وتقتفي أثر كبار مثل أبي حيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) والإمام ابن حزم في (طوق الحمامة)، وتضع قدماً في الفلسفة والدراسات الإنسانية الغربية، خصوصاً الفلسفة الظاهراتية، ودراسات النفس والاجتماع، والتحليل النفسي للمادة كما عند غاستون باشلار".

الاهتمام بالحواس

بدأ عزت القمحاوي النشر في عام 1992 فهل يعني ذلك أنه من جيل التسعينيات؟ يقول "لست ممن يعتقدون في التحقيب الأدبي عبر أعمار الكُتَّاب، لقد أُطلق المصطلح على عدد من الكتاب، كنت أكتب بجوارهم ولم أكن من بينهم، أي لم أتبع مانيفستو جماعة. كان أصدقائي من جيل الستينيات، وكنت -بمزاح- أعد نفسي منهم؛ فهم كتبوا في الستينيات وأنا ولدت فيها!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعيداً من المزاح، لا أجد التحقيب عملاً منطقياً؛ فاليوم نرى روايات رائجة ببناء روايات النصف الأول من القرن العشرين، وإن شئنا أن نضرب مثالاً بالجيل الأشهر «جيل الستينيات» فليس هناك ما يجمع جميل عطية إبراهيم بإبراهيم أصلان أو محمد البساطي، كما لا يمكن أن نقارن محمد برادة بمحمد شكري من حيث الحساسية والذائقة وقد كانا صديقين".

يولي القمحاوي الحواس أهمية خاصة، فما دافعه إلى ذلك، وهل هناك نموذج ما من الكُتَّاب يحتذيه في هذا الصدد؟ يجيب بأن اهتمامه بالحواس هو أمر طبيعي، وليس نزوعاً ثقافياً. ويقول "أنا أقدر الحواس بالفعل، أعتبر جسدي أغلى ما أملك، بل أعتبره كينونتي التي لا أعرف غيرها، لذلك أحب تدليله بالكسل وأحب كل ما يمتعني، وتميل شخصياتي إلى ما أحب، فهي بنات أفكاري في النهاية".

تفاوت اللغة

روايته "يكفي أننا معاً"، مثَّلت انعطافة جديدة في كتابته، من حيث الموضوع ولغة السرد، فما الذي أغراه ليجعل المكان بطلاً لهذا العمل الذي يسرد قصة حب بين كهل في الستين وشابة في السابعة والعشرين وتجري أحداثه بين القاهرة وروما وكابري؟ يؤكد القمحاوي رداً على هذا السؤال "أن كل كاتب لديه أسئلة أساسية يقلبها من عمل إلى آخر، هي أسئلة تؤرقه وتشكل ألماً حقيقياً يعانيه، لا يصطنعها ولا يستطيع التخلي عنها في الوقت ذاته، لذلك هو دائم السعي إلى إجابات عنها لنفسه أولاً. لكن مسؤوليته تجاه الفن تكمن في ألا يقف في مكان واحد، من حيث البناء ومن حيث الموضوع والعالم الذي تدور فيه الرواية، ومن الطبيعي أن تكون لـ«يكفي أننا معاً» انعطافتها، مثلما اختلفت «الحارس» كلياً عن «بيت الديب». أما اللغة فهي مثل حبوب لقاح النباتات والزهور، يحملها الهواء أو تعلَق في أجنحة الحشرات. ولغة رواياتي تأتي على أجنحة شخصياتها. عالم «مدينة اللذة» الأسطوري والرمزي، جلب معه لغة قصيدة النثر بكثافة صورها وتوتر قوسها. موضوع «يكفي أننا معاً» قصة حب ناعمة، جلبت معها لغة بدت أقرب إلى شعرية لينة. وحتى بروز المكان ليصبح بطلاً أساسياً في هذه الرواية كان جزءاً من ضرورات البناء فيها. كانت العلاقة بين المحامي الكهل (جمال منصور)، وباحثة الفنون (خديجة البابي) تترنح بسبب فارق العمر، فخططت الشابة لرحلة إلى إيطاليا التي تحبها، مفترضة أن حباً لا يستطيع جمال إيطاليا إنقاذه، لن ينقذه شيء آخر".

عزلة كورونا

في روايتك "غربة المنازل" رصدت العزلة التي فرضتها جائحة كورونا على ساكني بناية كبيرة في إحدى ضواحي القاهرة كانت كتلخيص للعالم في عام 2020، فهل لا تزال ترى أن لتلك الجائحة ذلك الأثر الفادح على العالم بعدما خفَّت حدتها واتجه كثير من الدول إلى إلغاء الكثير من الإجراءات الاحترازية المرتبطة بها؟ يقول القمحاوي "نعم، أعتقد أن العالم سيحتاج إلى وقت طويل للتعافي من آثار الجائحة. هناك تركيز بالغ على الآثار الاقتصادية، لأنها ملموسة ويمكن قياسها بالأرقام، لكن الأثر النفسي خفي ولا يمكن قياسه. فرضت الجائحة العزلة، كما أعفت الناس من التزامات اجتماعية كانوا لا يتخلون عنها مثل واجبات العزاء في مجتمعاتنا العربية. لكن «غربة المنازل» تعود إلى أعماق أبعد في العزلة وتعود إلى جذور وأسباب أخرى للعزلة. تكنولوجيا الاتصالات جائحة أخرى، لم نرتدِ لها الكمامات ولم توقع ضحايا، لكنها صنعت صدوعاً في مجتمعات قائمة على التعاطف، وليست مستعدة بعد للفردية التي جلبتها وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت منا أشباحاً متمترسة خلف الحواسيب وأجهزة التليفون".

في روايتك "ما رآه سامي يعقوب" تتبعت مآل ثورة 25 يناير، فما الذي تنوي تتبعه في الجزء الثاني من هذه الرواية والذي لا يزال قيد الكتابة كما عرفتُ منك؟ يقول "لم تزل الكتابة في بدايتها، لا أعرف ما تأخذني إليه، و25 يناير ليست هاجس الرواية الوحيد، لكن هذه الرواية تشبه 25 يناير، في كونها قالت جملة ناقصة لم تُكملها. في الأقل على صعيد علاقة الحب التي عاشها (سامي) بكل جوارحه مع (فريدة) وانقطعت فجأة، وقد تمنح الكتابة ذلك الحب فرصة أخرى في الرواية الجديدة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة