Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خالد النصرالله: الكاتب الخليجي الشاب يكتب بجودة مثل غيره

دخل القائمة القصيرة للبوكرمن بوابة الرياضة ويعتبر إسماعيل فهد إسماعيل معلمه 

الروائي الكويتي الشاب خالد النصرالله في اللائحة القصيرة للبوكر (اندبندنت عربية)

مجدداً تلقي القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" العربية الضوء على تجربة كاتب كويتي شاب هو خالد النصرالله (مواليد 1987). درس خالد التربية البدنية ويعمل في وزارة التربية والتعليم، كما جرب حظه في الصحافة لكن ظلت الكتابة شغفه الأسمى. في العام 2017 وصل إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عن روايته "الدرك الأعلى" وها هو اليوم ينافس بقوة على "البوكر" العربية.

من الواضح أن الجوائز الكبيرة التي خصصتها مؤسسات خليجية للرواية العربية فتحت شهية الشباب وحتى الكبار لكتابة الرواية، لذلك سألت خالد هل تكتب وعينك على الجوائز؟ فقال، "أبداً لا أفعل هذا، وبين (الدرك الأعلى) و(الخط الأبيض من الليل) (دار الساقي) كانت هناك رواية أخرى عنوانها (آخر الوصايا الصغيرة)، لم أتقدم بها لأي مسابقة، كما أن جائزة البوكر كما هو معروف، فإن الناشر من يتقدم للترشح وليس الكاتب، وبكل الأحوال أظن أن الكتابة الجيدة الصادقة تقود نفسها إلى الجوائز، والجوائز كذلك ليست خاضعة لمعايير ثابتة كي يكتب المؤلف بغرض الفوز بها، والأهم بالنسبة إلي أن يحقق النص ما تبتغيه قضيته".

ذكرى "ساق البامبو"

من المعتاد في كل عام أن تطلق "البوكر" أسماء شابة واعدة، وهذا أمر ليس بالبسيط، وربما جاز لنا القول إن الكاتب الشاب قبل الفوز أو الترشح لا يكون هو نفسه بعد ذلك. هذه المسألة يتفق معها النصرالله ويرى أن الجوائز الكبيرة عموماً هي مرحلة جديدة ومختلفة لما لها من أثر في القارئ والناقد، كونها تقدم الروائيين الذين يبلغون مراحلها النهائية بشكل جيد وعلى نطاق واسع.

لكنه ينفي ترقب النتيجة والانشغال بها ويضيف، "لكل حال مشاعرها الخاصة، لكنني لست في حال تأهب قصوى لمعرفة النتيجة، ومشاعري هادئة بكل الأحوال، وأحاول أن أحافظ على تركيزي في إنجاز مشروعي الأدبي الجديد".

في عام 2013 فوجئ الوسط الأدبي بفوز كاتب كويتي شاب هو سعود السنعوسي بجائزة "البوكر" عن روايته "ساق البامبو". ربما شكل ذلك حافزاً لكتاب شباب كثيرين في الكويت والخليج عموماً لتجريب حظهم. عن ذلك قال النصرالله، "ربما كان هذا سبباً مباشراً، لكن المؤكد أن فوز سعود السنعوسي أعطى ثقة وحظوة للرواية الكويتية في حضورها عربياً، وهذا أمر ملحوظ خلال السنوات الماضية".

الكلام عن الثقة والتشجيع يبدو جلياً في فوز أكثر من كاتب خليجي بالجائزة خلال السنوات الماضية، وأيضاً في حضور أربع روايات خليجية في القائمة الطويلة. وإن كان النصرالله يبدو متحفظاً على المحاصصة الجغرافية ويقول، "حقيقة لا شيء، وأنا لا أحب مسألة الفصل بين الخليج وبقية أقطار الوطن العربي، فكل الأعمال مكتوبة باللغة العربية، ولكل منطقة تجربتها الخاصة الثرية والتي بإمكانها أن تنتج نصوصاً مغايرة، فدول الخليج ليست بمنأى من القضايا المشتركة، إلا إذا كان القصد أن الفرد الخليجي يكتب رواية أقل جودة من بقية الدول، فهذا الانطباع أشبه بفكرة كلاسيكية لا تمت إلى الواقع بصلة، وعلى المثقف العربي التخلص منها".

معلمي الكبير

قبل نحو 15 عاماً التقيت بالشاب الجامعي خالد النصرالله حيث كان حريصاً على متابعة ندوات "ملتقى الثلاثاء" التي تقام بحضور ورعاية الأب الروحي للرواية الكويتية الراحل إسماعيل فهد.

كان شاباً شديد اللطف في عينيه لمعة ذكاء وطموح، وسرعان ما أصبح من أكثر الشباب قرباً من إسماعيل فهد وملازمة له، لذلك لم أستغرب أن يهدي روايته لاسمه، وعن ذلك يقول، "ندين بالفضل إلى إسماعيل فهد إسماعيل لما تشهده الرواية الكويتية من تطور لافت وحضور مميز، وهو الذي عمل طوال عقود على احتضان كل المواهب الفتية، بغية تأسيس جيل قادر على أن يحمل نفسه بنفسه، وأنا أعرف أنه فعل هذا بقصد ونية، أما أنا فلا أستطيع أن أنتزع إسماعيل من داخلي، فهو معلمي الكبير، وهذه الرواية مهداة إليه لأنها الأولى بعد وفاته، وقد أطلعته عليها حتى فصلها الخامس قبل أن توافيه المنية، غير أنه كان يراهن على اسمي وأنا أعتز بهذه المسؤولية التي أولاني إياها".

شبح الرقابة

بعيداً من حرق أحداث "الخط الأبيض من الليل" فهي تتناول على نحو ساخر شبح أو صداع الرقابة على الكتب، وعلى الرغم من أن الموضوع محل سجال في الوسط الثقافي الكويتي، لكن النصرالله تحاشى الإشارة المباشرة إلى الواقع الكويتي. ألا يبدو تصرفه ذلك فعلاً رقابياً ذاتياً؟ تحفظ على وجهة نظري وأضاف، "الداعي الفني في النص هو ما يملي علي الطريقة الملائمة لعرض الموضوع، لم أشر إلى الإدارة باسمها الفعلي، لأن ليس هناك مشكلة شخصية معها، وليست هي المعنية بذاتها، فقضية النص مطلقة غير محدودة على النطاق المحلي، والرقابة كفكرة ليست مقتصرة على الكتب، وهذا ما أردته للرواية أن تكون، لكنني بشكل عام لم أشعر برغبة في تجنب الحديث عن أمر بعينه حين الكتابة، وأنا عادة لا أضع في رأسي أية حواجز اجتماعية أو رقابية عند المضي في النص".

من يتابع فصول الرواية سوف يتلمس تناقض أو ازدواجية بطلها "الرقيب" أو "المدقق"، فهو من ناحية شخص مثقف جداً ومحب للإبداع، ومع ذلك يعمل في مهنة تقمع "الكتابة"، وهذا ما يؤكده النصرالله بالقول إن "النص تحدث عن هذا التناقض بشكل صريح، والمدقق شخصية مضطربة فعلاً ولها صراعاتها الداخلية الخاصة وأفكارها المتناقضة، وندرك مع نهاية العمل أي الأفكار تلك كانت لها الغلبة، وبشكل آخر حاول النص أن يعرض التباين في شخصية المدقق من الداخل إلى الخارج، والخارج نحو الداخل، وهكذا يتضح بشكل أكبر في عملية التخييل المضاعف التي قام فيها المدقق عندما شرع في كتابة روايته".

عالم "كافكاوي"

نسبة إلى الكاتب التشيكي فرانز كافكا، المولع بالعوالم المقبضة والسوداوية، أصبح ثمة توجه روائي لنصوص تصور "ديستوبيا" مغلقة لا خلاص منها، ولا يبدو أن النصرالله يرفض السمة الكافكاوية لروايته ويقول، "هذا الوصف بالذات لا يختلف عن الواقع كثيراً سوى في عنصر المبالغة، وإقحام شيء من السريالية، ففعل الرقابة في زمن كهذا ليس لأحد أن يصوره إلا بهذا الشكل الكابوسي، ومع ذلك فالمبنى الخاص بالرقابة وما يحيط به مشابه للواقع إلى حد ما".

أحياناً تجنح العوالم المغلقة إلى السخرية والترميز، فهل كان ثمة معنى وراء العنونة بـ "الخط الأبيض"؟ يقول الكاتب "ربما هي رمزية الكتابة والحرية وفعل المقاومة الضئيل الذي يحاول أن يمزق الليل المظلم الشاسع".  

بين الكاتب والناشر

يقدم خالد النصرالله درساً في الدأب إذ نشر أربع روايات، وهي "زاجل" و"الدرك الأعلى" و"آخر الوصايا الصغيرة" و"الخط الأبيض من الليل"، إضافة إلى مجموعة قصصية هي "المنصة"، فإلى أي مدى تبلور مشروعه وأين يذهب به؟ وكيف يحتفظ بذلك الشغف؟ عن كل ذلك قال "مشروعي يذهب حيث القضايا التي تهزني من الداخل، وحتى اللحظة ينبت مشروع جديد قبل انتهاء القائم، وأعتبر نفسي محظوظاً لهذا التوالد الروائي المتوالي".

لا أعرف هل يجوز وصف تجربته بـ "الغزارة" أم لا، لكن اللافت أنه ليس متفرغاً للكتابة فقط، بل أسس داراً للنشر ثم داراً أخرى لنشر الأعمال المترجمة. فهل يتعامل في مجال النشر بروح المبدع أم عقلية التاجر؟ يجيب، "بالأمرين، وهو ميزان يصعب أن تتوافق كفتاه، أحياناً يتغلب حس الكاتب، من خلال الإصرار على طباعة نص نوعي يستحق المغامرة وأتحمس لتقديمه كونه بحسب ظننا كتابة جديدة ومختلفة، وأوقات أخرى تفرض عقلية التاجر نفسها خصوصاً حين تعاني الدار من نكسة في الموازنة بسبب غلبة الأعمال الثقيلة على تلك الخفيفة التجارية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى جانب الكاتب والناشر لا ننسى أيضاً مهنة المدرس التي يقول عنها، "هي وظيفتي الأساس، وبلا شك فإن التعامل مع العقليات الناشئة يضفي على تجربة الإنسان كثيراً، مثل التفطن إلى وعي الآخر والاستفادة من إدراك سيكولوجية الأجيال الجديدة مجتمعة أو متفردة، أما مهنة النشر فهي أطلعتني على تجارب رائعة وجديدة ومغايرة خصوصاً في النصوص المترجمة، فالعالم يسبقنا بكثير في النواحي التجريبية، ونحن بحسب هذا المقياس مازلنا نفضل الكتابات الكلاسيكية".

لعل سوق النشر جعلته يلمس عن قرب مدى مقروئية الكاتب الخليجي عربياً، إذ ينظر للأمر نظرة إيجابية قائلاً، "مقروئية الكتاب في الخليج حاضرة عربياً بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وبدأ القارئ العربي يبحث عن أسماء بعينها، ربما الجوائز أسهمت بهذا عوضاً عن أسماء أخرى عريقة كان لها حضورها منذ عقود".

الطريف أن الناشر خالد النصرالله لم ينشر رواية الكاتب خالد النصرالله، بل لجأ إلى ناشر آخر، لكنه لا يعتبر الأمر غريباً ويقول، "وجدت بعد 10 سنوات من ممارسة النشر والكتابة أن الجمع بينهما لا يصح ولا ينجح، ككاتب أحتاج أن أسعى مثل الآخرين نحو ناشر يؤمن بنصي ويسنده ويقدمه للقارئ، فإن لكل حال، الكتابة والنشر، شخصيتها المتفردة والتي بالضرورة ستصطدم بالأخرى".

بغض النظر عما إذا كانت "الخط الأبيض من الليل" ستتوقف عند القائمة القصيرة أم ستتوج بالجائزة بعد أيام، يبدو أن النصرالله بدأ بالفعل مشروعه المقبل وكشف عن ملامحه قائلاً، "أعمل على سيرة روائية متخيلة استغرقت وقتاً طويلاً للتحضير والبحث، ومازلت أتفحص بعض الأجواء المتعلقة بها، وعلى الرغم من واقعية أكثر أحداثها، فإن رمزيتها أعلى من فضاءات الفنتازيا والديستوبيا، وهذا من المفارقات العجيبة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة