عاد نجل الرئيس الأميركي هانتر بايدن، إلى الجدل مجدداً بعد أن وقف شهود جدد أمام هيئة محلفين كبرى في ولاية ديلاوير للإدلاء بشهاداتهم حول مبالغ مالية تسلّمها إبّان عمله في مجلس إدارة شركة أوكرانية في مجال الغاز الطبيعي، إضافة إلى تاريخه في دفع الضرائب.
وتدور الشكوك حول التعاملات التجارية الخاصة بنجل الرئيس الأميركي جو بايدن منذ عدة سنوات، إلا أنها تصاعدت خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، حين كثّف الرئيس السابق دونالد ترمب انتقاداته للعلاقات التجارية التي تجمع هانتر بايدن بشركات في أوكرانيا والصين، في وقت كان والده نائباً للرئيس السابق باراك أوباما بين 2009 إلى 2017.
ترمب يدعو بوتين للتدخل
وبالتزامن مع نشاط استقصائي مكثف يقوده المدعي العام في ولاية ديلاوير ديفيد ويس، للتدقيق في تعاملات هانتر بايدن، كرر ترمب، أمس الثلاثاء 31 مارس (آذار)، اتهاماته، داعياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يخوض حرباً في أوكرانيا، إلى الكشف عن أي معلومات مسيئة قد تكون لديه بشأن نجل الرئيس الأميركي.
وحظي التحقيق الذي تجريه وزارة العدل في أنشطة هانتر بزخم كبير في الأيام الماضية، بعد إدلاء عدد من الشهود بشهاداتهم للمحققين، ومن المتوقع أن ينضم مزيد من الشهود، في إطار التحقيق الفيدرالي الذي يقوده المدعي العام في مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير منذ أوائل عام 2018.
ويتقصّى التحقيق في مجموعة من الأنشطة المالية والتجارية التي أجراها هانتر بايدن في دول أجنبية، خلال عمل والده نائباً للرئيس، وما إذا كان قد انخرط في عمليات غسيل أموال أو انتهك قوانين الضرائب وجماعات الضغط الأجنبية وحيازة السلاح.
وعلى الرغم من أن هانتر بايدن لم يُتهم بارتكاب أي جرائم، إلا أن سلطات تنفيذ القانون كانت قد استجوبت جماعات الضغط المرتبطة به، وبعضاً من شركائه، إضافة إلى آخرين ممن كانوا على علم بتعاملاته التجارية، ومنهم امرأة أنجب منها طفلاً، بهدف جمع معلومات حول أنشطته.
لم يتم التحقيق مع بايدن
وفيما كشفت مصادر "سي أن أن" بأنه لم يتم التحقيق مع الرئيس بايدن حول أنشطة هانتر، إلا أن التحقيق الفيدرالي الجاري جدد التساؤلات حول سلوك نجل الرئيس، وانتقادات الجمهوريين لتاريخه مع شركات أجنبية، ومزاعم استغلال منصب والده للتكسب غير المشروع.
وكان ترمب اتهم بايدن بأنه عمل من أجل إقالة مدع أوكراني لحماية شركة غاز تدعى "بوريسما" من ملاحقات بتهم فساد حين كان نجله هانتر عضواً في مجلس إدارة المجموعة.
إلا أن القضية الأوكرانية انقلبت ضد الرئيس الجمهوري بعد أن اتهمته المعارضة الديمقراطية بأنه استغل مهامه الرئاسية، من خلال ممارسة ضغط على المسؤولين الأوكرانيين من أجل التحقيق حول منافسه السياسي والأنشطة التجارية لابنه، الأمر الذي أطلق العنان لمحاولة عزل ترمب الأولى التي باءت بالفشل.
هانتر وإدمان المخدرات
انحسر نشاط المحققين الفيدراليين في أعقاب اجتياح فيروس كورونا والانتخابات الرئاسية عام 2020، إلا أن وزارة العدل كثّفت خلال الأشهر الماضية نشاطها الاستقصائي حول تعاملات هانتر، وشهدت مناقشات بين مسؤوليها حول الحاجة إلى مزيد من الأدلة قبل اتخاذ قرار حيال توجيه مجموعة من الاتهامات لنجل الرئيس.
وشارك في هذه المناقشات محققون من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة التحقيقات الجنائية ومدعون عامون من ولاية ديلاوير ووزارة العدل.
ويخشى مسؤولو وزارة العدل من أن تاريخ هانتر مع إدمان المخدرات قد يضعف قضيتهم في حال توجيه اتهامات ضده، إذ أشار مسؤولون إلى أن نجل الرئيس قد يستخدم ماضيه في تعاطي المخدرات كورقة للطعن في رجاحة قراراته المالية وبالتالي الإفلات من التهم التي قد يواجهها، في حين رأى آخرون بأن حديث هانتر عن صراعه مع الإدمان حتى تعافيه تظهر أنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن تعاملاته الخاضعة للتحقيق.
ويدرس المحققون جوانب متعددة من حياة هانتر بايدن، إلا أنهم يركّزون على القضايا الضريبية وتحويلات الأموال المتعلقة بالأنشطة التجارية في الصين، إضافة إلى دوره إبّان عمله عضواً في مجلس إدارة شركة الطاقة الأوكرانية "بوريسما".
وكان هانتر أبلغ شركاءه أنه دفع فواتير ضرائب مستحقة، وتظهر السجلات العامة أنه تم دفع أكثر من 450 ألف دولار، إلا أن هذه المدفوعات لم تحلّ مشكلاته القانونية، إذ يفحص المحققون مصدر الأموال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظر المدعي العام أيضاً في حادثة وقعت عام 2018، حين عُثر على سلاح ناري مملوك لهانتر في حاوية قمامة بعد أن رمته حبيبته آنذاك. وقال هانتر في مقابلات إعلامية العام الماضي، إنه كان مدمناً على المخدرات، الأمر الذي زاد من احتمال خرقه للقانون الفيدرالي، الذي يحظر على المتعاطين اقتناء الأسلحة النارية.
أوكرانيا وتضارب المصالح
ووفق تقرير مجلس الشيوخ حول أنشطة نجل الرئيس التجارية الصادر في عام 2020، كان هانتر يستلم قرابة 50 ألف دولار شهرياً مقابل عمله في مجلس إدارة شركة "بوريسما" الأوكرانية. لكن ما يجعل صلات هانتر بالشركة الأوكرانية محل جدل وشبهة هو استمرارها في فترة كان والده يعمل نائباً للرئيس أوباما الذي أوكله تولي المهام المتعلقة بأوكرانيا، الأمر الذي أثار مخاوف مسؤولين في الإدارة السابقة بشأن تضارب المصالح.
من جانبه، قال جو بايدن إن عمل ابنه في أوكرانيا لم يكن له أي تأثير في قراراته في ذلك الوقت.
بغضون ذلك، يدقق المدعون الفيدراليون في واشنطن وديلاوير في ما إذا كانت شركة ضغط تدعى "بلو ستار ستراتيجيز" Blue Star Strategies قد تواصلت مع مسؤولين في الحكومة الأميركية، بهدف تلميع سمعة شركة "بوريسما" الأوكرانية التي همل بها نجل بايدن، وذلك في أعقاب انتقادات وجّهها مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية بحق مؤسس الشركة الذي يعد جزءاً من "الأوليغارشية".
ومن بين الشهود الذين قابلهم المحققون في قضية هانتر، امرأة من ولاية أركنساس لديها طفل منه كانت قد رفعت دعوى قضائية ضده من أجل إعالة الطفل. وقال محامي السيدة لشبكة "سي أن بي أس" إنها أدلت بشهادتها في فبراير (شباط) أمام هيئة المحلفين الكبرى في ولاية ديلاوير، كجزء من التحقيق وسلمت السجلات المالية الخاصة بنجل الرئيس التي كانت بحوزتها.
وفي وقت سابق، شهد مؤسسو الشركة الأوكرانية أمام الكونغرس وقالوا إنهم كانوا مهتمين فقط بفهم آراء الحكومة الأميركية بشأن الشركة.
وتلزم وزارة العدل جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة التي تعمل نيابة عن كيانات أجنبية بالكشف عن علاقاتها، ووسّع محققو الأمن القومي في السنوات الأخيرة مبادرات الوزارة لملاحقة الجماعات والأشخاص الذين لا يكشفون علناً عن علاقاتهم الدولية.
جولات دعائية
نفى هانتر بايدن ارتكاب أي مخالفات في أنشطته التجارية، وقال في أواخر عام 2020، في بيان صادر عن الفريق الانتقالي الرئاسي لوالده، "إنني آخذ هذا الأمر على محمل الجد، ولكنني على ثقة من أن المراجعة المهنية والموضوعية لهذه المسائل سوف تثبت أنني تعاملت مع شؤوني بشكل قانوني ومناسب".
وفي الأشهر الأخيرة، حاول نجل الرئيس طي صفحة الجدل حول أنشطته التجارية، عبر نشر مذكرات وتدشين عروض فنية في لوس أنجليس ونيويورك، إلا أن محاولاته للابتعاد عن جدل واشنطن باءت بالفشل وأدت إلى نتائج عكسية، إذ أقر البيت الأبيض بأنه لعب دوراً في مبيعات لوحاته الفنية، وأكد أنه سيتخذ "كافة الاحتياطات الأخلاقية اللازمة حيال إقامة أي معرض أو بيع لوحاته" لضمان عدم تمكن أي شخص من كسب تأييد الرئيس من خلال شراء لوحات نجله، لكن النقاد أشاروا إلى أن مبيعات الأعمال الفنية وإخفاء هوية المشترين تثير مخاوف بشأن غسيل الأموال.
استقلالية وزارة العدل
وكان هانتر بايدن أكد وجود تحقيق في أنشطته التجارية في ديسمبر (كانون الأول) 2020، بعد وقت قصير من فوز والده بالرئاسة.
ومنذ توليه منصبه، تعهد الرئيس بايدن مراراً وتكراراً بالحفاظ على استقلالية وزارة العدل وعدم التدخل في عملها.
ويقود التحقيق الضريبي المدعي الأميركي ديفيد وايس، المعين من قبل ترمب والذي ظل في الوظيفة بعد أن أدى بايدن اليمين.
ولم يرد كريستوفر كلارك محامي هانتر على طلبات وسائل إعلام أميركية للتعليق، في حين رفض مكتب المدعي العام بولاية ديلاوير ووزارة العدل الأميركية التعليق.
وقبل انتخابات 2020، ركز خصوم جو بايدن، على عمل هانتر كعضو في مجلس إدارة الشركة الأوكرانية، وأنشطته الاستثمارية في الصين. وسعى ترمب وحلفاؤه إلى وصف معاملات هانتر التجارية الخارجية على مدار العقد الماضي بأنها دليل على فساد أسرة بايدن.
"حكم سيء"
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تحدث هانتر عن تأثير تعاملاته التجارية في الحياة السياسية لوالده بنبرة تشي بالندم، وتطرّق إلى ما وصفه بـ "الحكم السيء" الذي وضعه في "مستنقع"، ربما في إشارة إلى الآثار السياسية التي ترتبت عليها أنشطته، وأصبح بسببها هدفاً لدونالد ترمب، خصوصاً في الانتخابات الماضية.
وفي مقابلة بثت أمس الثلاثاء، كرر ترمب اتهاماته وقال إن زوجة رئيس بلدية لموسكو قدمت 3.5 مليون دولار لهانتر بايدن وعائلته".
وأضاف "هذا كثير من المال. أعطته 3.5 مليون دولار وأعتقد أن بوتين قد يكون لديه الرد على هذا الأمر. أعتقد أن عليه كشفه علناً".