Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الجزائر... ضغط أم احتواء؟

تأتي في ظرفية تشهد جفاء في العلاقة بين البلدين وواشنطن تريد إنهاء دبلوماسية المقايضة

كشف الاهتمام الدولي بزيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الجزائر عن موقع جديد باتت تشغله هذه الأخيرة، منذ تسلم الرئيس عبد المجيد تبون مقاليد الحكم، ولعل الإجراءات التي تأتي في سياق الرد على مختلف الجهات الدولية أعطت بعداً آخر لدبلوماسية "عانت" من سياسة "الصمت".

زيارة غامضة وتصريحات متحفظة

وحل مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن، في الجزائر ضمن جولة شملت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وقت يعيش العالم تحولات وأحداثاً دفعت مختلف الأطراف إلى إعادة ترتيب الأوراق، كما يشهد الوضع الإقليمي توترات علنية وخفية، جعلت المنطقة أمام تحديات أمنية واقتصادية، وهو ما منح زيارة بلينكن، تأويلات لا تزال مستمرة في ظل الغموض الذي رافقها مع التصريحات المتحفظة.

وقال وزير الخارجية الأميركي في ندوة صحافية، إن واشنطن ممتنة للغاية للجهود الدبلوماسية المهمة والمستمرة التي تبذلها الجزائر لتعزيز السلام والأمن في المنطقة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل بالتنسيق مع الجزائر من أجل محاربة الإرهاب، كما يتشاركان نفس الهموم حول مشاكل منطقة الساحل.

وأوضح بخصوص الصحراء الغربية "نركز بشدة على الدبلوماسية وعلى تقديم حل من خلال الدبلوماسية بما في ذلك من خلال جهود ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة"، وشدد: "لا يوجد تغير للموقف الأميركي بخصوص القضية، وأميركا تدعم الحل السياسي في إطار هيئة الأمم المتحدة". في المقابل، أبرز أن واشنطن خصصت نصف مليار دولار لمساعدة الفلسطينيين خلال العام الماضي، مضيفاً، "نحن منخرطون للغاية مع دبلوماسيتنا لمحاولة تعزيز احتمالات العودة إلى حل الدولتين، والتفاوض بشأن ذلك، وفي الوقت نفسه بذل كل ما في وسعنا لمساعدة الشعب الفلسطيني".

وأشار بلينكن، إلى أن خطة الرئيس تبون الاقتصادية تخلق مناخاً استثمارياً أكثر ملاءمة للشركات الأميركية من خلال قواعد وأنظمة واضحة، ومعرض الجزائر الدولي الذي ستكون الولايات المتحدة ضيف الشرف فيه هذا الصيف، سيكون فرصة جيدة لمواصلة التقريب بين الشركات الأميركية والجزائرية، وتابع، "وقعنا، أخيراً، اتفاقية مدتها ثلاث سنوات بين جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، للمساعدة في تجديد مناهج تدريس اللغة الإنجليزية في الجامعات الجزائرية".

نوعية الحضور تكشف المستور

وقبل ذلك، خص الرئيس الجزائري، الضيف الأميركي باستقبال بمقر رئاسة الجمهورية، حيث جاء في بيان أن الاستقبال جرى بحضور وزير الخارجية رمطان لعمامرة، ووزير الطاقة محمد عرقاب، ووزير الفلاحة محمد عبد الحفيظ هني، ووزيرة البيئة سامية موالفي، ومدير ديوان الرئاسة عبد العزيز خلف.

ويبدو من خلال الأطراف الجزائرية التي حضرت اللقاء، أن الجزائر حاولت حصر جدول الأعمال في نقاط محددة، تجنباً لمناقشة مواضيع وملفات باتت في قاموس الدبلوماسية الجزائرية غير قابلة للمناقشة على الأقل في الوقت الحالي، ومنها العلاقات مع مدريد والرباط، وكذلك أنبوب الغاز المار عبر المغرب المتوقف.

من جانبه، أوضح وزير الخارجية الجزائري، في تغريدة على "تويتر"، عقب لقاء مع نظيره الأميركي "تركزت محادثاتنا حول الفرص الواعدة لتوطيد الشراكة الثنائية بين البلدين، وتعزيز التزامنا بترقية السلم والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي تماشيا مع قيمنا ومصالحنا المشتركة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اهتمام ممزوج بالتأويل

وما يؤكد الاهتمام الممزوج بالتأويل الذي رافق الساعات التي قضاها وزير الخارجية الأميركي بالجزائر، رد المبعوث الخاص المكلف بملف الصحراء الغربية ودول المغرب العربي بوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، على تقارير أشارت إلى أن بلينكن حث الجزائر على إعادة النظر في مواقفها إزاء علاقاتها مع روسيا وملف الصحراء الغربية، وقال، إن هذه البرقيات مبنية على استقراء مغرض بلغ حد التلاعب والمناورة، نافياً جملة وتفصيلاً أن تكون هذه الأخبار ضمن المحادثات التي تطرق إليها بلينكن مع الجانب الجزائري، وأضاف: "لم يرد في حديث وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أنه دعا الجزائر إلى الحد من علاقاتها مع روسيا والعمل على تحسين علاقاتها مع الجارة المغرب"، موضحاً أن إجابات الدبلوماسي الأميركي نُشرت على موقع الخارجية الأميركي حيث يمكن الاطلاع عليها.

وقال بلاني، إن الوضع في أوكرانيا كان ضمن المحادثات، بشكل رئيس، من خلال بحث آثار الصراع على الأمن الغذائي وسوق الطاقة العالمية، وذكر في ما يتعلق بمسألة احترام السيادة والسلامة الإقليمية، أن الجزائر تؤكد باستمرار تمسكها الراسخ بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي القائمة على احترام سيادة الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية، و"هذا ما دافعت عنه الجزائر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأثناء الزيارة الأخيرة للوزير رمطان لعمامرة إلى بكين".

وتابع المسؤول الجزائري بخصوص القضية الصحراوية، أن الوفد الأميركي جدد دعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في تسيير العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، كما أكد أن وزير الخارجية الأميركية لم يثر قضية إعادة فتح خط أنبوب الغاز المار عبر المغرب تماماً، مثلما كان عليه الحال بالنسبة للمساعدة ويندي شيرمان، التي لم تثر هذه القضية مطلقاً خلال زيارتها إلى الجزائر العاصمة في 10 مارس (آذار).

إنهاء دبلوماسية المقايضة

في السياق، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف السويسرية، حسني عبيدي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن واشنطن تحرص على مقاربة مبنية على التوازن في علاقاتها مع الرباط والجزائر، وزيارة بلينكن، تأتي في ظرفية تشهد جفاء في العلاقة بين البلدين منذ اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بمغربية الصحراء، وقال، إن بلينكن، يريد إنهاء دبلوماسية المقايضة المبنية على الاعتراف بإسرائيل مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء.

ويتابع عبيدي، أن وزير خارجية أميركا أكد في الجزائر تمسك بلاده بالحل الأممي، وأن الولايات المتحدة تدعم الحل السياسي في إطار الأمم المتحدة، وهو تصريح يناقض ما قاله في الرباط خصوصاً عندما شدد في الجزائر على دعم واشنطن بقوة لجهود ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي في قضية الصحراء الغربية، مضيفاً أن واشنطن لا تريد أن تخسر الجزائر بالنظر لمركزية دورها الإقليمي وتأثيرها على سوق النفط والغاز في أوروبا، وختم أن الجزائر ستحاول التوفيق في شراكتها الاستراتيجية مع موسكو وتنويع العلاقات الخارجية بما فيها أميركا، والجزائر تحتاج إلى استثمارات كبيرة في قطاع يحتاجه الغرب، ممثلاً في النفط والغاز، لذا عليها استغلال فرصة لن تتكرر. 

تصريحات في اتجاهين... ودلالات

إلى ذلك، يبين أستاذ العلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان أن الزيارة تهدف في الأساس إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف مجالات التعاون خصوصاً في الاقتصاد والأمن، حيث نفى بلينكن، الشكوك بأن الزيارة تهدف إلى جر الجزائر نحو موقع معاد لروسيا والسعي لإيجاد تسوية جزائرية مغربية في مجالات عديدة، مشيراً إلى أن تصريحات بلينكن، يمكن منحها اتجاهين، الأول طمأنة الشريك الأوروبي بأن الجزائر لن تدير ظهرها في ظل التوتر مع المغرب، ولن تتنصل من التزاماتها الدولية في مجال الطاقة، وفي شقها الثاني التأكيد على أن الجزائر شريك متعاون وموثوق في وفائه إزاء أفريقيا، وأبرز أنه "بالنسبة لي عادة ما اعتبرت هذا النوع من التصريحات مثل مفعول السم في العسل بالنسبة للجزائر، خصوصاً إذا ما قورنت بالأفعال والتعامل الأميركي معها، الذي عادة يفصل بين المصلحة والمبادئ".

من جانبه، يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، إن الزيارة في هذا التوقيت لها دلالات عميقة وإشارات واضحة إلى مكانة الجزائر الجيوسياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، لا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عنها من مشاكل اقتصادية، غير أن الجميع يعرف مواقف الجزائر المحايدة والرافضة لأي ضغوط دولية مهما كان مصدرها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير