Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المفاوضات الأوكرانية الروسية في إسطنبول

لعبت أنقرة دور المبادرة الودية في تشكيل السلام لكنها لم تصبح وسيطاً بعد على الرغم من طموحها إلى ذلك

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرحب بمفاوضي وفدي روسيا وأوكرانيا  (أ ف ب)

أجريت مفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول بدلاً من بيلاروس بناء على طلب كييف، في الواقع كان هذا التطور هو المرحلة التالية من المبادرة، التي جمعت وزيري خارجية الجانبين في منتدى أنطاليا للدبلوماسية. ولا شك أن كلاً من المرحلة التي وصلت إليها المفاوضات والتحرك الدبلوماسي لأنقرة في هذه المحادثات كانا مهمين في هذه الفترة الحرجة.

يشار إلى أن بعض التحليلات والتعليقات تذهب إلى أن توصيف تركيا وسيطاً ليس دقيقاً، فهي لم تصبح كذلك بعد، وقد أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في خطابه الافتتاحي بقصر دولما بهجة أنهم ليسوا "وسطاء". نعم، لعبت تركيا دور المبادرة الودية في تشكيل السلام لكنها لم تلعب دور الوسيط على الرغم من أنها تريد أن تواصل هذا الدور في الوقت الحالي. ومن المعلوم أن الوسطاء عادة ما يأتون إلى طاولة المفاوضات بمقترحاتهم الخاصة، في حين أن تركيا لم تقدم أي مقترحات، بالإضافة إلى ذلك، فإن موسكو لا ترحب حالياً بدور تركيا وسيطاً.

ومهما كان الأمر فإن توفير أنقرة الأرضية والبيئة المناسبة للمفاوضات خلق جواً دولياً متفائلاً تجاه تركيا. وبالمثل، سيكون لها انعكاس بسيط لصالح حزب العدالة والتنمية في السياسة الداخلية.

ومع ذلك، فإن الشاغل الأكبر للعديد من المعلقين مثلي هو أن يستخدم أردوغان هذا الدور الذي لعبته الدولة التركية لتحقيق أهدافه السياسية والحزبية. وهناك أسئلة تتبادر إلى الذهن في المفاوضات الجارية بين أوكرانيا وروسيا؛ هل سيكون هناك وقف لإطلاق النار وسلام، في محادثات إسطنبول (طبعاً إذا استمرت المفاوضات التالية بها)، بعد أن تعثرت المفاوضات في بيلاروس؟

وبعد إعلانها أنها "أكملت المرحلة الأولى لعملية عسكرية خاصة"، هل تحاول موسكو عرقلة العملية من خلال اللعب على الوقت؟ أم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيقرر إنهاء الحرب في الأيام المقبلة بالتوجه إلى "الخروج المشرف"؟ من الصعب التنبؤ من الآن حول جواب لهذه الأسئلة، الوقت وحده هو الذي يمنحنا الإجابة عنها بأوضح طريقة.

بالنظر إلى ما حدث في العملية حتى الآن، فإن قبول الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي شروط التخلي عن الناتو وإنهاء دراسات الأسلحة النووية، ربما نستنتج أن الكرملين لا يصر على تغيير الإدارة في كييف. القضايا الصعبة هي حالة شبه جزيرة القرم ودونباس.

لا يستطيع زيلينسكي التخلي عن وحدة أراضي أوكرانيا، كما لا يستطيع بوتين إعادة شبه جزيرة القرم. والمجال الذي ستتكثف حوله المفاوضات خلال الفترة المقبلة هو وضع منطقة دونباس.

من ناحية أخرى، أظهر ما حدث ميدانياً في الشهر الأول أن إطالة أمد الحرب تعمل ضد روسيا أيضاً، وعندما ننظر إلى الإحصاءات، نجد أن الاقتصاد الروسي انخفض للمرة الأولى إلى مستوى الفترة التي سبقت عام 2007؛ وهذا يعني أنه انكمش إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يكون هذا التدهور أسرع إذا طال أمد الحرب، الأمر الذي سيؤدي إلى انفجار اجتماعي.

هل يأخذ بوتين كل هذا في الحسبان؟ هذا الجانب لا يزال غامضاً. صحيح أن المدن الأوكرانية تدمرت وتتزايد مأساة الضحايا من اللاجئين والمدنيين. لكن في الوقت الذي يكافح فيه الأوكرانيون تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقديم المساعدات العسكرية والأسلحة بمليارات الدولارات. ومع مرور الوقت، تتماسك واشنطن والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في مواجهة التهديد الروسي، ويتم عزل روسيا عن العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لهذا السبب، وبغض النظر عن النتيجة، هناك حقيقتان تكشف عنهما الحرب الروسية الأوكرانية؛ الأولى، لن تنسى أوروبا بعد الآن التهديد الروسي، ولا يمكنها التراجع عن إنشاء بنية أمنية جديدة. والأخير، ستسعى روسيا تحت حكم بوتين إلى أساليب وتحالفات جديدة ضد ممارسة عزلها عن النظام الاقتصادي العالمي المتمحور حول الغرب.

نعم، في هذه المرحلة، يعد تطوراً جيداً أن أعلنت روسيا على طاولة المفاوضات أنها ستقلص وتسحب عملياتها العسكرية في منطقتي كييف وتشيرنيهيف. ومع ذلك، ستكون موسكو هي العاصمة التي تحتاج إلى اتخاذ خطوات لمواصلة هذه المحادثات الإيجابية، وإلا فإن الأخطار التي ذكرتها أعلاه تنتظر روسيا.

وبالنسبة إلى قلقي بشأن احتمال أن يتم استخدام دور تركيا لصالح الأفراد، فعلينا أن نتذكر تلك الأيام التي كان هناك توتر خطير بين إيران والغرب بسبب برنامجها النووي، وكان الغرب يشتبه في أن طهران تُطوِّر سراً قنبلة نووية.

ووقعت تركيا والبرازيل اتفاقية مع طهران لتصبحا وسيطتين بينها وبين الغرب، وكانت في مايو (أيار) 2010 من قبل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في طهران، وللوصول إلى هذه النقطة، بذل وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو 18 شهراً من الجهود الدبلوماسية المكثفة. فماذا حدث بعد ذلك؟

ذهبت الحركة الدبلوماسية الناجحة لأنقرة لمدة 18 شهراً هباءً، وفقد الغرب ثقته ليس بإيران فقط بل بتركيا أيضاً. لأنه في الوقت نفسه الذي كانت فيه حكومة حزب العدالة والتنمية تلعب دور الوسيط بين طهران والغرب، كانت تغسل الأموال الإيرانية عن طريق رجال الأعمال الإيرانيين الأوليغارشيين وعلى رأسهم رجل الأعمال الإيراني رضا ضراب، وأصبحت حكومة حزب العدالة والتنمية هي التي كسرت الحصار الذي فرضه الغرب.

وبعد أن تم اعتقال رضا ضراب في تركيا قضى فترة قصيرة بالسجن وأُفرج عنه بكفالة، مما أتاح له الهروب إلى الولايات المتحدة وتم اعتقاله هناك. وبحسب سجلات المحكمة التركية، فإن حجم الأموال التي تم غسلها في تلك الأيام يبلغ 100 مليار دولار.

اعترف رضا ضراب، الذي حوكم في المحكمة الفيدرالية للمنطقة الجنوبية لنيويورك، بأنه قدم رشاوى كبيرة للسلطات العليا بالدولة التركية، وفي نهاية المطاف تأثرت سمعة أنقرة دولياً بسبب هذا الحدث.

نعم، عادت إلى ذاكرتي هذه الحادثة، عندما رأيت الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، المعروف الآن بقربه من فلاديمير بوتين، بصالة المفاوضات في قصر دولما مبتهجاً، مما جعلني أخشى أن يتكرر السيناريو نفسه مع رجال الأعمال الروس الأوليغارشيين أيضاً.

وأتمنى من الرئيس رجب طيب أردوغان أن يضع مصالحه الشخصية ومخاوفه على مستقبل حزبه جانباً، ولا يهدر هذه الفرصة الدبلوماسية الإيجابية التي سنحت لتركيا كعضو في الناتو بعد تعثر طويل. نعم، كثيراً ما انتقدت أردوغان في مواقف كثيرة ولكني على الرغم من كل شيء أهنئه على دوره الإيجابي في المفاوضات الأوكرانية الروسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل