Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظام لبنان المصرفي... جان أم مجني عليه؟

البعض قال إن الدولة تتنصل من مسؤولية الانهيار وترميها على عاتق البنوك

تحويل الأموال إلى الخارج يشكل أحد الأعمال المصرفية الأساسية (أ ف ب)

بعد العزلة السياسية، التي يواجهها لبنان خلال السنوات الأخيرة، يبدو أن البلاد تقترب من عزلة أخرى مالية، بالإضافة إلى احتمال خروج المصارف المحلية عن النظام العالمي، نتيجة الصراع السياسي والقضائي، فوفق بعض الأوساط الاقتصادية، فإن البنوك العالمية المراسلة قد تقطع علاقاتها مع بنوك بيروت، نتيجة الإجراءات القضائية بحقها. 

لبنان، الذي اشتهر منذ استقلاله بقطاع مصرفي غزا العالمين العربي والغربي، واستطاع جذب الاستثمارات والأموال من جميع الأنحاء، يواجه اليوم خطراً وجودياً، إذ يعتبر القائمون على المصارف أنهم "يواجهون انقلاباً غير مسبوق ضمن الحرب التي تواجهها البلاد لتغيير الهوية ومكامن القوة"، مؤكدين أن البنوك لا تتحمل مسؤولية الانهيار، كاشفين عن أن القطاع بصدد التحضير لرفع دعوى قضائية ضد الدولة في لبنان والخارج.

عقوبات سياسية

في السياق ذاته، يشير عضو جمعية المصارف، تنال الصباح، إلى أن السلطات تفرض عقوبات على النظام المصرفي اللبناني، وأن الإجراءات القضائية ليست سوى عملية ابتزاز هدفها التنصل من مسؤولية الانهيار ورميها على عاتق البنوك، موضحاً أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومات، التي أخفقت في وضع موازنات متوازنة واستمرت في الاقتراض. 

وتعليقاً على التطورات القضائية، قال الصباح، "نحن تحت القضاء والقانون، لا فوقهما، والدولة منحلة وبعض أجهزتها تتصرف بتعسف، ونحن نطالب بالكابيتال كونترول، وخطة تعافٍ سريعة، وعدم إقرار الاثنين يعتبر أيضاً تعسفاً بحق المصارف".

ورأى أن الطريقة التي يعامل بها القطاع المصرفي تشير إلى أن هناك نية لإنهائه، وقال "بتنا كمصارف أوصياء على مؤسسات تدير أعمال صرافة"، معتبراً أن الدعاوى التي تقام في خارج لبنان على المصارف تأخذ الأموال من طريق المودع الصغير، وانتقد أداء الدولة التي صرفت 11 مليار دولار على الدعم من أموال المودعين، وقال إنه على الرغم من الانهيار لا تزال الدولة اللبنانية تعيش حتى اليوم على ما تبقى من ودائع المواطنين.

لا أموال ولا ودائع

عضو جمعية المصارف كشف عن أن البنوك خسرت القسم الأكبر من رؤوس أموالها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لافتاً إلى أنه في 17 أكتوبر (تشرين الأول) كان هناك ثورة أقفلت المصارف بسببها، وفي حينها كان في لبنان 34 مليار دولار، وفي المصارف نحو ثمانية مليارات دولار، وصرف منها نحو أربعة مليارات دولار، تنفيذاً للتعاميم التي أصدرها حاكم المصرف المركزي، في وقت باتت الفجوة المالية تقدر بـ73 مليار دولار.

وأضاف أن الدولة ومصرف لبنان بحالة نكران، ولا أحد يجرؤ على مصارحة المواطنين بأن ودائعهم "طارت" ولا يمكن استرجاعها، موضحاً أن الودائع تحفظ إلى حد 200 ألف دولار ومقسطة على عشر سنوات، أي بمعدل 20 ألف دولار سنوياً، في حين أن رؤوس الأموال، التي تتجاوز هذا السقف، تحتاج إلى إنشاء صندوق سيادي يذهب مدخوله لرد الودائع.

تراجع قضائي

وبعد عدة أيام على التشنج القضائي-المصرفي، قررت النيابة التمييزية اللبنانية الرجوع عن القرار السابق الذي أصدرته النائبة العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، وقضى بمنع تحويل وشحن الأموال من عدد من المصارف إلى الخارج، الأمر الذي وصفته الأوساط المصرفية بمبادرة حسن النية، تلا ذلك تشكيل لجنة وزارية يرأسها وزير العدل، لوضع تصور وآلية لمعالجة القضايا القانونية المتعلقة بالمصادر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت النيابة العامة التمييزية أن تحويل الأموال إلى الخارج يشكل أحد الأعمال المصرفية الأساسية، وتقييد هذا العمل أو منعه يشكل قراراً إدارياً تعود صلاحية اتخاذه إلى المرجع الإداري المحدد بموجب القوانين المصرفية، ولا يعود إلى النيابات العامة الأخذ بها.

المعلومات تشير إلى أن اللجنة الوزارية، التي شكلها مجلس الوزراء، ستتقدم بمجموعة من مشاريع القوانين تؤمن حداً أدنى من الحصانة للمصارف في ظل استمرار فشل المجلس النيابي للعام الثالث من إقرار قانون الكابيتال كونترول، الذي يعتبر الشرط الأول من شروط صندوق النقد الدولي. 

ووفق مصادر مصرفية، فإن منع المصارف من تحويل الأوراق النقدية يحرمها من القدرة على تغذية حساباتها لدى المصارف المراسلة، كما يحرمها من تنفيذ التزاماتها لديها، ما يؤدي إلى إقفال حسابات المصارف اللبنانية ومنع الاستيراد، ويحرم الزبائن من تحقيق أغراضهم التجارية والشخصية الحياتية.

وكانت عون أصدرت قراراً بمنع بنوك عودة وبيروت والاعتماد المصرفي وسوسيتيه جنرال في لبنان وبلوم وميد، من تحويل وشحن الأموال إلى الخارج، (وهي تعني شحن الأوراق النقدية بالعملة الأجنبية)، علماً بأن تلك البنوك تشكل 60 في المئة من حجم القطاع، وجمدت أصول جميع تلك البنوك في قرارات قضائية منفصلة، كما منعت رؤساء مجالس إداراتها من السفر، وبررت خطوتها بأنها تدبير احترازي لمنع هذه المصارف من نقل ما تبقى من أموال المودعين خارج لبنان.

إفلاس وتعسف

في المقابل، اعتبر المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة إليهمةنا، المحامي باسكال ضاهر، أن القائمين على النظام المصرفي باتوا أعداءه، لافتاً إلى أن المصارف أخطأت، ما يترتب عليه مسؤولية وتعويضاً تجاه المودعين، وموضحاً أن المودع وثق بالنظام ووضع أمواله، وقمة التعسف حين يتم أخذ المودعين والشعب رهائن.

وقال ضاهر إن المصارف، التي خسرت رأسمالها، باتت متعثرة عن الدفع، وإن القانون واضح من هذه الناحية، بحيث يتم حجز جميع مالكي المصارف والمساهمين، ويتم تعيين لجان لتعويم المصارف، أي التعاطي معها بموجب إفلاسها، وشدد على "أننا كشعب لبناني تسري علينا بنود اتفاقية الأمم المتحدة للرهائن، ونحن كشعب بتنا رهائن".

تبييض واختلاس

على ضفة حاكم مصرف لبنان، يبدو الخناق الأوروبي يضيق حول رياض سلامة من خلال سلسلة إجراءات قضائية، كان آخرها إعلان وحدة التعاون القضائي الأوروبية "يوروجاست" تجميد أموال لبنانية على ذمة التحقيق في "تبييض أموال واختلاس أموال عامة"، وعلى الرغم من عدم ذكر التقرير القضائي الأوروبي أسماء المشتبه فيهم والجهات التي جرى تجميد أصول تعود إليها بقيمة 130 مليون دولار، مع مصادرة خمسة عقارات ذات صلة، للاشتباه باختلاس نحو 330 مليون دولار وخمسة ملايين يورو من الأموال العامة جرت مصادرتها في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا، فإن إعلامية لبنانية أعربت عن قناعتها بأن أصابع الاتهام الأوروبية موجهة في هذا الملف مباشرة إلى حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا سلامة. 

ورداً على تلك الاتهامات، رأت مصادر قريبة من رياض سلامة، أن قرار "يوروجاست" لا يشكل أي إدانة جنائية، موضحة أنها إجراءات روتينية مع أي تحقيق مرتبط بشكوك إثراء غير مشروع وفق الأصول الأوروبية، وقالت إن تلك الدعاوى رفعها بعض المقربين من رئيس التيار الوطني، جبران باسيل، في إطار المكايدة السياسية، التي يتبعها تجاه حاكم مصرف لبنان.

وشددت المصادر على أن تلك القرارات القضائية لا تعني صدور حكم بحق سلامة، متحدية الجميع بانتظار الأحكام التي ستبرئه من تلك الاتهامات المفبركة، كاشفة عن وجود مجموعة محامين يجولون دول العالم لتقديم ادعاءات بحق حاكم مصرف لبنان، بالتزامن مع الحملة التي يشنها قضاة على علاقة بالتيار السياسي نفسه، بهدف تأليب الرأي العام، خصوصاً أن البلاد على أبواب الانتخابات النيابية المرتقبة، و"تحويل سلامة إلى كبش فداء".

كنز من الأسرار

المصادر أكدت امتلاك سلامة معلومات ووثائق تدين العديد من السياسيين بصفقات فساد وهدر للمال العام، وأنه سيستخدمها أمام المحاكم المحلية والدولية، معتبرة أن حاكم مصرف لبنان يملك كنزاً من الأسرار سيقلب السحر على الساحر، وهو لم يستخدمها بعد، حتى لا تتحول إلى مادة سياسية تدخل في السجال العقيم، في حين أن هدفه أن تظل مادة جنائية بوجه أصحابها.

وعبرت المصادر عن أسفها للتشويه الذي يطال المصارف وسلامة، بسبب تلك "المؤامرة"، التي تستخدم في الإعلام والقضاء، والتي من شأنها أن تزعزع ثقة النظام المصرفي الدولي بالبنوك اللبنانية، الأمر الذي يؤدي إلى عزلة مالية عن العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير