Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تحاول الرد على التكتل الإقليمي المواجه لنفوذها

تشير معلومات "اندبندت عربية" إلى أن دمشق كانت تترقب نتائج اجتماع النقب، بدليل انتقال الجعفري إلى أبوظبي قبل انتهاء الاجتماع في إسرائيل للاطلاع على ما دار خلاله في الشأن السوري.

الرئيس السوري بشار الأسد مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران (أ ف ب)

عادت التكهنات بإمكان عودة سوريا للجامعة العربية بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات في الـ 18 من مارس (آذار)، والمداولات في شأن ترتيب الأوضاع العربية جراء خلط الأوراق الذي سببته الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، والحديث عن قرب الإعلان عن إنجاز الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، وإمكان استجابة واشنطن لطلب طهران رفع "الحرس الثوري" الإيراني من قائمة الإرهاب، من جهة ثانية.

ينظر مراقبو الاتصالات في شأن استعادة سوريا مقعدها بالجامعة بترقب إلى القمة العربية المنتظر انعقادها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بالجزائر، وسط معطيات متناقضة عن اندفاعة جديدة حول العودة، وأخرى عن التحولات الدولية التي تفرض مشهداً جيو-استراتيجياً أكثر شمولية واتساعاً، تصبح معه المسألة تفصيلية أمام معادلات جديدة تجري محاولة رسمها للمرحلة المقبلة.

الخلافات الأميركية – العربية

وبات واضحاً أن التمايزات والخلافات بين الدول العربية والولايات المتحدة إزاء إيران واتفاق فيينا تتحكم بكثير من المواقف والتحركات التي تحصل على مستوى الإقليم، ومنها موضوع العلاقات العربية مع النظام السوري والانفتاح عليه، الأمر الذي عارضته واشنطن بشدة بعد استقبال الأسد في الإمارات.

التمايزات والخلافات تجلت في مواقف عدد من هذه الدول في شأن الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، فالمعروف أن الإمارات امتنعت من التصويت بإدانة الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية في فبراير (شباط) بمجلس الأمن، مع أنها عادت فصوتت مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في هذا الشأن.

كما أن الدول النفطية العربية لم تستجب لطلب البيت الأبيض رفع مستوى الإنتاج لخفض الأسعار بعد تصاعد أزمة الطاقة جراء الحرب الروسية - الأوكرانية، وفي سياق التوجه الأميركي نحو الاستغناء عن الطاقة من موسكو تدريجاً ضمن فرض العقوبات، وتمسكت هذه الدول وخصوصاً السعودية والإمارات باتفاق "أوبك +" على مستوى الإنتاج الحالي.

التراخي الأميركي حيال إيران

وبات مسلماً به أن سياسات الولايات المتحدة حيال إيران هي محور الخلاف العربي - الأميركي، وإن تفاوتت وسائل التعبير بين دولة وأخرى، في ظل تصعيد أدوات طهران مواقفها حيال دول الخليج، لا سيما في اليمن واستخدام الحوثيين في القصف على المنشآت النفطية والمدنية في السعودية.

تعتبر الدول الخليجية الرئيسة أن التراخي الأميركي، وبعضهم يسميه الميوعة الأميركية، مع طهران يسهم في تصعيد عدائية الأخيرة تجاهها، بهدف مواءمة اتفاقها القريب مع الولايات المتحدة، مع السعي إلى تكريس مكتسباتها التي حققتها في المنطقة عبر توسع نفوذها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وفي فلسطين عبر العلاقة الوثيقة مع حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، فواشنطن رفعت الحوثيين عن قائمة الإرهاب قبل زهاء سنة من دون أن تأخذ في المقابل أي تنازل من إيران، وأوقفت تسليم أسلحة إلى السعودية والإمارات تساعد في مواجهة التسليح الإيراني للحوثيين في اليمن، على الرغم من عودتها لفرض عقوبات على تنظيمهم.

إبعاد سوريا من طهران

تركز التوجهات الروسية في إعادة العلاقة مع الرئيس السوري على فكرة إبعاد سوريا من إيران في مقابل الأوراق التي تملكها في دمشق، ومنها فك عزلة البلاد وتمويل اقتصادها المنهار والحاجة إلى تمويل إعادة الإعمار فيها، فضلاً عن علاقاتها المتفاوتة مع بعض فصائل المعارضة.

البارز في هذا التوجه أيضاً أن تحسن العلاقات الخليجية - الروسية لعب دوراً مهماً في تشجيع بعض العواصم على الانفتاح على نظام بشار الأسد، فموسكو لم تنفك عن نصح هذه الدول بالعودة لدمشق لأن غيابها أفسح المجال أمام إيران لملء الفراغ.

وعلى الرغم من أن اعتقاد المعارضة السورية بأن تحالف الأسد مع طهران أقوى من أي علاقة مع الدول العربية، نظراً إلى الدور العسكري والميداني الحاسم الذي لعبته في إنقاذ نظامه خلال حربه مع الثوار السوريين، إلا أن القيادة الروسية ظلت على إلحاحها بأن تسعى دول الخليج إلى إعادة سوريا للجامعة العربية.

كما أن الجانب الروسي عاتب قبل أسابيع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على تصريحات دأبت الوزارة على الإدلاء بها، تتسم بالمكابرة إزاء العودة للجامعة، وتعتبر أن الدول العربية هي التي يجب أن تعود لسوريا وليس العكس، وأن هذه العودة ليست من أولويات دمشق. وكان المقداد قال أيضاً إن مسألة العودة "ليست في مركز اهتمامنا".

معارضة قطرية وسعودية

في واقع الأمر، فإنه مقابل السعي الإماراتي والجزائري للعودة عن قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا في العام 2011، كانت هناك معارضة قوية لذلك من قبل قطر والسعودية اللتين تطالبان بتطبيق القرار الدولي الرقم (2254) بالحل السياسي والحكم الانتقالي في سوريا.

وعقب اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في التاسع من مارس الحالي، قال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إن "عودة سوريا لمنصبها مرهونة بالتوافق بين الدول الأعضاء"، مشيراً إلى أنه "لم يتم رصد هذا التوافق حتى الآن". وأكد أن الموضوع لم يبحث في إطار اجتماعات وزراء الخارجية ومتروك للمشاورات الثنائية بين الدول، مرجحاً عدم حضور سوريا قمة الجزائر لأن الأمر لم يحسم بعد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بموازاة ذلك، فإن استقبال الإمارات للأسد جاء بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد إلى موسكو، حيث التقى نظيره سيرغي لافروف، وقد حط بن زايد في موسكو من دون أي تنسيق مع واشنطن من جهة، ومع إبقاء زيارة الأسد سرية إلى ما بعد إتمامها وعودته لدمشق تفادياً لأي ضغوط أميركية تستهدف الحيلولة دونها من جهة ثانية.

مقابل معارضة قطر والسعودية تتردد دول أخرى في شأن عودة سوريا إلى الجامعة، وقال نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري خلال تصريحات لجريدة "الوطن" السورية، إن زيارة الأسد إلى الإمارات مبرمجة "قبل الحرب الأوكرانية، وأبواب دمشق ليست مغلقة أمام أي عمل عربي حقيقي، وهناك من أخطأ بحق الشعب السوري ودمشق"، مضيفاً "من يريد الانفتاح على دمشق يعرف أن عليه استحقاقات". وأوضح أن في سوريا 15 سفارة عربية تعمل من أجل التضامن العربي.

أما في الغرف المغلقة فإن ما تسرب عن العروض المقدمة إلى دمشق لإبعادها عن طهران هو أن المداولات في هذا الشأن أدت إلى طرح الأخيرة جملة مطالب وهواجس حول ما يمكن أن تجنيه في المقابل، والعروض للجانب السوري كإغراءات شملت، على عهدة مصادر سياسية واسعة الاطلاع، موضوع العلاقة مع إسرائيل، للبحث عن صيغة لعودة الجولان. وترددت معلومات أن من بين المطالب أيضاً تخفيف العقوبات الأميركية وفق قانون قيصر، والبدء في تمويل إعادة الإعمار. 

التموضعات الجديدة

موضوع الدور السوري في هذه المرحلة ظل في صلب حركة سياسية إقليمية واسعة الأهداف تتصل بالتموضعات الجديدة جراء حرب أوكرانيا واقتراب إنجاز اتفاق فيينا واحتمال استقواء إيران بالتنازلات الأميركية لمصلحتها.

مستجدات الحركة الإقليمية أسفرت عن ثلاثة اجتماعات لافتة أعقبت زيارة الأسد للإمارات، الأول في الـ 22 من مارس في شرم الشيخ بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وفيما قال الإعلام الإسرائيلي إن البحث فيها تناول التعاون الأمني والأوضاع الإقليمية، فإن ما ركزت عليه وسائل إعلام عبرية وأجنبية كان "مواجهة" إيران في المنطقة، وتداعيات التوقيع على اتفاق فيينا وإمكان رفع اسم "الحرس الثوري" من القائمة الأميركية للإرهاب.

أما الاجتماع الثاني الذي لا يقل أهمية فكان استضافة الملك الأردني عبدالله الثاني في الـ 25 من مارس لقاء خماسياً ضمه والرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ومسؤولين سعوديين بينهم الوزير الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز.

وكالة الأنباء الأردنية اكتفت بالقول إن البحث تناول "تطوير العلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة"، فيما أفادت معطيات دبلوماسية أن المجتمعين ناقشوا تنسيق الموقف حيال اتجاه الولايات المتحدة الأميركية نحو توقيع اتفاق فيينا مع إيران، والمعلومات عن إمكان استجابتها لطلب رفع "الحرس الثوري" من لائحة الإرهاب.

قمة النقب

والاجتماع الثالث كان في الـ 28 من مارس، وهو لقاء سداسي بين وزراء خارجية أميركا وإسرائيل ومصر والإمارات والمغرب والبحرين، وأشار مراقبون إلى ملاحظات عدة على ما وصفه وزير خارجية إسرائيل يائير ليبيد بأنه اجتماع "يصنع التاريخ"، إذ إنه في وقت كان ينتظر صدور بيان مشترك عن هذا اللقاء السداسي اكتفى الوزراء الستة بتصريحات عن أهداف الاجتماع كل وفق رؤيته لأهدافه، لكن القاسم المشترك بين هذه التصريحات كافة إبداء القلق من نشاطات إيران الإقليمية والتنسيق في مواجهتها، والتشديد العربي على حل الدولتين للقضية الفلسطينية، كما كان لافتاً غياب الأردن عن هذا الاجتماع، على الرغم من أن بينه وبين إسرائيل اتفاق سلام.

واستعاض الملك عبدالله الثاني عن مشاركة وزير خارجيته في ذلك الاجتماع بخطوة نادراً ما تحصل، قضت بزيارته رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اليوم نفسه لاجتماع النقب.

إلا أن السعي إلى توازن في العلاقات الإقليمية عبر تكتل الدول العربية وإسرائيل، المناهض لإيران في المنطقة، هو العنوان الرئيس الذي حكم هذه اللقاءات، لكن هذا التموضع يحتاج أيضاً إلى ترتيبات بين الدول المذكورة والدولة العبرية يتناول، إضافة إلى التنسيق في مواجهة التمدد الإيراني، إيجاد معالجات للقضايا الخلافية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والأماكن المقدسة في القدس، وهو ما يفسر انتقال الملك عبدالله الثاني إلى رام الله أثناء انعقاد اجتماع النقب، وسوريا حيث لإسرائيل اهتمامات أمنية في جنوب بلاد الشام بفعل السعي الإيراني إلى التمركز على الحدود مع الجولان، والذي يؤدي إلى قصف إسرائيلي متواصل لمواقع الميليشيات الموالية لإيران و"الحرس الثوري" و"حزب الله".

ترقب سوري ومعاكسة إيرانية

تشير معلومات "اندبندت عربية" من مصادر دبلوماسية رفيعة إلى أن دمشق كانت تترقب نتائج اجتماع النقب، بدليل انتقال نائب وزير خارجيتها بشار الجعفري إلى أبوظبي قبل انتهاء الاجتماع السداسي في إسرائيل للاطلاع على حصيلة ما دار خلاله في ما يخص الشأن السوري.

إلا أن هذا الحراك الإقليمي لم يكن ليمر من دون سعي طهران إلى معاكسته، فزيارة وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان إلى العاصمة السورية في الـ 23 من مارس، ثم إلى بيروت في اليوم التالي، صنفها المتابعون بأنها تأتي في سياق الرد الإيراني على التكتل الإقليمي في مواجهة نفوذها، فالزيارتان استعراض قوة مترابط مع القصف الحوثي للمنشآت النفطية والمدنية في السعودية يوم الـ 25 من مارس. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير