Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

‎الحرب الروسية - الأوكرانية تدفع أوروبا إلى حقبة جديدة من الإنفاق الكبير

ضخ الأموال في كل شيء من تعزيز إمدادات الغذاء والطاقة إلى زيادة القدرات العسكرية

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متحدثاً إلى البرلمان النرويجي عبر تقنية الفيديو، في 30 مارس الحالي (أ ف ب)

أمضى نيكولاي سيوكا حياته في ساحة المعركة قبل أن يتم التصويت له رئيساً لوزراء رومانيا قبل أربعة أشهر. ومع ذلك، فهو لم يتخيل الحاجة إلى إنفاق ملايين الدولارات للإنتاج الطارئ لحبوب اليوديد (يوديد البوتاسيوم) للمساعدة في منع التسمم الإشعاعي في حالة وقوع انفجار نووي، أو لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة 25 في المئة في عام واحد. قال سيوكا، وهو جنرال متقاعد، من خلال مترجم في قصر فيكتوريا، مقر الحكومة في بوخارست لصحيفة "نيويورك تايمز"، "لم نعتقد أبداً أننا سنحتاج إلى العودة إلى الحرب الباردة والنظر في يوديد البوتاسيوم مرة أخرى". وأضاف، "لم نتوقع أبداً هذا النوع من الحرب في القرن الحادي والعشرين".
لقد فرضت الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إعادة تشكيل أولويات الإنفاق في أوروبا وبريطانيا، وأجبرت الحكومات على الاستعداد للتهديدات التي يعتقد أنها دُفنت منذ فترة طويلة - من تدفق اللاجئين الأوروبيين إلى الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية والبيولوجية وحتى النووية من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قد يشعر اليوم بأنه مُحاصر في الزاوية.  

تحول ألماني دراماتيكي في الإنفاق العسكري  

ويُعتبر التحول في الإنفاق العسكري في ألمانيا، الأكثر دراماتيكية، حيث وعد المستشار الألماني أولاف شولتز بزيادة الإنفاق فوق اثنين في المئة من الناتج الاقتصادي للبلاد، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه منذ أكثر من ثلاثة عقود. وشمل التعهد ضخاً فورياً لمبلغ 100 مليار يورو (111.5 مليار دولار) في القوات المسلحة بالبلاد. وكما قال شولتز في خطابه الشهر الماضي، "نحن بحاجة إلى طائرات تطير، وسفن تبحر، وجنود مجهزين على النحو الأمثل".   

ويمثل الالتزام لحظة فاصلة بالنسبة إلى دولة سعت إلى التخلي عن موقف عسكري عدواني أسهم في حربين عالميتين مدمرتين.  

والنتيجة هي تعديل مفاجئ للميزانيات حيث يتم دفع الإنفاق العسكري والضروريات مثل الزراعة والطاقة والمساعدات الإنسانية إلى مقدمة الصف، مع احتمالية تخفيض الاحتياجات الملحة الأخرى مثل التعليم والخدمات الاجتماعية.  

إيرلندا و"الحرث في زمن الحرب" 

كما طاولت عقلية زمن الحرب أيضاً قطاعات أخرى غير الدفاع، فمع ارتفاع أسعار النفط والأعلاف الحيوانية والأسمدة، قدمت إيرلندا الأسبوع الماضي، برنامج "الحرث في زمن الحرب" لزيادة إنتاج الحبوب، وأنشأت لجنة وطنية للأعلاف والأمن الغذائي لإدارة التهديدات التي تتعرض لها الإمدادات الغذائية.  

وسيتم دفع ما يصل إلى 400 يورو (446.3 دولار) للمزارعين في إيرلندا عن كل 100 فدان إضافي يتم زراعته بمحصول حبوب مثل الشعير أو الشوفان أو القمح. وستكسب زراعة محاصيل بروتينية إضافية مثل البازلاء والفول دعماً بقيمة 300 يورو (334.7 دولار).  

وقال تشارلي ماكونالوغ، وزير الزراعة والأغذية والبحرية الإيرلندي، في إعلانه عن حزمة 13.2 مليون دولار "الحرب غير القانونية على أوكرانيا وضعت سلاسل التوريد لدينا تحت ضغط هائل"، إذ تُعد روسيا أكبر مورد للقمح في العالم، وتشكل أوكرانيا ربع إجمالي الصادرات العالمية تقريباً.  

إسبانيا وواردات زراعية من أميركا اللاتينية  

كما أخذت إسبانيا تنفد من إمداداتها من الذرة وزيت عباد الشمس وبعض المنتجات الأخرى التي تأتي أيضاً من روسيا وأوكرانيا. وقال وزير الزراعة الإسباني لويس بلاناس أمام لجنة برلمانية "لدينا مخزون متاح، لكننا بحاجة إلى الشراء من دول ثالثة".  

وطلب بلاناس من المفوضية الأوروبية تخفيف بعض القواعد على الواردات الزراعية في أميركا اللاتينية، مثل الذرة المُعدلة وراثياً لتغذية الحيوانات من الأرجنتين، لتعويض نقص المعروض.  

وفرضت أسعار الطاقة المرتفعة بشكل غير عادي ضغوطًا شديدة على الحكومات لخفض الضرائب غير المباشرة أو الموافقة على الإعانات لتخفيف العبء عن العائلات التي لا تستطيع تحمّل تكلفة تدفئة كل غرفة في منزلها أو ملء خزان وقود سيارتها.  

إعفاءات ضريبية في ألمانيا وإيرلندا

كما خفضت إيرلندا ضرائب البنزين، ووافقت على ائتمان للطاقة ودفع دفعة واحدة للأسر ذات الدخل المنخفض. وأعلنت ألمانيا عن إعفاءات ضريبية ودعم طاقة قدره 330 دولاراً للفرد، الأمر الذي سينتهي بكلفة على الخزانة تصل إلى 17.5 مليار دولار.  

وفي إسبانيا، وافقت الحكومة الأسبوع الماضي على تحمل تكلفة البنزين بعد عدة أيام من الإضرابات من قبل سائقي الشاحنات والصيادين، التي تركت محلات السوبرماركت من دون إمدادات جديدة من بعض المواد الأساسية.  

 بريطانيا تواجه أكبر انخفاض في كلفة المعيشة

وفي بريطانيا، سيكلف خفض ضرائب الوقود ودعم الأسر الفقيرة، 3.2 مليار دولار. وكان ريشي سوناك، وزير الخزانة البريطاني، أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن ميزانية لما سماه "اقتصاد مناسب لعصر جديد من التفاؤل"، مع زيادات كبيرة في التعليم والصحة والتدريب الوظيفي.  

وفي آخر تحديث له إلى البرلمان، حذر سوناك، "يجب أن نكون مستعدين لتفاقم الاقتصاد والمالية العامة بشكل محتمل وكبير"، مع مواجهة البلاد أكبر انخفاض شهدته على الإطلاق في مستويات المعيشة.  

وقد رحب الجمهور بتخفيف ضريبة الطاقة، لكن انخفاض الإيرادات زاد من الضغط على الحكومات التي تدير بالفعل مستويات ديون عالية قياسية.  

وقالت لوكريزيا ريتشلين، أستاذة الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، في إشارة إلى المبالغ الضخمة التي أُنفقت للاستجابة للوباء، "هذا شيء جديد جداً بالنسبة إلى الإدارة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي". وأضافت أن "قواعد الاتحاد، التي تم تعليقها مؤقتاً في عام 2020 بسبب فيروس كورونا، تقصر الدين الحكومي على 60 في المئة من الناتج الاقتصادي للبلد".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فاتورة إنفاق جديدة على الدفاع والطاقة

كما أن الطلب على الميزانيات الدفاعية آخذ في الازدياد، حيث قال قادة الاتحاد الأوروبي هذا الشهر إن فاتورة الإنفاق الجديد على الدفاع والطاقة قد تصل إلى 2.2 تريليون دولار.  

أما بالنسبة إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، فإن التكاليف باهظة، حيث التزمت الحكومة الائتلافية بمبلغ 1.7 مليار دولار لشراء مزيد من الغاز الطبيعي المسال وتستثمر المبلغ ذاته تقريباً في بناء محطة غاز طبيعي مسال دائم واستئجار محطات عائمة عدة لتقليل اعتمادها على الوقود الروسي. وفي الوقت ذاته، وافقت على الاحتفاظ بمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم كخطوة احتياطية، حتى مع تخصيص ما يقرب من 220 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة لإحياء تحوّل البلاد إلى مصادر الطاقة المتجددة.  

وقال "دويتشه بنك ريسيرش" في مذكرة للسوق الأسبوع الماضي، إن إمدادات الطاقة الألمانية "عند نقطة تحول تاريخية" مع ابتعادها عن الوقود الروسي، خصوصاً أن روابط الطاقة بين البلدين استمرت عقوداً حتى خلال الأوقات الأكثر سخونة للحرب الباردة فيما تتجه لتخفيفها في السنوات المقبلة".  

3.7 مليون لاجئ أوكراني

وهناك أيضاً كلفة المعونات الإنسانية للمساعدة في توطين 3.7 مليون لاجئ من أوكرانيا تدفقوا عبر الحدود. ووصلت تقديرات الإسكان والنقل والتغذية ومعالجة تدفق الناس، إلى 30 مليار دولار في العام الأول وحده.  

وذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك، حيث قدمت بولندا ورومانيا الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية نفسها التي يتمتع بها مواطنوها، للاجئين.  

الميزانيات في النهاية هي أكثر من مجرد كونها تجميع لأرقام تُذهل العقل ولكنها إعلان أكثر جدوى عن أولويات الأمة، وهو انعكاس لقيمها، في وقت غيَّرت الحرب الروسية على أوكرانيا تلك الأمور ووضحتها.  

وكان الاتحاد الأوروبي وافق هذا الشهر على "زيادة نفقات الدفاع بشكل كبير" و"زيادة الاستثمار في القدرات اللازمة لإجراء مجموعة كاملة من المهمات".  

وتشمل تلك الزيادة البلدان التي تراجعت عن هدف الناتو لإنفاق ما لا يقل عن اثنين في المئة من الناتج القومي، بالإضافة إلى البلدان التي تجاوزت الحد الأدنى. (تتداخل فيها الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والـ30 الأعضاء في حلف الناتو ولكنها ليست متطابقة).  

تعزيز الآلة العسكرية الفرنسية

كذلك، خلص تقرير برلماني فرنسي نُشر في فبراير (شباط) الماضي، قبل أسبوع من الغزو، إلى أنه في حالة نشوب حرب تقليدية واسعة النطاق، مثل حرب أوكرانيا، ستكون هناك حاجة إلى مبلغ إضافي يتراوح بين 44 مليار دولار و66 مليار دولار على مدى 12 سنة لتعزيز الآلة العسكرية الفرنسية. كما تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيادة حادة في الإنفاق العسكري -الذي يبلغ بالفعل 45 مليار دولار، أي أكثر من عشرة في المئة من إجمالي ميزانية الحكومة- إذا فاز في الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.  

دول أوروبية تعلن عن زيادات في ميزانياتها الدفاعية

وكتب كاجا كالاس، رئيس وزراء إستونيا، في مقال نُشر الأسبوع الماضي في صحيفة "نيويورك تايمز"، "هذا العام، سننفق 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في السنوات المقبلة، سيرتفع هذا إلى 2.5 في المئة". كما أعلنت بلجيكا وإيطاليا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج والسويد -وهي دولة محايدة عسكريًا وليست جزءاً من الناتو- عن زيادات في ميزانياتها الدفاعية.  

وقال نيكولاي سيوكا، رئيس الوزراء الروماني، "من مسؤوليتنا اتخاذ تدابير لحماية أنفسنا". وأضاف "لا أحد يعرف إلى متى ستستمر الحرب في أوكرانيا، لكن علينا إعادة التقييم والتكيّف مع ما قد يحدث في المستقبل، وعلينا أيضاً أن نكون مستعدين لما هو غير مُتوقّع".