Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسنون بلقب "متقاعد"... "معضلة العمر" في العالم العربي

واجه كبار السن تحديات صحية خلال جائحة كورونا ودعوات للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم

أوضاع المسنين في العالم العربي (رويترز)

بغفلة عين تواصل عجلة الحياة دورانها وتمضي الأيام، بحلوها ومرّها، بعد مسيرة طويلة من العمل والكفاح وسط زحمة الهموم والمسؤوليات. فبعد سنوات من العمل، أمضى فيها الإنسان ريعان شبابه وسنوات عمره، يستعد المتقاعد لتسليم الراية لمن بعده، حاملاً الخبرات المهنية والحياتية.

مما لا شك فيه أن التقدم في العُمر لا يقف عائقاً أمام تحقيق الأهداف، فالتقاعد الذي يعتبره البعض "نهاية المسار"، يجده البعض الآخر بداية مرحلة جديدة مختلفة، وفرصة لتعويض ما سلبه الوقت وأضاعته زحمة الانشغالات ونمط الحياة السريع.

فهل تعتبر هذه الشريحة طاقة مهدرة في مجتماعتنا العربية؟ وما هو دورها وكيف يتم التعامل معها اجتماعياً، وسط العائلات أو في دور المسنين؟

أكثر من 7 المئة من سكان الأردن من المسنين

في الأردن، تُفاخر الحكومة بأنها تعمل على حماية الشيخوخة في المجتمع الأردني من خلال قرارات عدّة، كالرعاية الطبية، ودور المسنين، والتقاعد المدني، لكن مراقبين يرون أن المسنين والمتقاعدين من بين الفئات التي لا تزال مهملة وغير فاعلة، ويصنف المجتمع الأردني بأنه فتيٌّ، وتغلب عليه فئة الشباب.

ويقدر عدد المسنين في المملكة بنحو 800 ألف شخص، وبنسبة تزيد على سبعة في المئة، من مجموع السكان، ومعظمهم من النساء، وتقطن غالبيتهم في العاصمة عمان، وتعرف الاستراتيجية الوطنية لكبار السن في الأردن المسنين بأنهم من بلغوا سن 60 عاماً فأكثر.

ويزيد عدد المتقاعدين على مليون شخص، بفاتورة شهرية تقارب 122 مليون دولار شهرياً، وتشكو الحكومات الأردنية المتعاقبة من ارتفاع فاتورة التقاعد في الموازنة العامة، إذ تضاعفت نحو ثلاث مرات منذ عام 2003، وحتى عام 2019 لتصل إلى نحو 1.89 مليار دولار سنوياً.

نظام لرعاية المسنين

وقبل سنتين، صدر في الأردن نظام رعاية المسنين الذين تهتم بهم جهات متعددة، منها المجلس الوطني لشؤون الأسرة، إضافة إلى إقرار نظام لإيواء الهائمين على وجوههم قريباً، غير أن توصيات قدمها متخصصون تدعو الحكومة الأردنية لشراء خدمات الرعاية الإيوائية للمسنين، وإنشاء مركز تدريب متخصص في رعاية المسنين ورفده بالكوادر التعليمية المؤهلة ليكون نقطة انطلاق نحو توفير خدمات الرعاية المنزلية مستقبلاً، وعلى أساس التطوع، وتنفيذ برامج تدريبية للكوادر العاملة في دور الرعاية على إجراءات إدارة الحالة للتعامل مع الحالات النفسية والاجتماعية للمسنين، ومدى ملاءمة المباني والمرافق العامة.

ويؤكد الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد فخري مقدادي على اهتمام الأردن بقضايا كبار السن، بخاصة في ظل الأرقام التي تشير إلى ارتفاع نسب كبار السن خلال السنوات المقبلة. ووفقاً للاستراتيجية الوطنية لكبار السن للأعوام 2018 – 2022، ما زالت فئة كبار السن تواجه تحديات عدّة تحول دون إدماجها في عديد من مجالات الحياة. ويضيف مقدادي، "رفعنا شعار (عدالة رقمية للأعمار كافة)، لتسليط الضوء على أهمية تسخير التكنولوجيا ‏لخدمة كبار السن من خلال تيسير استخدامهم هذه الوسائل، إضافة لإيجاد كل ما يمكن أن يسهل عليهم حياتهم ويساعدهم في تحقيق حياة كريمة".

ولا يزيد عدد المسنين المقيمين في دور الإيواء على 400 شخص، ما يعني أن الرعاية الأسرية والعائلية للمسنين لا تزال هي الأساس، على الرغم من التغيرات الديموغرافية التي يشهدها الأردن، والأنماط الاجتماعية المتغيرة.

مسنون عاملون

ومن المؤشرات السلبية أن كثيراً من المسنين الأردنيين ما زالوا في سوق العمل، وأظهر مسح متخصص أن نحو 35 ألف مسن ما زالوا يعملون، بخاصة مع إقبال كثيرات من الأردنيات المسنات على الحصول على تقاعدهن المبكر كدفعة واحدة، من مؤسسة الضمان الاجتماعي، ما يفتك بالحماية الاجتماعية لهن، ويعرضهن لمخاطر عدم القدرة على العيش الكريم مستقبلاً.

في المقابل، تدعو مؤسسات اجتماعية كثيرة إلى توفير فرص عمل لكبار السن، والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ومعارفهم لدعم الاقتصاد الوطني، وإعادة جدولة المراحل العمرية لضمان أن تكون هذه السنوات ضمن سنوات الإنتاج، وليست سنوات الشيخوخة، بخاصة مع ضعف الحماية الاجتماعية.

وتشير مؤسسة "تضامن" إلى أن المسنين في الأردن يفقدون كثيراً من الميزات والفرص كالتعليم والقروض المالية والتدريب والخدمات والرعاية، على الرغم من وجود نحو 10 دور لرعاية كبار السن في المملكة، فغالبيتهم العظمى يسكنون مع أبنائهم أو أحفادهم، وتقدر نتائج التعداد العام للسكان سن الحياة للمسنين ما بين 72 و74 عاماً. وتقول التقديرات، إن نحو 22 في المئة من المسنين والمتقاعدين يستخدمون الحاسوب.

رعاية صحية ضعيفة

ولم يكن المسنون الأردنيون قبل عام 2011 ضمن الفئات التي تحظى برعاية صحية، وعلى الرغم من مُضيّ سنوات على انتزاع هذا الحق، لا تزال الرعاية الصحية للمسنين والمتقاعدين ضعيفة وغير مُجدية بسبب ضعف المنظومة الصحية في البلاد وتزايد نسب الفقر.

وواجه المسنون تحديات صحية خلال جائحة كورونا التي كشفت عن فشل النظام الصحي في حمايتهم، وارتفع معدل الإصابات والوفيات بينهم، على الرغم من قلة عددهم وعدم تشكيلهم عبئاً على موارد الدولة المالية. وتقول التقديرات الصحية، إن المسنين يعانون انتشار الأمراض والمشاكل الصحية المزمنة في أعمار أقل منها في الدول الأخرى، ووفقاً لوزارة الصحة، يعاني 86 في المئة من فئة كبار السن في الأردن أمراضاً مزمنة، ولا سيما ضغط الدم والكوليسترول والسكري، وأمراض القلب والفشل الكلوي المزمن، كما تبدأ الشيخوخة في سن مبكرة في الأردن، وأيضاً سن التقاعد، ويعاني المسنون الأردنيون ارتفاع نسبة الوفيات في صفوفهم، فقد بلغت 63 في المئة من مُجمل الوفيات، بسبب مشاكل القطاع الصحي كنقص الكوادر والموارد، وتهميش الوقاية والتوعية، وضعف الرعاية التمريضية للمسنين.

متقاعدون فقراء

ويصنف معظم المتقاعدين في الأردن بأنهم تحت خط الفقر، وتقل رواتبهم عن 500 دولار، الأمر الذي يدفع كثيراً منهم لبيع رواتبهم التقاعدية أو العمل في وظائف إضافية شاقة، وتطالب مؤسسات حقوقية برفع رواتب المتقاعدين حتى تُؤمَّن للمتقاعدين حياة كريمة، ويفقد المتقاعدون كثيراً من الامتيازات كالتأمين الصحي.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، يتوقع أن ترتفع نسبة الفقر في الأردن إلى 27 في المئة، في وقت ارتفعت فيه البطالة إلى 24 في المئة.

مطالبات بوضع آلية للاستفادة من خبرات المتقاعدين في السعودية

إذا كنت مواطناً في السعودية، فأنت من تحدد شكل تقاعدك ومساره، فإما أن تكون مهمشاً أو تبحث لنفسك عن دور في المجتمع بعد بلوغك سن التقاعد، فلا توجد برامج واضحة ومتخصصة من الحكومة أو من القطاع الخاص لاستغلال تلك الفئة والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، فالتعاقد لا يزال تحت مظلة الاجتهادات الشخصية للمسؤولين.

صالح القرشي، عضو مؤسس لجمعية المتقاعدين في الرياض، يقول إن تهميش المتقاعدين يشارك فيه الطرفان، الحكومة والفرد، مشيراً إلى أن "البلاد تحتاج لوضع آلية أو خطة من أجل الاستفادة من الكنز الثمين لكي لا يكونوا على الهامش، فهم خبرات متراكمة يحتاج إليها الوطن، ولهم دور في خدمة المجتمع من خلال الانضمام إلى مؤسساته المدنية، ونقل خبراتهم بالمشاركة في الأنشطة والندوات وحملات التوعية والتوجيه.

بعد أعوام من العمل، يجد الفرد نفسه حاملاً لقب "متقاعد"، وبعدما كان يعمل بدوام كامل، بات يدور في "فراغ كامل". لذا يطالب القرشي بإنشاء مراكز اجتماعية للمتقاعدين، أصحاب الخبرات المحدودة، هؤلاء الذين اعتادوا طوال سنوات عمرهم الذهاب والعودة من العمل، ولا يعرفون شيئاً في الحياة سواها، بشرط أن تكون تلك المراكز جاذبة لهم باحتوائها على مراكز رياضية وترفيهية.

ويقترح القرشي أن تكون تلك الأماكن ضمن مكونات مراكز الدراسات الاستشارية والبحوث، مطالباً الدولة بأن تعين المتقاعدين على حياتهم المعيشية والصحية وتمنحهم التقدير الذي يستحقونه، في أولوية الخدمة وغيرها، تقديراً لخدمتهم وطنهم.

تنظيم يفرض الوجود

أما صالح البعيز، رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود سابقاً، فأشار إلى أن هناك عدداً من القطاعات تتعاقد مع المتقاعدين وتشركهم في العملية التنموية والاقتصادية مثل الجامعات السعودية، التي ما زالت تستعين بذوي الكفاءات العالية، وكذلك بعض المؤسسات في القطاعين العام والخاص. لكنه نوّه بأن الأمر برمّته يخضع لثقافة المسؤول عن القطاع، ورؤيته حول الاستعانة بتلك الخبرات أو تجاهلها.

ويلفت البعيز إلى حاجة المتقاعدين لتنظيم يفرض وجودهم بنسب معينة في كل قطاع، والتوسع في التعاقد معهم كمستشارين بدلاً من التركيز على ما يُجلب من مستشارين من الخارج، وإن كان هذا مطلوب ولكن في أضيق الحدود.

البعيز اختتم قائلاً: "عندما يُذكر المتقاعد ودوره في الأسرة، دائماً ما يتبادر إلى أذهان السعوديين التعليقات التي تُنشر عن تفحصه كل كبيرة وصغيرة في المنزل، ما يجعل التوتر والقلق يدبّان في جنبات البيت، لكنه سيظل كبير الأسرة وعمدتها وحكيمها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسنو مصر... ضغوط اقتصادية تقضي على "الدور الأسري"

"الحاج" و"الحاجة"، أو "المقدس" و"المقدسة"، في إشارة إلى من زار بيت المقدس، أو "البركة" لكل من الرجل والمرأة، كلها ألقاب تطلق على كبار السن في مصر، الذين يتجاوز عددهم الستة ملايين، وتتراوح أعمارهم بين 60 و70 عاماً.

هذا الجيش الجرار من كبار السن، شأنهم شأن مجريات الحياة والأفراد في مصر، أبعد ما يكونون عن التناغم في السمات أو التشابه في الأحوال أو حتى التقارب في توصيف الأزمات والمشكلات.

تعداد الكبار

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يشير إلى أن متوسط الأعمار في مصر يبلغ نحو 74 عاماً، لكن واقع الحال وقصص المصريين وواقعهم المعاش يشير إلى أن "جدو" أطفأ شمعته الـ 85 و"تيتة" دخلت عامها الـ 90 بثقة وأمان.

وبين "جدو" و"تيتة" اللذين يمضيان قدماً في عقديهما الثامن والتاسع من دون مشكلات كبرى، باستثناء بعض العصبية هنا وقدر من النسيان هناك، والتعريف المتداول نظرياً بأن المسن هو كل إنسان أصبح عاجزاً عن رعاية نفسه وخدمتها بسبب تقدمه في العمر ونتيجة تغيرات جسدية ونفسية فجوة كبيرة. ويتسع حجم الفجوة مع إضافة عنصر التناقض الشديد والتفاوت الرهيب بين قدرات المسنين في مصر والإمكانات المتاحة لهم ولرعايتهم، لا سيما الاقتصادية والأسرية.

ولكل من الستة ملايين مسن ومسنة قصة مختلفة، لكن يمكن استخلاص قصتين رئيستين هما، "مسنون محظوظون"، حيث إمكانات اقتصادية أو أسرية أو كليهما لرعايتهم، و"مسنون غير محظوظين" يعانون نقص أو انعدام هذه الإمكانات. وتبقى هناك مساحة متداخلة، حيث فئة تحظى بالإمكانات لكنها تفتقد أبجديات الإنسانية وقواعد الرعاية الصحية والنفسية لهذه الفئة العمرية.

وعلى الرغم من التعريف الذي وضعته جامعة الدولة العربية للمسن، بأنه كل من تجاوز عمره الـ 60 عاماً، إلا أن واقع الحال في مصر يشير إلى فئة متنامية من هؤلاء تعمل وتنشط في مجالات مختلفة تتراوح بين التدريس والأعمال الحسابية والاستشارات بأنواعها والطب وغيرها. بعضهم يعمل لأنه قادر على العمل، وبعضهم الآخر يعمل لأنه مضطر إلى ذلك للتخفيف من حدة العوز.

تناقضات المسنين

"عم أحمد" موظف أمن في "العيادات الخارجية" الملحقة بمستشفى خاص. يقول إنه أتم عامه الـ 70 قبل أيام، وعلى الرغم من تأكيده على أنه يعشق العمل وأن "اليد البطالة نجسة"، إلا أنه في الوقت نفسه مضطر إلى العمل، نظراً لضيق ذات اليد، إذ لا معاش يتقاضاه نظراً لسنوات عمله في الاقتصاد غير الرسمي وبطالة مقنعة تجعل دخول الأبناء أقرب ما تكون إلى المصروف اليومي لهم.

في المستشفى ذاته، أطباء يداومون على العمل تعدت أعمارهم الـ 70 عاماً أيضاً، وتعدت ثرواتهم الملايين، لكنهم ما زالوا يعشقون العمل ويشبهون التقاعد بشهادة الوفاة المستعجلة.

وراء كل باب قصة لمسن أو مسنة، لكن يبقى المسنون المصريون في مجملهم تعداداً يقع ضمن مسؤولية الأهل والأقارب، فالتقدم في العمر قضية أسرية، وجهود وقدرات الدولة ما زالت في أضيق الحدود لهذه الفئة العمرية، مما يلقي بالمسؤولية الصحية شبه الكاملة على كاهل الأسرة، وهي المسؤولية التي لا تخلو من مكون ثقافي وديني ما زال قوياً، لكن بدأ في التغير بشكل ملحوظ.

تدخلات حكومية

الخبيرة الاجتماعية في مجال حقوق المسنين أمنية صلاح زكي تشير في دراسة عنوانها "أبعاد التكيف المأمول للمسنين في إطار الواقع الاجتماعي في مصر"، إلى أن المسنين في مصر ظلوا لمئات وربما آلاف السنوات لا يحتاجون إلى تدخلات حكومية أو أهلية لرعايتهم، فالرعاية الكلية كانت مكفولة لهم داخل أسرهم بفعل نظام أسري ومنظومة ثقافية ودينية صلبة سائدة، لكن ظهرت الحاجة إلى تدخل متزايد من قبل الأجهزة الحكومية والجمعيات الأهلية في ضوء التغيرات الكبرى التي فرضتها المدنية المعاصرة التي تطيح بكثير من القيم التي كانت أموراً مفروغاً منها على مدار التاريخ.

داخل دار المسنين الخاصة في حي مصر الجديدة عشرات الحكايات للمقيمين، فأحد المتضررين يقول إن إقامته التي تكلف 10 آلاف جنيه (540 دولاراً أميركياً) تقتله يومياً، مشيراً إلى أنه ظل عامين ينتقل من بيت الابن إلى بيت الابنة، إذ تضررت زوجة الأول ثم ضجر زوج الثانية، إلى أن انتهى الحال به في الدار التي يدفع نظير الإقامة فيها كل معاشه، ويتشارك الأبناء ثمن الدواء. يقول إنه كان يتمنى أن يمضي سنواته أو أيامه الأخيرة وسط أسرته وليس كمريض في دار مسنين يتم التعامل معه باعتباره طفلاً لا حول له أو قوة، ناهيك عن احتمالات مستمرة للتعرض لسوء المعاملة من الممرضين والممرضات غير المؤهلين.

ضغوط الحياة الاقتصادية الخانقة وضيق مساحة البيوت وخلق سكانها على تحمل "ضيف" يمر بتغيرات نفسية، يجدها بعضهم مسؤولية صعبة وتتطلب وقتاً وجهداً وصبراً وحباً ومالاً، عصفت بجانب لا بأس به من منظومة الرعاية الأسرية للمسنين "المفروغ منها".

القانون الأول من نوعه

وانتهت الجهات المعنية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من مناقشة قانون "حقوق المسنين" الأول من نوعه في مصر، ووافق عليه مجلس الشيوخ المصري. نصوص القانون الجديدة من شأنها أن تضمن حقوق المسنين الصحية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والترفيهية والمشاركة في الحياة العامة والرعاية النفسية والصحية والثقافية، مع توفير معاش مناسب يضمن لهم حياة كريمة.

ويحوي القانون قائمة من المعاشات المختلفة لمن يعانون عجزاً أو مرضاً مزمناً ولا يتمتعون بمعاشات أو ضمانات اجتماعية وصحية، وإنشاء دور رعاية لكبار السن، سواء للإقامة أو الترفيه النهاري بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني. القانون الطموح نص كذلك على نشر الثقافة الإلكترونية في مراكز المسنين، وإتاحة الفرصة لمن يرغب منهم في استكمال تعليم المرحلتين الإعدادية والثانوية، إضافة إلى مراعاة حاجات المواطنين في تخطيط المرافق العامة.

يشار إلى أن "شبكة شرق المتوسط للمدن الصديقة للمسنين" تهدف إلى تعزيز نوعية الحياة مع التقدم في العمر عبر مدن تكيف هياكلها وخدماتها بشكل يسهل حياة المسنين وتنقلاتهم والقدرة على الوصول لحاجاتهم.

والمدينة تحوي مبان وشوارع خالية من العوائق تشجع على تنقل الأشخاص ذوي الحاجات الجسدية الخاصة، وفيها أحياء آمنة تتيح لهم الحضور خارج بيوتهم وهم يشعرون بالأمان، مع إتاحة مشاركتهم في أنشطة بدنية واجتماعية وترفيهية مناسبة وآمنة، إضافة إلى حصولهم على الدعم النفسي والإنساني من المجتمع والرعاية الصحية اللازمة، كما أن فيها إمكانات وفرص مشاركة كبار السن في العمل التطوعي أو مدفوع الأجر.

النظرية والواقع

وتظل النظرية والقانون بعيدين نسبياً من الواقع والتطبيق، على الرغم من جهود مضاعفة تبذلها مصر لضمان حقوق المسنين، لا سيما في ظل التغيرات المجتمعية والمعيشية والأسرية الكبرى التي نالت من منظومة رعاية الأهل لهذه الفئة.

أكبر الإنجازات التي شهدها المسنون المصريون تكمن في مظلة المعاشات التي زادت قيمتها واتسعت مظلتها، أما البنى التحتية الصديقة لهم والمناسبة لحاجاتهم وفرص العمل والترفيه وغيرها فما زالت تحاول أن تخطو خطواتها الأولى ولكن بشق الأنفس.

عامان من الوباء، وقبلهما سنوات من القلاقل السياسية والاقتصادية والأمنية، وأخيراً شبح حرب تهدد بالنيل مما تحقق تؤثر في وضع "الحاج" و"الحاجة" وحقوقهما وتطلعاتهما في مدن وقرى صديقة للمسنين.

نسبة كبار العمر تشكل 3.1 في المئة في العراق

تجاوز "أبو علي" سن الستين، وهي مرحلة التقاعد في العراق ودول عربية عدة، وينظر الرجل، مثل كثير من أقرانه، إلى هذا العمر على أنه "نهاية المطاف" وأن دوره في الحياة "أصبح مهمشاً"، على الرغم من أن لديه كثيراً ليقدمه.

يقول أبو علي، "مسيرتي التي استمرت أكثر من 35 عاماً ستنتهي بالجلوس في البيت". مضيفاً "لدي كثير من الطاقة، وأستطيع أن أعمل، إلا أنني بعد هذا العمر سأهتم بحديقة بيتي وسأتسامر مع أطفال ولدي". وكان أبو علي موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية، ولديه ثلاثة أبناء، اثنان منهم متزوجان، بينما سافر الثالث خارج العراق.

يعد العراق من البلدان ذات نسبة الشباب العالية، مقارنة بكثير من الدول، إذ تمثل هذه الفئة 56.5 في المئة للأعمار ما بين (15-64) سنة. فيما نسبة كبار السن منخفضة للأعمار من 65 سنة فما فوق، وتشكل 3.1 في المئة من عدد سكان العراق، البالغ أكثر من 40 مليون نسمة.

ماذا بعد السبعين؟

بيد أن آخرين يعتبرون أنهم مازالوا ناشطين في المجتمع، ويمكنهم أن يديروا مشاريع، حتى وإن تجاوزوا السبعين من عمرهم. فلم يمنع عامل السن أبا أحمد من العمل مفترشاً الأرض بعدد من الأغراض، على الرغم من اقترابه للسبعين خريفاً. يقول أبو أحمد، "أنا أكسب بعرق جبيني، لا أريد أن أكون ثقيلاً على أحد، فأي مبلغ يأتيني فهو كرامة لي، وأشعر أني أفعل أمراً مفيداً".

وتولي العادات والتقاليد العراقية مزيداً من الاحترام والتبجيل لكبار السن، لا سيما الأم والأب والجدة والجد، ويتم الاستماع إلى آرائهم، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من معاناة بعضهم بسبب المعاملة السيئة من قبل ذويهم، ومن الإهمال خصوصاً في حال المرض.

زهرة جابر، التي تجاوزت الخمسين سنة وليس لها إخوة، وعلى الرغم من امتلاكها راتباً تقاعدياً، إلا أن متطلباتها زادت، كونها تحتاج لرعاية خاصة، واضطرت للجلوس وحيدة في البيت، بينما تكفل جيران الحي بمراعاتها، لا سيما أنها تتخوف من الذهاب إلى دور رعاية كبار السن، وتقول "لا أريد أن أكون سجينة".  

دور رعاية أم سجن؟

مدير دار رعاية المسنين في الرشاد بغداد، علي عبد السادة الغراوي، أشار إلى أن الدار تؤوي 110 مسنين، على الرغم من أن قدرتها الاستيعابية 80 فحسب، وقال إن بعض النزلاء جاءوا إلى المؤسسة بإرادتهم، بعد أن لمسوا مضايقة من قبل ذويهم، أو شعروا أنهم أصبحوا عبئاً عليهم، وأن بعضهم كان يشغل وظائف حكومية ولديه راتب تقاعدي.

وأضاف الغراوي، أن نظام رعاية المسنين لعام 1985 في مادته الرابعة، يشترط أن يكون المسن، الذي يتم إيواؤه في الدار، عراقي الجنسية أو فلسطينياً مقيماً في العراق، وأن يكون قد أكمل 60 سنة، بالنسبة إلى الرجال، و55 للنساء، وخالياً من الأمراض السارية".

الغراوي أكد أن الدار توفر خدمات عدة، و"إذا وجدنا أن النزيل قادر على إعالة نفسه نسمح له بالخروج"، معترضاً على تشبيه الدار بالسجن، وقال إنها تحتوي على قسمين للمقعدين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وهناك رعاية خاصة لمن يحتاج إعالة، إضافة إلى موظفين متخصصين.

حالات مأسوية

وتحدث مدير المركز عن إحدى الحالات التي وردت للدار، وقال إن "رجلاً كبيراً في السن جاء بصورة طوعية بعد أن وجد أن الشقة التي يسكنها هو وابنه وزوجة ابنه وأحفاده لا تتسع لهم، فأراد أن يخفف على عائلته، ومن أجل ألا يكون عبئاً على أحد". وأضاف أن "الوالد يملك راتباً تقاعدياً ويذهب إلى ولده بين فترة وأخرى ليساعده".

وأشار الغراوي إلى أن موظفي الدار رصدوا حالات مأسوية لكبار في السن من قبل عائلاتهم، بسبب قلة الترابط الأسري، والوضع الاقتصادي، الذي تعيشه العوائل العراقية، لا سيما بعد جائحة كورونا. لافتاً إلى أن أغلب الحالات التي تأتي هي لكبيرات في السن من المقعدات، لأنهن يحتجن معاملة خاصة. وقال إن المؤسسات الصحية وفرت العلاج مجاناً للنزلاء، بينما صرفت لهم وزارة العمل راتباً شهرياً قدره 60 ألف دينار (حوالى 1450 دولاراً).

مفهوم خاطئ ونصائح

بدورها، بينت الأكاديمية والباحثة في الشأن الاجتماعي، ندى العابدي، أن "المنظمات الدولية صنفت أعمار الشباب من 18 إلى 65، ومن يتخطى هذا العمر يعد من كبار السن، فيما من يتجاوز الـ85 يدخل في إطار سن الشيخوخة. وقالت إن "هذا التقسيم ليس له وجود في قاموس مجتمعاتنا نتيجة عادات وتقاليد وقراءة خاطئة للدين".

العابدي أشارت أن "بعضهم يعتبر أن الإنسان بعد سن التقاعد يتفرغ للعبادة، استعداداً لاستقبال الموت. هذا المفهوم قراءة خاطئة للدين، لأن العمل عبادة". وبينت أن الذين يصلون هذه المرحلة يشعرون بنوع من الإحباط، وأن أولادهم ليسوا بحاجة لهم، لذلك من مسؤولية الأبناء والأقارب إبعاد هذا الإحساس عنهم من طريق استشارتهم في الأمور الاجتماعية، والمحافظة على مكانتهم، والاستماع لهم، والحفاظ على مركزيتهم في الأسرة.

ولفتت الباحثة في الشأن الاجتماعي إلى أن كبير السن يكون عصبي المزاج، وعلينا أن نتحمله ونعتني بغذائه وإرساله بصورة دورية إلى الطبيب، إضافة للخروج إلى الأماكن المفتوحة.

فئة تواجه الفراغ في الجزائر

ما يقلق هؤلاء عدم تمكنهم من الاستمرار في تقديم إضافة للعائلة والمجتمع على حد سواء ما يجعلهم يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم

يعيش المسنون والمتقاعدون حياة البؤس في الجزائر، ليس بسبب ضعف المنحة المالية، ولكن لأن أغلبهم لا يجد أين "يقتل" الوقت، ما يجعلهم عرضة لأمراض نفسية تقودهم من دون رغبة منهم إلى هامش المجتمع على الرغم من كل المجهودات التي تقوم بها الحكومة من أجل تعويضهم والتخفيف عنهم.

وضع صعب على جميع المستويات

وبعد سنوات طويلة من العمل والجد والعطاء وجد عمال الأمس، أنفسهم عاطلين عن العمل تحت عنوان "متقاعدين" في وضعية جديدة قوامها الفراغ، وبينما رفض البعض دخول النفق وعادوا للعمل ولو بشكل غير منتظم من أجل تمضية الوقت أكثر من أي شيء آخر، استسلم آخرون للواقع واعتكفوا في المنازل طلباً للراحة أو المساجد بحثاً عن المغفرة تحضيراً ليوم الوداع، بينما كان مصير الفئة الثالثة دور المسنين.

ولعل ما يقلق هؤلاء المسنين عدم تمكنهم من الاستمرار في تقديم إضافة للعائلة والمجتمع على حد سواء، ما يجعلهم يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم، بل على العكس من ذلك أصبحوا عبئاً على أبنائهم ومحيطهم، وبينما كان البعض يبحث عن ملء الفراغ، وجد منهم أنفسهم في وضعية اجتماعية غير مريحة تستدعي البحث عن مصدر رزق إضافي، بخاصة أن أغلب المتقاعدين منحتهم ضعيفة ولا تتعدى 130 دولاراً، ما جعلهم أمام شعور بالضعف والهوان وقلة الحيلة.

قوانين حماية

أمام هذا الوضع، سارعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات جديدة للتخفيف عن المسنين من أهمها تخصيص فرق للتنقل إلى مقر سكن المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى للتكفل بهم وسط عائلتهم لسد الطريق أمام وضعهم في دور العجزة، والمساعدة على قضاء حوائجهم، لا سيما ما تعلق باستخراج الوثائق. وعن ذلك يقول أستاذ علم الاجتماع، أمير وافي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إنه بات من الضروري التقرب من هذه الفئة للتعرف على مشاكلهم، ولعل أهمها ظاهرة صراع الأدوار داخل الأسرة والمجتمع، لأنه بمجرد إحالتهم إلى التقاعد يصبح صاحب الأجر الأكبر داخل العائلة المتحكم بزمام الأمور، ما يؤدي إلى آثار نفسية وخيمة على المسن الذي غالباً ما يعيش شيخوخة صعبة.

وتضمن نص الدستور الجديد الذي عُرض للاستفتاء الشعبي يوم 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تعديلاً جديداً في مادته 71 الخاصة بحماية الأسرة، حيث نصّت المادة على أن الدولة تسعى لـ"ضمان الحماية والمساعدة للمسنين".

11 مليون مسن

بلغ عدد المسنين في الجزائر نحو 11 مليون شخص، من مجموع عدد السكان الذي يتجاوز 40 مليون نسمة، بحسب آخر الإحصائيات التي نشرها الديوان الجزائري للإحصاء في مطلع عام 2020، والخاصة بفئة الـ60 عاماً فما فوق، والذي أوضح أن معدل نسبة زيادة الأشخاص الذين يبلغ سنهم 60 عاماً، وصل إلى 2.5 في المئة منذ 1963، وذلك بسبب تغير الخصائص الديموغرافية بالجزائر، والمتمثلة في نقص الخصوبة.

أرقام

وبحسب المتخصص في الإحصاء والاقتصاد، نصر الدين حمودة، من المتوقع أن يمثل الأشخاص المسنون نسبة 12.5 في المئة من إجمالي السكان الجزائريين في 2040، مبرزاً لدى تطرقه إلى وصف الأمم المتحدة كل شخص بلغ 60 عاماً بـ"المسن"، أنه تم إدراج مذكرة جديدة تخص هذه الفئة، وهي "معدل الحياة في صحة جيدة". وأكد أنه من أصل 60 عاماً فما فوق فإن 55.3 في المئة من بينهم يعانون أمراضاً مزمنة، إذ يمثل أكثر من نصف هذا العدد فئة النساء، في حين أن 30 في المئة منهم يقولون إنهم منزعجون بشكل كبير مع تقارب النسبة لدى الفئتين.

وفيما يتعلق بظروف السكن، أشار حمودة إلى أن 6 في المئة من السكان البالغين من العمر 80 عاماً فما فوق يعيشون بمفردهم، أما بخصوص مصادر الدخل، فإن 48.3 في المئة من أصحاب الـ60 عاماً فما فوق، يتكفلون في حد ذاتهم بأشخاص آخرين، بينما 66 في المئة من النساء و37.9 في المئة من الرجال يتكفل بهم غيرهم.

اهتمام بـ3.2 مليون متقاعد

من جهة أخرى، أطلقت وزارة العمل حملة تحت شعار "أسبوع المساعدة الاجتماعية في البيت"، والتي تتضمن تفقد أوضاع المتقاعدين في بيوتهم، لا سيما المرضى والمسنين العاجزين عن التنقل، وتشترك فيها هيئات الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد وصندوق التأمينات الاجتماعية، وغيرها، حيث ستتم معاينة ظروف المتقاعدين والذين يعانون إعاقات بينهم، وتوفير مساعدين اجتماعيين للتكفل بهم.

ويبلغ عدد المتقاعدين في الجزائر أكثر من 3.2 مليون متقاعد، لكن وزارة العمل والضمان الاجتماعي أكدت في بيان لها أن عملية انتقاء الفئات المستفيدة من خدمات المساعدة الاجتماعية في البيت، وكافة الخدمات التي يُتيحها هذا الجهاز الإنساني تتم بـ"الاستعانة بالبطاقة الوطنية للمتقاعدين المسجلين لدى مصالح الصندوق، حيث يتم استهدافهم على أساس معيار الحالة الصحية".

مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى المساواة

في السياق، دعا المجلس الجزائري لحقوق الإنسان إلى الانخراط في مواصلة الجهد من أجل تقديم الرعاية والحماية والتكفل بالجودة العالية للمسنين وتوفير سبل استفادتهم من الموارد التعليمية والثقافية والروحية والترفيهية، وكذلك استحداث تخصص في تكوين الأطباء المتخصصين في صحة المسنين، مشيراً إلى أنه في ظل تزايد عدد كبار السن القادرين على العطاء، "ندعو إلى توفير فرص المشاركة والمساهمة في تنمية المجتمع للراغبين منهم، وبخاصة نقل مهاراتهم وخبراتهم للجيل الصاعد".

كما اعتبر المجلس أنه من الضروري توفير كل الظروف التي تسمح للمسنين بممارسة والتمتع بصفة كاملة وغير منقوصة بالحقوق والحريات التي يوفرها الدستور والمعاهدات التي صادقت عليها الجزائر، وذلك على قدم المساواة مع باقي المواطنين من دون أي تمييز على أساس عنصر السن.

متقاعدو تونس يريدون التحرر من "الهامش"

وعلى الرغم من أن عدد المتقاعدين في تونس يبلغ حوالى مليون و250 ألفاً، فإن دورهم في المجتمع غير موجود تقريباً، إذ يرون بغالبيتهم أنهم يعيشون "على الهامش، ولا يشاركون في الشأن العام". في حين أكد مهتمون بأحوال هذه الفئة أنهم طاقات معطلة يجب على الدولة الاستفادة منها، وعدم تركها فريسة التعاسة والاكتئاب والتهميش.    

قال الكاتب العام لجمعية المتقاعدين في تونس العبيدي الشيحي إن "كبار السن يشعرون بأنهم على هامش المجتمع، ولا توجد استراتيجية واضحة لدى الدولة لإشراك الكفاءات المتقاعدة في الشأن العام"، مضيفاً أن "التقاعد هو بداية رحلة أخرى من الحياة تتميز بالحكمة بعد نهاية سنوات العمل الطويلة، لكن التونسيين يفتقدون ثقافة التقاعد، الذي يعتبرون أنه انتهاء لرحلة الحياة وترقّب الموت".

الشيحي أفاد بأنهم أسسوا الجمعية العامة للمتقاعدين قبل عام للعناية بالمتقاعد التونسي وترسيخ ثقافة التقاعد في بلادهم، ورأى أن "المتقاعد في تونس لا يفكر في نفسه من الجانب الترفيهي، كالسفر وغيره من الأنشطة الأخرى مثل الرياضة والفن وصقل المواهب"، لذا "على الدولة الاستفادة من خبرات حوالى مليون و250 ألف متقاعد في الشأن العام وعدم تركهم أسرى الهامش". 

طاقة بشرية

وتشهد تونس ارتفاعاً متواصلاً في نسبة كبار السن، ويُنتظر أن تتجاوز هذه الشريحة 17 في المئة من السكان في غضون عام 2029، وقرابة 30 في المئة عام 2034، كما ستعرف هذه الفئة العمرية تغيّراً وتطوّراً من حيث الكفاءات، باعتبارها طاقة بشرية ما زالت قادرة على البذل والعطاء والمساهمة الفاعلة في المسيرة التنموية. لكن لا توجد في تونس حتى الآن خطة للاستفادة من هؤلاء المتقاعدين، فوزارة المرأة والأسرة وكبار السن تهتم أكثر بالكبار من ذوي الحاجات الاجتماعية.

في هذا الإطار، وضعت الوزارة برنامج الإيداع العائلي، المتمثل في التكفل بمسنّين فاقدين للسند العائلي من قبل أُسر بديلة، بهدف تثبيتهم في محيطهم الطبيعي، عبر توفير وسط عائلي مناسب والحفاظ على توازنهم النفسي والعاطفي، بما يضمن استقرارهم الاجتماعي، إضافة إلى سلامتهم الصحية والبدنية.

وكانت وزيرة المرأة التونسية آمال بلحاج موسى، أعلنت أخيراً أن الوزارة ستتولّى تحويل الاعتمادات المالية إلى المندوبيات الجهوية خلال أبريل (نيسان) المقبل، عبر تنفيذ البرنامج الذي تُسند في إطاره الوزارة منحة شهرية لفائدة العائلة الكافلة لمسنّ فاقد للسند، بهدف مساعدتها في تلبية حاجاته الأساسية، علماً أن هذا البرنامج الوطني ينتفع من خلاله حالياً 120 مسنّاً، 78 في المئة منهم نساء، باعتمادات سنوية قدرها 150 ألف دولار.

وحرصاً على تشجيع العائلات التونسية على مزيد من الانخراط في برنامج الإيداع العائلي لكبار السن، قررت الوزارة رفع الطاقة الإجمالية لهذا البرنامج الوطني الاجتماعي، ليشمل 170 مسنّاً ومسنّة، موزعين على ولايات الجمهورية كافة.

واقع المسنين والمتقاعدين في المغرب

في المغرب، وعلى الرغم من وضعية المسنين والمتقاعدين المتفاوتة نظراً لوضعهم الاجتماعي، إلا أنها تبقى متدهورة بشكل عام، وذلك بالنظر لضعف التعويضات المادية للتقاعد من جهة، وإلى نسب الفقر والهشاشة التي تعاني منها أصلاً فئات كبيرة من المجتمع المغربي. ولازالت الصورة النمطية للمسنين والمتقاعدين المغاربة المجتمعين في الشارع على لعبة الداما، تعكس جانباً حقيقياً من واقع تلك الفئة التي تعاني من التهميش.

تزايد نسب الشيخوخة

وينبه مراقبون إلى تصاعد مهم لحجم الشيخوخة في المغرب في ظل غياب سياسات عامة، ما سيؤدي إلى تعقيد الوضع بعض بضعة عقود. ويوضح محمد رضوان، مدير نشر ورئيس تحرير صحيفة "صوت المتقاعد" المغربية، أن المؤشرات، كما هي حال عدد من الدول العربية، تؤكد أن المغرب مقبل على وضعية ديموغرافية غير مسبوقة، تتمثل في تنامي ظاهرة الشيخوخة، وذلك جراء زيادة أعداد المسنين بوتيرة متسارعة خصوصاً في السنوات الأخيرة، منبهاً إلى كون السياسات العمومية لا تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى الديموغرافي الجديد، الذي ستكون له تأثيرات اجتماعية واقتصادية لا ينبغي إغفالها، مضيفاً أن عدد المسنين كان يناهز قبل ثماني سنوات 3.2 مليون، وسيعرف ذلك العدد قفزة بنسبة 23.2  في المئة خلال العقود الثلاثة المقبلة، ليرتفع العدد إلى ما يزيد على 10 ملايين شخص مسن.

ويوضح رضوان أن "السياسات الحكومية المتعاقبة في المغرب تتجاهل أوضاع المسنين. والمغرب، كباقي الدول العربية، يعتمد في رعاية هذه الفئة من المواطنين على الدعم الذي تقدمه أسرهم لهم"، مشيراً إلى أن بعض المسنين يلجأون إلى دور الرعاية الاجتماعية، مضيفاً أنه "هكذا، وأمام محدودية الاهتمام الرسمي بهذه الشريحة الاجتماعية، يبرز دور الأسرة في كفالة هذه الفئة ومساعدتها في تلبية حاجياتها الاجتماعية والصحية والمالية، ذلك انسجاماً مع طبيعة القيم الدينية والثقافية المترسخة في المجتمعات العربية والمجتمع المغربي بالخصوص، على الرغم من انحسار بعض هذه القيم في ظل صعوبات الحياة التي باتت تعرفها كثير من الأسر".

فئات   

ويوضح محمد الزرموني نائب رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المتقاعدين والمسنين في المغرب، إلى وجود فئات مختلفة منهم في البلاد، قائلاً إن وضعية تلك الفئة في المغرب مرتبطة بحالتهم الاجتماعية والصحية، إن ظل بعضهم بصحة جيدة نوعاً ما فإنهم قد يتجهون للعمل، لكي يضيفوا مدخولاً مادياً إلى راتب المعاش ليعيلوا أنفسهم وعائلاتهم"، مضيفاً أن هناك منهم من يعوله أولاده سواء كان له دخل مادي أم لا، وهناك فئة أخرى تتجه للعمل في مجال المجتمع المدني، بالتالي يكون الفرد قد حافظ على نشاطه وعطائه داخل المجتمع، وذلك عبر وضع خبراته في خدمة الفعاليات المدنية.

من جانبه يشير محمد رضوان أن المتقاعدين في المغرب يشتكون في الغالب من حجم راتب المعاش، باعتبار أن فئة عريضة منهم يتلقون معاشات ضعيفة تشكل نسبة من حجم الأجر الذي كانوا يتقاضونه أثناء عملهم، وهذا الفرق يكون أحياناً كبيراً في بعض صناديق التقاعد، لافتاً في المقابل إلى وجود موظفين منخرطين في صناديق أخرى تظل رواتب معاشاتهم في مستوى قريب من رواتبهم الأصلية، بالتالي لا يشعرون كثيراً بتلك المعاناة.

ويخلص رضوان إلى أن النسبة العريضة جداً، التي قد تصل إلى 80 في المئة من المتقاعدين، تكون معاشاتهم منخفضة ولا تستجيب لمتطلبات الحياة الجديدة المرتبطة بالتقاعد، لا سيما وأن كثيراً منهم يجدون أنفسهم في مواجهة مشكلات صحية، خصوصاً أن البعض لا زالوا يعيلون أبناءهم، ومع ضعف راتب المعاش فإن وضعيتهم تلك تطرح مشكلات اجتماعية عدة. وأوضح أنه على غرار عديد من البلدان العربية، يتوجه الموظفون والعمال، بعد إحالتهم إلى التقاعد، إلى البحث عن فرص عمل من أجل تحسين مدخولهم، وذلك بهدف مواجهة تكاليف الحياة التي تظل ترافق عديداً من العمال والموظفين، قائلاً "كنا قد أطلقنا مبادرة لتوظيف مهارات وكفاءات وخبرات بعض المتقاعدين الذين يحتاجون إلى تحسين معاشهم، والاستفادة في المقابل من الخبرة التي يتمتعون بها بعد سنوات عملهم، وجدنا عدداً هائلاً من المتقاعدين المغاربة يراسلوننا ويبحثون عن عمل، وهذا يعطي صورة عن الوضعية المادية الضعيفة لمعظم المتقاعدين المغاربة".

نظرة المجتمع

وعلى غرار باقي الدول العربية، يسود في المغرب انطباع سلبي عن التقاعد، حيث يرى المجتمع في متقاعديه أناساً انتهت مدة صلاحيتهم بمجرد إحالتهم إلى المعاش. وفي هذا الإطار يقول رضوان "صورة المتقاعد في ذهنية المغاربة تظل سلبية، كما هي حال عامة المتقاعدين في المجتمعات العربية، التي يسود فيها تصور خاطئ عن مرحلة التقاعد باعتبارها مرحلة شبه نهائية للعمل وبذل الجهد للإسهام في خدمة المجتمع، وهو اعتقاد خاطئ لأن المتقاعد عندما يحال إلى المعاش تنتهي مهمته الرسمية الوظيفية، وليس دوره كفرد، مواطن، وفاعل في المجتمع"، مشيراً إلى أن تلك المرحلة تقترن أيضاً في كثير من مجتمعاتنا العربية، بالمشكلات المادية والنفسية والاجتماعية والصحية، ما يجعل المقبلين على التقاعد متخوفين من هذه التجربة الجديدة في حياتهم. ويخلص إلى أن "العوامل الذاتية للمتقاعد تلعب دوراً مهماً في التغلب على التأثيرات النفسية لهذا التصور السلبي المجتمعي عن تلك الفئة، فدرجة الوعي وأفق التفكير ومستوى التعليم ومحيط الحياة الإيجابي من العوامل التي تسهم في تجنب السقوط في تداعيات الحالة النفسية، القائمة على الأوهام أكثر مما هي واقعية أو موضوعية".

تهميش وإهمال

ويقول علي لطفي وهو رئيس إحدى المنظمات المدافعة عن حقوق المسنين، إن هذه الفئة تعاني تهميشاً وإهمالاً كبيرين، إذ إن واحداً من أصل خمسة فقط من الأشخاص المسنين يستفيدون من تغطية اجتماعية وطبية، وأن معظمهم يتعذر عليهم الولوج إلى العلاجات، كما أن أغلبهم يعانون هشاشة اجتماعية وسوء تغذية غالباً ما تؤدي إلى الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة، كما أن نسبة كبيرة منهم بحاجة لإجراء فحوص طبية بشكل دوري وتقديم العلاجات المطلوبة، لكنهم يصطدمون بعقبات وعراقيل في ولوج العلاج لعدم استفادتهم من التغطية الاجتماعية الأساس، كما أن المسنين في المغرب وقدماء المتقاعدين يحصلون على معاشات تقاعدية هزيلة، والوضع يتفاقم جراء السياسات التقشفية وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، حتى باتوا يشعرون بعدم الاهتمام بهم وإهمالهم، سواء من قبل الدولة أو المجتمع وأحياناً من الأسر، مما يجعلهم عرضة لكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية والبدنية.

وعلى الحكومة المغربية السير بالمقتضيات الدستورية لرعاية المسنين والحيلولة دون الوقوع في براثن الفقر، وتعميم الحماية الاجتماعية على جميع المسنين، وفق توجيهات السلطات في هذا الصدد لتشملهم الرعاية الاجتماعية والصحية الكاملة، وإحاطتهم بسياج الأمان والحماية الاجتماعية مع احتضان الفئات المسنة الأكثر حاجة والأولى بالرعاية، وبالتالي لا بد من مراجعة القوانين والتشريعات الخاصة بالمسنين والمتقاعدين، ووضع سياسة عمومية مندمجة في مجال حماية الأشخاص المسنين تقوم على احترام حقوقهم وصون كرامتهم، واستفادتهم من تسهيلات خاصة في النقل وفي ولوج العلاج المجاني ووسائل الترفيه وبرامج الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم المعرفية.

الأزمة الاقتصادية المتفاقمة تسحق المسنين في لبنان

أما في لبنان فيفتقد الإنسان المسن إلى كل تلك الأمور، والدولة لا تنظر ولا تهتم بالإنسان المسن الذي يمضي أيامه الأخيرة في دور العجزة التابعة للجمعيات الخيرية، باعتبار أن الدولة لا تهتم حتى بالمستشفيات الحكومية لأن هم الطبقة السياسية ينحصر في "المحاسيب" و"الشبيحة" لتسخيرهم في محاربة الخصوم أو في الانتخابات النيابية على اعتبار أن الإنسان المسن "بات من الماضي".

في هذا السياق، يرى وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني السابق بيار بوعاصي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه "لا يوجد استثمار كاف لطاقات المسنين، ولا حتى يوجد انخراط كاف من المسنين في العمل وداخل المجتمع، فانطلاقاً من تعريف المسن يجب أن يكون في سن التقاعد أي 64 سنة، ومع تطور العلوم أصبح هناك علاجات طبية أفضل وبالتالي أصبح الإنسان البالغ 64 سنة يعد في أوج طاقته وشبابه ولديه كثير ليعطيه لذاته وللمجتمع، والعمل ليس فقط من أجل تحقيق مردود مادي بل أيضاً من أجل تحقيق الذات"، لافتاً الى أنه "في أوروبا تستثمر شركات عدة في هؤلاء الأشخاص وطاقاتهم، إما كمستشارين أو كمدربين يعملون على نقل خبراتهم إلى الطاقات الجديدة اليافعة، وهؤلاء موجودون بكثرة داخل الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية".
وأضاف بو عاصي، "بالنسبة إلى المسنين الذين تجاوزوا سن التقاعد أو وصلوا إلى وضع لا يخولهم تأدية واجباتهم اليومية إما اجتماعياً أو مهنياً، فنرى أن معظم مجتمعاتنا العربية تحتضن المسن داخل العائلات وتحديداً في القرى والأرياف، لكن من ناحية أخرى فككت الثورات الصناعية الروابط العائلية، فمثلاً في أوروبا أصبح الفرد يعيش مع نفسه، ولكن هناك ظواهر أخرى في عالمنا العربي أدت إلى بقاء المسنين لوحدهم، بخاصة مع ازدياد هجرة الشباب كما هو حاصل في لبنان"، معتبراً أن "دار المسنين لا تزال غير محبذة كثيراً في عالمنا العربي، وفكرة الرعاية المنزلية لم تتطور عندنا بعد، ولكن تلك الأمكنة تبقى مكاناً أفضل بالنسبة إلى المسن أكثر من وجوده في بيته لوحده، وليس ضرورياً أن يكون مجهزاً من قبل الدولة بل من شركات خاصة. ويمكن في هذه الحال أن تزوره الشركة في بيته، إما مع طابع تمريضي أو من دون طابع تمريضي، في حال فضل أن يبقى في منزله حيث تكمن كل ذكرياته الوجدانية والعاطفية".

مشروع الوزارة

وعن عمل وزارة الشؤون الاجتماعية بوضع مشروع للمسنين أثناء تسلمه المسؤولية، أشار بوعاصي إلى أنه أرسى "معايير للمسنين بالشراكة مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية في الخدمة والتدريب والكفاءات والشهادات، وبناء على ذلك تتعاقد الدولة وتعطي الأذونات لدور المسنين ويكون لديها جزء من الغرف التي تؤخذ على عاتقها، وجزء آخر للأهل الذين يدفعون من حسابهم، ففي حال وجود 100 غرفة لدى الدار تكون الدولة قادرة على أن تغطي خمس غرف على حسابها".

ولفت إلى أنه "ستكون هناك رقابة دائمة، مرة في الشهر على الأقل، للتأكد من الالتزام بالنظافة والسلامة في تلك الدور تحت طائلة القانون".

"واحة الحياة"

من جهة أخرى، تحدث رئيس الجمعية الخيرية لطائفة الروم الكاثوليك في لبنان روجيه نسناس عن مشروع مركز "واحة الحياة" للرعاية الاستشفائية، وقال إنه "مركز نقاهة للمرضى المسنين الذين يعملون لخدمة المجتمع، حيث يحتوي على 135 سريراً ويعمل على تأمين النقاهة للمرضى بعد خروجهم من المستشفى وكل أرباح المستشفى تذهب إلى خدمة المسنين".

أما بالنسبة إلى الأوضاع التي يمر بها لبنان، فيلفت إلى أن "الدولة تحاول أن تعطي اهتمامها من خلال صندوق الضمان الاجتماعي وصناديق أخرى عدة، ولكن مع تدني سعر الليرة صارت الإمكانات محدودة، وقد سمعنا أخيراً بالبطاقة التمويلية ولكن نأمل بتنفيذها في ظل ازدياد نسبة الفقر والمأزق الاجتماعي الذي نعيشه وبخاصة المسنين"، منوهاً بـ "عمل الجمعيات غير الحكومية في تقديم المساعدات لتحسين أوضاع تلك الفئة".

من جهة أخرى، قال نسناس "عندما نتكلم عن المتقاعدين فهؤلاء لديهم خبرات طويلة في ممارسة العمل والتعامل مع المسنين من خلال مؤسسات القطاع الخاص، إذ يمكن الاستفادة منهم كمستشارين، ولكن نظراً إلى الحال الاجتماعية والإنسانية الصعبة، سواء على الصعيد التقاعدي أو الطبابي، فإن وضع المسنين صعب بالتأكيد، وبناء على ذلك تأتي أهمية الجمعيات الخيرية في الإسهام بتأمين العيش الكريم من ناحية الطبابة والاستشفاء".

بدورها، تشير المديرة التنفيذية لـ "واحة الحياة" سيدة نصار إلى أن "أهمية المشروع تكمن في العمل على تقديم رعاية عطوفة، وهذا ما نركز عليه. ونحن نسعى دائماً إلى نشر هذه الثقافة، فإن أحد أهم المعايير هو قياس رضا المرضى من خلال الاستبيانات ووصولاً إلى تحقيق حاجاتهم".

وأوضحت نصار أنه "لم يتم منح كبار السن والمتقاعدين حقوقهم التي يستحقونها في مجتمعنا، لا من الحكومة ولا من المؤسسات، فالأعمال غالباً ما تكون مبادرات فردية، إذ ليس لدينا برنامج رسمي يعتني بكبار السن، ولا يمكننا القول إننا نستبدل المجتمع ولكننا نطمح للوصول إلى تحقيق الربح لمساعدة المسنين في مجتمعنا بشكل أفضل".

المزيد من تحقيقات ومطولات