Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رأس "أسكليبيوس" يستدرج السلطات الليبية إلى البرازيل

تسببت الفوضى السياسية والأمنية التي غرقت فيها البلاد في نهب ثروة أثرية تعود لحضارات مختلفة

رأس تمثال أسكليبيوس أحد آلهة الطب عند الإغريق (وزارة الداخلية الليبية)

تسببت الفوضى السياسية والأمنية التي غرقت فيها ليبيا طيلة العقد الماضي في تنامي العصابات متنوعة النشاطات، التي استغلت الفراغ الأمني وضعف قبضة الدولة في تهريب كل ما طاولته أيديها، من بينها الكنوز الأثرية في البلاد، التي مرت بها حضارات كثيرة، وخلّفت إرثاً تاريخياً كبيراً وتراثاً هائلاً يخص الحضارة الإغريقية والفينيقية والرومانية والإسلامية.

عيون العصابات الدولية المتخصصة في تهريب الآثار لم تغفل عن الكنوز الموجودة في ليبيا، فتمكنت، في ما يبدو، بالتعاون مع عصابات محلية في نقل كثير من القطع النادرة إلى بقاع كثيرة وأماكن لا تخطر على بال، حتى وصل بعضها إلى البرازيل، التي طار إليها وفد ليبي حكومي لاستعادة هذه القطع الأثرية المهربة، وليست هذه المرة الأولى التي تُلاحق فيها السلطات الليبية تاريخ بلادها المنهوب الذي تفرق في كل قارات الدنيا، وترتبت على هذه الجهود استعادة بعض من هذه القطع الأثرية كبيرة القيمة التاريخية والثقافية، وباهظة الثمن في السوق الدولية السوداء لتجارة الآثار.

مفاوضات لاستعادة تمثال أثري

وتواصل السلطات الليبية جهودها الحثيثة لاسترداد القطع الأثرية المسروقة والمهجرة حول العالم، والتي كثفتها في السنوات الخمس الماضية، وترتبت عليها عودة كثير من هذه القطع المهربة إلى مسقط رأسها في متاحف البلاد ومواقعها التاريخية.

وفي سياق هذه الجهود، وصل وفد حكومي ليبي مكون من نائب رئيس جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار عميد أحمد الرياحي، ومندوب عن وزارة الخارجية الليبية، وخبير من مصلحة الآثار إلى البرازيل، في محاولة لاسترجاع تمثال أثري تم تهريبه إليها وإثبات ملكية الدولة الليبية له.

وبحسب بيان عن وزارة الداخلية الليبية، "التقى الوفد بالقاضية المكلفة ملف قضية هذا التمثال للاتفاق على مدة زمنية معينة حتى يتم إجراء التحاليل اللازمة لعينات التربة التي تم أخذها من رأس التمثال، وأبدت القاضية موافقتها على منح الوفد الأجل المطلوب لحين استكمال الإجراءات". وأشار البيان أيضاً إلى أن "الوفد الحكومي الليبي التقى أيضاً أعضاء الشرطة الفيدرالية البرازيلية للسماح للخبير بإجراء عملية الكشف المبدئية على هذه القطعة، وحاز موافقتها".

وكانت السلطات الليبية قد بدأت المفاوضات مع الحكومة البرازيلية لاستعادة القطعة الأثرية المتمثلة في رأس تمثال "أسكليبيوس"، أحد آلهة الطب عند الإغريق، والتي يعود عمرها إلى 400 عام قبل الميلاد والمسروقة من ليبيا منذ قرابة 30 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقتربت ليبيا من استعادة القطعة الأثرية المهمة بعد متابعة حثيثة من سفارة ليبيا في برازيليا لمدة تجاوزت السنة، ومن خلال مذكرات دولية من مكتب الشرطة الدولية "الإنتربول" في طرابلس.

وبحسب السفارة الليبية في برازيليا، فإن هذا التمثال تم ضبطه بداية العام الماضي بولاية ريو غراندي دي سول، في مدينة بورتو أليغري، من قبل الشرطة الاتحادية في البرازيل، التي قامت بالقبض على شبكة تهريب آثار في حوزتها هذه القطعة المهربة من ليبيا ضمن قطع أثرية أخرى.

أهم القطع المسترجعة

والجهود الليبية لاستعادة الآثار الليبية المسروقة والمعروضة في متاحف كثيرة في عواصم العالم، لم تبدأ مع استلام الحكومة الحالية السلطة في مارس (آذار) من العام الماضي، بل بدأت في العام 2016، ولم تختص بالقطع المسروقة بعد الثورة فقط، ونجحت في استرجاع كثير من القطع الثمينة، أهمها الرأس الرخامي المهرب للإمبراطورة "فوستينا" الصغرى التي عادت إلى موطنها الأصلي، في مدينة شحات، شرق ليبيا، العام الماضي، بعد أن قبعت ثمانية عقود في أحد المتاحف النمساوية.

واعتبر استرجاع هذه القطعة بالذات انتصاراً كبيراً لجهود الحكومة الليبية، كونها نجحت في استرجاعها على الرغم من عدم امتلاك الحق القانوني في استعادتها، وأوضحت مصلحة الآثار تفاصيل هذه العملية وقتها، قائلة إن "استرجاع هذه القطعة في حد ذاته يعد انتصاراً للجانب الأخلاقي في عمليات الاسترجاع، بحكم أنه لا توجد ضوابط تمكن الدولة الليبية من استرجاع مثل هذه القطعة التي نهبت قبل اتفاقية لاهاي التي وقعت عام 1970".

وكان هذا التمثال قد نُهب في ظروف غامضة إبان الحرب العالمية الثانية من مدينة سوسة الأثرية على يد أحد الجنود الأجانب عام 1942، وظهر في ستينيات القرن الماضي في ولاية ستريا بالنمسا، وأودع في أحد متاحفها، وتم استرجاع هذه القطعة الأثرية من النمسا عقب محاولات كثيرة قامت بها وزارة الخارجية ومصلحة الآثار لاسترجاع العديد من القطع الأثرية ومن بينها هذه القطعة.

عودة "رأس المرأة المحجبة"

وفي بداية العام الحالي، أعلنت الحكومة الليبية استعادة قطعة أثرية نادرة من الولايات المتحدة سرقت من مدينة شحات الأثرية شرق بنغازي منذ 22 عاماً تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليون دولار، وهذه القطعة الأثرية النادرة التي عادت من واشنطن إلى شحات، تحمل اسم "رأس المرأة المحجبة"، وهي جزء من تمثال هلنستي لإلهة شابة، هربت من مدينة قورينا الأثرية، وهو اسمها الإغريقي الأصلي، في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2000، وهي قطعة أثرية رخامية يعود تاريخها إلى عام 350 قبل الميلاد.

عقد من النهب

وكانت قضية الآثار الليبية المهربة قد أثيرت بقوة بعد تقرير مثير للجدل نُشر على موقع "الجمعية الأميركية للبحوث الخارجية" بتمويل من المكتب الخارجي لسفارة الولايات المتحدة في ليبيا، العام الماضي، بشأن "حالة التجارة غير المشروعة ونهب الآثار الليبية"، وغطى التقرير الفترة الممتدة من عام 2011 إلى حدود عام 2020، وكشف التقرير عن أبرز الآثار المسروقة منذ اندلاع الثورة الليبية في فبراير (شباط) 2011، ووثق أهم أنماط التنقيب غير المشروع وتجارة الآثار، التي ما زالت مستمرة على الرغم من جهود السلطات المحلية.

وذكر التقرير أن "المدى الجغرافي لهذه التجارة يمتد إلى ما هو أبعد من ليبيا، فإذا تتبعنا طرق التهريب، فهي تصل إلى وسطاء في البلدان المجاورة مثل تونس ومصر، لتنتهي ببيوت المزادات الفنية الدولية وشبكة من هُواة جمع التحف الفنية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط والخليج وأوروبا والولايات المتحدة". وأضاف أن مهربي الآثار يلجأون إلى طرق عدة لتجاوز الحظر المفروض على بيع الآثار الليبية والاتجار بها، فمع لجوئهم إلى السوق السوداء والتجار السريين، تبنى هؤلاء وسائل التواصل الاجتماعي لبيع آثار سرقوها، أو حصلوا عليها بالصدفة، أو من خلال التنقيب غير القانوني". وأوضح أنه "من بين الآثار الأكثر رواجاً، العملات المعدنية التي يزيد عمر بعضها على 100 عام في ليبيا، وأكثر ما يسهل انتشار هذا النوع من التجارة هو وفرة هذه القطع الأثرية الصغيرة وسهولة نقلها والتربح منها، فقد يصل سعر عملة رومانية برونزية كبيرة مثلاً إلى 400 دينار ليبي (66 دولاراً)، بأسعار السوق السوداء الحالية، وهو أجر نصف شهر لموظف عادي في ليبيا".

وبحسب التقرير الأميركي، "يقدر عدد الآثار المفقودة في ليبيا خلال هذه الفترة بنحو 9800 قطعة من مواقع متنوعة، بما في ذلك قطع من معبد أرتميس في قورينا وقصر الأعمدة الهلنستي في طلميثة، إضافة إلى 364 قطعة ذهبية و2433 قطعة نقدية فضية و4484 عملة برونزية، وكذلك المجوهرات القديمة مثل الأقراط الذهبية وأعمال نحت ضاربة في أعماق التاريخ، ولم تسفر التحقيقات عن الوصول إلى الجُناة أو استعادة الآثار المفقودة".

المزيد من تقارير