Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المشهد الأدبي الجديد في ليبيا لا يزال شبه مجهول عربيا

أسماء شابة تقتحم عالم الكتابة بجرأة وتتخطى الآباء والحرب حافز رئيس

لوحة للرسام الليبي صلاح بلحاج (صفحة الرسام على فيسبوك)

ما عدا إبراهيم الكوني وأحمد إبراهيم الفقيه، يظل المشهد الإبداعي الليبي مغيباً وهو ما دفعني – منذ عدة سنوات – إلى الكتابة عن الروائي عبد الرسول العريبي والشاعرة الروائية فوزية شلابي، إضافة إلى الشعراء وكتاب القصة: جمعة عبد العليم وسالم العوكلي والصديق بو دوارة وأحمد يوسف عقيلة وعبد الله هارون وغيرهم. لهذا كانت سعادتي كبيرة بالملف الذي أعدته مجلة "ميريت الثقافية" الإلكترونية في عددها الأخير عن المشهد الليبي وضمَّ إبداعات لخمسة عشر شاعراً وثمانية من كتاب القصة القصيرة. إضافة إلى شهادة قدمتها الشاعرة سميرة البوزيدي حول رؤيتها للكتابة. وبقراءة النماذج الشعرية نلاحظ وطأة الهم العام وهو أمر طبيعي في ظل وطن تتقاسمه الصراعات القبلية والسياسية. لهذا كانت موضوعة "الحرب" التيمة المركزية المهيمنة في كل النماذج الشعرية تقريباً.

يقول سالم العوكلي في قصيدة "انتظارات"؛ معبراً عن رعبه في انتظار الحرب: "اختبرتُ صنوفاً من الانتظار/ انتظارات وكفى/ لا أملك حيالها سوى التحديق في الأفق.../ كل ألوان الانتظار انتظرتها بشغف/ وبرهبة وبقلق/ لكن لا انتظار يضاهي رعباً/ انتظار حرب لا أعرف متى تبدأ/ ولا أين تنتهي". فالانتظار هو فعل سلبي خصوصاً عندما يقترن بمجرد التحديق في الأفق. وهي حالة لا يملك الشاعر غيرها منتظراً وقوع الحرب. وتتكرر التيمة نفسها– بصورة مغايرة– في "كمنقار طائر بحري قبيح" لعلي الربيعي: "أخيراً الحرب تخرج من رأسي إلى الشارع/ لأنها لم تجد ما تأكله/ فرأسي رطب ومليء بالعلف/ والوحل والتفاهات والأفكار القذرة/ عن الحب والجنس والبلاد/ الحرب لا تأكل العلف/ وهي تحب أن تتمشى بعدما تلتهم الأصدقاء".

حالتان متقابلتان

تتجسد الحرب هنا في صورة وحشية. لقد أصبحت الأجساد زادها اليومي. وفي "عن الذي حدث" يعلن علي حورية أنه يجهل قواعد هذه الحرب العبثية التي تقتحم حياته البسيطة: "أنا لا أعرف شيئاً عن أي شيء/ تعلمين؟/ في اللحظة التي اندلعت فيها الحرب/ ونزل الجنود كأسراب الجراد/ كنت أبدل جواربي/ وأوبخ أخي الصغير/ لأنه لم يعامل قطة الجيران بشكل لائق". فنحن أمام حالتين متقابلتين: حالة الحرب التي ينزل فيها الجنود كالجراد، وحالة الحياة الاعتيادية المنتهكة.

تقول مرام القبلاوي في "أسير كجيش": "كيف أبتسم مجدداً/ وفي المدينة المجاورة/ امرأة تُغتصَب/ وأشلاء لأطفال قد أعدموا/ كيف أقول الآن بفرح: إني أحب؟". لقد فقدت المعاني النبيلة جدواها في ظل بشاعة الحرب التي تتكرر تيمتها في "يد الموناليزا" لمفتاح العماري: "في الحرب/ كنت ألعب عند باب البحر/ غافلاً عن قذائف فرسان الملكة إيزابيلا/ في الحرب لم أحفل بأسماء رفاقي الذين ضيعوني". ووسط هذا التدمير تنشأ مشاعر سلبية إزاء العالم. يقول جمعة الموفق في "نيسان": "نيسان حار/ أمس لم يكن كذلك... ريح مثل تلك التي بالوطن/ باردة ومنعشة وحزينة/ يوم أمس كان كيوم من بلادي/ يوم واهن/ يمضي على مهل/ مثل قطار قديم".

الطبيعة/ الوطن

وهكذا تنتقل صفات الطبيعة كما يراها الشاعر إلى الوطن أو تصبح الطبيعة معادلاً موضوعياً دالاً على حالتي الشاعر والوطن. ويقيم حمزة الفلاح قصيدته على ثنائية الداخل والخارج: الداخل المعزول الذي يظنه آمناً، والخارج الذي يخشى اقتحامه. يقول في "باب الخوف": "إنه وقت طيب للتدخين/ والكذب والمزاح الثقيل برفقة الليل/ وقت جيد للكتابة/ وأنت تقف وسط غرفتك/ أمام جدرانها الأربع/ لا ترى انعكاسك/ تفتش عن مقبض الباب/ لا مقابض لا أبواب/ وقت جيد لتدخل نفسك/ من بابها الذي اعتدته/ باب خوفك من الخروج/ تظل هناك في ظلمتك/ تكسر نوافذ البيوت المهجورة/ تسترق السمع لهذيان المجانين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الداخل مرتبط بالتدخين – الذي هو أقرب إلى تآكل الذات – والكذب والكتابة – ربما الواهمة – والغرفة الشبيهة بالسجن. ومع ذلك يظل هذا الداخل هو الأفضل من العالم الخارجي المرتبط بهذيان المجانين. هذا العالم الذي يفقد الشاعر انتماءه إليه، كما يقول علي حورية: "لا أهل لي لا انتماء/ لا أعرف غير أمي حورية/ التي وضعتني قرابة الساحل/ وهربت للبحر". وفي "بدلاً من الحديث" يتعرض محمد عبد الله للفقد وكلما فقد شيئاً أحرقه؛ حتى رغبته في الحديث: "أنا كبعض أحرق الجثة بعد الموت/ وأحتفظ برمادها في جرة صغيرة". وهكذا يفقد الطفل الذي كانه والأحلام والقصائد، ومع ذلك لا يفقد قدرته على المواجهة. تقول سميرة البوزيدي في "لكي أسير إليك": "أضع أصابعي في عين العالم الشرسة/ وأمسكه من أذنه الثقيلة وأرميه في البحر". وهناك أيضاً مواجهة آثار الحرب بالحب. تقول فيروز العوكي في "من قال؟": "من قال إنها لن تقبلك لأن رقبتك قبيحة/ ستقبلك يا حبيبي/ وستترك على رقبتك القبيحة/ آثار اللون الذي أحب".

تحرير الخيال وأسطرة المرأة

يظل مبدأ تحرير الذات والجسد تمهيداً لتحرير الوطن. تقول صفية العايش في "تساؤلات": "فكري في الأمر/ هل كنت ستكونين كما أنتِ الآن/ لو أنك كنتِ خالية تماماً/ من كل ضغط/ لو أنك كنت حرة؟". كما يصبح الانتباه إلى الألحان المهملة وسط الضجيج نوعاً من الإبداع. يقول سراج الدين الورفلي في "المعجزات الصغيرة المحزنة": "على غرار الموسيقيات/ تنتبهين للألحان المهملة/ وسط ضجيج الهدوء/ وأنت مشتغلة بتعديل آلة الخياطة". وهو ما يتوازى مع تحرير الخيال الذي نلحظه في "حديقة تطل" لمحمد زيدان: "أصحو على حديقة/ ترفع لي الصباح على نافذة دون ستائر/ ولعشرين عاماً من الياسمين/ أصطفي سماوات خاصة/ ترشرش المطر السكري/ وتوزع حلواها على الزرازير". كما نلاحظ ما يسمى "أسطرة المرأة" بوصفها بديلاً للعالم ومغيرة له في قصيدة "لحظة" لمفتاح العلواني: "في اللحظة التي تمرين فيها/ تحدث أشياء غريبة/ تمطر الأرض فتخضر السحب". أو "عندما تمرين/ يصيح الباعة على بضاعتهم بالمجان/ ثم يعودون بجيوب ممتلئة/ ويستخدم رجال المرور نايات بدل الصفارات". وفي "امرأة سيئة" لنورهان الطشاني نجد ممارسة الحياة وسط الحرب والموت: "الأطفال الذين يموتون في نهاية الحي/ لا يتوقفون عن لعب كرة القدم/ حتى جارتي اليائسة/ تستمر في سقي الأزهار/ وتقول إن أحدهم سيهديني إياها/ في نهاية هذه القصيدة".

سوءات الواقع

وفي الملف القصصي يتسع مجال استعراض سوءات الواقع: النفاق، السرقة، المعاناة المعيشية، الشعور بالوهم والمتاهة. ففي قصة "وجوه" لأحمد يوسف عقيلة تتماهى الوجوه مع الأقنعة ويصبح كل إنسان في حاجة إلى وجه/ قناع ليواجه به العالم: "يطرق باب جاره: صباح الخير. عندك وجه سلف؟ لا والله حتى أنا عندي مقابلة لم أعد أملك سوى وجه واحد سهرتُ الليل بطوله لترميمه". ويصل الأمر إلى إقامة سوق لبيع هذه الوجوه. وأمام زحام الناس يأخذ كل فرد وجهاً واحداً؛ "حتى يكتفي الجميع". وفي "الساعة الحادية عشرة بتوقيت اللصوص" لرضوان بوشويشة يظهر تبئير المكان بوصفه هدف اللصوص: "مصرف ليبيا المركزي الذي كان برجاً يسمى برج المجزرة. الكورنيش الطرابلسي الجميل المدمك تحت الحجر والتراب من سيدي الشعاب إلى سيدي عبد الوهاب". وهي تفاصيل ليست مجانية؛ حيث تدل على ألفة المكان ومعرفة تاريخه في انتظار الحدث المفاجئ. ففي هذه الليلة "في الساعة الحادية عشرة سيحلم لصوص المال العام في ليبيا بيوم الحساب الدنيوي ما قبل الأخروي". هذا بينما يعاني الليبي حتى من ينتمي إلى الطبقة الوسطى، كما يظهر في "اسم أعجمي" لشكري الميدي: "أجي" التي تسبب لها الأحداث السياسية المزيد من العزلة بعكس جارتها سعاد؛ "المولعة بالردود السياسية الوقحة ومتابعة كل شيء متعلق بالتصريحات السياسية والتركات الميليشياوية الطابع في كل أرجاء البلاد".

"ذات نهار كوفيدي"

إذن فمعاناة هذه المرأة التي تتعثر ابنتها في الدراسة والتي سافر زوجها، هي انعكاس لأوضاع البلاد وما يجري بها. وفي "ذات نهار كوفيدي" لجمعة بوكليب يتماهى البطل مع السارد في بحثه عن قصة للكتابة بعد أن أصبح الأمر متعذراً في ظل الأوضاع المحيطة: "حين غادر دفء بيته مبكراً ذات نهار كوفيدي بارد لم يكن يقصد بخروجه التريض مشياً أو هرباً من وحشة الصمت في بيته. كان في حقيقة الأمر رغم برودة الطقس خارجاً لاصطياد أو لتسول فكرة تنفع أن تكون قصة تستحق أن يكتبها". وفي "الهوية" لنجوى بن شتوان نلاحظ وقوع الساردة في متاهة حيث تركب حافلة لا تدري أين تذهب وتشهد عراك السائقين أثناء هذه الرحلة المجهولة. وفي "بيع المراكب للريح" لخليفة الفاخري نجد حالة أشبه بالمسخ: "... لكن جسدي اكتسى أخيراً بفراء رمادي ناعم واشرأبت في رأسي أذنان كبيرتان واكتظ فمي بالأنياب". وفي "الترتيب الأمثل" لعمر أبو القاسم الككلي، نجد نهاية مفتوحة على كافة الاحتمالات حين يصادف السارد امرأة تشبه زوجته ويظن أنها تطارده، وفي البيت "وجد نفسه يتخذ قراراً يخلصه من هذا الكابوس". وعلى العكس من هذا الاستشراف يعود محمد المصراتي في "موت محمد" من خلال الاسترجاع إلى ذكريات الطفولة التي تمثل ملاذه النفسي الآمن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة