Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعيد القمح الأوكراني "الانتفاضات الشعبية" في الشرق الأوسط؟

الأسعار ارتفعت بنسب متفاوتة في سائر الدول العربية... والبنك الدولي "متشائم" ويحذر من "عنف غاشم"

ارتفعت أسعار المنتجات المستوردة من أوكرانيا في العراق والسودان مثلاً بنسبة تصل إلى 50 في المئة (أ ف ب)

يُعتبر القمح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما الأرز بالنسبة لشعوب شرق آسيا، جزء أساسي من المائدة، ولدى الطبقات الفقيرة يعد الجزء الوحيد مع بعض الإضافات البسيطة. لكن التضخّم الاقتصادي العام الذي بدأ مع جائحة كورونا ثم اكتمل مع الحرب الروسية على أوكرانيا، أصبح يهدد إمكانية الحصول عليه، بخاصة أن القمح الذي تستورده الدول العربية يأتي إما من روسيا أو أوكرانيا.

بحسب تقرير حديث للبنك الدولي، فإنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المنتجات المستوردة من هناك في العراق والسودان مثلاً بنسبة تصل إلى 50 في المئة، وبدأت التظاهرات الشعبية تتحول في هذين البلدين، من المطالبة بالديمقراطية إلى المطالبة برغيف الخبز، أي الحد الأدنى من مقومات العيش.

وارتفعت الأسعار أيضاً بنسب متفاوتة في سائر الدول العربية الأخرى التي بدورها تشهد أزمات سياسية تضاف فوق الأزمات الاقتصادية كما في لبنان وفلسطين وليبيا. وفي مصر، وعلى الرغم من النمو الذي تشهده، فإن أسعار المنتجات القائمة على القمح ترتفع أيضاً. مع العلم أن نصف القمح الأوكراني يصدر إلى الشرق الأوسط. وتعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم. وارتفعت الأسعار بالفعل خلال شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الحالي بنسبة كبيرة لتقترب من أعلى مستوى لها خلال 14 عاماً، وهذه الزيادات ستكون ذات تأثير كبير على دول الشرق الأوسط الضعيفة أساساً اقتصادياً واستقراراً سياسياً، منذ الثورات التي بدأت في عام 2011.

الخبز قبل الحرية

وفي تقرير للتلفزيون الألماني، قال البروفسور مايكل تانتشوم، العضو البارز بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمتخصص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وأفريقيا، إنه "في هذه البلدان، يُعد الخبز الميسور التكلفة للجماهير العاملة عقداً اجتماعياً؛ لذا تدعم العديد من دول الشرق الأوسط الخبز للأسر ذات الدخل المنخفض. وفي الماضي، كان ارتفاع أسعاره محركا للتغيير السياسي في المنطقة".

ما ذهب إليه تانتشوم ليس مستغرباً؛ إذ كان الخبز شعاراً أساسياً في كل التظاهرات المطلبية في العالم العربي، حتى ولو كانت سياسية في أهدافها "خبز، وعلم وحرية"، حيث انتشر في سائر الدول العربية إبان "الربيع العربي" وتظاهراته الكثيرة التي لم تنطفئ بعد في عدد من البلدان كتونس والسودان والعراق.

ووجد الباحثون الذين درسوا أسباب احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، والتي غيرت المشهد السياسي في المنطقة، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي، لعبا دوراً في تحريك الشارع، إلى جانب شعور الشعوب بالإحباط من قادتهم المستبدين، وفي عام 2019، أُطيح بالرئيس السوداني عمر البشير من السلطة بسبب الاحتجاجات التي بدأت عندما تضاعفت أسعار الخبز ثلاث مرات، وكتب محللون في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، في موجز فبراير: "ما بين ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الغذاء، يمكن أن تؤدي أزمة أوكرانيا إلى تجدد الاحتجاجات وعدم الاستقرار في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أشار إلى مخاوف البنك الدولي الخاصة بشأن سوريا ولبنان واليمن، وهي دول تعاني حكوماتها واقتصاداتها من الضعف وتعتمد بشكل كبير على استيراد القمح من الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التغيير السياسي "مُستبعد"

ولو تساءلنا إذا ما كان ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى تغيير سياسي جديد في هذه المنطقة فإن الإجابة جاءت في رأي جون راين، كبير مستشاري العناية الجيوسياسية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، وقال "الناس سيكونون تحت ضغط اقتصادي حقيقي. لكنني لست مقتنعاً بأن ذلك سيؤدي إلى نوع من الصدمة الهائلة التي رأيناها في المرة الماضية خلال الربيع العربي".

وبرر راين، خلال إجابته على المحرّرة كاترين شيار من "دي دبليو" DW، الألماني، سبب تشاؤمه من أي تغيير سياسي قائلا: "معظم دول المنطقة في وضع سياسي مختلف تماماً الآن. لأن حكومات الشرق الأوسط إما مسيطرة بشكل كبير على أحزاب المعارضة أو حظرتها أساساً، أو أن النظام السياسي الجديد الذي نشأ عن ثورات الربيع العربي قد بات يتمتع بقدر أكبر من المرونة، عما كان عليه قبل عشر سنوات.

وبلغة الأرقام، تقدم أوكرانيا وروسيا 23 في المئة من صادرات القمح العالمية، وفقاً لشركة "ستاندرد أند بورز" العالمية، ومع اقتراب أسعار المواد الغذائية العالمية من أعلى مستوياتها في 10 سنوات، فإن دول الشرق الأوسط، ثالث أكبر مشتر للقمح الأوكراني في موسم 2020-2021، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، بنسبة 40 في المئة، أصبحت في وضع خطير.

وبحسب جوليان بارنز داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية، فإن التأثير في الشرق الأوسط قد يكون أسوأ بكثير من دول أخرى. وتعد مصر ولبنان وليبيا من بين أكبر المشترين للقمح الأوكراني في المنطقة، مع دول مثل اليمن وسوريا، تعتمد على مشتريات برنامج الغذاء العالمي للقمح الأوكراني كمساعدات. مع العلم أن ما يقرب من 69 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعانون من سوء التغذية، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2020، ما يمثل حوالى 9 في المئة من الإجمالي العالمي.

في آخر تقارير البنك الدولي الصادرة في أوائل مارس الحالي، تناول القضية بلغة متشائمة، وذكر أنه "من المؤسف أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُعرَّضة لتداعيات عنف غاشم. فالمنطقة بمثابة جار لأوكرانيا، لا تفصله عنها سوى مسافة تبلغ قرابة ألف كيلومتر، وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن بعض بلدان المنطقة أيضاً قريبة جداً من أوكرانيا وروسيا كشركاء تجاريين. بالتالي، فإن آثار الأزمة ستكون ملموسة -وإن كانت بدرجات متفاوتة- على اقتصادات المنطقة، ومما يبعث على الأسى أنه قد تكون لها تبعات سلبية مُضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه عبر أرجاء المنطقة، فضلاً عن جائحة كورونا، وتعطُّل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخص كل بلد من بلدانها".

ولخص البنك الدولي القنوات الرئيسية لتأثير الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط في خمس فئات وهي: صدمات أسعار الغذاء، وزيادات أسعار النفط والغاز، وعزوف المستثمرين عن المخاطر وميلهم إلى الاستثمارات الآمنة، الأمر الذي قد يؤثِّر في تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الأسواق الصاعدة ككل، وتحويلات المغتربين، والسياحة.

المزيد من تقارير